تبيان الصلاة المجلد 5

اشارة

نام كتاب: تبيان الصلاة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: بروجردى، آقا حسين طباطبايى

تاريخ وفات مؤلف: 1380 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 8

ناشر: گنج عرفان للطباعة و النشر

تاريخ نشر: 1426 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

شابك:- 51- 93362- 964

مقرر: گلپايگانى، على صافى

تاريخ وفات مقرر: 1430 ه ق

[المقصد الثاني]

فصل في أفعال الصّلاة

اشارة

و هي امور:

الأوّل: من افعال الصّلاة النية

اشارة

و الكلام فيها يقع في مواضع:

الموضع الاول:
اشارة

لا يخفي عليك أنّهم يعدون أوّل أفعال الصّلاة النية، و كما يظهر من عبائر بعضهم يريدون رضوان اللّه عليهم بالنية الإرادة، و يستدلون على اعتبارها فيها بقوله (لا عمل إلّا بالنية) و لكن من الواضح عدم لزوم التمسك على اعتبارها فيها بهذه الرواية و نظائرها، لعدم كون بيان اعتبارها لازما على الشرع، لأنّه بعد ما يحكم العقل بأنّ كل عنوان من العناوين لا يتحقّق في الخارج إلّا مع القصد، و تكون الصّلاة من العناوين القصدية، فلا بدّ من تحققها في الخارج من القصد حين إتيانها، و إلّا لا يتحقّق في الخارج فعلى هذا يكون حكم الشرع في مثل هذه الموارد من قبيل توضيح الواضحات.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 8

و على هذا نقول: بأنّ الكلام في القصد و اعتباره غير الكلام في اعتبار قصد التقرب، فنحن فعلا نكون في مقام بيان اعتبار أصل القصد، بمعنى: أنّ العناوين القصدية و منها الصّلاة لا تتحقق إلّا بالقصد، و أمّا كون صدور الفعل عن المكلف بعنوان قصد التقرب بمعنى: أن يصدر الفعل مع كونه واجدا للقصد، بعنوان التقريب فهو مطلب آخر يأتي الكلام فيه إنشاء اللّه.

[في ان العناوين القصدية لا تتحقّق فى الخارج الّا بالقصد]

فبعد كون كل فعل من الأفعال الّتي من العناوين القصدية لا إشكال في احتياج تحققه في الخارج إلى القصد، و السر في ذلك هو ما قلنا غير مرة و نقول لمزيد التوضيح و الفائدة: بأنّه بعد كون بعض الأفعال الواقعة في الخارج قابلا للانطباق على عنوانين أو عناوين مختلفة و أراد الشخص تحقق عنوان خاص و ايجاده في الخارج فلا بد من أن يقصد هذا العنوان، لأنّه مع كون العنوان عنوانا قصديا، فلا يتحقّق في الخارج إلّا بالقصد، مثلا ترى بأنّ القيام فعل

من الأفعال قابل للانطباق على عنوان التعظيم، و قابل لصيرورته منطبق عنوان التحقير و مصداقه، فإذا أراد الشخص عنوان التعظيم بالقيام فلا بدّ من أن يقصد بقيامه التعظيم لأنّ القيام يصير مصداقا للتعظيم إذا قصد القائم به التعظيم، و يصير مصداقا للتحقير إذا قصد القائم به عنوان التحقير و الاستهزاء مثلا.

فعلى هذا لا بدّ في صيرورة الفعل معنونا بأحد العناوين القصدية و مصداقه و منطبقه من القصد، و هذا واضح.

و لا فرق في ما قلنا بين كون العنوان القصدي من التعبديات أو من التوصليات، لأنّه في كليهما لا يتحقّق العنوان القصدي إلّا بالقصد، و في التوصليات و إن لم يتوقف حصولها في الخارج بقصد التقرب، و لكن كما قلنا ليس كلامنا فعلا في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 9

قصد التقرب بل في نفس القصد.

[لا فرق بين العبادات و المعاملات فى الاحتياج الى القصد]

كما أنّه لا فرق في ما قلنا بين العبادات و المعاملات، لأنّه في المعاملات يكون الأمر هكذا، فحيث يكون تحقق اعتبار البيع، أو الصلح، أو النكاح، أو غيرها موقوفا إلى القصد إلى وقوعها، و لهذا لا اعتبار بنفس (بعت) أو (صالحت) أو (أنكحت) مجردا عن القصد بحصول مضمونها في الخارج بهذه الالفاظ، لأنّها من الاعتبارات المتوقفة على القصد و من جملة العناوين القصدية، ففي تحقق كل عنوان يكون من العناوين القصدية يكون الاحتياج إلى القصد، و لا يصير الفعل الخارجي منطبق عنوان من العناوين القصدية إلّا مع قصد هذا العنوان.

فالميزان الكلي هو ملاحظة المعنونات، ففي كل جهة يكون المعنون تعنونه بعنوان الكذائي موقوفا إلى القصد، فمن الواضح عدم تحققه إلّا معه و تكون من هذا القبيل الصّلاة، و من هذا القبيل الصوم، فإنّهما من العناوين الّتي لا يتحقّق إلّا بالقصد، و

قوله (لا صيام لمن لا يثبت الصيام من الليل) إشارة إلى هذا، يعنى: لا يتحقق الصيام ممّن لا يقصد الصيام من الليل، و من هذا القبيل وفاء الدين فإنّ كانت ذمة أحد مشغولا مثلا بعشرين درهما، فما لم يقصد حين التسليم كون ذلك وفاء لدينه لا يكون وفاء لدين، لقابلية كون إعطاء عشرين دينار وفاء الدين، و قابل لأن يكون معنون أمر آخر، و كذلك لو نذر صوم يوم لجهة، و صوم يوم لجهة اخرى فبمجرد صوم يوم لا يعمل بنذره، لقابلية كون صوم هذا اليوم مصداقا لكلا العنوانين فحيث لم يقصد عنوان صوم المنذور إليه فلا يتحقّق في الخارج هذا العنوان بصرف صوم يوم أو يومين.

و على كل حال كلّ عنوان قصدي لا يتحقّق في الخارج إلّا مع القصد بهذا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 10

العنوان، فهذا المطلب الّذي أوردناه في المقام ليس منحصرا بباب الصّلاة، بل لا ينحصر في باب العبادات، بل يجرى في التوصليات أيضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم بأنّه كما قلنا من جملة العناوين القصدية الصّلاة، فإنّ صرف وقوع القيام و الذكر و الركوع و السجود و غيرها من الأجزاء و الشرائط لا يصير منطبق عنوان الصّلاة إلّا بالقصد، و لا يعنون هذه الأفعال و الأقوال بالصلاتية إلّا مع القصد بهذا العنوان، لأنّ الصّلاة من العناوين الاعتبارية الّتي لا تحقق في الخارج إلّا مع القصد.

[في ان جنس الصّلاة من العناوين القصدية]

فجنس الصّلاة من العناوين القصدية و كذلك بعض أنواع الصّلاة أيضا من جملة العناوين القصدية فلا تقع هذه الانواع إلّا مع القصد بها، و من جملة هذه الأنواع الظهرية و العصرية و المغربية و العشائية و الفجرية، لأنّ هذه العناوين ممّا لا تتحقق في الخارج إلّا بالقصد

و ليست من الامور الّتي تتحقق في الخارج على أيّ وجه اتفق بحيث لو لم يقصد أحد هذه العناوين يصير ما صلّى أوّلا ظهرا، ثمّ العصر، ثمّ المغرب ثمّ العشاء، ثمّ الفجر.

و الشاهد ما ترى في بعض الروايات الواردة في باب العدول من العصر إلى الظهر إذا وقع العصر قبله غفلة، فإنّ كان عنوان الظهرية و أخواتها غير محتاج في التحقق إلى القصد، فلم يكن احتياج إلى العدول من العصر إلى الظهر، بل ما وقع أوّلا وقع ظهرا بنفسه، فهذا دليل على كونها من العناوين القصدية (و لا تقل: بأنّ قصد العصرية مانع من صيرورة ما وقع ظهرا إلّا إذا قصد العدول بنيته من العصر إلى الظهر و إلّا نلتزم بوقوعه ظهرا و لو لم يقصد العدول.

لأنّا نقول: إن لم يكن عنوان الظهرية و العصرية عنوانا قصديا فبقصد الخلاف

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 11

لا ينقلب عما هي عليهما، بل لا بد من وقوع أوّل صلاة يصلّيها بعد الزوال ظهرا، لأنّه بعد كون مجرد أربع ركعات يكون منطبق عنوان الظهر بلا دخل قصد عنوان الظهرية، فلا بدّ من كون أربع ركعات صلّيها المكلف أوّلا منطبق الظهر و إن قصد الخلاف).

[في ان من العناوين القصدية الفريضة و النفلية]

و كذلك من جملة الخصوصيات المحتاجة تحققها بالقصد هي خصوصية النفلية و الفرضية، و اعلم أنّ النفلية تارة تستفاد من نحوة تعلق الأمر بأن يكون الأمر المتعلق بها استحبابيا، و من أجل هذا نكشف النفلية و تارة يكشف كون صلاة نفلا قبل تعلق الأمر، فإنّ أشكل في كون القسم الأوّل من العناوين القصدية فلا وجه للإشكال في القسم الثاني في كونه من العناوين القصدية مثل نافلة الصبح، فعلى هذا بعد كون نافلة الصبح، و فريضة

الصبح مطلوبتين في ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس مثلا، فلا بدّ في مقام الاتيان بكل منهما من قصد عنوانه أعنى: عنوان النفل و الفرض.

و الشاهد على كون خصوصية النفل و الفرض في نافلة الصبح و فريضته، من الخصوصيات المتوقفة إيجادها إلى القصد، هو أنّه إن لم يكونا من العناوين القصدية، بل تتحققان بلا قصد، فبعد كون المصلحة في أحدهما غير ملزمة على الفرض لكونها نفلا، و في الآخر ملزمة لكونها فرضا، فإنّ أتى المكلف بركعتين بعد طلوع الفجر، فلا بد من كونه فريضة و صيرورته منطبق عنوان الفرض، لأنّه بعد عدم كون لون خاص في الفرضية و غير معتبر فيه القصد، و فرض كون مطلوب المولى ركعتين ذي مصلحة ملزمة و ركعتين غير ملزمة، و على الفرض اتى المكلف بركعتين، فلا بدّ من كون ركعتين منطبق الفريضة و صيرورتهما مصداق الطبيعة الّتي مطلوبة بالطلب

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 12

الالزامي، لأنّه بناء على هذا لم يكن المطلوب الالزامي إلّا ركعتين بلا قصد إلى عنوانه، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام بذلك، بل لا بد من إتيان فريضة الصبح مع القصد.

[في انّ خصوصيّة الادائية و القضائية من العناوين القصدية]

و من جملة الخصوصيات الّتي تحتاج إلى القصد هي خصوصية الأدائية و القضائية، لأنّ صلاة القضاء نوع من الصّلاة و الأداء نوع آخر، و لا تصير صلاة المأتي بها في الخارج منطبق أحدهما بالقصد.

و بعبارة اخرى الصّلاة الواقعة في الوقت نوع من الصّلاة و الصّلاة، الواقعة في خارج الوقت نوع آخر، فإذا أراد الشخص أن يأتي بما يعنون بعنوان الأداء أو القضاء، فلا بدّ من أن يقصد أىّ منهما أراد إتيانها.

إن قلت: إنّا نرى بأنّه إن كان على ذمة الشخص صلاة أدائية فقط

مثلا صلاة الظهر، و صلاة ظهر قضائية فقط مثلا، فإنّ أتى بهما بقصد الظهر فقط، بدون قصد الأداء في أحدهما و القضاء في الآخر، تقع ما وقعت الظهر الأدائي و الظهر القضائى، و الحال أنّه على ما قلت لا بد في وقوعهما مصداق الظهر الأدائي و القضائى من قصد الأدائية في أحدهما، و القضائية في الآخر.

نقول: إن صحّ في المورد الّذي فرضت، فهو من باب الانطباق القهري، بل يمكن أن يقال: بأنّ في مثل ما فرضت يكون القصد بالعنوانين في مقام الاتيان مرتكزا في ذهنه، لأنّه قصد الظهر المطلوب منه فعلا و يكون قصد الظهر عنوانا مشيرا إلى أحد العنوانين.

فظهر لك ممّا مرّ أنّ أصل جنس الصّلاة من العناوين الّتي يكون تحققها في الخارج محتاجا إلى القصد، كما أنّ كل نوع من أنواعها أيضا بعنوان كون الخارج

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 13

منطبق أحد أنواعه في قبال ساير الأنواع يكون محتاجا إلى القصد، و أمّا إذا كانا فردين من نوع واحد من الصّلاة، فلا تكون خصوصية الفردية موقوفة على القصد مثلا صلاة الظهر نوع من الصّلاة، و لهذا النوع أفراد فلا يحتاج في صيرورة أربع ركعات مصداقا للظهر، بعد قصد الظهرية و الأدائية، إلى القصد إلى فرد من أفراده،

[في ان القصر و الاتمام ليسا من الخصوصيات النوعية]

فعلى هذا نقول: ليس القصر و الاتمام من جملة الخصوصيات المتوقفة حصولهما في الخارج على القصد، لأنّهما ليسا من الخصوصيات النوعية، بل هما فردان من نوع واحد، لأنّ صلاة الظهر و العصر و العشاء لها فردان، فرد لا بد من إتيانه أربع ركعات و فرد لا بد من إتيانه ركعتين، فإذا أتى المكلف بالظهر، و قصد الظهر، و كون هذا الظهر الظهر الأدائي، فإنّ أتمها على

ركعتين تعدّ هذه صلاة قصرية، و أن سلّم على أربع ركعات تعدّ إتمامية بدون احتياج في ذلك إلى تعلق قصد بأحدهما.

فلهذا في مواضع التخيير لو قصد الظهر فقط و لم يقصد إتيانها ركعتين أو أربع ركعات، فإذا فرغ من التشهّد الأوّل و بنى على أن يسلّم تصح صلاته و إن لم يقصد القصر، و كذلك لو أتى بأربع ركعات فأتمّ صلاته صحت صلاته و إن لم يقصد الاتمام.

[الحقّ عدم اعتبار قصد الامامة في صيرورته صحيحة]

هذا كله في خصوصية القصر و الاتمام، أمّا الكلام في الجماعة و الفرادى، فأعلم أنّه على ما اخترنا ليست خصوصية كون الصّلاة فرادى من العناوين القصدية، فمن يصلّي صلاته فردى تكون صلاته فرادى و إن لم يلتفت بكونها فرادى، و أمّا الجماعة فهل تكون محتاجة إلى القصد بحيث لو لم يقصد الجماعة تكون صلاته باطلة أم لا؟

الحق التفصيل بين الامام و المأموم، أمّا الامام فالحق عدم اعتبار قصد الامامة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 14

في صيرورة صلاته صحيحة و لا في ترتب آثار الجماعة على صلاته، لأنّه يكفي في ترتب الثواب صرف علمه بأنّه يقتدى به و إن لم يقصد ذلك، و على كل حال ليست صحة صلاته موقوفة على قصد الامامة مسلما خلافا لأبي حنيفة حيث قال: بدخالة قصد الامامة في صحة صلاة الإمام.

و أمّا المأموم فصيرورة صلاته جماعة محتاجة إلى قصد الاقتداء، لأنّ الجماعة و الفرادى و ان كانتا فردين من نوع واحد، لأنّ طبيعة الصّلاة لها فردان: الجماعة و الفرادى، و أنّ الفرادى لا تحتاج إلى القصد، و لكن حيث تكون للجماعة خصوصية زائدة، فصيرورة الصّلاة متخصصة بتلك الخصوصية تحتاج إلى القصد، فإن قصد المصلّي، الجماعة تصير صلاته جماعة، و لكن الفرادى غير محتاجة

إلى القصد، بل يكفي في تحققها صرف القصد إلى نوع الصّلاة، فبمجرد عدم قصد الجماعة تصير فرادى، لكن لو لم يقصد المأموم الجماعة و أخلّ بوظائف الفرادى، فلا تصح صلاته و أمّا لو أتى بوظائف الفرادى فصلاته صحيحة و لو لم يقصد الفرادى، لعدم احتياج هذا الحيث إلى القصد.

[في جواز نقل النيّة من الجماعة الى الفرادى]
اشارة

إذا بلغ الأمر إلى هذا المقام نعطف عنان الكلام إلى جهة تكون مورد البحث و الكلام، و هي ما قالوا: إنّه هل يصح العدول من الجماعة إلى الفرادى أم لا؟

و كذلك هل يصحّ العدول من الفرادى إلى الجماعة أم لا؟

أما الكلام في الأوّل- أعنى: في جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى و عدمه- فنقول: إنا إذا تتبعنا في كلمات القدماء رضوان اللّه عليهم لم نر تعرضا لهذه المسألة بنحو الاطلاق، و ما يوجد في كلماتهم هو التعرض لخصوص بعض الموارد المنصوصة مثل تسليم المأموم قبل الامام، أو استخلاف بعض المأمومين، أو الامام

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 15

بعضا آخر في صورة حدوث حدث للامام، و أمّا جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى فلا تعرض له في كلماتهم إلى ما قبل الشّيخ رحمه اللّه.

نعم أوّل من يرى تعرض للمسألة الشيخ رحمه اللّه «1» في الخلاف و المبسوط، فقال في الخلاف: بجواز ذلك للأصل، و مراده من الأصل هو أصالة الاباحة، و قال في موضع من المبسوط: بالجواز في خصوص صورة العذر «2» ثمّ بعد الشّيخ رحمه اللّه يرى التعرض للمسألة من المحقق رحمه اللّه و العلّامة رحمه اللّه و غيرهما، و الغرض من ذكر ذلك هو أنّه لا وجه للاستدلال بالاجماع في هذه المسألة، و لا يمكن التعويل بكلام الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف في مقام

الاستدلال على الجواز بالاجماع و أخبارهم، و الالتزام بالجواز، بأن يقال:

إنّ قول الشّيخ رحمه اللّه شاهد على وجود نصّ في المسألة، لأنّه بعد ما قال الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف (دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم) قال: بأنّا ذكرنا أخباره في كتابنا الكبير، يعني: به التهذيب، و إذا راجعنا الكتاب لم نجد فيه رواية تدلّ على جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى إلّا بعض الروايات الواردة في باب الاستخلاف إذا عرض للامام عارض، فإن فهمنا من هذه الأخبار هذا الحكم فهو، و إلّا فلا، فليس في البين احتمال وجود نصّ آخر وصل بيد الشّيخ رحمه اللّه و لم يصل إلينا، فلا يعوّل بكلامه، فعلى هذا لا مجال لدعوى الاجماع في المسألة.

إذا عرفت ذلك فهل نقول: بجواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى كما قال به بعض، أو نقول بعدمه كما قال به بعض، أو نقول: بالجواز في صورة وجود العذر و عدمه مع عدم العذر كما قال به بعض (أو نقول: بالجواز إذا لم يكن من قصد المأموم

______________________________

(1) الخلاف، ج 1، ص 552.

(2) المبسوط، ج 1، ص 157.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 16

الانفراد من أوّل الشروع في الصّلاة، و بعدم الجواز إذا كان قاصدا لذلك من أوّل الشروع كما قال به بعض).

[في ذكر وجوه جواز هذا المورد]

أمّا القائلين بالجواز فذكروا وجوها:

الوجه الأوّل: و هو ما يظهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه، الأصل و المراد به أصالة الاباحة، بمعنى إباحة نقل النية من الجماعة إلى الفرادى (و المراد إن كان الاباحة التكليفية فمراده مشروعية ذلك و عدم حرمته، و إن كان الاباحة الوضعية فمعناها عدم شرطية كون الصّلاة جماعة من أوّلها إلى آخرها).

الوجه الثاني: و هو ما استدل به

المحقق في المعتبر «1» هو أنّ الجماعة تجب ابتداء فلا تجب استدامة لعدم وجوبها بالشروع.

الوجه الثالث: أنّ بالاقتداء استدرك المأموم فضيلة الجماعة، فنية الفرادى يذهب من يده هذه الفضيلة فقط، لا أنّها تبطل صلاته (و يمكن أن يكون وجه ذلك هو أنّ الجماعة وصف لمصداق الصّلاة غير مقوم لماهية الصّلاة، و لذا ليست معتبرة فيها فإبطالها بعدم استدامة نيتها لا يوجب إبطال أصل الصّلاة).

الوجه الرابع: استصحاب جواز الانفراد، فكما كان من الجائز أن يصلّي فرادى قبل الشروع في الصّلاة و قبل نيته الجماعة، كذلك يجوز له بعد ذلك.

الوجه الخامس: التمسك ببعض الموارد الخاصّة الواردة في الروايات من جواز نقل الشخص نيته من الجماعة إلى الفرادى مثل بعض الروايات الواردة في

______________________________

(1)- معتبر، ج 2، ص 448.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 17

جواز التسليم قبل الامام، و مثل بعض ما ورد في باب الاستخلاف، و مثل ما ورد «1» في صلاة ذات الرقاع، و رواية «2» معاذ ذكرهما في التذكرة وردت في طرق العامّة.

[في ذكر وجوه عدم جواز هذا المورد]

و يظهر من كلمات القائلين بعدم جواز ذلك وجوه:

أحدها: أنّه إذا دخل في الصّلاة و نوى الجماعة، ففي الاثناء لا يؤثر قصد الانفراد.

ثانيها: أنّ بقاء نية الاقتداء واجب بالوجوب التكليفي، فإذا كان ذلك واجبا فيحرم قصد الانفراد (لأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده) أو يقال: بأنّ قصد الفرادى حرام بالحرمة التكليفية، فإذا كان حراما فبقية الصّلاة الّتي يأتي بها بقصد الانفراد يصير محرّما، لأنّ النهي في العبادة يقتضي الفساد.

ثالثها: دعوى حرمة الوضعية بمعنى عدم مشروعية صلاة تكون بعضها جماعة و بعضها فرادى.

رابعها: أنّ الاخلال بوظيفة الفرادى من قبيل ترك القراءة أو زيادة الركوع أو السجود لا يجوز إلّا مع كون الصّلاة بتمامها

جماعة.

إذا عرفت استدلالات الطرفين يظهر لك أنّ كل دليل من الأدلّة المجوزين ناظر إلى دليل من أدلّة المانعين، فالاستدلال بأصالة الاباحة مثلا يكون في قبال دعوى الوجوب التكليفي في الاقتداء، أو كون قصد الفرادى حراما تكليفا، و ما في

______________________________

(1)- صحيح بخارى، ج 5، ص 63، ح 4129.

(2)- الرواية 4 من الباب 69 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 18

الجواهر «1» من وجود صلاة ملفقة من الجماعة و الفرادى كما في اقتداء الحاضر بالمسافر، و غير ذلك من الاستخلاف و غيره، ناظر إلى رد ما ادعى النراقي «2» من عدم مشروعية ذلك.

[في ان ادلّة القائلين بعدم الجواز ليس بسديد]

و كيف كان فاعلم أنّ الوجوه الّتي ذكر لعدم الجواز فالأوّل منها ليس بوجيه، لأنّ ما قيل من أن قصد الانفراد لا يؤثر إن كان المراد أنّ بعد قصد الانفراد أيضا تكون الصّلاة جماعة و إن قصد الشخص الفرادى، فهو فاسد، لأنّ قصد الجماعة معتبر في جميع حالات الصّلاة، و لا يكتفي بمجرد القصد في أوّل الصّلاة إن لم تبق استدامة الحكمية للزوم بقاء النية إلى آخر العمل و إن كان غرضه أنّ قصد الانفراد غير مؤثر في بطلان صلاة الجماعة، فهو يتم إن لم نقل بمشروعية الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى، و يأتي الكلام في ذلك إنشاء اللّه.

و أمّا الوجه الثاني فكذلك لا وجه له لعدم دليل على حرمة قصد الفرادى حرمة تكليفة و وجوب بقاء نية الجماعة، لعدم دليل عليه إلّا حرمة التشريع، و هي متفرعة على إثبات عدم المشروعية.

و كذا الوجه الرابع لا يصلح للاستدلال به على الجواز إلا إذا ثبت عدم مشروعية الصّلاة المركبة من الجماعة و الفرادى، و إلّا إن ثبت ذلك، فيقال:

بأنّ الاخلال بوظيفة المنفرد جائز في المقدار الّذي تكون الصّلاة جماعة، و لا وجه لدعوى أنّ القدر المتيقن من اغتفار الاخلال بوظيفة الفرادى، هو في صلاة تقع كلها جماعة، لأنّ ذلك فرع عدم مشروعية الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى.

______________________________

(1)- جواهر، ج 14، ص 26.

(2)- مستند، ج 8، ص 163.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 19

فلا يبقى من الوجوه إلّا الوجه الثالث، و هو أنّ الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى بمعنى كون بعضها جماعة و بعضها فرادى، و بعبارة اخرى نقل نية الجماعة إلى الفرادى يكون غير مشروع بمعنى فساد تلك الصّلاة، فلا بدّ من أن نتكلم في أنّ تلك الصّلاة هل هي مشروعة أم لا؟

و ما يأتي بالنظر هو أنّه إن قلنا: بأنّ الجماعة وصف للصّلاة لا وصف كل جزء جزء من أجزائها، فلا إشكال في عدم المشروعية، لعدم كون الصّلاة جماعة لوقوع بعضها في غير الجماعة، و إن قلنا: بأنّ الجماعة وصف لأبعاض الصّلاة بمعنى كونها وصفا لكلّ جزء جزء من أجزائها، فكل جزء يقبل لأنّ يصير جماعة و قابل لأنّ يصير فرادى، فإنّ قصد مثلا بالتكبير و القراءة الجماعة فتصير الصّلاة في هذا المقدار جماعة و يصل الشخص بهذا المقدار بثواب الجماعة، و إن قصد بعد ذلك الفرادى فأتى بركوعها و سجودها بغير نية الجماعة، فصلاته مركبة من الجماعة و الفرادى باعتبار وقوع بعضها بينة الجماعة، و بعضها بغير هذه النية، فإنّ كان الأمر كذلك، فلا بدّ من أن يقال: بمشروعية ذلك، غاية الأمر كما قلنا في كل جزء يأتى بنية الجماعة يترتب ثواب الجماعة فقط، و في غيره لا يترتب ثوابها.

[في ان الجماعة وصف للصّلاة لا للاجزاء]

فالكلام لا بدّ من أن يقع أوّلا في أنّ الجماعة

وصف للصّلاة، أو للاجزاء، و ثانيا في أنّه لو شككنا في كونها وصفا لأىّ منهما، فما هو مقتضى الأصل في مورد الشك.

أمّا الكلام في الجهة الاولى فنقول: لا يبعد دعوى كون الجماعة وصفا للصّلاة، كما يظهر من بعض الروايات الواردة في الباب المستفاد منه أنّ ثواب صلاة الجماعة كذا و كذا، فهذا شاهد على أنّ الجماعة وصف للصّلاة للاجزاء، فإذا كان كذلك من

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 20

الالتزام بمشروعية صلاة تكون كلها جماعة فقط لعدم مشروعية نحو آخر (و لو شك في كون الجماعة وصفا للأجزاء، أو للصّلاة، فيشك في مشروعية الصّلاة الملفقة، و الأصل عدم مشروعيتها).

و أمّا ما ترى في كلماتهم من التمسك بموارد جوّز فيها نقل نية الجماعة إلى الفرادى، مثل اقتداء الحاضر بالمسافر، فإنّ الامام المسافر بعد ما يتمّ على ركعتين فتصير صلاة المأموم الحاضر بالنسبة إلى الركعتين الباقيتين فرادى، و الحال أنّه لا إشكال في صحة ذلك، و مثل مورد الاستخلاف، فإذا عرض للامام عارض لا يمكن معه إتمام الصّلاة، فيستخلف الامام أو بعض المأمومين شخصا، و يتمون ما بقي من صلاتهم به، و هذا منصوص.

فيستفاد من ذلك جواز الصّلاة الملفقة، لأنّ بذهاب إمام الأوّل تصير صلاة المأمومين فرادى، كما يستفاد ذلك من الرواية 1 من الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل، و هي ما رواها علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن الامام أحدث فانصرف و لم يقدّم أحدا، ما حال القوم؟ قال: لا صلاة لهم إلّا بامام، فليقدم بعضهم، فليتم بهم ما بقي منها و قد تمت صلاتهم) و غيرها.

و مثل ما ورد في جواز أن يسلّم المأموم قبل الامام في

صورة العذر، و هي ما رواها عبيد اللّه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يكون خلف الامام، فيطيل الامام التشهد، قال: يسلّم من خلفه و يمضى في حاجته إن أحبّ). «1»

[في ذكر مورد صيرورة الجماعة فرادى]

و لا إشكال في أنّ المأموم بتقدمه على الامام في السّلام تصير صلاته فرادى.

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 1 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 21

و مثل ما ورد في كيفية صلاة الخوف، فارجع بعض أخبار الراجعة إليها في الباب 2 من أبواب صلاة الخوف من الوسائل، يستفاد منه بأنّه مثلا في المغرب يقتدى طائفة من أهل الحرب بالامام في الركعة الاولى، ثمّ في الركعة الثانية يتمّون صلاتهم بأنفسهم، و يصبر الامام في الركعة الثانية حتّى يذهب هذه الطائفة بإزاء العدو، فتأتي طائفة اخرى كانوا بإزاء العدو، فيقتدون به و تكونون مع الامام في ركعتين، ثمّ يجلس الامام و يصبر حتّى يصلون هذه الطائفة الركعة الباقية من صلاتهم، فيسلّم عليهم فصلاة الطائفة الاولى في غير ركعة الاولى و الطائفة الثانية في غير الركعتين الأوّلتين من صلاتهم تكون فرادى، فهذا دليل على جواز نقل نيّة الجماعة إلى الفرادى.

هذا كلّه موارد توهّم فيها نقل نية الجماعة إلى الفرادى، فقالوا: بأنّا من صيرورة الجماعة فرادى في هذه الموارد نكشف جواز الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى و مشروعيتها.

و لكن نقول: أمّا أوّلا في اقتداء الحاضر بالمسافر و الاستخلاف بأنّه كما يظهر من مطاوى كلماتنا، تكون صلاة الجماعة و حقيقة الاقتداء جعل الصّلاة مرتبطة بصلوة الامام و تابعة لها متى يمكن، و بعبارة اخرى متى يمكن حفظ الارتباط و جعل صلاته متعلقة و تابعة لصلاة الامام، يجعلها تابعة و مربوطة بها و

على هذا قلنا: بأنّ بعد كون المرتكز من حقيقة الاقتداء هذا، فما دام يكون الامام مشتغلا بالصّلاة و يمكن للمأموم المتابعة يلزم ذلك حتّى تحفظ القدوة، و الّا فلو رفع اليد فلا يعد اقتداء.

فعلى هذا نقول: بأنّه في الموردين بعد كون صلاة الامام ركعتين لكونه مسافرا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 22

فيتم صلاته، فلا يمكن بعده للمأموم حفظ الربط و التبعية، و في مورد الاستخلاف مع طروّ عارض للامام لا يمكن للمأموم بقاء القدوة و ارتباط صلاتها بصلاته، فالموردان غير مربوطين بما نحن فيه، و هو قصد الانفراد مع إمكان أن يجعل تتمة صلاته تابعة و مرتبطة بصلوة الامام و تبقى القدوة و المتابعة.

و أمّا ثانيا في خصوص رواية المجوزة لتقديم سلام المأموم على الامام، و خصوص ما ورد في صلاة الخوف، كرواية الواردة في نقل غزوة ذات الرقاع، بأنّه يحتمل عدم صيرورة صلاة المأموم فرادى فيها، بأن يقال: بعد كون حقيقة صلاة الجماعة، و حقيقة الاقتداء جعل صلاة المأموم مرتبطة بصلوة الامام، و لازم ذلك كون صلاة المأموم و الامام في زمان واحد و في مكان واحد، و لهذا يعتبر عدم بعد المكاني بينهما، و الشارع جعل لهذا القسم من الصّلاة، أى: صلاة الجماعة، آدابا و شرائط و من جملة شرائطها متابعة المأموم للامام في الأفعال، بمعنى: أن يأتي بأفعال الصّلاة بعد الإمام و لا يتقدم عليه في ذلك، و هذا من شرائط الجماعة، فللشارع بحسب ما يرى من المصالح أن يعتبر هذا الشرط مطلقا، أو يرفع اليد عنه في بعض الموارد، فلا يكون عدم هذا مضرا في تحقق الجماعة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ توهّم كون الموردين المذكورين من صغريات الفرادى، ليس إلّا من

باب ما يرى من حكم الامام عليه السّلام بتقديم المأموم سلامه على سلام الامام، و الحال أنّه لا بدّ من إتيانه بعده بناء على اشتراط تأخر سلامه عن سلام الامام، أو في صلاة الخوف جوّز عليه السّلام على الطائفة الاولى الاتيان بركعتين مقدمتين على ركعتي الامام، و جوّز انفكاك الطائفة الثانية عن الامام و إتيانها الركعة، و الحكم بتقديم المأموم على الامام في الموردين شاهد على صيرورة صلاتهما فرادى.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 23

[لا وجه لكون المورد من باب صيرورة الجماعة فرادى]

و لكن بعد ما قلنا: من أنّ المتابعة من شرائط الجماعة، فيحتمل أن يكون جواز التقديم من باب الغاء شرطية المتابعة في الموردين، و صرف ذلك الاحتمال كاف في عدم كون صلاة المأموم فرادى في الموردين، لأنّ منشأ توهّم صيرورتهما فرادى ليس إلا من باب توهّم عدم إمكان كون صلاة المأموم في الموردين جماعة، و لكن بناء على ما قلنا يمكن ذلك، فلا وجه للحكم بكون الموردين من صغريات صيرورة الصّلاة فرادى ثمّ التمسك بها للجواز، لقابلية بقاء القدوة كما قلنا في المورد الأوّل، و هو تقديم السلام، غاية الأمر جوّز على المأموم تقديمه لدى الضرورة و الحاجة، فهو ما دام مشغولا في الصّلاة مقتد و في الجماعة، و إذا سلّم لم يبق مورد لأنّ تكون صلاته جماعة، و كذلك في المورد الثاني فيمكن كون الطائفة الاولى و كذا الثانية في الجماعة و إن قدمتا في بعض الأفعال على الامام، لأنّ المتابعة في الأفعال شرط من شرائط الجماعة، و الشارع رفع اليد عن هذا الشرط، فتبقى القدوة و الجماعة.

و الشاهد على بقاء الجماعة في صلاة الخوف هو التصريح في بعض رواياتها بأنّه يسلم عليهم- يعنى: يسلّم الامام على الطائفة الثانية، مع

انفكاكهم عنه بعد رفع الرأس من السجود من الركعة الاخيرة من الامام، و إتيانهم بركعة مستقلة، فهم مع ذلك في الجماعة، و لهذا كما صرح في الرواية يصبر الإمام و يجلس حتّى يتمون هذه الطائفة صلاتهم، ثمّ يسلّم الامام عليهم، فظهر لك أنّ كون الموردين من صغريات نقل نية الجماعة إلى الفرادى غير معلوم أصلا. «1»

______________________________

(1) أقول: قال أخي حفظه اللّه به مد ظله: بأنّ بعض الروايات الواردة في صلاة الخوف مصرحة بصيرورة صلاة الطائفة الاولى و الثانية في المقدار الّذي يتخلفون من متابعة الامام

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 24

[الحكم بالجواز فى الموارد الثلاثة تعبدى]

و ثالثا بأنّه و لو فرض تجويز الفرادى في هذه الموارد، و لكن هذا حكم تعبدى في مورده، فلا وجه للتعدي عنها إلى غيرها.

نعم قد يقال: إنّ دعوى الشّيخ رحمه اللّه أصالة الاباحة مستبعد، مع كون عمل المتشرعة على خلاف ذلك، فهو يؤيد عدم كون وجه ظاهر لعدم الجواز و عدم منع خارجا عند المتشرعة، و إلّا لو كان قصد الانفراد عمل مشكوك مشروعيته، و لم يكن أثر منه عند المتشرعة، فكيف يلتزم الشّيخ رحمه اللّه، و هو رئيس المذهب في عصره،

______________________________

فرادى، مثل الرواية 2 من الباب 2 من أبواب صلاة الخوف من الوسائل، و هي قوله فيها (فتمت للامام ثلاث ركعات، و للأوّلين ركعتان في جماعة، و للآخرين واحدة، و كذا في رواية 8 من باب المذكور.

فعنون مد ظله الاختلاف الواقع في صلاة الخوف في أنّ الامام إذا أتى بركعات صلاته، يجلس و يتشهد و يسلّم و ينصرف، و لا ينتظر حتّى تتمّ الطائفة الثانية ما بقى من صلاتهم و يصلون فيسلّم عليهم، أو يصبر حتّى تصلون و يسلّم الامام عليهم.

و الأوّل ما ذهب

إليه ابو ليلى من العامة، و أمّا قول الثاني فهو على ما ادعى في الخلاف يكون قول أصحابنا و إجماعهم على ذلك (فارجع الخلاف).

فعلى هذا نقول: إنّ بعض الروايات الواردة في كيفية صلاة الخوف موافق مع قول الأوّل الظاهر منه صيرورة صلاة المأمومين في المقدار الّذي لا يتبعون الامام فرادى، و بعضها مع القول الثاني، فارجع الباب الثاني من أبواب صلاة الخوف من الوسائل، فيقع التعارض بين الروايات الدالّة على القول الأوّل و بين الاخر الدالّة على القول الثاني، و حيث لا يمكن الجمع بينهما في الدلالة، فلا بدّ من الأخذ بما فيه المرجح، و الترجيح مع الطائفة الموافقة مع القول الثاني، لدعوى الشيخ رحمه اللّه الظاهر منها كون الشهرة الفتوائية على طبقها.

فكأنّ نظره الشريف من بيان تلك المسألة المختلفة فيها، هو أنّ بعض الروايات المتوهمة ظهورها في كون بعض صلاة الطائفتين فرادى لاشتمالها على ما لا يمكن الالتزام به، و هو جواز تسليم الامام قبل أن تصلّي الطائفة الثانية به، لا يعتني به من هذا الحيث أيضا، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 25

بالجواز.

و لكن لا يخفي عليك أنّ ذلك ليس إلا صرف استبعاد، نعم يمكن أن يقال: إنّ قول الشّيخ رحمه اللّه بالجواز شاهد على عدم وجود سيرة من المتشرعة على عدم الجواز، و لا يدلّ على أزيد من هذا، بل يمكن كون المسألة خلافية لا سيرة على أحد طرفيها، فالشيخ رحمه اللّه ذهب إلى أحد طرفي المسألة لعدم وجود ما يوجب عدم الجواز بنظره الشريف فأفتى بالجواز للأصل، فافهم.

إذا عرفت ذلك كله يظهر لك أن الفتوى بالجواز مشكل، و لهذا قلنا بالاحتياط، مع أنّا راجعنا المسألة غير مرة و واقفنا على أطرافها

بتمامها.

و قد يستدل لعدم مشروعية قصد الانفراد بالرواية الّتي ذكرناها سابقا عند التكلم في ذكر موارد يرى في كلماتهم من التمسك بهذه الموارد. «1»

وجه الاستدلال هو أنّ علي بن جعفر سئل عن موسى بن جعفر عليه السّلام في مورد أحدث الامام، فانصرف و لم يقدم القوم أحدا ما حال القوم؟ قال: (لا صلاة لهم إلّا بامام) فإنّ كان قصد الانفراد جائزا فصارت صلاة القوم فرادى، فكان المناسب أن يقول عليه السّلام فإنّ صلاتهم صارت فرادى، فإن عملوا بوظائف المنفرد فلا إشكال في صلاتهم، لا أن يقول (لا صلاة لهم إلّا بامام) فمن هذا البيان نكشف أنّ العدول من الجماعة إلى الفرادى غير جائز، و لهذا قال عليه السّلام (لا صلاة لهم إلّا بامام فليقدم بعضهم فليتم بهم ما بقى منها، و قد تمت صلاتهم).

و لكن يمكن أن يقال: بأنّ غرض السائل كان فهم حال صلاتهم الّتي كانوا

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 69 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 26

عليه- أعنى: صلاة جماعتهم، و أنّه كيف يبقون الجماعة، فقال عليه السّلام (لا صلاة لهم إلا بامام) لا أنّه لا صلاة لهم حتّى فرادى، لإمكان كون سؤاله من الصّلاة شرعوها لا طبيعة الصّلاة أعم من فرادى و من الجماعة، فإذا كان كذلك فقال عليه السّلام: بأنّ الصّلاة التي شرعوا فيها جماعة قوامه بالامام، فليقدم بعضهم، فليست الرواية دالّة على منع قصد الانفراد، هذا.

[في ان جواز نقل نيّة الجماعة الى الفرادى مشكل]
اشارة

إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّ نقل نية الجماعة إلى الفرادى مشكل إلّا في كل مورد دلّ دليل على جوازه، لما قلنا أوّلا من أنّ المستفاد من ظواهر الأخبار كون الجماعة و صفا للصّلاة، لا لكل جزء جزء، و

ثانيا لو فرض وقوع الشّك في ذلك فنشك في مشروعية الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى، و الأصل عدم مشروعيتها. «1»

______________________________

(1) أقول: بعد ذلك قلت به مد ظله: بأنّه بعد ما أمضيت الكلام سابقا و استفدنا من بياناتك الشريفة بأنّ الجماعة و الفرادى طبيعة واحدة، و أنّ الجماعة في خصوص المأموم محتاج الى القصد، فهل تقول في مورد نقل نية الجماعة إلى الفرادى ببطلان الجماعة فقط، و لازمه أنّ المكلف لو لم يأت في المقدار الّذي كان ناويا للجماعة و كان مأموما، بما هو وظيفة المنفرد، و بعبارة اخرى أخلّ في المقدار من صلاته الّذي من نيته الجماعة بوظيفة المنفرد تبطل صلاته من باب إخلاله بوظيفة المنفرد، أو تقول ببطلان أصل الصّلاة بحيث لو لم يخلّ المأموم بوظيفة المنفرد في المقدار الّذي كان في الجماعة و بعده قصد الفرادى، تكون صلاته فاسدة أيضا، قال مد ظله: أمّا من يقول بجواز العدول من الجماعة إلى الفرادى، و بعبارة اخرى بمشروعية صلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى، فهو يقول: بأنّه ان نوى الجماعة أحد ثمّ على رأس الركعتين مثلا نوى الانفراد و أتمّ صلاته منفردا، و لم يأت بالقراءة في الأوّلتين أو فرض بأنّه زاد الركوع، أو السجود فيهما نسيانا، فصلاته صحيحة، أمّا في الركعتين الاولتين كان في الجماعة فترك القراءة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 27

و يكون هذا الحيث متفرّعا على مسئلة اخرى نتعرض لها إن شاء اللّه، حتّى يظهر حال هذا الحيث من هذه المسألة أيضا، فنقول بعونه تعالى:

[في ذكر مسئلة فى الباب]

مسئلة: ممّا يبحث عنه في مسائل صلاة الجماعة هو أنّه بعد ما يرى من دخل بعض الامور وجودا، أو عدما في الجماعة، كعدم الحائل بين الامام و

المأموم في ما إذا كان المأموم رجلا، و كعدم علوّ الامام عن المأموم في المكان، و كعدم البعد بينهما، و كشرائط المعتبرة في الامام من العدالة و غيرها، و كلّ هذه الامور، على ما يظهر من أدلتها، يعتبر في جانب المأموم بمعنى: أنّ صلاة جماعة المأموم و تحقق القدوة مشروط بوجود بعض الامور و بعدم بعض الآخر، يقع الكلام في أنّه مع الاخلال بأحد هذه الامور المعتبرة، هل تبطل الجماعة فقط بمعنى: عدم ترتب آثار الجماعة على فاقد الشرط، أو واجد المانع و لكن لا تبطل أصل الصّلاة لو لم يخلّ المأموم بوظائف الفرادى، أو تبطل الصّلاة من رأس؟

و أثره أنّه لو فرض عدم إخلال المأموم بوظيفة الفرادى تبطل الصّلاة أيضا، لاخلال المأموم ببعض ما يعتبر في صلاة الجماعة.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ بطلان أصل الصّلاة و عدمه على نحوة دخل ما يعتبر في صلاة الجماعة، فتكون مبنى الاحتمالين في المسألة فهم ذلك.

فنقول: إنّ ما يعتبر في صلاة الجماعة يحتمل أن يكون دخيلا وجودا أو عدما

______________________________

و زيادة الركن غير مضر و اما بعدها عمل بوظيفة المنفرد.

و أمّا نحن نقول: أمّا بطلان الجماعة بناء على عدم الجواز فواضح، و لهذا نقول في الفرض المتقدم حيث ان المكلف لم يأت بالقراءة و زاد الركن بطلت صلاته، و هذا المقدار لا إشكال فيه، و أمّا بطلان أصل الصّلاة بحيث يقال في الفرض، و لو كان المكلف غير مخلّ بما هو وظيفة المنفرد، و لكن مع ذلك تكون الصّلاة باطلة فهي مختارنا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 28

في الصّلاة، و بعبارة اخرى بعد كون طبيعة الصّلاة لها فردان فرادى: و جماعة، فصلاة الجماعة لها شرائط و موانع بمعنى:

أنّ هذه الشرائط و الموانع دخيل في أصل الصّلاة، و يحتمل أن تكون دخيلا في خصوص وصف الجماعة بمعنى: أنّ صلاة الجماعة كصلاة الفرادى غير مشروط بأحد هذه الشرائط، و لكن الجماعة و تحقق القدوة، و ترتب آثار الجماعة على هذه الصّلاة تتوقف على وجود بعض الامور و عدم بعض الآخر.

فإنّ قلنا بالاحتمال الأوّل فلازمه بطلان أصل الصّلاة المنوية جماعة بمجرد الاخلال بأحد الامور المعتبرة في صلاة الجماعة و لو لم يخلّ المأموم بوظيفة الفرادى.

و إن قلنا بالاحتمال الثاني فأثره بطلان الجماعة و عدم ترتب آثارها إن أخلّ بأحد هذه الامور، و أمّا بطلان أصل الصّلاة فلا وجه له إلّا في صورة اخلاله بوظيفة المنفرد.

[الكلام فى ما يستظهر من الادلّة]

إذا عرفت ذلك فالكلام يقع أوّلا في أنّ ما يستظهر من الأدلّة المتعرضة لدخل هذه الامور هل هو الاحتمال الأوّل أو الاحتمال الثاني؟ و ثانيا لو لم يستظهر أحد الاحتمالين من الادلة، فشككنا في كون دخلها على الأوّل أو على الثاني، فما هو مقتضى القاعدة؟

فنقول بعونه تعالى: أمّا الكلام في الجهة الاولى، فاعلم أن الرواية 1 من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل، و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و فيها قال: و أىّ صفّ كان أهله يصلّون بصلوة الامام، و بينهم و بين الصف الّذي يتقدّمهم ما لا يتخطى، فليس تلك لهم بصلوة.

ما رواها السكونى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه (قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 29

رجلين اختلفا فقال: أحدهما كنت إمامك، و قال الآخر: أنا كنت إمامك، فقال:

صلاتهما تامة. قلت: فإن قال كل واحد منهما: كنت ائتم بك، قال: صلاتهما فاسدة و ليستأنفا).

«1»

ممّا يمكن الاستدلال بهما على كون ما يعتبر في صلاة الجماعة يعتبر في أصل الصّلاة، لأنّه عليه السّلام في الرواية الاولى قال (ليس تلك لهم بصلوة) لأجل الفصل بقدر لا يتخطّى، و في الثانية في صورة دعوى كل منهما بأنى ائتم بك و اقتدى بك قال عليه السّلام (صلاتهما فاسدة) لأجل عدم وجود إمام لجماعتهما المنويتان، فقال أصل صلاتهما فاسدة لا الجماعة فقط، فالروايتان تدلّان على اعتبار ما يعتبر في أصل صلاة الجماعة لا خصوص وصف الجماعة.

و في الرواية الاولى و ان كان يمكن دعوى قوله عليه السّلام (ليس تلك لهم بصلوة) أى صلاة جماعتهم ليس بصلوة من باب أنّ النظر كان بالصّلاة الّتي كانت منظورهم، و هو صلاة الجماعة، و هذا لا ينافي مع كون أصل صلاتهم صلاة وقعت صحيحة، و لكن في الرواية الثانية أعنى: رواية السكونى، لا مجال لهذه الدعوى، لأنّ منظورهما ليس الفحص عن حال جماعتهم، فقوله عليه السّلام (صلاتهما فاسدة) تدلّ على بطلان أصل الصّلاة لأجل فقد شرط من شرائط الصّلاة، و لا وجه لبطلان إلّا من باب كون ذلك معتبرا في أصل الصّلاة، و السكونى و إن كان ضعيفا، و لكن تعرض الفقهاء لخصوص المسألة شاهد على اعتنائهم بهذه الرواية، فعلى هذا نقول توضيحا للمطلب: بأنّ المعصوم عليه السّلام، على ما في رواية السكونى، قال: صلاتهما فاسدة، فتدلّ الرواية على فساد الصّلاة من باب ترك ما يعتبر فيها، و إلّا لا معنى للحكم بالفساد.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 30

[في ذكر الاشكال و الجواب عنه]

إن قلت: بأنّه من الممكن أن يكون فساد صلاتهما من باب تركهما القراءة كما هو الظاهر، أو فعلهما ما

ينافي مع وظيفة الفرادى من زيادة ركوع أو سجود، لا من باب عدم وجود الشرط و هو الامام.

نقول: أوّلا ترك الاستفصال دليل على كون فساد صلاتهما مستندا الى عدم وجود الشرط لا إلى غيره، و إلّا لكان اللازم على الامام عليه السّلام أن يفصل بين صورة ترك وظيفة الفرادى، و بين صورة العمل بوظيفته، فمن ترك الاستفصال نكشف عدم كون الحكم بالفساد دائرا مدار العمل بوظيفة الفرادى و عدمه.

و ثانيا لو فرض أنّهما تركا القراءة، و لكن حيث يكون تركهما من باب تخيّل كل واحد منهما بكونه مقتديا، فيكون منشأ تركهما عدم توجههما و غفلتهما من عدم كونهما مأمومين، فلا يبعد اغتفار ترك القراءة في هذه الصورة و إلحاق هذه الصّلاة بترك القراءة عن سهو (فلا تجب الاعادة بمقتضى لا تعاد) فعلى هذا ليس وجه الحكم بالفساد في مورد الرواية ترك القراءة، فمنشأ حكمه عليه السّلام على الظاهر، بمقتضى ترك الاستفصال و سياق الخبر، هو فقدان الشرط، و بطلان الصّلاة ليس إلّا من باب كون الشرط شرطا لأصل الصّلاة، لا بخصوص وصف الجماعة، «1» فتحصل ممّا مرّ كون

______________________________

(1) أقول كما قلت بحضرته مد ظله، بعد ما يكون الأغلب في الجماعة ترك القراءة و خصوصا في مورد الرواية حيث يقتدي كل منهما بالآخر، فالظاهر كون شروعهما في الصّلاة في زمان واحد، فهما في تمام الركعات كانا معا، فمن القريب تركهما القراءة، و مع تركهما القراءة فصلاتهما فاسدة، فيحتمل أن يكون وجه فساد صلاتهما هذا، و أمّا ما أفاده مد ظله من أن ترك القراءة مغتفر فلا يكون الحكم بالفساد مستندا إليه مشكل، لأنّ شمول (لا تعاد) لمثل هذه الصورة التي يكون المكلف عامدا في الترك،

غاية الأمر من باب جهل المركب، مشكل فتأمل، و تحقيق

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 31

دخل الامور المعتبرة في الجماعة على النحو الأوّل.

و أمّا الجهة الثانية، أعنى: صورة الشّك في أنّ دخل الامور المعتبرة على النحو الأوّل أو الثاني، فنقول: بأن الأصل عدم دخل هذه الامور في أصل الصّلاة، فبعد ما قلنا من كون الجماعة و الفرادى فردين من طبيعة واحدة، فلو فقد شرط أو وجد مانع، فإنّ لم يخلّ المأموم بوظيفة الفرادى، فلا مانع من صحة أصل الصّلاة، غاية الأمر عدم كونها جماعة و عدم ترتب آثار الجماعة عليها، و لكن لا تصل النوبة بالأصل لما استظهرنا من كون ما يعتبر دخيلا في أصل الصّلاة، فمع الاخلال بما هو المعتبر، فالصّلاة فاسدة، فانقدح فساد أصل الصّلاة في صورة نقل النية من الجماعة إلى الفرادى إلا في كل مورد دل الدليل بالخصوص على جوازه. «1»

______________________________

الكلام في محلّه.

كما أنّ ما أفاده مد ظله من أنّه إن كان المستند غير ذلك من ترك القراءة أو زيادة الركن لزم الاستفصال، فمن تركه نفهم إطلاق الحكم لصورة إتيانهما بالقراءة و عدمه، و صورة زيادتهما الركن و عدمها.

نقول: إنّه بعد كون الاغلب ترك القراءة، فإنّ اتكى عليه السّلام بهذه الغلبة و لم يسأل فما أخلّ بالفرض، فلا وجه للتمسك بترك الاستفصال، مضافا إلى أنّه لو فرض دلالة الروايتين على ذلك، فغاية الأمر استكشاف كون الفصل و وجود الامام مانعا و شرطا لأصل الصّلاة، و أمّا استكشاف كون كل الشرائط و الموانع هكذا حتّى يقال في المسألة المتقدمة: بأنّ اشتراط بقاء نية القدوة أو مانعية قصد عدم القدوة شرط أو مانع لأصل الصّلاة لا لوصف الجماعة، محل إشكال، لإمكان كون نحوة أخذ

الشرائط و الموانع مختلفا، فعلى هذا لا يستفاد ممّا مرّ كون دخل الامور المعتبرة في الجماعة بنحو الاطلاق على النحو الأوّل أو الثانى. (المقرر)

(1) أقول: قد عرفت عدم إمكان استظهار كون ما يعتبر فيها معتبرا في أصل الصّلاة، فبعد ذلك تصل النوبة في صورة الشّك بالأصل، و الأصل كما أفاده مدّ ظلّه يقتضي عدم كون ما يعتبر.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 32

الأمر الثاني [وقوع فعل العبادات بقصد التقرب]
اشارة

: من الامور الّتي يقع التكلم فيها في النية، هو أنّه بعد ما عرفت من اعتبار القصد و النية في العناوين القصدية، يعتبر وقوع الفعل بقصد التقرب في الصّلاة، بل و في مطلق العبادات، و هذا مسلم، و حيث إنّ القرب المكاني محال بالنسبة إلى اللّه تعالى، فلا يبعد أن يكون الغرض هو أن يؤتي العبد العمل على وجه يكون استناد ذلك إلى اللّه تعالى، و يجعل فعله مربوطا به سبحانه.

و بعبارة اخرى يكن محركه إلى العمل جعل ارتباط بينه و بين نفسه، و يطلب بعمله هو لا غير، في قبال عمل يكون صدوره ببعض دواعى النفسانية، فيكون المقدار اللازم من القصد هو كون صدور الفعل بداعى التوجّه إليه إمّا لكونه عز اسمه أهلا للعبادة أو كان لأجل التقرب به، أو بداعي التوجّه إليه لكي ينتفع من الخيرات التي عنده من الخيرات الاخروية كالجنة، أو الدنيوية كزيادة النعم من درّ الرّزق و غيره، أو لدفع المكاره و المضارّ من مضارّ الاخروية كالنار، أو دنيوية كالأمراض و الاسقام.

ففي كل ذلك يعدّ العبد مطيعا و كون توجهه و صدور الفعل منه له تعالى، لأنّه في كل ذلك يتوجه نحو جنابة، و يطلب منه في قبال من يعمل عملا لا يريد منه جلب توجه اللّه تعالى،

بل يفعل لغيره كالمرائى في عمله.

______________________________

فيها معتبرا في أصل الصّلاة، فالصّلاة صحيحة لو لم يخلّ المأموم بوظيفة الفرادى، فإنا موافق مع سيدنا الاستاد آية اللّه العظمى مد ظله في جهة، و هي أنّ نقل نية الجماعة إلى الفرادى محل إشكال و مخالف في جهة و هي أنّه بعد نقل النية هو يقول مد ظله ببطلان أصل الصّلاة، و عندى لم يكن تماما، بل أقول: لو لم يعمل المأموم بوظيفة الفرادى تبطل صلاته من رأس، و أمّا لو عمل بوظيفة الفرادى فصلاته صحيحة، غاية الأمر لم تكن جماعة، و لا يترتب عليها آثار الجماعة منه. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 33

فإنّ كان المراد من اعتبار قصد التقرب في العبادات، و منها الصّلاة، هذا المقدار فصحيح، و بكل ما قلنا يمكن التوجّه نحو جنابه و يعبده، و أمّا إن كان أزيد من ذلك فعلى المدعى إثباته.

[في ان يكفى في قصد التقرّب كون محركه هو التوجّه الى اللّه]

ثمّ إنّ هنا كلاما آخر و هو أنّه كما عرفت لو صدر الفعل من العبد على أيّ وجه من الوجوه المتقدمة يعدّ مطيعا، و يكفي في العبادة، و لكن حيث إنّه ليس في الآثار و الادلّة لفظ قصد التقرب حتّى ندور مداره، فنقول: بأنّ ما يقال: من اعتبار قصد التقرب في العبادات، هل يكون المراد أن يقصد العبد في عبادته صدور الفعل من نفسه قربة إلى اللّه ثمّ يقع الكلام في أن مراتب القرب مختلفة، فمن الناس من يعبده لكونه أهلا، و من الناس من يعبده لكى يصل بالجنة، و منهم من يعبده لأنّ ينجى من النار.

أو يكون المراد أنّه بعد كون نوع العبادات الواردة في الشرع من الامور ليس في إتيانها دواعى النفسانية، بل بحسب الطبع الأوّلى إن كان يصدر

من العبد يصدر لأجله تعالى شأنه، فحيث يكون بحسب طبع الاولى المنظور و المقصود منها جنابه، لعدم دواعى على إتيانها غير هذا الداعي، فبصرف صدوره بحسب وضعه الاولى هو المقصود و المنظور، فيقال: إنّه يكفي في تحقق ذلك إيجاد العبادة من العبد، بمعنى أنّ هذا المقدار كاف في صيرورة العمل عادة له تعالى، لأنّه بعد عدم داع آخر للعبد و المفروض قيامه إلى إتيان العبادة، فصرف ذلك كاف في القصد اللازم في العبادة، و لا يعتبر أزيد من ذلك.

فالفرق بين التعبدى و التوصّلي في هذا المقدار، ففي التوصّلي يحصل الغرض بأىّ داع يصدر منه الفعل، و في التعبدى لا بد من صدوره على نحو لا يكون داعيه إلى

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 34

العمل غير اللّه تعالى، و مع فرض كون وضع العبادة أوّلا و بحيث طبيعته ممّا لا يتعلق بها دواع آخر، فيكتفي في امتثالها إتيان العمل بدون داع آخر.

الموضع الثالث: من الامور المبحوث عنها في النية (الضمائم)
اشارة

و هي إمّا محرمة، أو راجحة، أو مباحة، فالكلام فيها يقع في طى مسائل:

المسألة الاولى في الضمائم المحرمة، و العمدة منها الرياء، و هو إمّا في الصّلاة بأن يقصد الرياء في أصل الصّلاة، و إمّا في جزء من أجزائها الواجبة، و إمّا في جزء من أجزائها المستحبة.

أمّا إذا قصد الرياء في أصل الصّلاة فلا إشكال في بطلان الصّلاة مضافا إلى ارتكاب المرائى فعلا محرما، و هذا ممّا لا إشكال فيه، و يدلّ على ذلك الأخبار و الاجماع.

و أمّا إذا نوى الرياء في جزء من أجزائها الواجبة، مثلا في القراءة، فقد يتوهم عدم بطلان الصّلاة لأجل الرياء لو أتى بالجزء مجددا بقصد العبودية، غاية الأمر يمكن أن يقال: ببطلان الصّلاة من باب زيادة العمدية بناء

على شمول أدلّة بطلان الصّلاة بالزيادة لمثل المورد.

و لكن لا يخفي عليك أنّ الصّلاة فاسدة في هذه الصورة أيضا، و لا وجه لهذا التوهّم، لأنّه يصدق على من أتى بجزء رياء أنّه أدخل الغير في عمله، و يستفاد من بعض أخبار الباب أنّ ذلك رياء، و من هنا ظهر بطلان الصّلاة بالرياء في جزء المستحب، مثل من يرائى في قنوته، فإنّه و إن يرائى في قنوته، و لكن قنوت الصّلاة من الصّلاة و ليس خارجا منها، فمن يرائي فيه يرائي في صلاته، لأنّه يريد بذلك أن يقال في حقّه: بأنّه يؤتى قنوت صلاته حسنا، فيصدق أنّه أدخل الغير في عمله

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 35

و عمله الصّلاة، و إن كان في جزء من أجزائه الواجبة أو المستحبة، بل تبطل الصّلاة بترك ما يكون في فعله الحزازة و المنقصة رياء مثل من يترك بعض مكروهات الصّلاة، لأنّه يعدّ بتركه هذا بأنّه أدخل رضى الغير في عمله لأنّه يأتى بصلاته هكذا رياء، فالحق بطلان الصّلاة في كل من هذه الصور الأربعة لوجود ملاك الفساد فيها.

[في نقل كلام المحقّق الهمداني ره]

(و نقول لمزيد وضوح المطلب حتّى يعلم ما قيل في المقام، و يعلم ما هو الحق فيه: بأنّه يظهر من حاج آغا «1» رضا الهمداني رحمه اللّه الاشكال في بطلان الصّلاة إذا كان الرياء في الجزء الواجب أو المستحب عند التعرض بجزء المستحب، فإنّه في مقام الردّ على التمسك برواية زرارة و علي بن سالم- المذكورتان في الباب 11 و 12 من أبواب مقدمة العبادات من الوسائل، المستفاد منهما أنّ إدخال رضاء الغير في العمل يوجب الشرك و عدم القبول- قال: إنّ المستفاد كون الرياء موجبا لبطلان العمل، و كما تكون

الصّلاة عملا يكون القنوت عملا، فلو أتى قنوته رياء فهو الشرك في هذا العمل فقط، و أمّا ساير الأجزاء فهي عمل، أو أعمال اخر لو أتى بها للّه تعالى، فلم يصدق أنّه أشرك فيها الغير، بل يصدق أنّها له تعالى، فصرف إتيان الجزء رياء لا يوجب بطلان أصل الصّلاة.

و لكن يرى المتأمل فساد كلامه كما قلنا، لأنّه ليست الصّلاة عند العرف إلّا عمل واحد، فمن أشرك في جزء منها يقال: بأنّه أشرك في صلاته الغير، فافهم.

هذا كلّه حال الرياء، و أمّا العجب فهو و إن كان من الصفات المذمومة- كما ينادي بذلك بعض آيات الشريفة، و ينتهي بالاستكبار، و منشأه كما يظهر من بعض

______________________________

(1) مصباح الفقيه كتاب الصّلاة صفحه 23.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 36

الروايات نقص العقل، و يحصل للانسان من باب عدم التفاته بصغر نفسه و أعماله، و عدم توجهه بحال العباد المطيعين، و عباداتهم حتّى يفهم أنّ الاعمال الحسنة يأتي بها ليست بشي ء مهم يوجب العجب و الادلال- و لكن بطلان الصّلاة بسببه محل تأمل، لعدم دليل عليه، فارجع الأخبار و الآثار، فافهم.

المسألة الثانية: في الضمائم المباحة

، اعلم أنّ لها صورا:

الصورة الاولى: أن يكون للمكلف داع الى الصلاة مستقلا، و داع الى الضميمة المباح مستقلا بحيث يقبل كل منهما لأنّ يصير داعيا إلى الفعل مستقلا و إن لم يكن داعى الآخر في البين، غاية الأمر حيث لا يمكن ورود العلتين المستقلتين على المعلول الواحد، يكونان جزءين للعلّة للصّلاة.

الصورة الثانية: أن لا يكون أحد الداعيين بهذه المرتبة، بل يكون كل واحد منهما بحيث لو لم يكن داعي الآخر لا يحرّك المكلف هذا الداعي نحو الفعل، بل يكون انضمام كل واحد من الداعيين إلى الآخر علة لصدور

الفعل منه.

الصورة الثالثة: أن يكون داعي الصّلاة مستقلا في اختيار الطبيعة و داعى الضميمة تبع له.

الصورة الرابعة: عكس ذلك.

الصورة الخامسة: أن لا يكون للضميمة داع في اختيار الطبيعة أعنى: طبيعة الصّلاة أصلا، بل الداعي في الضميمة داع إلى اختيار الفرد، مثل وقوع الصّلاة مثلا في المسجد.

[في ان المنسوب الى كاشف الغطاء عدم بطلان الصّلاة]

أمّا الكلام في الصورة الاولى: فاعلم أنّه ينسب إلى كاشف الغطاء رحمه اللّه عدم

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 37

بطلان الصّلاة في هذه الصورة نظرا إلى أنّ ما يعتبر ليس إلّا تحقق الامتثال، و الامتثال يصدق في هذه الصورة، و يستند الفعل إلى داعى الأمر، لأنّ وجود داعى المباح و عدمه سيّان في الفرض.

و لكن بعد عدم إمكان كون كل من الداعيين علة مستقلة لصدور الفعل لامتناع وحدة الاثر و تعدد المؤثر، و بعد عدم كون أحد الداعيين فقط علة للزوم الترجيح بلا مرجح، فقهرا ما هو العلة هو الجامع بينهما، فيستند الفعل إلى مجموع الداعيين، فليس الفعل مستندا إلى داعى اللّه تعالى فقط، أعنى: داع الأمر فلا، يكفي في امتثال الأمر بهذا الفعل، لأنّ الامتثال يصدق إذا كان الداعي الامتثال أمر الصّلاة بدون مدخلية شي ء آخر.

و ما قيل: من أنّه من يكون له داعى الصّلاة بحيث لو لم يكن له داعى آخر لا يرفع اليد عنه، و كذلك له داع مباح بحيث لا يرفع اليد عنه، فلا يمكن له إتيان الفعل مستندا إلى أحد الداعيين، فلا بدّ من الاكتفاء في مقام الامتثال بهذا الفعل، فاسد لأنّه يمكن له تخليص الداعي، و ليس ذلك أمرا متعذرا أو متعسرا لأنّه و لو وجد في النفس دواع مختلفة، و لكن بعد حساب أطراف كل منها، و المصالح و المفاسد المترتبة عليها،

فإن يرى الشخص عدم إمكان الجمع بينها، يرفع اليد عن بعضها، ففي المقام و إن كان له داع مباح في حدّ ذاته أيضا، و لكن بعد ما يرى من أنّ بقاء هذا الداعي و المقصود يوجب عدم إمكان امتثال أمر المولى، و بالنتيجة يوجب تفويت مصلحة الواقع و الوقوع في العذاب الاليم، يرفع اليد عن داعيه الآخر، فظهر لك بطلان العبادة في هذه الصّورة.

و امّا الكلام فى الصورة الثانية: أن يكون كل من الداعيين بحيث لا يمكن

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 38

أن يصير كل واحد منهما مستقلا مؤثرا و علّة لصدور الفعل، و لكن ضمّ كل منهما إلى الآخر يصير داعيا إلى الفعل، فلو لم يكن له كل واحد منهما لا يصدر الفعل عنه لعدم تعلق داعيه بأحدهما بحيث يصير علّة بنفسه لصدور الفعل، فيكون كل منهما جزء الداعي، ففي هذه الصورة أيضا لا تصحّ الصّلاة، لعدم حصول الامتثال بذلك، إذ الفعل ليس مستندا إلى داعى التعبد فقط، بل إليه و إلى داعى المباح.

و امّا الكلام فى الصورة الثالثة: أن يكون له الداعي إلى صدور الفعل بداعى التعبد و بقصد امتثال الأمر مستقلا بحيث يصدر عنه الفعل بهذا الداعي، و هذا الداعي مؤثر و علة في صدور الفعل عنه مستقلا، و لكن له داع آخر بتبع ذلك، بحيث أنّ داعيه الأصليّ هو صدور الفعل للّه تعالى، و لكن له داع مباح تبعى، ففي هذه الصورة تصحّ الصّلاة، لأنّ الفعل مستند إلى داعى التعبد فيحصل الامتثال، لأنّ وجود داع التبعى و عدمه سيان في صدور الفعل عنه.

و امّا الكلام فى الصورة الرابعة: عكس ذلك، و لا إشكال في فساد في هذه الصورة، لأنّ الصّلاة ليست

مستندا إلى داعى القربة لكون داعى المكلف إلى صدور الفعل داع مباح، فلا يتحقّق الامتثال. «1»

الموضع الرابع [توقف صيرورة الفعل مصداقا لعنوان قصدي على القصد]
اشارة

: من الامور المبحوثة في النية، هو أنّه قد مرّ منا بأنّ صيرورة

______________________________

(1) الصورة الخامسة لم يتعرض لها سيدنا الاستاد مدّ ظله العالى و لا يبعد عدم الاشكال في الضميمة إذا كانت في اختيار الفرد لا في أصل الطبيعة، لأنّه بعد كون الأمر بالطبيعة، و المكلف مخير بين اختيار كل فرد منها، فله اختيار الفرد بداع آخر مباح، و أمّا إن كانت الضميمة محرمة، مثل أن يختار فردا رياء فيصير العمل فاسدا، لأنّه يصدق أنّه أدخل في عمله رضاء الغير، فيصير العمل فاسدا، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 39

الفعل مصداقا لأحد العناوين القصدية موقوف إلى القصد، لأنّه بعد كون الفعل قابلا لأن يصير مصداقا لعناوين مختلفة و طبائع متفاوتة، و على الفرض يكون كل طبيعة من هذه الطبائع من العناوين القصدية، فلا يصير الفعل مصداقا لأحدها إلّا بالقصد، و لأجل ذلك قلنا: بأنّه لا بد في مقام إتيان العمل من تعيين هذه العناوين و القصد بها، و قلنا: بعدم الفرق في هذا المقام بين كون العنوان تعبديا أو توصليا، و لا بين كونه مورد تعلق الأمر أو لا، بل ليس المنظور من إتيانه إلا ترتب أثر خاص عليه، فتارة يقال في مقام البحث عن النية: باعتبار قصد التعيين فيها، و يراد به ما قلنا، فلا إشكال في اعتبار قصد التعيين بهذا المعنى.

و لكن قد يقال: باعتبار قصد التعيين و عدمه، و يراد به غير ذلك، فنقول: تارة يقال: بأنّه إذا كان فردان أو أفراد من الطبيعة الواحدة مورد تعلق الأمر، ففي مقام امتثال كل فرد من هذه الأفراد

هل يجب التعيين أم لا؟ مثلا إذا قال المولى (من قتل مؤمنا خطا فعليه عتق رقبة) فمن قتل مؤمنين خطا، ففي مقام الامتثال و عتق الرقبة يجب عليه التعيين، و لازمه أنّه في مقام الامتثال يقصد العتق بعنوان امتثال أمر خاص متعلق به و هكذا، و إلّا لا يحصل الامتثال، أو يكفي في مقام الامتثال في المثال المتقدّم عتق العبدين و إن لم يقصد في مقام عتق كل واحد منهما كون ذلك بعنوان امتثال أىّ من الأمرين.

لا إشكال في عدم اعتبار قصد التعيين بهذا المعنى، لأنّه بعد كون كل منهما من الطبيعة الواحدة، و ليس المطلوب منهما إلّا إتيان فردين من الطبيعة، و على فرض كون أمرهما تعبديا ليس المطلوب إلّا إتيان الفردين بقصد التعبد، فبمجرد عتق المكلف عبدين بقصد التعبد و إطاعة أمر المولى، يحصل الامتثال و إن لم يعين في مقام

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 40

الامتثال امتثال خصوص كل أمر من الأمرين، لكفاية ذلك في مقام الامتثال.

فقد يقال قصد التعيين في النية و يراد به هذا، فلا دليل عليه.

و تارة يقال في مقام توجه تكليف معلوم بالمكلف: بأنّه هل يكتفي في مقام الامتثال بالامتثال الاجمالى، أو لا؟

و هذه المسألة تعرضناها في الاصول حين التكلم في جواز الاكتفاء بالامتثال الاجمالى و عدمه، و مما يقال في وجه عدم الاكتفاء بالامتثال الاجمالى هو اعتبار قصد التعيين، و حيث يعتبر تعيين المأمور به حين العمل، و على الفرض في مقام الامتثال الاجمالى ليس المأمور به معيّنا حتّى يقصده حين اتيانه، فلهذا لا يكتفي بالامتثال الاجمالى.

و الحق عدم اعتبار هذه المعنى من قصد التعيين أيضا، لأنّ العقل لا يرى دخل ذلك في صدق الاطاعة، فمن كان

عليه واجب مردد بين شيئين لو أتى بهما احتياطا، يعدّ عند العقلاء مطيعا و ممتثلا لأمر المولى و إن لم يعيّن حين الاتيان أنّ أيّا منهما يكون المأمور به، و لا فرق في ذلك بين ما يكون الدوران بين المتبانيين كما مثلنا، أو بين الأقل و الأكثر مثل ما إذا لم يدر بأنّ الصّلاة الواجبة لها تسعة أجزاء، أو عشرة اجزاء، و لا يحتمل كون الأقل مطلوبا بشرط عدم الزيادة، فإنّ أتى بعشرة أجزاء احتياطا يعدّ ممتثلا للأمر الصادر من المولى.

[في ذكر بعض الامور فى الباب/ الامر الاول]

و نقول توضيحا للمطلب: بأنّ المستفاد من كلمات الشّيخ رحمه اللّه و غيره هو أنّ منشأ الاشكال في عدم الاكتفاء بالامتثال الاجمالى أمور:

الامر الأوّل: من باب اعتبار قصد الوجه في العبادة، و الحق عدم اعتباره.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 41

[في ذكر الامر الثاني و الثالث]

الامر الثاني: من باب كون الامتثال الاجمالى في صورة استلزامه التكرار لعبا و عبثا بأمر المولى، و هذا واضح الفساد، لأنّه لا يعدّ من يكون في تكراره في مقام الاطاعة أنّه لاعب و عابث، نعم، ربما يعدّ بعض صوره لعبا و عبثا، مثل ما إذا تكرر ألف مرة مع تمكنه من امتثال التفصيلى، و الاتيان بمرّة واحدة.

الامر الثالث: و هو ما يظهر من كلمات بعض الأعاظم من المعاصرين، و صار منشأ الاشكال عنده، و لم يكتف بامتثال الاجمالى و هو أنّه لا بد في صدق الاطاعة و تحققه في نظر العقل، كون المأمور منبعثا من بعث المولى، بحيث يكون محركه نحو العمل العلم بالأمر، و تعلق الأمر بالمأمور به، و علمه بكون المأمور به منطبقا له، فإذا علم تفصيلا بالمأمور به فيكون انبعاثه نحو العمل العلم بالأمر، و أمّا إذا علم إجمالا بأنّ احدا من الأمرين يكون هو المأمور به، و لا يدرى حين الاتيان بكل منهما بأنّه هو المأمور به، فليس محركه العلم بالأمر، بل المحرك هو احتمال الأمر، و لا يكفي في تحقق الاطاعة احتمال الأمر.

نعم، بعد إتيان كل منهما و لو يعلم بتحقق ما يكون المأمور به منطبقا عليه، و لكن ما هو المعتبر في صدق الاطاعة هو أن يكون عمل الفاعل حال العمل، بداعى تعلق الأمر بهذا العمل، فانبعاثه ليس عن العلم بالبعث، بل يكون باحتمال البعث، و الانبعاث باحتمال البعث

و إن يعدّ إطاعة، إلّا أنّ رتبته مؤخرة عن الانبعاث من العلم بالبعث، فمع التمكن من الامتثال التفصيلى و الانبعاث عن العلم بالأمر، مقدم رتبة عن الامتثال الاجمالى و الانبعاث عن احتمال الأمر.

و فيه أنّ ما أفاده رحمه اللّه من أنّ المحرك احتمال الأمر، لا وجه له، فإنّ من الواضح كون المحرك و الباعث باتيان طرفي العلم الاجمالي هو علم المكلف بالأمر، فهو في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 42

إتيانه بكل منهما لا ينبعث إلّا لأجل علمه بالأمر، غاية الأمر حين الاتيان بكل منهما ليس المعلوم عنده كون هذا منطبق المأمور به، و ليس ذلك معيّنا عليه، و صرف عدم علمه بذلك لا يضرّ بصدق الإطاعة، بل يعدّ العبد الممتثل بهذا النحو أنّه في صدد اطاعة أمر المولى، و لا يطلب المولى منه إلّا الاتيان بما أمر به، و هو على الفرض يأتي بما أمر به في ضمن فردين يعلم بكون احدهما المأمور به، فلا وجه لعدم الاكتفاء بهذا النحو من الامتثال، و لا نرى أنّ العقل يحكم بعدم تحقق الاطاعة بهذا النحو.

الموضع الخامس: من الامور الّتي نبحث عنه في النية هو مسئلة العدول.
اشارة

بعد ما عرفت من أنّ الصّلاة من جملة العناوين القصدية و لا بدّ في تحققها أى:

تحقق جنسها من القصد، و كذلك بعض أنواعها كالظهرية، و العصرية، و الادائية، و القضائية، و النفلية، و الفرضية بحيث لا يصير الخارج منطبق أحد هذه العناوين إلّا بالقصد، و ليس احتياجها إلى القصد من باب الترتيب المعتبر بين بعضها مع البعض، كالعصر المترتب على الظهر، بل من باب تعدد أنواعها، فإنّ الظهر نوع، و العصر نوع آخر من الصّلاة، و كذلك الأداء نوع، و القضاء نوع آخر، و هكذا النافلة نوع، و الفريضة نوع آخر منها.

و

لأجل هذا قلنا: بأنّ الخارج لا يصير مصداق أحد هذه العناوين إلّا بالقصد فلو أتى بصورة صلاة في الخارج بلا قصد إلى أحد هذه الأنواع، فهو لا يصير منطبق أحد منها، لأنّ صيرورتها مصداقا لأحد منها يحتاج إلى القصد.

إذا عرفت ذلك نقول: يقع الكلام في جواز العدول من صلاة إلى صلاة اخرى و عدمه، مثلا شرع المصلّي في صلاة العصر بتخيل أنّه أتى بالظهر، أو في العشاء بتخيل إتيانه المغرب أو في المغرب بعد دخول وقته بتخيل إتيانه الظهر، أو

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 43

العصر في هذا اليوم من باب العدول من الأوّل إلى القضاء، أو من قضاء اللاحق إلى السابق.

اعلم أنّ الكلام في جواز العدول تارة يقع في ما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الروايات، و تارة يقع الكلام في جواز العدول و عدمه بمقتضى الروايات، فالكلام في المقامين:

[الكلام فى ما يقتضيه القاعدة في العدول]

أمّا الكلام في ما تقتضيه القاعدة، فنقول: بعد ما عرفت من كون الظهرية و العصرية، و المغربية و العشائية، و الأداء و القضاء، و النفل و الفرض في الصّلاة، من العناوين القصدية مثل أصل الصّلاة، فإذا وقع في الخارج بعض الصّلاة بقصد أحدها مثلا بقصد العصر، فليس قابلا لأنّ يصير مصداقا للظهر، فلو شرع أحد في صلاة بقصد العصر و أتى بركعة منها أو ركعتين، فإذا عدل من نية العصر إلى الظهر و أتمّها ظهرا.

فإمّا أن يقال: بأنّ كل هذه تقع للعصر و لا أثر للعدول، فهو- مضافا إلى كونه خلاف الفرض، لأنّ الفرض في جواز العدول هو صيرورة الصّلاة بعد العدول مصداقا للمعدول إليه لا المعدول عنه- لا بد من الالتزام بصيرورة هذه عصرا مع كونه في بعضها غير قاصد للعصر، و

الحال أنّها لا تصير عصرا إلّا بالقصد على الفرض.

و إمّا أن يقال: بصيرورتها بعد العدول ظهرا، فهو أيضا غير صحيح، لأنّه على الفرض بعض منها وقع عصرا باعتبار قصده الأوّل.

و أمّا أن يقال: بأنّها تقع ظهرا و عصرا كليهما، فهو- مع كونه خلاف فرض القائل بجواز العدول، لأنّ مقصوده وقوع تمام الصّلاة بعد العدول للمعدول إليه، لا له

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 44

و للمعدول عنه- لا يمكن الالتزام بكون صلاة واحدة ظهرا و عصرا كليهما، مضافا إلى أنّه يمكن أن يقال: إنّ العدول بمقتضى القاعدة محال من باب أنّه يلزم تأثير المتأخر في المتقدم، لأنّ المقصود و هو صيرورة الصّلاة بعد العدول للمعدول إليه، و هذا معنى تأثير المتأخر في المتقدم، بل لازمه الانقلاب، لأنّه بعد العدول بينة الظهر من نيّة العصر أعنى: صيرورة ما مضى من الصّلاة للظهر، هو انقلاب ما وقع للعصر، بمقتضى نيّة السابقة الّتي عنوت بعنوان العصر و صارت مصداقا لها، بالظهر، و هذا محال.

هذا كله بمقتضى القاعدة، فعلى هذا بعد كون جواز العدول خلاف القاعدة، بل يكون محالا، فجوازه محتاج إلى الدليل الوارد من الشرع، ففي كل مورد يكون الدليل على جوازه نقول به تعبدا، و إلّا فلا.

[الكلام في جواز العدول بمقتضى الروايات]
اشارة

أمّا المقام الثاني أعنى: جواز العدول و عدمه بمقتضى الدليل، فنقول: ما يتمسّك به لجواز العدول بعض الروايات:

الرواية الاولى: ما رواها محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه و عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء، و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها و

أقم، ثمّ صلّها ثمّ صلّ ما بعدها باقامة إقامة لكل صلاة، و قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: و إن كنت قد صليت الظهر و قد فاتتك الغداة، فذكرتها فصلّ الغداة أىّ ساعة ذكرتها و لو بعد العصر، و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها، و قال: إذا نسيت الظهر حتّى صليت العصر، فذكرتها و أنت في الصّلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى، ثمّ صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع، و إن ذكرت أنّك لم

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 45

تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صليت منها ركعتين، فانوها الاولى ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين، و قم فصلّ العصر، و إن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها، فصلّ العصر، ثمّ صل المغرب، فإنّ كنت قد صلّيت المغرب فقم فصلّ العصر، و إن كنت قد صليت من المغرب ركعتين، ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فأتمها ركعتين، ثمّ تسلّم، ثمّ تصلّي المغرب، فإنّ كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب و إن كنت ذكرتها و قد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب، ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة، فإنّ كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتّى صليت الفجر فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الاولى و في الثانية من الغداة فانوها العشاء، ثمّ قم فصلّ الغداة و أذّن و أقم، و ان كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا، فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء، فإنّ خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما، فابدأ

بالمغرب، ثمّ صلّ الغداة، ثمّ صلّ العشاء، و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة، ثمّ صلّ المغرب و العشاء ابدأ بأولهما، لأنّهما جميعا قضاء أيّهما ذكرت فلا تصلّها إلّا بعد شعاع الشمس، قال:

قلت: و لم ذلك؟ قال: لأنّك لست تخاف فوتها). «1»

و هذه الرواية تعرضت أحكاما:

[فى الرواية الاولى لجواز العدول و عدمه/ الفقرة الاولى]

الفقرة الاولى: (إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهن، فأذّن لها و أقم ثمّ صلّها ثمّ صلّ ما بعدها باقامة اقامة لكل صلاة) ففي هذه الفقرة يكون عليه السّلام في مقام بيان كفاية أذان واحد إذا أراد المكلف

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 63 من ابواب الاوقات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 46

إتيان صلوات متعددة بأن يصلّي صلاة بأذان و إقامة، ثمّ كلّ صلاة يصلّي بعدها يكفي لها الاقامة و قوله (فابدأ بأولهن) لم يكن في مقام بيان الترتيب بين ما فات منه من الصلوات حتّى يقال باعتبار الترتيب بينها، بل حيث يكون في مقام إفادة حكم كفاية أذان واحد لا في مقام إفادة الترتيب، فلا يستفاد منه الترتيب، و قوله (فابدأ بأولهن) يكون المراد ما هو الأوّل بحسب شروع، يعني الأذان يقول قبل أوّلهنّ مع الاقامة، ثمّ يأتي بما بقي باقامة إقامة.

[الكلام فى الفقرة الثانية]

الفقرة الثانية: (و قال: و قال أبو جعفر عليه السّلام: و إن كنت قد صلّيت الظهر و قد فاتك الغداة فذكرتها فصلّ الغداة أىّ ساعة ذكرتها و لو بعد العصر، و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها) يحتمل أن تكون المخاطبة الواقعة بين أبي جعفر عليه السّلام و بين زرارة المذكورة في هذه الرواية في مجلس واحد، و يحتمل أن تكون في مجلسين أو مجالس، و قول زرارة (و قال أبو جعفر عليه السّلام) ربما يؤيد ذلك و لم يصل إلينا كتاب زرارة فيحتمل أنّه ذكر السؤالات و الأجوبة الّتي وقعت بينه و بينه عليه السّلام في كتاب، ثمّ في أوّل كل سؤال و جواب مثلا قال (و قال أبو جعفر عليه السّلام) و

على كل حال يستفاد من هذه الفقرة حكم آخر، و هو قضاء الغداة إذا ذكر فوتها و لو كان بعد العصر، ثمّ بعد ذلك أفاد عليه السّلام قضاء كل صلاة فات متى ما ذكرها.

و قد يتوهّم من هذه الفقرة المضايقة بمعنى أنّ وقت قضاء الفائتة يكون مضيّقا لا موسعا حتّى يقال بناء على المضايقة لا بدّ له البدار بقضاء الفائتة فورا، و لا يشتغل بشي ء سواها إلا بمقدار الضرورة لانه عليه السّلام قال (فصلّ الغداة أىّ ساعة ذكرتها) و كذلك قال (و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها) و ظاهرها وجوب إتيان الغداة في أوّل زمان التذكر، و هذا معنى المضايقة في الوقت.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 47

و لكن لا مجال لهذا التوهّم لانه عليه السّلام بعد قوله (فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها) قال (و لو بعد العصر) فحيث إنّه يكون بعد العصر الصّلاة مكروهة أو محرمة كما عند العامة فيكون الأمر عقيب الحظر أو الكراهة، فلا ظهور للأمر في الوجوب، بل يكون في مقام أنّ القضاء واجب، و بعد كونه واجبا يجب إتيانه، و يجوز في كل ساعة حتّى في الساعات المكروهة، فلا يستفاد من الرواية المضايقة.

الفقرة الثالثة:

(و قال إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر و أنت في الصّلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثمّ صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع) و الظاهر من هذه الفقرة في حدّ نفسها هو وجوب العدول من العصر إلى الظهر إذا نسى الظهر و دخل في العصر، سواء كان في أثناء العصر أو بعد الفراغ منها.

أمّا جواز العدول في الأثناء، فيدل عليه هذه الفقرة، و الفقرة الّتي بعدها، و بعض روايات اخر، و يكون المفتي به بين

الاصحاب رضوان اللّه عليهم.

و أمّا العدول بعد الفراغ من اللاحقة إلى السابقة مثلا في المورد المذكور في الرواية، من العصر إلى الظهر بعد الفراغ من العصر بأن ينوها الاولى- فهو و إن كان جائزا بمقتضى ظاهر هذه الفقرة، و مقتضى ظاهر رواية ابن مسكان عن الحلبي، إلّا أنّه بعد ما نرى من كون المشهور من القدماء لم يفتوا على طبقها، مع أنّهم ترووا هاتين الروايتين و أعرضوا عن هذه الفقرة من رواية زرارة، مع كون الرواية متقنا من حيث السند و عن رواية ابن مسكان عن الحلبي، فلم تكن الروايتان حجتين لهذا الحكم، لأنّ أدلّة حجية خبر الواحدة، و العمدة منها هو بناء العقلاء، لا تشملهما، لعدم كون بناء العقلاء على الأخذ بمثل هذه الرواية.

(و لا ينافي عدم إمكان العمل بهذه الفقرة من رواية زرارة مع العمل ببعضها

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 48

الاخر، لأنّ في هذه الفقرة لم تكن حجة، فعلى هذا لا يمكن الالتزام بجواز العدول من اللاحقة السابقة بعد الفراغ من اللاحقة، و يأتي بالنظر التشويش في هذه الفقرة، لأنّه بعد ما يفرض العدول في الأثناء، فإنّ كان في هذه الفقرة كما هو ظاهرها، فرض العدول في الأثناء و بعد العصر، لا وجه لذكر الأثناء مجددا، فيحتمل كون هذه الفقرة من زيادة الواقعة في الرواية، أو غير ذلك ممّا يوهن متن هذه الفقرة).

[الكلام فى الفقرة الرابعة و الخامسة و السادسة و السابعة]

الفقرة الرابعة: (فإن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى، ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين، و قم فصلّ العصر) و هذه الفقرة تدلّ على وجوب العدول من العصر إلى الظهر إذا تذكر عدم إتيان الظهر في أثناء العصر.

الفقرة الخامسة: (و

ان كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين، ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر، ثمّ قم فاتمها ركعتين، ثمّ تسلّم، ثمّ تصلّي المغرب) و هي ظاهر في وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة و بيّن الصغرى و هو العدول من المغرب إلى العصر إذا تذكر في أثناء المغرب.

الفقرة السادسة: (فإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب، فقم فصلّ المغرب، و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة، فانوها المغرب، ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة) بيّن حكمين:

الأوّل: إتيان المغرب لو نسيها و صلّى العشاء،

الثاني: العدول من العشاء إلى المغرب إذا تذكر نسيان المغرب بعد ما صلّى ركعتين من العشاء، أو قام إلى الثالثة من العشاء.

الفقرة السابعة: (فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتّى صلّيت الفجر

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 49

فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الاولى أو في الثانية من الغداة، فانوها العشاء، ثمّ قم فصلّ الغداة و أذّن و أقم، و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا، فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء، فإنّ خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما، فابدأ بالمغرب، ثمّ صلّ الغداة، ثمّ صلّ العشاء، و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب، فصلّ الغداة، ثمّ صلّ المغرب و العشاء ابدأ بأوّلهما لأنّهما جميعا قضاء أيهما ذكرت فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس. قال:

قلت: لم ذلك؟ قال: لأنّك لست تخاف فوتها) و بين عليه السّلام أحكاما في هذه الفقرات، و مفادها واضح. «1»

[الكلام فى الرواية الثانية]

الرواية الثانية: ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى، فقال: إذا نسي الصّلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة، ثمّ صلّى المغرب، ثمّ صلّى العتمة بعدها، و ان كان صلّى العتمة وحده فصلّى منها ركعتين، ثمّ ذكر انّه نسي المغرب أتمها بركعة، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات، ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك). «2»

تدلّ على العدول من الحاضرة إلى الفائتة إن كان المراد من قوله (نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة اخرى) هو تذكره بعد خروج الوقت كما هو ظاهره، و تدلّ

______________________________

(1)- (أقول: و قوله عليه السّلام أخيرا (أيّهما ذكرت الخ) دالّ على المواسعة، أمّا أوّلا فلأنّه قال عليه السّلام (لا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس) فجوّز تأخيرها، و أمّا ثانيا و هو العمدة، العلة الّتي ذكرها لجواز التأخير، و هو قوله (لأنّك لست تخاف فوتها) فالظاهر منه هو أنّك في السعة، لأنّك لست تخاف فوتها، يعني: وقتها موسعة، و هذا معنى المواسعة). (المقرّر).

(2)- الرواية 2 من الباب 63 من ابواب الاوقات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 50

على العدول من اللاحقة إلى السابقة.

[الكلام في الرواية الثالثة و الرابعة]

الرواية الثالثة: ما رواها حماد عن الحلبى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أمّ قوما في العصر، فذكر و هو يصلّي بهم، أنّه لم يكن صلّى الاولى؟ قال:

فليجعلها الاولى الّتي فاتته، و يستأنف العصر، و قد مضى القوم صلاتهم، و رواها الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابن أبي عمير مثله إلّا انّه قال (و قد مضى القوم بصلاتهم). «1»

تدلّ على العدول من الحاضرة إلى الحاضرة، لأنّ فيها

الأمر بالعدول من العصر إلى الظهر.

الرواية الرابعة: ما رواها ابن مسكان عن الحلبى (قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاولى حتّى صلّى العصر، قال: فليجعل صلاته الّتي صلّى الاولى، ثم ليستأنف العصر) «2» تدلّ على العدول من الحاضرة إلى الحاضرة، و موردها صورة الفراغ من العصر، فلا يعتمد على الرواية لإعراض الأصحاب عنها، لما قلنا في رواية زرارة.

و نحن نعدّ الرواية الثالثة و الرابعة روايتين، و لا مجال لتوهم كونهما واحدة لما يرى من أن الراوي فيهما واحد، لأنّ حماد يروى عن الحلبى و ابن مسكان يروي عن الحلبى، لأنّ حماد يرى أنّ نوعا من رواياته يروي عن عبيد اللّه بن على الحلبى، و ابن مسكان يروي عن محمد بن علي الحلبي فعلى هذا لا يبعد كون كل منها رواية مستقلة.

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 63 من ابواب الاوقات من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 63 من ابواب الاوقات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 51

الرواية الخامسة:
اشارة

ما رواها الحسن بن زياد الصيقل (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي الاولى حتّى صلّى ركعتين من العصر؟ قال: فليجعلها الاولى، و ليستأنف العصر. قلت: فإنّه نسى المغرب حتّى صلّى ركعتين من العشاء ثمّ ذكر؟ قال: فليتم صلاته، ثمّ ليقض بعد المغرب قال: قلت له: جعلت فداك: قلت حين نسى الظهر، ثمّ ذكر و هو في العصر: يجعلها الاولى ثمّ يستأنف، و قلت لهذا يتم صلاته ثمّ يقضى بعد المغرب؟ فقال: ليس هذا مثل هذا، إنّ العصر ليس بعدها صلاة، و العشاء بعدها صلاة). «1»

و ظاهرها الفرق بين العصر و العشاء، فيجوز العدول من العصر إلى الظهر، و لا يجوز العدول من العشاء إلى

المغرب معللا بأن العصر ليس بعدها صلاة، و العشاء بعدها صلاة، و قد تصدى الفاضل الهندي رحمه اللّه صاحب كشف اللثام لتوجيه الرواية، و حاصل كلامه يرجع إلى أنّ قوله (ثمّ ليقض بعد المغرب) يقرأ لفظ (بعد) بفتح الدالّ، فيكون المراد أنّه يتم صلاته الّتي شرع فيها بنية العشاء مغربا، ثمّ ليقض بعد هذه الصّلاة الّتي بالعدول صارت مغربا العشاء،

و بعبارة اخرى يقضى: أى يأتى بالعشاء بعد المغرب.

ثمّ قال في توجيه سؤال السائل عن الفرق و ذكر جواب الامام عليه السّلام مع العلة:

بأنّ السائل ليس سؤاله من علّة الفرق بين العصر و العشاء من حيث جواز العدول في الاولى و عدمه في الثانية، بل بعد ما قال عليه السّلام في مقام جواز العدول من العصر إلى الظهر و جعل العصر ظهرا بأنّه (و ليستأنف العصر) فعبر بلفظه (الاستيناف) فكان

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 63 من ابواب الاوقات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 52

سؤال السائل من علّة التعبير في الاولى بالاستيناف بقوله (و ليستأنف) و في الثانية بالقضاء بقوله (ثمّ ليقض) فقال عليه السّلام في الجواب بما يرجع إلى أنّ علّة الفرق في التعبير هو أن العصر ليس بعدها صلاة، و لاجل هذا قلت (و ليستأنف) و العشاء بعدها صلاة و لهذا قلت (ليقض).

[في ردّ كلام الفاضل الهندي]

هذا حاصل ما قال توجيها للرواية، و لا يخفي ما فيه من البعد، لأنّه كما ترى ظاهر الرواية هو الفرق بين العصر و العشاء من حيث جواز العدول في الاولى و عدمه في الثانية، و حيث إنّ الرواية في هذا الحيث مخالف مع ساير الروايات، و ما هو المشهور عند الاصحاب، فالأولى ردّ علمها إلى أهله.

إذا عرفت حال الروايات نقول

بعونه تعالى: اعلم أنّ الكلام يقع تارة في جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة الأدائية بعد الفراغ من اللاحقة، بأن صلّى العصر فتذكر نسيان الظهر.

و الحق عدم الجواز، لأنّه بعد كون العدول خلاف القاعدة حتّى بالنسبة إلى الأثناء، فنحتاج في الخروج من القاعدة من الدليل، و ليس لنا دليل.

إن قلت: بأنّ رواية زرارة و ابن مسكان عن الحلبى تدلّ على ذلك.

نقول: بأنّه كما قلنا بعد كون الشهرة على خلافهما، و عدم وجود قائل بذلك من القدماء، فيكشف ذلك عن إعراضهم عن رواية زرارة في خصوص هذه الفقرة الدالّة على ذلك و من رواية ابن مسكان، فعلى هذا لم يكن مقتضى الحجية في الروايتين من حيث هذا الحكم موجودا، لعدم بناء العقلاء على أمثال

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 53

هذه الرواية. «1»

[في ان العدول فى الاثناء من اللاحقة الى السابقة فجائز]

و تارة يقع الكلام في العدول في الأثناء، اعلم أن مورد الروايات و خصوصا رواية زرارة المتقدمة، هو العدول من اللاحقة إلى السابقة الّتي سابقة على اللاحقة بلا فصل، كالظهر بالنسبة إلى العصر، و المغرب بالنسبة إلى العشاء، و من اللاحقة إلى السابقة الّتي مضى وقتها و تذكر في أثناء اللاحقة، لكن في خصوص الفائتة الّتي سابقة على اللاحقة بلا فصل صلاة اخرى، مثل ما إذا كان في الظهر فتذكر نسيان الغداة، أو كان في المغرب فتذكر نسيان العصر، أو كان في الغداة فتذكر نسيان العشاء، فوجوب العدول في خصوص مورد الروايات، و هو ما بينا، ليس محل كلام و إشكال.

[في ان الاشكال في صور ثلاثة/ الصورة الاولى]

إنّما الكلام في صور:

الصورة الاولى: هل يجوز العدول من اللاحقة إلى السابقة الّتي يكون بينها و بين اللاحقة صلاة اخرى أو صلوات اخر أم لا؟ مثل ما إذا شرع في العصر، و تذكر أنّه لم يصلّ الغداة، أو في المغرب فتذكر نسيان الظهر، أو في الغداة و تذكر نسيان المغرب، أو كان في الظهر و تذكر نسيان ظهر يوم السابق، و هكذا و الأمثلة كثيرة، فهل تشمل الروايات هذه الصورة أم لا؟

______________________________

(1)- أقول: و أمّا العدول من الحاضرة إلى الفائتة بعد الفراغ فغير ممكن، فلا يمكن العدول بعد الفراغ من الظهر إلى الصبح، لأنّها أربع ركعات و الغداة ركعتين، و كذلك من المغرب بعد الفراغ منها إلى الظهر أو العصر لانها ثلاث ركعات و كل منهما أربع ركعات، و لا من الغداة إلى المغرب و العشاء، لأنّها ركعتين و هما ثلاث ركعات و اربع ركعات إلا أن يقال بالعدول من خصوص العشاء إلى الظهر أو العصر. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 54

[في ذكر الصورة الثانية و الثالثة]

الصورة الثانية: يقع الكلام في ترامى العدول، و هو أنّه مثلا إذا تذكر في اللاحقة عدم إتيان السّابقة، مثلا تذكر في العصر عدم إتيانه الظهر، فعدل إلى الظهر و بعد العدول إلى الظهر تذكر عدم إتيان الغداة، و بعبارة اخرى هل يكون هنا محل العدول، و بعبارة ثالثة في هذا المورد عدل في صلاة مرتين: مرة من العصر إلى الظهر، و مرة من الظهر إلى الغداة، هل يشمله الروايات أم لا؟ وجهان:

وجه عدم كون الصورتين المتقدمتين مورد العدول، هو أنّ ظاهر الروايات، كما قلنا، غير الموردين، فبعد كون العدول على خلاف القاعدة، لا وجه لجواز العدول في الصورتين:

وجه جواز العدول هو أن يقال:

بأن خصوصية كون السابقة سابقة على اللاحقة بلا فصل صلاة، و كذلك خصوصية كون العدول في مورد الروايات من صلاة إلى صلاة اخرى فقط، تكون ملغى في نظر العرف، لأنّه بعد عرض الروايات على العرف لا يفهم فرق في شمولها لكل هذه الموارد، و المذكور في الدليل و إن كان صورة واحدة إلّا أنّه لا خصوصية للمورد المذكور فيها، فتشمل الحكم للصورتين أيضا. «1»

الصورة الثالثة: من دخل في اللاحقة و تذكر عدم إتيان السابقة الأدائية، فتارة يتذكر في الوقت المشترك بينهما، مثل من شرع في العصر بعد مضى مقدار أربع ركعات من أوّل الظهر، فلا إشكال في وجوب العدول من العصر إلى الظهر، و هكذا من العشاء إلى المغرب لو لم يتجاوز محل العدول، و هذا ممّا لا كلام فيه.

______________________________

(1)- لم يختر مدّ ظله العالى أحد طرفي المسألة، و لكن أقول: بأنّ شمول الحكم لكلا الصورتين خصوصا في بعض صغرياتهما و بالاخص في الصورة الثانية، مشكل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 55

و تارة يقع الكلام في ما إذا شرع في اللاحقة قبل إتيان السابقة في الوقت المختص بالسابقة، مثل ما إذا شرع في العصر قبل مضى مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت و لم يأت بالظهر، و كان دخوله في العصر نسيانا، فتذكر في الأثناء و له صورتان، لأنه مرة يتذكر في أثناء اللاحقة بعدم إتيان السابقة و قبل العدول إلى السابقة يتذكر بأنّه شرع في اللاحقة في الوقت المختص بالسابقة، و اخرى يشرع في اللاحقة و يتذكر في أثنائها عدم إتيانه السابقة، فيعدل منها إليها و ينويها السابقة، ثمّ بعد العدول يتذكر بأنّ شروعه في اللاحقة كان في الوقت المختص بالسابقة، و أنّ ما

مضى من صلاته قبل العدول وقع في الوقت المختص بالسابقة، فهل يكون هنا محل العدول أم لا؟ بمعنى: أنّ ما بيده من الصّلاة قابل لأنّ تصير السابقة، مثلا تصير العصر الواقع بعضها السابق على العدول في الوقت المختص بالظهر، ظهرا بالعدول أو لا.

اعلم أنّه تارة نقول بأنّ الوقت مشترك بين الظهر و العصر، فيكون من أوّل الزوال إلى المغرب وقت لهما، و كذلك نقول في العشاءين، غاية الأمر لا بد من إتيان الظهر قبل العصر، و المغرب قبل العشاء، لأنّ هذه قبل هذه، فلا إشكال في كون محل الكلام من موارد العدول، لأنّه شرع في العصر في وقتها غاية الأمر نسى الترتيب، فبعد التذكر في أثنائها يعدل إلى الظهر و يشمله الروايات الواردة في باب العدول.

و لكن تارة نقول، كما هو المشهور عند القدماء رضوان اللّه عليهم، و لا يبعد كون هذا أقوى- بأنّ مقدار أربع ركعات من أوّل الزوال مختص بالظهر، و لا يدخل وقت العصر إلّا بعد مضى ذلك، و كذلك مقدار ثلاث ركعات من أوّل المغرب وقت للمغرب، و لا يدخل وقت العشاء إلّا بعد مضى هذا المقدار.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 56

فعلى هذا حيث إنّه على الفرض في مسئلتنا ما مضى من صلاة العصر أو العشاء مثلا وقع في الوقت المختص بالظهر أو المغرب، يقع الكلام في أنّ المورد يجوز أو يجب العدول من العصر إلى الظهر، و تصير الصّلاة ظهرا أم لا؟ وجهان.

وجه عدم كون المورد مورد العدول، هو أنّه لا بدّ في العدول من شمول الأخبار المتقدمة له، لكون العدول خلاف القاعدة، و المستفاد من الأخبار هو أنّ العصر الواقع صحيحا من غير حيث الترتيب إذا وقع قبل الظهر

و تذكر في الأثناء يجب العدول منها إلى الظهر، لأنّ المستفاد من الأدلّة هو أنّ من صلّى العصر مثلا، و تذكر في الأثناء عدم إتيانه الظهر ينوها ظهرا، و الظاهر ممّن صلّى العصر، هو العصر الصحيح، و على الفرض ليس ما مضى من عصره صحيحا لوقوعها قبل وقتها، فلا يكون المورد مورد العدول.

إن قلت: إنّ المستفاد من الأدلّة ليس إلّا أنّ من يكون في الصّلاة اللاحقة يعدل إلى السابقة لو تذكر عدم إتيانها، و لا تصريح فيها باعتبار كون ما مضى من صلاته صحيحة من غير حيث الترتيب.

نقول: بأنّه من الواضح أنّ المراد هذا، و إلّا فإنّ كان ما مضى من صلاته فاقدة لبعض شرائط آخر، فلا بدّ أن تقول بجواز العدول مثلا لو شرع فيها بلا طهارة، أو على غير القبلة، و الحال انك لم تلتزم بذلك.

و أمّا وجه كون المورد من الموارد الّتي يشملها الأخبار و يكون محل العدول، هو أنّ الشرائط و الأجزاء المعتبرة في الصّلاة مختلفة، فبعضها معتبر في كل صلاة، و بعضها في بعض الصلوات، فالأوّل كالطهارة و القبلة، و الثاني مثل مقدار أربع ركعات في أوّل الوقت أو آخر الوقت، فالأوّل شرط في الظهر فقط، و الثاني في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 57

العصر فقط، لا في مطلق الصّلاة.

[المانع من جواز العدول عدم كون العصر صحيحا]

فعلى هذا نقول: بأنّ المستفاد من الروايات هو أنّ المتذكر في اللاحقة عدم إتيان السابقة يعدل عنها إلى السابقة، و ليس المانع من شمول الأدلّة لموردنا إلّا عدم وقوع ما مضى بعنوان العصر في وقتها فليست عصرا صحيحة، و لكن بعد كون هذه الصّلاة إذا وقعت عصرا مشروط بهذا الشرط أى: وقوعها في غير هذا الوقت المختص بالظهر، لا أن

يكون هذا شرطا في العصر و الظهر كليهما، فنقول إنّ هذه الصّلاة إن وقعت عصرا فاسدة لعدم واجديتها لشرط من شرائطها و هو شرط وقوعها بعد هذا الوقت، و أمّا لو وقعت ظهرا فهي واجدة لشرط الوقت لكون هذا الوقت وقتا لها فعلى هذا بمقتضى أدلّة العدول نقول بعدوله من العصر إلى الظهر و بعد العدول تصير ظهرا و إذا صارت ظهرا صارت من أوّلها إلى آخرها ظهرا، لا أنّ ما مضى من الصّلاة كان عصرا و ما بقى منها يكون ظهرا، بل بعد العدول تصير الصّلاة من أوّلها إلى آخرها ظهرا بمقتضى أدلّة العدول، و بعد صيرورتها ظهرا فالصّلاة من أوّلها إلى آخرها واجدة للشرط فتشمل المورد أدلّة العدول. «1»

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه في مجلس البحث: بأنّه مع فرض كون العدول على خلاف القاعدة يكون الحكم بكون ما نحن فيه مورد العدول موقوفا على شمول الأخبار الواردة في العدول له، و لا إشكال في أنّ كل حكم يكون فرع وجود موضوعه، فلا بدّ لنا من فهم أنّ ما هو موضوع العدول، فنقول: إنّ موضوع العدول- كما يظهر من رواية زرارة، كما هو ظاهر قوله فيها (و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين، فانوها الاولى الخ) و هكذا روايات الاخر- هو كون الموضوع من يصلّي العصر، و بعبارة اخرى يكون في اللاحقة.

فتارة يقال: إنّ مفاد قوله (و أنت في صلاة العصر) الظاهر في أنّ الموضوع من يكون في صلاة العصر، هو مطلق من يكون في صلاة العصر و إن كانت صلاة عصره فاسدة من حيث فقد جزء أو شرط، مثلا يكون بلا طهارة

أو على غير القبلة.

و تارة يقال: إنّ الموضوع هو الصّلاة الصحيحة من غير حيث الترتيب.

و بعبارة اخرى تارة تكون الروايات في مقام بيان خصوص الصّلاة الّتي جامعة للشرائط غير شرط الترتيب، فمن هذه الصّلاة يعدل إلى السابقة، و تارة تكون لها إطلاق من حيث هذا الشرط و غيره.

و حيث إنّ الظاهر هو عدم إطلاق لها، فليس المورد مورد العدول، لأنّ موضوع العدول غير موجود هنا، لأنّ اللاحقة الصحيحة من غير حيث الترتيب لم تكن على المفروض، حيث إنّ العصر من حيث وقوعها قبل وقتها فاقدة لشرط الصحة، و هو الوقت فعلى هذا لا يجوز العدول فيما نحن فيه.

فقال مدّ ظله العالى جوابا: بأنّ حاصل الاشكال يرجع إلى أنّ الروايات لا تكون لها إطلاق، و لكنّ الانصاف يكون الاطلاق لها حيث إنّ الموضوع هو من يصلّي العصر سواء كان شروعه في الوقت المختص أو المشترك، و لا وجه لدعوى أنّ الروايات لا تشمل وقت المختص، فمن يكون في اللاحقة يجب عليه العدول إلى السابقة، غاية الأمر أن ما بيده من الصّلاة ليست قابلة لأنّ يتمها عصرا لكونها واقعة قبل وقتها، و لكن قابلة لأنّ تقع ظهرا لكون الوقت وقتا لها، و أدلّة العدول يجعلها ظهرا، فوقع ما مضى و ما بقى منها في وقتها و تصح الصّلاة.

و لكن كما قلت بحضرته مدّ ظله العالى أقول: بأنّ ما مضى من الصّلاة الواقعة قبل العدول بنية العصر، وقعت فاسدة لكونها قبل الوقت، فليس موضوع العدول حتّى تصير ظهرا بالعدول، و بعبارة اخرى رتبة الموضوع مقدمة على الحكم، فلا بدّ في جواز العدول أو وجوبه من موضوع، و الموضوع هو العصر الواقع من غير جهة الترتيب صحيحة، و على

الفرض لم تقع صحيحة لكونها في غير وقته.

و ما أفاده من الاطلاق للروايات ليس بصحيح، لأنّ لسان الروايات كما يظهر للمراجع، هو.

التعرض لحيث الترتيب، بمعنى أنّ اللاحقة المعتبرة فيها الترتيب و كونها فاقدة له نسيانا يعدل عنها إلى سابقها، فكل صلاة وقعت صحيحة من غير حيث الترتيب يجوز العدول منها إلى سابقها، فلا تعرض للروايات لغير هذه الجهة، و إلّا إن كان إطلاق للروايات فلازمه هو الحكم بجواز العدول و لو وقعت اللاحقة فاسدة من غير حيث الترتيب، مثلا وقعت بلا طهارة أو على غير القبلة.

و ما أفاده مد ظله العالي من الفرق بين الشرائط- من أنّ بعض الشرائط شرط لمطلق الصلوات كالقبلة و بعضها لبعض الصلوات كالترتيب المعتبر في اللاحقة، فإنّ كان الشرط من قبيل الثاني يشمله أدلّة العدول لأنّ بالعدول تصير اللاحقة السابقة، و على الفرض لا يعتبر هذا الشرط في السابقة، فلا إشكال- غير تمام لأنّه على فرض تعرض الروايات لخصوص صورة وقوع ما وقع بقصد اللاحقة صحيحة، و كون موضوع العدول هذه الصورة فقط، فلا موضوع في ما إذا وقعت اللاحقة فاقدة للشرط سواء كان هذا الشرط الوقت الّذي كان موجودا على تقدير كون الصّلاة تقع السابقة و سواء كان غير هذا الشرط، لأنّ الشرط معتبر في اللاحقة، و على الفرض لم يكن موجودا، فلم يكن موضوع العدول.

نعم لو فرض كون الموضوع موضوع العدول تقع الصّلاة الصّلاة السابقة من باب كونها في وقتها، و لكن الكلام في الموضوع فعلى هذا لم يكن المورد مورد العدول على فرض اختصاص أول الوقت بالظهر، فافهم.

ثمّ إنّ مدّ ظله العالى قال، بعد ما قلت ما قلت، بأنّ للروايات إطلاق فتشمل المورد إطلاقها، نعم حيث إنّ

المتعارف في زمان صدور الروايات هو التفريق عند المسلمين لا الجمع فكانوا يصلّون الظهر في أوّل الوقت، ثمّ بعد مدة يصلّون العصر، و لم يكن العمل على الجمع، يمكن أن يقال: بأنّ الاطلاقات الواردة منصرفة عن المورد، لعدم تعارف إتيان العصر قبل زمان كان المتعارف إتيانها في هذا الزمان، ى فلا يؤتى بها في أوّل الزوال متصلا بصلوة الظهر، و حيث إنّ الاطلاقات منزّلة على المتعارف و الفرض خارج عن المتعارف، فلا يبعد دعوى عدم كون المورد من موارد العدول.

أقول: كما قلنا: الوجه في عدم كون المورد مورد العدول هو ما قلنا، و إلّا فما أفاده مد ظله.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 60

فرع:

بعد ما يكون مورد العدول من العشاء إلى المغرب هو في ما إذا تذكر في أثناء العشاء، و كان محل العدول باقيا، مثلا تذكر في الركعة الاولى أو الثانية أو الثالثة، أو الرابعة من العشاء قبل دخوله في ركوع الركعة الرابعة، ففي كل هذه الصور يعدل من العشاء إلى المغرب، و أمّا إذا تذكر بعد الدخول في ركوع الرابعة من العشاء، فليس هنا محل العدول مسلما لأنّه ان يعدل إلى المغرب فقد زاد فيها ركوعا فتبطل المغرب، فلا يكون مورد العدول كما يظهر من رواية زرارة المتقدمة.

هذا ممّا لا إشكال فيه إنّما الكلام في أنّه بعد عدم كون المورد مورد العدول، فما حكم ما بيده من العشاء، فهل تبطل بمجرد تذكر نسيانه المغرب من باب فقدها الشرط الترتيب، أو يتمها عشاء و تصح عشاء، أو يتمها عشاء ثمّ يأتى بالمغرب و بعدها عشاء آخر احتياطا؟

أعلم أنّ الظاهر من كلمات نوع المتأخرين هو صحة الصّلاة و وقوعها عشاء، لكن السيّد رحمه اللّه كما

يرى في العروة لم يقل بذلك بل قال: باتمام الصّلاة عشاء، ثمّ إتيان المغرب، ثمّ عشاء آخر بعد المغرب.

______________________________

العالي وجها لعدم الشمول يمكن إنكاره، فإنّه في زمن الصادقين عليهما السّلام، مع الروايات الواردة في جواز الجمع، لم يكن الجمع غير متعارف خصوصا في نظر السائل مثل زرارة، فإنّ حمل المطلق على المتعارف ليس إلّا من باب أنّ المتكلم لو أطلق كلامه مع كون نظره إلى خصوص المتعارف، فما أخلّ بفرضه، لأنّ المخاطب لا يحمل كلامه إلّا إليه، و لكن لو لم يكن عند المخاطب تعارف فإن أطلق كلامه مع كون نظره إلى خصوص بعض الأفراد لا تمامها، فقد أخلّ بفرضه، و المورد كذلك، لأنّه بعد كون الجمع متعارفا و السائل مطلع عليه، فلا ينزّل كلام المتكلم على خصوص ما كان وقوع اللاحقة في الوقت المشترك، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 61

و لا يبعد صحّتها و وقوعها عشاء صحيحا، و نقول وجها له:

أمّا أوّلا فلأنّ المستفاد من رواية زرارة و بعض آخر من روايات العدول أنّه إذا تذكر في أثناء اللاحقة عدم إتيان السابقة يعدل إليها، و إن تذكر بعد الفراغ من اللاحقة عدم إتيان السابقة وقعت اللاحقة صحيحة، و يأتى بالسابقة بعدها، فيستفاد من الروايات أنّه إذا أتى باللاحقة، و لا يمكن العدول إلى السابقة تقع اللاحقة صحيحة و إن وقعت قبل السابقة فاقدة للترتيب، فمن الحكم بصحة اللاحقة مع فقد الترتيب إذا تذكر بعد الفراغ منها عدم إتيان السابقة نكشف مناطا، و هو أنّ ميزان الحكم بصحة اللاحقة في فرض تذكره بعد الفراغ ليس إلّا من باب عدم إمكان العدول منها إلى السابقة، فبعد كون المناط هذا، فنقول في ما نحن فيه: بأنّ

هذا المناط موجود، لأنّه بعد التذكر بعد ركوع الركعة الرابعة من العشاء نسيان المغرب، لا يكون محل العدول، و لا يمكن أن ينويها المغرب للزوم زيادة الركن و هو الركوع، فعلى هذا تقع الصّلاة عشاء و تصح، و يأتي بعدها بالمغرب للمناط الّذي استكشفناه، و لا فرق بين الفراغ من أصل الصّلاة و بين الفراغ من محل العدول في عدم إمكان العدول.

و ثانيا فلأنّ حديث (لا تعاد) يشمل الأثناء، فيحكم بعدم اعتبار الترتيب و عدم شرطية وقوع العشاء بعد المغرب لكونه ناسيا لعدم إتيان المغرب فعلى هذا يمكن أن يقال: بوقوعها صحيحة، ثمّ يأتى بعدها بالمغرب. «1»

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظله العالى في مجلس البحث، في كلا الوجهين نظر، أمّا في الوجه الأوّل فأمّا أوّلا فلأنّ المورد الّذي حكم بصحة اللاحقة اللازم منها عدم شرطية الترتيب هو تذكر المكلف بعد الفراغ من العشاء، و ما أفاده من عدم الفرق بين تذكره بعد الفراغ و تذكره في.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 62

[في ذكر فرع آخر]
اشارة

فرع لو تخيل في أثناء اللاحقة عدم إتيان السابقة فعدل إليها، ثمّ بعد العدول تذكّر بأنّه أتى بالسابقة، مثلا في صلاة العصر تخيل عدم إتيانه الظهر، فعدل إلى الظهر، ثمّ بعد العدول تذكر إتيان الظهر، فهل يجوز إتمامها عصرا بالعدول أو بلا عدول و تقع عصرا أم لا؟

______________________________

موضع لا يمكن العدول، غير مسلم، و من أين نكشف المناط، و أمّا ثانيا نفس روايات العدول تدلّ على خلاف ذلك، و أنّ بين التذكر في الأثناء في العدول من اللاحقة إلى السابقة، و بين التذكر بعد الفراغ فرق حيث حكم في الأوّل بالعدول و ما حكم بذلك بعد الفراغ، بل حكم بصحة الصّلاة و

وقوعها اللاحقة، فكيف يمكن أن يقال: بأنّ بعد دلالة الدليل على الصحة لو تذكر بعد الفراغ من العشاء نسيان المغرب، نفهم الصحة لو تذكر في أثناء العشاء نسيان المغرب بعد مضى محل العدول بدخوله في ركوع الركعة الرابعة من العشاء.

و أمّا في الوجه الثاني فنقول: على تقدير شمول (لا تعاد) للأثناء، و لا نقول: بأنّ حديث (لا تعاد) متعرض لبعد الفراغ، فنقول: بأنّ حديث (لا تعاد) يقتضي صحة ما مضى من العشاء بدون واجديته لشرط الترتيب، و أمّا بعد التذكر فهو حيث يكون عالما لا ناسيا، فلا يحكم بعدم دخل شرطية الترتيب لما بقى من صلاة العشاء بحديث (لا تعاد) لأنّ الحديث لا يشمل العمد، فأفهم.

و بعد ما قلت ذلك بحضرته مدّ ظله لم يصرّ على الصحة و كأنه استرضى ما قلت، أو صار مترددا.

ثمّ إنّه إن قيل بصحة الصّلاة و وقوعها عشاء بدعوى انصراف أدلّة الدالّة على اعتبار تأخر العشاء عن المغرب عن هذه الصورة.

نقول: هذا أيضا لا وجه له، لأنّ التذكر في الأثناء ليس فردا نادرا، بل كثيرا ما يتفق فلا وجه لانصراف الاطلاق منه، و يؤيد اعتبار الترتيب حتّى لو تذكر في أثناء اللاحقة للأخبار المتقدمة الدالّة على العدول لأنّ لزوم العدول منها إلى السابقة يكون لأجل اشتراط الترتيب، أعنى: تأخر اللاحقة عن السابقة، فعلى هذا الحق بطلان الصّلاة في هذا الفرض، نعم ينبغي الاحتياط باتمامها عشاء ثمّ إتيان المغرب، ثمّ عشاء اخرى بعد المغرب، فافهم). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 63

[الحقّ بطلان الصّلاة و عدم وقوعها عصرا بالعدول]

الحقّ بطلان الصّلاة و عدم وقوعها عصرا، لأنّه بالعدول إلى الظهر زالت استدامة الحكمية المعتبرة في النية، فليست قابلة لصيرورتها عصرا، و لا تقع ظهرا للاتيان بها، فمع إتيانه بها

لا محل للعدول إليها فلا تقع هذه الصّلاة لا الظهر و لا العصر.

ثمّ اعلم أنّ العدول يتصور من النافلة إلى النافلة، و من النافلة، إلى الفريضة، و من الفريضة إلى النافلة، و من الفريضة الأدائية إلى الفريضة القضائية، و من الفريضة الأدائية إلى الفرضية الأدائية.

أمّا العدول من النافلة إلى النافلة فغير جائز لعدم الدليل عليها، و كذا من النافلة إلى الفريضة.

و أمّا من الفريضة إلى النافلة فلا يجوز إلّا في موردين: أحدهما في من شرع في الفريضة فقامت الجماعة، فيجوز العدول، و ثانيهما فيما. إذا قرأ المصلّي فى صلاة الجمعة غير صورة الجمعة، فإنّه يجوز له العدول إلى النافلة، ثمّ استينافها.

و أمّا من الفريضة الأدائية إلى الأدائية فمن السابقة لا يجوز العدول إلى اللاحقة، و يجوز من اللاحقة إلى السابقة عليها كالعدول من العصر إلى الظهر.

و أمّا من الفريضة الأدائية إلى الفريضة القضائية، ففي صورة كون اللاحقة متصلا باللاحقة، مثل من تذكّر في صلاة ظهره فوت صلاة الفجر من هذا اليوم، فلا إشكال في جواز العدول، أو وجوبه، و أمّا مع الفصل بينهما، بأن تذكر في صلاة الظهر فوت صلاة ظهر يوم السابق، أو أياما سابقة، فشمول أخبار العدول لهذه الصورة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 64

كان مورد الكلام و قد مضى الكلام فيه و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلّى اللّه على آله و لعنة اللّه على أعدائهم.

ربّ زدنى علما و عملا و ألحقنى بالصالحين كتبه الأحقر علي الصافي الگلپايگاني 1372

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 65

الثاني من أفعال الصّلاة القيام

اشارة

و فيه جهات يبحث فيها:

الجهة الاولى: اعلم أنّ القيام عدّه بعض من الفقهاء الثاني من أفعال الصّلاة، و بعضهم الثالث من أفعالها، و لعلّ وجه عدّه

الثاني من أفعالها هو أنّ كلّ من يتهيأ للصّلاة و ينويها، لا بد من أن يقوم و يكبّر، فحيث إنّه لا بد من القيام قبل تكبيرة الاحرام فلأجل هذا عدّه الثاني من أفعالها، و من عدّه الثالث من أفعالها لعل كان نظره إلى أنّ قيام الواجب حيث يكون حال الشروع في تكبيرة الاحرام، فالقيام ليس واجب قبلها فعدها الثالث من أفعالها.

و على كلّ حال القيام من جملة أفعال الصّلاة، و من جملة ما يكون من مقوماتها، و اعتباره و دخله في الصّلاة في الجملة ممّا لا إشكال فيه، بل هو في الجملة من جملة الضروريات بين المسلمين، و كان مثل أصل الصّلاة ضروريا، لأنّه متى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالصّلاة من قبل اللّه تعالى كان مع القيام، و أوّل صلاة صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان مع القيام، فهو كان يصلّي قائما و يقول على ما نقل عنه، (صلّوا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 66

كما رأيتموني اصلّي) مضافا إلى دلالة بعض الآيات الشريفة على ذلك مثل قوله تعالى (الَّذِينَ «1» يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً) و دلالة بعض الروايات الواردة عنهم:

عليه، فاعتباره في الجملة في الصّلاة ممّا لا إشكال فيه.

و ما ينبغي أن يتكلم فيه في هذا المقام هو أنّ من يراجع كلمات الفقهاء رضوان اللّه عليهم، يرى بأنّهم يعدّون القيام من الأركان، و مرادهم من الركن، على ما يظهر من كلام بعضهم، هو ما يوجب نقيصته عمدا كان أو سهوا بطلان الصّلاة، و على ما يظهر من كلام بعضهم، هو ما توجب زيادته و نقيصته عن عمد كانت أو سهو بطلان الصّلاة.

فالتزامهم بأنّ

القيام ركن، كما يظهر من عبارة الشّيخ رحمه اللّه في المبسوط، و ابن حمزة رحمه اللّه في الوسيلة و غيرهما كالمحقق رحمه اللّه و غيره مع التزامهم بأنّ الركن ما يوجب نقصه عمدا و سهوا بطلان الصّلاة، أو زيادته و نقصانه عمدا كان أو سهوا، و الحال أنّه من المسلّم عدم بطلان الصّلاة بنقصه سهوا، لأنّه لو نسي المكلف القراءة حتّى دخل في الركوع فتصحّ صلاته و الحال أنّه أخلّ بالقيام حال القراءة سهوا، فمن أجل هذا وقعوا في الاشكال في الجمع بين كون القيام ركنا الموجب نقصه عمدا و سهوا بطلان الصّلاة كما عن بعض، و زيادته و نقصانه عمدا و سهوا يوجب بطلانها أيضا كما بعض آخر، و بين عدم بطلان الصّلاة لو سها و ترك القراءة و دخل في الركوع ففات منه القيام حال القراءة، و مع ذلك لا يلتزمون ببطلان الصّلاة بتركه سهوا في هذا المورد.

و لأجل هذا الاشكال تصدّى بعضهم لبعض توجيهات حتّى يرتفع هذا

______________________________

(1)- سوره نساء آيه 103.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 67

التهافت، و من جملتها هو أن يقال: بأنّ القيام الّذي يكون ركنا في الصّلاة هو القيام حال تكبيرة الاحرام، و قيام المتصل بالركوع، فلو أخلّ المصلّي بهما تبطل و إن كان إخلاله عن سهو.

نقول: اعلم مقدمة بأنّ الركن لغة عبارة عن قوائم أربع يقع عليها السقف بحيث لو لم يكن أحد منها لا يبقى السقف و على هذا نقول: بأنّ المناسب لهذه المعنى هو كون الركن في الصّلاة، هو ما بعدمه تنعدم الصّلاة، و بعبارة اخرى ما عليه اصطلاح بعض من القدماء من أنّ الركن هو ما يوجب نقصه عمدا و سهوا بطلان الصّلاة، و أمّا

زيادته تصير موجبا للاخلال بالصّلاة فغير مناسب مع معناه اللغوي، لأنّ زيادة القوائم لا توجب انعدام البناء و السقف، و إن فرض كون زيادته موجبا لبطلانها فليس من باب كونه ركنا في المركب، بل يكون من باب أنّ في المركب اعتبر المعتبر شرطا آخر و هو تقيد جزء الفلانى بعدم كونه متعددا و مكررا. «1»

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه على ما يرى في كلماتهم يكون للقيام الصلاتي أفراد: القيام حال تكبيرة الاحرام، و القيام حال القراءة و القيام حال القنوت، و القيام المتصل بالركوع، و القيام بعد الركوع قبل الهويّ إلى السجود.

أمّا القيام حال التكبير فلا يتحقّق له زيادة و نقيصة إلّا بزيادة التكبير، أو

______________________________

(1)- أقول: إنّ معنى الركن لغة ما أفاده مدّ ظلّه العالي، و لكن التعبير بالركن في الصّلاة، و تسمية بعض الأجزاء ركنا ليس إلّا من باب أنّهم رضوان اللّه عليهم بعد المراجعة بالأدلّة رأوا أنّ بعض ما يعتبر فيها يكون دخله بنحو يوجب الاخلال به زيادة و نقيصة عمدا و سهوا بطلان الصّلاة، و بعضها ليس كذلك، فسمّوا الأوّل بالاركان، و على كل حال لا يهمّنا البحث عن ذلك.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 68

بنقيصتها و أمّا القيام حال القراءة فليس بركن مسلما و أمّا القيام حال القنوت فمستحب، و أمّا القيام بعد الركوع فليس بركن، فيبقى القيام المتصل بالركوع.

فنقول: إنّ ما يمكن ان يقال في وجه كونه ركنا امور:

الامر الأوّل: قوله عليه السّلام في بعض الروايات (لا صلاة لمن لم يقم صلبه) بدعوى دلالة هذه الرواية على وجوب القيام، و عدم صلاة لمن لا يراعي القيام.

و فيه أمّا أوّلا فلا دلالة للرواية على وجوب القيام، لأنّ إقامة الصلب يمكن في

الجلوس أيضا، لأنّ إقامة الصلب عبارة عن وضع أعلى البدن بحيث لا يحصل تقوس للبدن، و بعبارة اخرى استقامة فقار الظهر، و هو كما يمكن في القيام يمكن في الجلوس، فما وجه حملها على إقامة الصلب بالقيام، فهي لا تدلّ على اعتبار القيام.

و ثانيا لا يثبت بها وجوب القيام المتصل بالركوع فضلا عن ركنيته، بل غاية الأمر تدلّ الرواية على اعتبار قيام في الجملة في الصّلاة، و هو غير ما نحن بصدده.

الامر الثاني: دعوى الاجماع على ركنية قيام المتصل بالركوع (و إثبات الاجماع مشكل، لعدم دعواه في خصوص القيام المتصل بالركوع، بل ظاهر كلامهم إمّا عدّ القيام من واجبات الصّلاة أو من أركانها لا خصوص القيام المتصل بالركوع، بل يظهر من المراسم أنّ وجوب أصل القيام ليس متفقا عليه، لأنّ المستفاد من عبارته هو أنّ من أصحابنا من يقول بوجوبه و هو عندي أصحّ، فعلى كل حال إثبات ركنية القيام المتصل بالركوع، بل وجوبه بالاجماع مشكل).

الامر الثالث: أن يقال: إنّ إطلاق الركعة بالركعات ليس إلّا من باب كون الركوع فيها، فالركعة مرّة من الركوع فعلى هذا المراد من الركعة هو الركوع، فما ترى من التعبير مثلا (يقوم إلى الركعة الثالثة) أو (قام إلى الركعة) يكون المراد هو القيام

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 69

إلى الركوع فعلى هذا نقول: بأنّ القيام بحسب المستفاد من مثل هذه الروايات واجب لأن يركع، و بعبارة اخرى يجب القيام إلى الركوع، لأنّ المراد بالركعة هو الركوع هنا، فمن هنا نكشف أنّ الواجب هو القيام للركوع، و ليس معنى القيام للركوع إلّا وجوب قيام متصل بالركوع، و هذا معنى وجوب القيام المتصل بالركوع.

و فيه أمّا أوّلا فلأنّه بعد فرض تسليم كون

إطلاق الركعة بالركعة هو كون الركوع فيها، و لكن لا يثبت ذلك إلّا أنّ إطلاق الركعة بالركعة يكون بهذا الاعتبار، و لكن لا يثبت به أنّ في كل مورد ورد حكم على الركعة ورد على الركوع فعلى هذا ليس المراد من (يقوم إلى الركعة) أو (قام إلى الركعة) القيام إلى الركوع، فلا يثبت بهذا البيان وجوب القيام المتصل بالركوع.

و أمّا ثانيا فغاية ما يستفاد من ذلك وجوب القيام للركوع، و هذا لا يثبت إلّا وجوبه مقدمة للركوع، و كون القيام من محققات الركوع، لا أنّه واجب مستقل بنفسه، مع أنّا قلنا في الوجه الأوّل بفساد أصل المطلب، و أنّ ظاهر (يقوم إلى الركعة) و غيره ليس القيام إلى الركوع حتّى يقال بدخل القيام في الركوع.

الامر الرابع: أن يقال بوجوبه و كونه ركنا لا أنّه واجب مستقل و ركن مستقل في قبال ساير واجبات الصّلاة و أركانها، بل من باب كون القيام المتصل بالركوع من مقومات الركوع الّذي هو ركن في الصّلاة، و من محققاته، بدعوى أنّ الركوع ممّا لا يتحقّق إلّا إذا كان عن قيام، و بعبارة اخرى يعتبر في الركوع تحققه عن القيام، و إلّا لم يمكن ركوعا.

و فيه أنّ دعوى اعتباره في الركوع فاسد، لأنّ وجه هذه الدعوى ليس إلّا أن يقال: إمّا بدخالة ذلك فيه في الصدق العرفي، بمعنى أنّ الركوع في نظر العرف لا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 70

يتحقق إلا إذا حصل عن قيام، و إمّا أن يقال: بدخله فيه شرعا، و كلاهما فاسد، لأنّا نرى عدم تصرف من الشرع في الركوع، و نرى عدم توقف صدق العرفي عليه على ما إذا كان عن قيام، كما ترى في موارد إطلاقاته،

فشيخ ركّع ليس إلا من كان في حال الركوع، و لا يعتبرون فيه ان يكون ركوعه عن قيام «1».

الامر الخامس:
اشارة

أصالة الركنية بمعنى أنّه إذا شك في كون شي ء من الأركان أولا، فالأصل يقتضي ركنيته، و لا بدّ لنا أوّلا من عطف عنان الكلام بنحو الاختصار إلى أصل هذه المسألة حتّى يظهر حال المورد.

فنقول بعونه تعالى: بأنّ الشّيخ رحمه اللّه في الرسائل ذكر في الشّك في المكلف به تنبيهات، يكون أحدها هو أنّه إذا شك في ركنية شي ء بمعنى دخلها في المأمور به في مطلق حال العمد و النسيان، و عدم ركنيته بمعنى عدم دخلها إلّا في حال العمد، فهل الأصل يقتضي ركنيته أو يقتضي عدمها، و بعبارة اخرى هل المورد يكون من صغريات الأقل و الأكثر الارتباطى حتّى نقول فيه: بالبراءة أو لا؟

وجه كون المورد مجرى البراءة، هو أنّ الضابط في إجراء البراءة، هو أن يكون لنا معلوم و مشكوك، و بعبارة اخرى و أوضح يكون أمر واحد انبساطيا، فعلم انبساطه على رأس تسعة أجزاء، و لا ندري انبساطه على العاشر، فلنا معلوم و مشكوك، ففي هذا المورد قلنا بالبراءة بالنسبة إلى الزائد المشكوك انبساط الأمر عليه، و في المقام يكون كذلك، لأنّ انبساط الأمر على التسعة و على العاشر في

______________________________

(1)- أقول: و إن كان لا يبعد دعوى أنّ الركوع الّذي عبارة عن خضوع خاص لا يتحقّق إلّا إذا كان عن قيام، و أمّا إذا صدر عن جلوس فلا يقال: إنّه أوجد الخضوع الخاص، و لكن مع ذلك لا تطمئن النفس بدخله فيه، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 71

خصوص حال العمد معلوم، و لكن انبساطه على العاشر في حال النسيان مشكوك، ففي الزائد

المشكوك تجرى أصالة البراءة، فتكون النتيجة أنّ الأصل في ما شك في ركنية شي ء و عدمها هو عدم الركنية.

[قال الشيخ رحمه اللّه ببطلان العبادة بنقص الجزء سهوا]

و لكن الشّيخ رحمه اللّه قال في المقام: ببطلان العبادة بنقص الجزء سهوا إلّا أن يقوم دليل خاصّ على الصحة، لأنّ ما كان جزء حال العمد يكون جزء حال الغافلة، فإذا انتفي انتفي المركب، أمّا عموم جزئيته لحال الغافلة، فلأنّ الغافلة لا يوجب تغيير المأمور به، فإن المخاطب بالصّلاة مع السورة إذا غفل عن السورة في الأثناء لا يتغير الأمر المتوجه إليه قبل طروّ الغافلة، و لم يحدث من قبل الشارع أمر آخر حين غفلته لأنّه غافل، و يرى الناظر في كلمات من تأخر عن الشّيخ رحمه اللّه بأنّ غالبهم أجابوا عنه، و التزموا بكون المورد مورد البراءة كالأقل و الأكثر الارتباطى.

و لكن لا يبعد تمامية كلام الشيخ رحمه اللّه، فنقول: بأنّ المفروض تعلق الأمر بالمركب الذي يكون جزء المنسي جزء له، ففي حال النسيان إن قيل بأنّ هذا الأمر يدعو إلى أجزاء المركب غير الجزء المنسي، فغير صحيح، لأنّ هذا الأمر على الفرض كان على المركب الواجد لهذا الجزء المنسي، و إن قيل بأنّ امرا آخر يكون في البين يدعو إلى المركب الفاقد لهذا الجزء المنسي، فهو أيضا غير صحيح لعدم وجود امر آخر في البين، فعلى هذا لا بدّ من الالتزام بعدم إجراء البراءة، لأنّه بعد فرض تعلق الأمر بالمركب الواجد لهذا الجزء، فلا بدّ إمّا من الالتزام بسقوط الأمر مع فرض نسيان الجزء، و عدم بقاء مطلوبية المكلف به من رأس، فهو ممّا لا يمكن الالتزام به، و إمّا من تعلق الأمر بالمركب بلا جزء المنسي، فهذا أيضا غير صحيح لما قلنا من

أنّ الأمر الأوّل لا يمكن أن يدعو إلى المركب الفاقد للجزء، لكونه داعيا على الفرض على

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 72

المركب الواجد للجزء، و أمّا امر آخر فلم يكن في البين حتّى يدعو إلى المركب الفاقد لهذا الجزء، و إمّا من الالتزام بعدم سقوط الأمر، و بقاء الطلب على المركب الّذي يكون المنسي جزء له، غاية الأمر حين النسيان لا يمكن فعلية هذا الأمر و بعث المكلف و زجره، و لكن بعد النسيان يتوجه نحوه، و لا بدّ من إتيانه المركب مع الجزء المنسى، هذا وجه عدم كون المورد مورد إجراء البراءة. «1»

[في ذكر اشكال آخر من السيد ره]

و هنا إشكال آخر و هو أنّ المقام ليس كالأقل و الأكثر، لأنّه في الأقل و الأكثر تعلق الأمر، و انبساطه على تسعة أجزاء يكون مسلما، و انبساطه على الجزء العاشر مشكوكا، فحيث يكون في البين معلوم و مشكوك، فيكون المورد مورد البراءة بالنسبة إلى الجزء العاشر، و أمّا في المقام فتعلق الأمر و انبساطه على تمام العشرة

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مد ظله العالى في مجلس البحث: بأنّا نقول: إنّ المطلوب حال النسيان ليس إلّا المركب الفاقد للجزء.

قولكم لا بد من وجود أمر على ساير الأجزاء- و هذا الأمر إمّا تقول بأنّه الأمر الّذي كان متوجها على المركب الواجد للجزء المنسي، فهو لم يكن على الفرض، لأنّه كان على المركب مع هذا الجزء، و على الفرض في حال النسيان لا يمكن توجه هذا الأمر لكون المكلف ناسيا، و إمّا تقول: إنّ الباقي مأمورا به بأمر آخر، فعلى الفرض ليس أمرا آخر على المركب الفاقد لهذا الجزء- ليس بتمام، لأنّا نقول: بعد فرض كون الأمر انبساطيا فبسط إلى أجزاءه المركب كما

التزمتم في الأقل و الأكثر، فنقول: بعد نسيان الجزء المركب لا يمكن انبساطه إلى الجزء المنسي، و توجهه به، لكون المكلف ناسيا، و أمّا انبساطه الى ساير الأجزاء فباق، لا إشكال فيه.

فالمانع من إجراء البراءة ليس إلّا أنّ توجيه التكليف بغير الجزء المنسى غير ممكن، فإذا فرض تصحيح ذلك كما نبين إنشاء اللّه، فلا مانع من إجراء البراءة من هذا الحيث، لما قلنا من أنّ الأمر الأوّل يدعو نحو ساير الأجزاء.

و لمّا قلت ذلك رفع اليد من هذا الاشكال، و استشكل مد ظلّه العالى على كون المورد مثل الأقل و الأكثر في إجراء البراءة باشكال آخر، فقال: و هنا إشكال آخر ... (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 73

معلوم، لأنّه على الفرض تعلق الأمر بالسورة الّتي هي جزء العاشر معلوم، فكيف يكون مورد البراءة (قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: بأنّ شمول الأمر و انبساطه على السورة في حال العمد معلوم، و أمّا في حال النسيان مشكوك، فلنا معلوم و مشكوك فتجرى البراءة في المشكوك) فقال: بأنّ بقاء الأمر الأوّل بالنسبة إلى ساير الأجزاء موقوف على توجه التكليف بتسعة أجزاء بالناسى حين نسيانه الجزء العاشر، و هو غير معقول.

[في ذكر بعض الوجوه لتصحيح توجيه التكليف الى الناسي]

و لكن بعد ذلك اختار دامت بركاته توجّه التكليف بالناسي، و ذكر بعض توجيهات ذكر في مقام تصحيح توجيه التكليف بالناسى.

منها أن يوجه تكليف بالتسعة بكل أفراد المكلفين، ثمّ توجه المولى تكليف آخر على الجزء العاشر بالعامد.

منها أن يوجه تكليف بالعشرة بالعامدين، و توجه تكليف آخر بالتسعة بخصوص الناسين لجزء العاشر، غاية الأمر لا بعنوان الناسي حتّى يقال: كيف يمكن الخطاب به بهذا العنوان، بل بعنوان ملازم، مثل أن يدري المولى بأنّ كل الناسين لابسون لباس الأبيض فيقول:

أيّها اللابسون لباس الأبيض (أقيموا الصّلاة المركبة عن تسعة أجزاء) و غير ذلك.

[في ذكر اشكال آخر]

ثمّ إنّه مد ظله أورد إيرادا آخر، و هو منشأ الاشكال في نظره الشريف، فقال: بعد ما يكون على المفروض المأمور به للعامة عشرة أجزاء، فمن يشرع في الصّلاة حيث يكون ملتفتا قبل طروّ النسيان، فهو ينوى إتيان الصّلاة المركبة من عشرة أجزاء، فإذا طرأه النسيان في الأثناء و نسى السورة مثلا الّتي هي الجزء العاشر، فما هو محركه هو الأمر بالعشرة، و ما نواها أيضا هو الصّلاة المركبة من

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 74

عشرة أجزاء، فكيف يمكن بعث المكلف الناسي للسورة إلى الصّلاة الفاقدة للسورة، مع أنّه بحسب نيته منبعث نحو الصّلاة مع السورة و لا ينوى الصّلاة بلا سورة أصلا، و بعد عدم انبعاثه إلّا إلى الاتيان بالمركب الواجد لهذا الجزء المنسي وقت شروعه في الصّلاة، فمع تخيله بأنّه مأمور بهذا المركب الواجد لهذا الجزء المنسي، و عدم علمه بأمر آخر من قبل المولى على الفاقد لهذا الجزء، فلا يمكن و لا يعقل انبعاثه نحو الأمر بالمركب الفاقد للجزء.

فإذا لا يمكن انبعاثه نحوه لا يمكن و لا يعقل أمر المولى بما لا يمكن انبعاث المكلف نحوه، فعلى هذا لا يعقل في الفرض بقاء الأمر على المركب الفاقد للجزء،، و بعد عدم إمكان أمر هكذا على الفاقد في مقام الثبوت، فلا بدّ للمولى إمّا من رفع اليد عن المأمور به المركب من أجزاء اخر و هذا الجزء المنسي رأسا، و إمّا من بقاء أمره على المركب الواجد لهذا الجزء، غاية الأمر حال نسيان الجزء لم يكن الأمر بالنسبة إليه فعليا، و لكن بعد رفع النسيان يجب الاتيان بالمركب مع هذا

الجزء.

فمع عدم إمكان أمر على الفاقد للجزء لا يعقل إجراء البراءة في المقام، لأنّ نفس البراءة غير قابلة لاثبات التكليف على غير فرد المشكوك جزئيته في حال النسيان، لأنّ البراءة ترفع التكليف و لا تثبته، و بقاء الأمر على ساير الأجزاء متفرع على معقولية توجه الأمر إلى المركب الفاقد للجزء بالمكلف، و هو غير معقول لعدم إمكان انبعاث المكلف نحوه، فظهر لك أنّ الحق ما ذهب إليه الشّيخ رحمه اللّه في هذا المقام.

(نعم، يمكن للشارع أن يكتفي في مقام الامتثال بباقى الأجزاء، و يقبل المركب الفاقد للجزء المنسى، و يحكم بعدم وجوب الاعادة و القضاء بعد التذكر، كما أثبت ذلك في الصّلاة حيث قال عليه السّلام (لا تعاد الصّلاة إلّا من خمسة) و لا يحتاج إلى أن

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 75

يقال: بأنّه جعل الفاقد بدل الواجد كما يظهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه، بل ما هو المأمور به حال النسيان، هو ما بقى من الأجزاء و الشرائط، لكون لسان (لا تعاد) الشرح و الحكومة) «1».

[في ان مع الشك فى الركنية و عدمها الاصل الركنية]

إذا عرفت أنّ مع الشّك في الركنية و عدمها يكون الأصل الركنية، فنقول ما نحن فيه أعنى: في القيام: بأنّ وجوب القيام و كونه من أفعال الصّلاة في الجملة ممّا لا إشكال فيه، و هذا يظهر من بعض الآيات الكريمة و الاحاديث الشريفة، و ما هو المركوز عند المسلمين، و أمّا كونه ركنا بالمعنى الّتي قلنا- أعنى: كون نقصه عمدا و سهوا موجب لبطلان الصّلاة، كما هو المناسب لمعنى الركن و قدمنا بيانه- فنقول: أمّا القيام حال القراءة واجب لمن تمكن من القيام و ليس بركن، و أمّا القيام بعد الركوع

______________________________

(1)- أقول: و لكن الحق هو إجراء

البراءة في المقام و كون المورد من صغريات الأقل و الأكثر الارتباطي، لأنّ الاشكال إن كان من ناحية انبعاث المكلف و أنّه مع انبعاثه إلى المركب الواجد، كيف ينبعث نحو المركب الفاقد للجزء، فنقول: بعد كون الأمر و البعث إلى الطبيعة، غاية الأمر كل مكلف يأتى بكل فرد من الطبيعة الّذي هو مصداقه، فكما أنّ المسافر يصلّي ركعتين، و الحاضر أربع ركعات، كذلك الناسى يأتى بتسعة أجزاء في مقام امتثال الطبيعة بعشرة اجزاء، فهما لا يقصدان إلّا امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة، و لو فرض أنّ أحدا قصد فردا خاصا منها من باب تخيل كونه مورده، و لكن أتى بالفرد الآخر في مقام الامتثال، و الحال أنّ في الواقع كان ما أتى هو الواجب عليه بعنوان امتثال الطبيعة، فقد امتثل الأمر بالطبيعة، غاية الأمر يكون الخطاء في التطبيق، و صرف قصد إتيان الفرد المكلف به الذاكر مع إتيانه بالفرد المكلف به الناسى، لا يوجب فساد عمله كما ترى أنّ الشخص لو تخيّل حين الشروع إلى الصّلاة الاتيان بصلوة القائم، و في الأثناء طرأ له العجز عن القيام فجلس، و تمّ صلاته جالسا، فهل يقال: ببطلان صلاته لأجل أنّه قصد حين الشروع الصّلاة القائم، فهكذا في ما نحن فيه، فظهر لك أن الأصل في الشّك في الركنية يكون عدمها. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 76

فهو أيضا واجب، كما يظهر من بعض الأخبار (ثمّ قم منتصبا) و لكنه ليس بركن، و أمّا القيام حال القنوت فهو ليس بواجب، و أمّا القيام حال التكبير فهو واجب، و النزاع في أنّه ركن أو شرط لركن، و هو تكبيرة الاحرام، فلا ثمرة فيه.

الجهة الثانية: في ما قيل باعتباره في القيام، و هي امور:
الأمر الأوّل: الاستقلال
اشارة

و المشهور اعتباره و يدلّ عليه روايتان:

[في ذكر روايتين لكون الاستقلال شرطا وضعا]

الرواية الاولى: ما رواها عبد اللّه بن بكير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة قاعدا أو متوكيا على عصاء أو حائط، فقال: لا ما شأن أبيك و شأن هذا ما بلغ أبوك هذا بعد). «1»

و لو كنّا نحن و ما ذكر من هذه الرواية كان المناسب الجواب بأنّه يجوز أو لا يجوز، لا أن يقال (لا، ما شأن أبيك الخ) و هل يستفاد منها كون الاستقلال معتبرا في القيام، أو أنّه واجب مستقل في عرض القيام؟

اعلم أنّ ما تدلّ عليه الرواية ليس إلّا اعتبار الاستقلال، و أمّا كونه شرطا للقيام فلا دلالة لها على ذلك، بل لا يبعد دعوى ظهورها على اعتباره في الصّلاة لا في القيام، لأنّه يقول (عن الصّلاة قاعدا أو متوكيا الخ) و أمّا اعتبار الاستقلال في غير حال القيام و عدمه، فالمستفاد من الرواية هو خصوص حال القيام لا حال القعود، لأنّه يسأل عن جواز الصّلاة قاعدا أو متوكيا على عصاء.

الرواية الثانية: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا تمسك

______________________________

(1)- الرواية 20 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 77

بخمرك و أنت تصلّي، و لا تستند إلى جدار و أنت تصلّي إلّا أن تكون مريضا). «1»

تدلّ على عدم جواز الاستناد بالغير من جدار و غيره حال الصلاة و اعتبار الاستقلال حال الصّلاة.

و المراد من حرمة شي ء في شي ء هو الارشاد إلى منعه فيه، و لازمه فساد الصّلاة، و بعبارة اخرى تكون الحرمة هي الحرمة الوضعية، فمع عدم الاستقلال و الاستناد بالغير تفسد الصّلاة، و هذا غير التمسك للفساد

بأنّ النهي في العبادة يقتضي الفساد.

و الظاهر من الرواية اعتبار الاستقلال في الصّلاة في قبال القيام، لا أنّه شرط في القيام، بل الظاهر منها اعتبار الاستقلال في مطلق أفعال الصّلاة، فلا يجوز في حال الركوع أو الجلوس أو السجود أيضا الاتكاء و الاستناد إلى الغير، بل يعتبر فيها الاستقلال.

[في ذكر الروايات الدالّة على عدم اعتبار الاستقلال]

هذا ما يستفاد من هاتين الروايتين، و في قبالهما بعض الروايات يمكن أن يقال: بدلالته على عدم اعتبار الاستقلال:

الرواية الاولى: ما رواها علي بن جعفر (أنّه سئل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي، أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علة؟ فقال: لا بأس، و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوّلتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 78

فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف و لا علة؟ فقال: لا بأس به). «1»

استدل بها على عدم وجوب الاستقلال تمسكا بالفقرة الاولى منها، و لكن لا يبعد كون الفقرة الاولى متعرضة لخصوص النافلة و جواز الاستناد فيها بحائط و غيره بقرينة الفقرة الثانية المصرحة فيها بالسؤال عن خصوص الفريضة بقوله (و عن الرجل يكون في صلاة فريضة) فلهذا يستشعر منها أنّ قول السائل في الفقرة الاولى (عن الرجل هل يصلح له ان يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي) هو النافلة و أمّا الفقرة الثانية متعرضة لحكم جواز الاستناد في حال النهوض إلى القيام لا حال فعل من أفعال الصّلاة من قيام و غيره.

الرواية الثانية: ما رواها سعيد

بن يسار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التكأة في الصّلاة على الحائط يمينا و شمالا، فقال: لا بأس). «2»

تدلّ بظاهرها على جواز الاستناد و عدم اعتبار الاستقلال في الصّلاة.

الرواية الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يصلّي متوكيا على عصاء أو على حائط، قال: لا بأس بالتوكي على عصاء و الاتكاء على الحائط). «3»

تدلّ على عدم اعتبار الاستقلال بظاهرها في الصّلاة و إطلاقها يقتضي الجواز في النافلة و الفريضة.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب القيام من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب القيام من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 79

إذا عرفت أنّ في المقام روايات ظاهر بعضها يكون مخالفا مع ظاهر بعض الآخر، فإن كنا نحن و خبرين الدالين على اعتبار الاستقلال، و رواية علي بن جعفر فقط، يمكن أن يقال: بأنّ رواية علي بن جعفر محتملة لكونها واردة في النافلة بقرينة ما قدمنا (كما أنّه إن كان دليل المنع خصوص أحد روايتين الدالّتين على المنع، و هو رواية ابن بكير يمكن أن يقال: بان الجواب حيث يكون غير موافق للسؤال، فلعله كان السؤال، بنحو لو بلغ بيدنا لا نستظهر منها المنع).

و على كل حال تارة يقال في مقام رفع التعارض: بحمل خبرين الدالّين على اعتبار الاستقلال و عدم جواز الاستناد، على كراهة الاستناد بقرينته الروايات الثلاثة الدالّة على الجواز، و هذا النحو من الجمع و إن فرض كونه جمعا عرفيا في غير المقام، و لكن في المقام مشكل، لاشتهار المنع عن الاستناد و لزوم الاستقلال بين الاصحاب.

و

تارة يقال في مقام الجمع: بأنّه بعد كون روايات المجوزة دالّة بإطلاقها على جواز الاستناد في النافلة و الفريضة، و كون خبرين الدالّين على المنع دالين على المنع بإطلاقهما في الفريضة و النافلة، فيقال: بأنّ شمول الخبرين المانعين للفريضة أظهر كما أنّ شمول روايات المجوزة للنافلة أظهر، فيحمل ظاهر كل منهما على الاظهر، فتكون النتيجة جواز الاستناد في النافلة و عدمه في الفريضة.

[الحق اعتبار الاستقلال]

و لكن العمدة في المقام هو ما قلنا من أنّه بعد كون الشهرة الفتوائية على المنع و المشهور مع أنّهم راوا أخبار المجوزة لم بها، و لا يرى قائل بالجواز إلّا ابو الصلاح رحمه اللّه، و يظهر من المحقق رحمه اللّه في الشرائع إمّا تردد له أو كون نظره إلى الجواز، فتكون روايات المجوزة معرضا عنها فعلى هذا لا يمكن الأخذ بها، فالحق

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 80

اعتبار الاستقلال.

و أعلم أنّه كما قلنا المستفاد من رواية عبد اللّه بن سنان هو اعتبار الاستقلال في الصّلاة، فيعتبر ذلك في جميع أفعال الصّلاة حال القيام و الركوع، و بعد الركوع، و الجلوس، و السجود، و التشهد، و السلام، و لا يستفاد من الروايتين كون الاستقلال معتبرا في القيام، و بعبارة اخرى لا دليل على كونه من شرائط القيام، هذا حال الاستقلال.

و امّا ما قيل في وجه اعتبار الاستقلال و دخله في القيام: بأنّ القيام عرفا لا يتحقق إلّا بالاستقلال فواضح الفساد، لأنّ حقيقة القيام غير متقوم به عند العرف، و لذا من يتكى على العصا يعدّ قائما.

الأمر الثاني: ممّا قيل باعتباره في القيام الاستقرار.
[في ذكر اقسام الاستقرار]

اعلم أنّ الاستقرار تارة يطلق و يراد به ما يقابل المشي و الحركة من أين، إلى اين و تارة يطلق و يراد منه الاستقرار المقابل للتزلزل، فالمستقر من لا يحرك بدنه في مقابل المتزلزل مثل الشخص المرتعش، ففي هذا الاطلاق من الاستقرار يقابله التزلزل مع كون الشخص في مكان واحد، غير خارج من أين إلى أين.

أمّا الاستقرار في مقابل المشي و الحركة من أين إلى أين فتارة يقع الكلام في حركة الشخص أصالة بمعنى أنّه يمشي بنفسه، فاعتباره في القيام الصلاتي غير بعيد، لا من باب أن القيام لا

يصدق مع المشي، لفساد ذلك لأنّه يصدق على من يمشي قائما بأنّه قائم في مقابل من يحرك جالسا، بل من باب ان المغروس و المرتكز عند المسلمين هو اعتبار الاستقرار بهذه المعنى في القيام في الصّلاة و عدم معهودية الصّلاة بهذا النحو عند المتشرعة.

و تارة يقع الكلام في الحركة التبعية، مثل حركة الشخص بتبع السفينة أو المحل

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 81

أو غيرها، فهو في هذه الحركة لا يحرك بنفسه و بالأصالة، بل يحرك بتبع السفينة أو المحل.

قد يقال في وجه عدم اشتراط هذه المعنى من الاستقرار في القيام في الصّلاة:

بأنّ بعض الروايات الواردة في السفينة و الصّلاة فيها يدلّ على عدم اعتبار الاستقرار المقابل لحركة التبعية، و يدور لزوم الاستقرار و عدمه مدار ما يستفاد من هذه الأخبار جوازا و منعا، و تفصيلا بين الاضطرار و الاختيار، فإنّ قلنا بالجواز كما لا يبعد نقول هنا بالجواز، و لكن حيث إنّ القريب بالنظر كون النظر في الروايات الى بعض سفن الصغار المتداولة في المياه و الأنهار الصغيرة من قبيل الفرات و الدجلة، فلا يشمل لما نحن فيه، فلا ملازمة بين الجواز في مورد الاخبار و بين أن يقال بالجواز في ما نحن فيه لأنّ فيما نحن بصدده لا يكون المانع المتوهم إلّا المشي بالتبع، لا أنّ يكون الشخص متزلزلا كما ترى في السفن الكبيرة أو الطيارات و السيارات المتداولة فعلا، فمورد الرواية الواردة في الصّلاة في السفينة غير ما نحن فيه. «1»

(و قد يتمسّك برواية واردة في الاقامة، و هي الرواية 12 من الباب 13 من

______________________________

(1)- أقول: و لكن لو كان الحاصل من هذه الروايات هو جواز الصّلاة فيها، فنقول: أمّا أوّلا فحمل

هذه الأخبار على خصوص السفن الصغيرة كالبلم يكون بلا دليل، لأنّ الظاهر منها الاطلاق، و لم يكن المتعارف في زمان صدور الروايات خصوص السفن الصغيرة، بل كانت سفائن كبار، لتعارف السفر في البحر في الازمنة السالفة إلى حين صدور الروايات، و أمّا ثانيا فلو جازت الصّلاة و يتحقق القيام المعتبر فيها في السفن الصغيرة مع كون حركتها أكثر، ففي السفن الكبار و الطيارات و السيارات بطريق أولى، لأنّه يستفاد منها عدم اعتبار الاستقرار بهذه المعنى في القيام، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 82

أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل) الدالّة على اعتبار التمكن في الاقامة، كما يعتبر التمكن حال الصّلاة.

و استشكل فيها بأنّه بعد عدم اعتبار ذلك في الاقامة يوهن ظهورها في اعتبار التمكن في الصّلاة، و اجيب بأنّ عدم اعتبار التمكن في الاقامة ثبت من الخارج، و إلّا قلنا فيها أيضا، فتأمل.

و استدل بخصوص رواية هارون بن حمزة الغنوي، بدعوى دلالتها على جواز الصّلاة لأنّه عليه السّلام (قال: ان كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرك فصلّ قائما، و ان كانت خفيفة تكفأ فصلّ قاعدا) «1» و استشكل فيها فراجع.

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّ الحق عدم اعتبار هذه المعنى من الاستقرار في القيام، فلا يضرّ حركة الشخص تبعا لأنّه بعد عدم دلالة دليل على اعتباره فنشك في أنّه هل يكون شرطا في القيام أولا، فيكون المرجع هو أصالة البراءة، لأنّه يكون ما نحن فيه على هذا من صغريات الشّك في الأقل و الأكثر الارتباطي، و حيث إنّا قلنا بأنّ الأصل في الأقل و الأكثر الارتباطى، هو البراءة، فكذلك نقول في المقام، لكونه من صغرياته.

و أمّا الكلام في الاستقرار في قبال التزلزل فاعتباره

غير بعيد، لأنّ المغروس من القيام المعتبر في الصّلاة هو هذا، فما هو المرتكز عند المتشرعة هو الاستقرار بهذه المعنى في القيام في الصّلاة، و يكون بحيث يعدّ التزلزل حال قيام الصّلاة أمرا منكرا، فافهم.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 83

الجهة الثالثة:
اشارة

إذا لم يتمكن المكلف من القيام في الصّلاة و عجز عن ذلك صلّى قاعدا، و إذا عجز عن ذلك صلّى على جنبه الأيمن، و إن عجز عن ذلك صلّى على جنبه الأيسر، و إن عجز عن ذلك صلّى مستلقيا.

و لا بدّ من ذكر الآيات و الأخبار الواردة في الباب حتّى يظهر حقيقة الحال، فنقول بعونه تعالى: أما الآيات فقوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ «1» و قوله تعالى فَإِذٰا قَضَيْتُمُ الصَّلٰاةَ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ «2» و ما يستفاد من الآيتين هو القيام و القعود و على الجنب.

[في ذكر الروايات فى الباب]

أمّا الروايات فمختلفة: بعضها يدلّ على كون الواجب أوّلا القيام، ثمّ إن عجز عنه القعود، ثمّ ان عجز عنه الصّلاة على الجنب، و بعضها يدلّ على القيام، ثمّ القعود ثمّ الاستلقاء، و بعضها يدلّ على أن مع العجز عن القيام يقعد، و ان لم يتمكن فعلى جنبه الايمن، و إن لم يتمكن فعلى جنبه الأيسر، و بعضها يدلّ على أن مع العجز عن القيام يكون تكليفه القعود، فإن لم يتمكن منه فعلى جنبه الأيمن، و إن لم يتمكن منه فعلى جنبه الأيسر، و ان لم يتمكن منه يصلّي مستلقيا.

أمّا ما يدلّ على أنّ مع العجز عن القيام يقعد، و إن عجز عنه فيصلّي على الجنب، فهو روايات:

الرواية الاولى: ما رواها أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام (في قول اللّه عز و جل «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ» قال: الصحيح يصلّي قائما، و قعودا، و المريض يصلّي جالسا، و (عَلىٰ جُنُوبِهِمْ) الّذي يكون أضعف من المريض الّذي

______________________________

(1)- سورة آل عمران، الآية 191.

(2)- سورة

النساء، الآية 103.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 84

يصلّي جالسا). «1»

و الراوي عن أبى حمزة الثمالي يكون في هذه الرواية ابن محبوب، و هو بحسب الطبقة لا يمكن أن يروى عن أبي حمزة إلا أن تكون روايته عنه بنحو الوجادة، و على كل حال مفاد الرواية مفاد الآيتين، و تدلّ على أنّ بعد العجز عن القيام تصل النوبة بالجلوس، و بعد العجز عنه تصل النوبة بالجنب، و لا تعرض فيها للجنب الأيمن، او الأيسر، ثمّ الاستلقاء، كما لا تعرض في الآيتين المتقدمتين لهذا الحيث.

و يكون مثل الآيتين و هذه الرواية الروايتان المنقولتان في طرق العامّة:

الاولى ما رواها عمر بن حصين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الثانية ما روي عن امير المؤمنين عليه السّلام.

الرواية الثانية: ما رواها سماعة (قال: سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس قال فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهة شيئا إذا سجد فإنّه يجزى عنه، و لم يكلف اللّه ما لا طاقة له به) «2» بناء على كون المراد من الاضطجاع خصوص النيام على الجنب لا مطلق النيام.

الرواية الثالثة: ما رواها علي بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم و المتشابه نقلا من تفسير النعمانى (عن علي عليه السّلام (في حديث) قال: و أمّا الرخصة الّتي هي الاطلاق بعد النهي، فمنه قوله تعالى حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ فالفريضة منه أن يصلّي الرجل صلاة الفريضة على الأرض بركوع و سجود تام، ثمّ رخص للخائف فقال سبحانه: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجٰالًا أَوْ رُكْبٰاناً

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5،

ص: 85

و مثله قوله عز و جل فَإِذٰا قَضَيْتُمُ الصَّلٰاةَ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ و معنى الآية أنّ الصحيح يصلّي قائما، و المريض يصلّي قاعدا، و من لم يقدر أن يصلّي قاعدا صلّى مضطجعا و يؤمى بايماء فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة). «1»

بناء على كون المراد بالاضطجاع أن يصلّي على الجنب (كما لا يبعد كون المراد في الرواية هذا و أن لم نقل بكون الاضطجاع النيام، على خصوص الجنب لا مطلق النيام لأنّ الظاهر من قوله تعالى (وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ) هو الصّلاة على الجنب، و قوله عليه السّلام (و من لم يقدر أن يصلّي قاعدا صلّى مضطجعا) يكون فى مقام بيان المراد من قوله تعالى (وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ) فقوله عليه السّلام (صلّى مضطجعا) أى صلّى على جنبه.

فإن كنا نحن و هذه الروايات لا دلالة لها إلّا على كون الواجب أوّلا القيام، و القعود، ثمّ الجنب.

[في ذكر الروايات الدالّة على الترتيب]
اشارة

و أمّا بعض ما يدلّ على كون الفرض أوّلا القيام، ثمّ القعود، ثمّ الاستلقاء:

فالاولى: ما رواها عبد السّلام بن صالح الهروى عن الرضا عليه السّلام عن آبائه:

(قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن لم يستطع الرجل أن يصلّي قائما فليصلّ جالسا، فإنّ لم يستطع جالسا فليصل مستلقيا ناصبا رجليه بحيال القبلة يؤمى ايماء. «2»

الثانية: الرواية 13 من الباب المذكور و هي رواية محمد بن ابراهيم عمن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إلّا أنّه قال يصلّي المريض قاعدا فإن لم يقدر صلّى مستلقيا «فارجع الكافي ففيه الرواية»).

و ترى أنّ الروايتين تدلّان على ان الوظيفة لمن لم يتمكن من الجلوس، هو

______________________________

(1)- الرواية 22 من الباب 1 من ابواب القيام

من الوسائل.

(2)- الرواية 18 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 86

الاستلقاء، فهما بظاهر هما معارضتان مع الطائفة الاولى الدالّة على كون الوظيفة لمن لا يتمكن من الجلوس الصّلاة على الجنب.

و أمّا ما يدلّ على كون التكليف مع العجز عن الجلوس الصّلاة على الجنب الأيمن، و إن لم يتمكن فعلى جنبه الأيسر، فهي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا كيف قدر صلّى إمّا أن يوجه فيومي إيماء او قال يوجه كما يوجه الرجل في لحده، و ينام على جانبه الأيمن، ثمّ يؤمى بالصّلاة، فإنّ لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر، فإنّه له جائز، و ليستقبل بوجهه القبلة، ثمّ يؤمى بالصّلاة ايماء). «1»

بناء على كون المراد من قوله عليه السّلام (فإنّ لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز، (و ليستقبل بوجهه القبلة) هو الصّلاة على جنب الايسر بقرينة قوله (و ليستقبل بوجهه القبلة) لأنّه بعد عدم التمكن من الصّلاة على الجنب الأيمن أمر بأن يصلّي كيف ما قدر و ليستقبل بوجهه القبلة و في هذه الصورة لا يمكن استقبال الجانب نحو القبلة، مع فرض عدم تمكنه من الصّلاة على الجنب الايمن إلّا بأن يصلّي على جنبه الايسر و يستقبل بهذا النحو بوجهه القبلة، لأنّه لا يمكن في صورة الاستلقاء استقبال الجانب أى الجنب نحو القبلة، فهذا شاهد على عدم كون المراد الاستلقاء، بل يكون المراد الصّلاة على الجنب الأيسر.

و اعلم أنّ متن الرواية يكون مشوّشا، لأنّ صدر الرواية المريض (إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا كيف قدر صلّى إما أن

يوجه) مناسب مع ذكر شق آخر في الرواية لأنّ قوله (اما أن يوجه) يناسب أن يقول بعد ذكر هذا الشق شقا آخرا و إلّا لا معنى

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 87

لذكر (إمّا) و يحتمل أنّ عمار حيث كان فارسيا بدّل الفاظ الامام عليه السّلام فى مقام النقل بألفاظ آخر و في غير محلها، و لهذا صار المتن مضطربا، و على كل حال يحتمل في الرواية هذا الاحتمال.

[في ان مرسلة الصدوق جامعا لكل الاحكام]

و أمّا ما يدلّ على أن من لم يتمكن من القيام صلّى قاعدا، و ان عجز عن ذلك صلّى على جنبه الايمن، و إن عجز فعلى الجنب الأيسر، و إن عجز عن ذلك صلّى مستلقيا فهي مرسلة الصّدوق رحمه اللّه (قال: و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المريض يصلّي قائما فإن لم يستطع صلّى جالسا، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الايمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الايسر، فإن لم يستطع استلقى و أومأ إيماء و جعل وجهه نحو القبلة، و جعل سجوده أخفض من ركوعه). «1»

هذا كله طوائف من الروايات، و قد عرفت أنّ الطائفة الاولى تدلّ على أنّ مع العجز عن القيام يكون الجلوس مقدما، ثمّ بعده الصّلاة على الجنب، و أنّ الطائفة الثانية تدلّ على أن المقدم بعد العجز عن القيام هو الجلوس، ثمّ الاستلقاء.

فهذه الطائفة معارضة مع طوائف اخر لأنّ كل الطوائف غيرها متفقون على تقدم الجنب على الاستلقاء، و أنّ الطائفة الثالثة تدلّ على أنّ المقدم بعد الجلوس هو الصّلاة على الجنب الأيمن، ثمّ الأيسر، و ساكتة عن الاستلقاء، فهذه الطائفة تعارض مع الطائفة الاولى، لأنّ

ظاهر الاولى هو الصّلاة على الجنب بعد العجز عن الجلوس، و إطلاقها يقتضي جواز الصّلاة على الجنب الأيمن و الأيسر عرضا، و مقتضى مفاد الثالثة الترتيب بين الجنب الأيمن و الأيسر، و لكن يرفع التعارض بينهما بحمل المطلق

______________________________

(1) الرواية 15 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 88

على المقيد بأن يقال: بعد العجز عن الجلوس يصلّي على الجنب الايمن، ثمّ الايسر، فتقيد الاولى بالثالثة.

و بعبارة اخرى يقيد الجنب الدالّ على جواز الصّلاة على مطلق الجنب بخصوص الجنب الايمن و أنّ الطائفة الرابعة تدلّ على أنّ مع العجز عن القيام يصلّي جالسا، ثمّ بعده على الجنب الأيمن، ثمّ بعده الأيسر، ثمّ الاستلقاء، فهذه الطائفة تعارض مع الاولى فقط من باب تقيد الجنب بجنب الأيمن، ثمّ بعده الايسر، و يرفع التعارض بينهما بحمل مطلق الجنب على خصوص الجنب الأيمن، و لا تعارض بينها و بين الثالثة لأنّ الثالثة ساكتة عن الصّلاة مستلقيا بعد العجز عن الصّلاة على أحد الجنبين، و هذه الطائفة متعرضة لها.

نعم، كما قلنا هذه الطائفة معارضة مع الطائفة الثانية، لأنّ هذه الطائفة جعلت الصّلاة مستلقيا في طول الجنبين، و الطائفة الثانية جعلته في طول الجلوس، و ظاهرها تقديم الاستلقاء على الجنبين.

إذا عرفت ذلك كله يظهر لك أن مقتضى الطائفة الثانية تقديم الصّلاة مستلقيا بعد الصّلاة جالسا، و مقتضى ساير الطوائف تقديم الصّلاة على الجنب بعد الجلوس، غاية الأمر في بعضها التصريح بكون الاستلقاء في طول الجنب، و في بعضها التصريح بكونه في طول الجنب الأيمن و الأيسر، و حيث أن المشهور هو تقديم الصّلاة على الجنب الأيمن و الأيسر على الاستلقاء، فمرسلة الصّدوق الدالّة على ذلك، و إن

كانت في حدّ ذاتها لارسالها ضعيفة السند، لكنها منجبرة بعمل الاصحاب للشهرة الفتوائية على طبقها، فلا بدّ في مقام التعارض من الأخذ بهذه الطائفة و عدم الأخذ بما دلّ على تقديم الصّلاة مستلقيا بعد الجلوس، فافهم.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 5، ص: 89

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 89

الجهة الرابعة:
اشارة

هل عيّن حدّ خاص للعجز أم لا؟ و بعبارة اخرى بعد كون التكليف على من لم يقدر من القيام، الجلوس هل عيّن ميزان خاص لعدم القدرة عليه من قبل الشارع أم لا؟

اعلم أنّ مقتضى بعض الروايات الواردة في الباب ايكال العجز إلى الشخص، و عدم تعيين ميزان له، كما يظهر ذلك من الرواية 1 من الباب 6 من أبواب القيام من الوسائل، و 2 من الباب المذكور المستفاد منهما أنّ الانسان على نفسه بصيرة.

فمقتضى ذلك تبديل تكليف المكلف من القيام إلى القعود إذا رأى نفسه عاجزا عن القيام لإيكال العجز إليه.

و لكن قد يتوهم أنّ ما رواها سليمان بن حفص المروزى (قال: قال الفقيه عليه السّلام المريض إنما يصلّي قاعدا إذا صار أن يمشي بالحال الّتي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما) «1» تدلّ على خلاف ذلك، و أنّ للعجز عن القيام و تبديل الوظيفة منه إلى الجلوس جعل حدا، و هو أن المكلف إذا رأى عدم قدرته على المشي بمقدار الصّلاة، لا يجب عليه القيام و يكون تكليفه الجلوس، و إن كان قادرا على ذلك يجب عليه القيام.

[في ذكر الاحتمالات فى الباب]
اشارة

و لكن لا مجال لهذا التوهم، و لا ظهور للرواية في ذلك، فنقول توضيحا للمطلب: بأنّ في هذه الرواية احتمالات:

الاحتمال الأوّل:

أن يقال: بأنّ من يقدر على القيام يقدر على المشي بمقدار الصّلاة، و بعبارة اخرى يكون التمكن من القيام متلازما مع التمكن من المشي بقدر

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 6 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 90

الصّلاة، و هكذا العجز عنه، ملازم مع العجز عنه فيكون التعبير فى مقام العجز عن القيام بالعجز عن المشي بمقدار الصّلاة، و يكون التكليف الجلوس فى هذا الفرض من باب التعبير باللازم.

و فيه أمّا أوّلا فالملازمة ممنوعة إذ لا تلازم بين العجز عن القيام و بين العجز عن المشي، إذ ربما يكون الشخص عاجزا عن القيام غير عاجز عن المشي و بالعكس، فلا تلازم بينهما حتّى يقال: بأنّ المذكور في الرواية أحد المتلازمين

و أمّا ثانيا لو فرض كون تلازم بينهما و لكن مع ذلك رفع اليد عن بيان نفس الشي ء و ذكر لازمه خلاف الظاهر، لعدم تعارف البيان بهذا النحو.

[في ذكر الاحتمال الثاني و الثالث]

الاحتمال الثاني: أن يقال: بأنّه و إن لم يكن بينهما تلازم دائما و لكن حيث يكون التلازم بينهما غالبا إذ من يعجز عن القيام يعجز عن المشي بمقدار الصّلاة غالبا و بالعكس، فعلى هذا لا يرد الاشكال الأوّل الّذي أوردنا على الاحتمال الأوّل إذ لا يدعى فى هذا الاحتمال الملازمة الدائمية بينهما، و يوجد في التحديدات العرفية نظير هذا التحديد. و فيه أنّه يرد على هذا الاحتمال الاشكال الثاني على الاحتمال الأوّل مع إمكان إنكار الملازمة الغالبية بينهما أيضا.

الاحتمال الثالث: أن يقال: بأنّ النظر في الرواية على التوسعة و التسهيل، فيكون المراد من الرواية أنّ من يتمكن من القيام فعلا، و لكن يكون مريضا يتمكن بالتمكن العقلى من القيام في أوّل الصّلاة جعل الشارع

تسهيلا له، و هو أن يكون مشقة المشى بقدر الصّلاة أكثر من القيام حال الصّلاة، فتدلّ الرواية على كفاية العجز عن المشي بقدر الصّلاة لجواز الصّلاة جالسا و إن كان قادرا على القيام.

و فيه أنّه من الواضح أنّ مع عدم العجز عن القيام لا بدّ من الصّلاة قائما، و لا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 91

تصل النوبة بالصّلاة جالسا، كما ينادى بذلك صريح الروايات الواردة في الباب، و يبعد جميع الاحتمالات هو أنّ لازم جعل الحد لوجوب الصّلاة جالسا، و هو العجز عن المشي بمقدار الصّلاة، هو أنّ المريض إذا شك في أنّه هل يتمكن من القيام أم لا أن يمشي أوّلا بقدر الصّلاة حتّى يعلم بتمكنه من القيام إن تمكن من المشي بقدر الصّلاة، أو يعلم بعجزه عن الصّلاة قائما إن لم يتمكن من المشي بقدر الصّلاة، و الالتزام بذلك بعيد في الغاية.

و لا تقل: بأنّ الشخص غالبا يدرى تمكنه و عدم تمكنه من المشي بمقدار الصّلاة.

إذ نقول: أمّا أوّلا ليس الأمر كذلك، بل غالبا لا يدر الشخص، و أمّا ثانيا بأنّه لو يعلم ذلك غالبا يعلم غالبا قدرته عن القيام و عجزه في حال المرض، فلا حاجة لجعل هذا الحد له كى يعرف به مرتبة عجزه و عدمه، فعلى هذا يكون كل هذه الاحتمالات بعيد عن ظاهر الرواية.

الاحتمال الرابع:

أن يقال: بأنّ الرواية ليست متعرضة لبيان حدّ العجز المسوغ للصّلاة جالسا، بل متعرضة لحكم آخر، و هو ما نسب إلى المفيد رحمه اللّه و محتمل النهاية (و في النسبة إشكال يرجع إلى كلامهما) و هو أنّ كل من كان متمكنا من الصّلاة قائما ماشيا يجب عليه القيام ماشيا حال الصّلاة، و لا يجوز له

الجلوس، بأن يقال: إنّ لسان الرواية هو التنزل الجلوس اذا كان المكلف بحيث لا يقدر على المشي بمقدار الصّلاة، فإذا تمكن من أن يحفظ القيام و لو بأن يمشي قائما، يجب عليه القيام ماشيا حال الصّلاة، فكانت الصّلاة قائما ماشيا مقدما على الصّلاة جالسا.

و بعبارة اخرى مع التمكن من حفظ القيام، و لو برفع اليد عن الاستقرار

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 92

المقابل للمشي، يجب تقديمه على الجلوس مع حفظ الاستقرار، فتكون الرواية متعرضة لهذا، لأنّ لسان الرواية جواز الجلوس و وصول النوبة إلى الصّلاة جالسا إذا كان المكلف بحيث لا يقدر على المشي بمقدار صلاته، و أمّا إن كان متمكنا من المشي بمقدار الصّلاة مع حفظ القيام لا يجوز له الجلوس.

و هذا الاحتمال أقرب بالنظر من الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، و لا مبعد له إلّا التعبير في الرواية (مقدار صلاته) لأنّ متنها هكذا (المريض إنّما يصلّي قاعدا إذا صار أن يمشي بالحال الّتي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما) لأنّ التعبير (بالمقدار) يفيد أنّ المقصود هو أن يكون قادرا على المشي بمقدار و أمّا إن كان المراد تقديم القيام عن مشي على الجلوس فكان المناسب أن يقول (لا يقدر على المشى في صلاته) لا أن يقول (بمقدار صلاته) و على كل حال هذا الاحتمال يجي ء في الرواية بل بعد و بعد الاحتمالات السابقة يكون هذا الاحتمال أقرب في الرواية، و لكن ليس بحيث تكون الرواية ظاهرة فى هذا الاحتمال بالظهور العرفي (فعلى هذا تصير الرواية مجملة و لا يصح الاستشهاد بها لأحد من الاحتمالات الأربعة، فافهم).

إذا عرفت حال الرواية فلا تثبت جعل حدّ خاص للعجز عن القيام، و لا بدّ

من الالتزام بمفاد بعض الروايات الّذي يكون مفاده إيكال العجز عن القيام و عدمه إلى نفس المكلف، بل الانسان على نفسه بصيرة.

الجهة الخامسة:
اشارة

هل يكون المقدم القيام ماشيا بعد عدم التمكن من القيام مستقرا، أو يكون المقدم الجلوس فى هذا الحال مستقرا.

اعلم أنّ المدرك في تقدم القيام ماشيا على الجلوس مستقرا على الارض إن كان رواية سليمان بن حفص المروزى المتقدمة، فقد مضى بكونها متعرضة لإفادة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 93

ذلك و ان لم يكن بعيدا، بل هذا الاحتمال أقرب من الاحتمالات الاخر، إلّا أنّه ليس بحيث يكون للرواية ظهور عرفي في ذلك، فبعد ذلك نقول: بأنّه الوجه في تقديم القيام ماشيا على الجلوس مستقرا، كما لا يبعد كون نظر العلّامة رحمه اللّه في التزامه بذلك هو هذا، هو أنّ المستفاد من بعض ما ورد في الباب من الروايات مثل قوله (الصحيح يصلّي قائما و قعودا و المريض يصلّي جالسا) في رواية أبي حمزة، هو كون الواجب أوّلا القيام، ثمّ بعد عدم التمكن من القيام يكون الواجب الجلوس، فمن يتمكن من القيام ماشيا و إن لم يتمكن من الاستقرار المقابل للمشي، و لكن يكون قادرا على القيام، يجب عليه القيام، إذ إطلاق مثل هذه الرواية يقتضي وجوب القيام، و كونه مقدما على الجلوس و ان كان ماشيا.

و أمّا وجه وجوب الجلوس مع عدم القدرة إلّا على القيام ماشيا، فهو أنّ الاستقرار المقابل للمشى من مقومات الصّلاة، بحيث لا تعد الصّلاة ماشيا صلاة و إن كان قائما، و يرى أمرا مستنكرا و خلاف وضع الصّلاة في نظر المتشرعة، بل ادعى «1» صاحب الجواهر رحمه اللّه بأنّ حقيقة القيام الواجب في الصّلاة هو الوقوف، فليس الماشي قائما

لعدم وقوفه، و لذا ترى إن الاكثر لم يذكروا اشتراط الاستقرار في القيام، و ما عقدوا له فصلا و إن كان الاجماع على اعتباره فيه كغيره من أفعال الصّلاة، فذكر شرطية الاستقرار في الركوع و السجود و عدم ذكر شرطيته في القيام ليس إلّا من باب كون القيام عبارة عن الوقوف الّذي ينافيه الحركة فضلا عن المشي في نظرهم، ثمّ ذكر لذلك مؤيدات و إشعارات من بعض موارد مختلفة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ ما ذكر وجها لتقدم الجلوس مع الاستقرار على

______________________________

(1)- جواهر، ج 9، ص 259.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 94

القيام ماشيا ليس بتمام، أمّا ما قيل من أنّ المشي مخالف لوضع الصّلاة و أنّ القيام واقفا من مقومات الصّلاة، ففيه أنّ الأمر ليس كذلك و لا يرى سيرة المتشرعة على هذا و لا يريه العرف من مقوماته مضافا إلى أنّ في الشرع شرّعت الصّلاة ماشيا و هو في النوافل، فمع فرض تشريع ذلك في النوافل كيف يمكن دعوى كون الوقوف حال القيام من مقومات الصّلاة.

[في ردّ كلام صاحب الجواهر]

و أمّا ما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه من أنّ القيام الواجب في الصّلاة عبارة عن الوقوف قائما و أنّ الماشي ليس بقائم، فدعوى بلا دليل.

و أمّا ما قال من أنّ ذكرهم شرطية الاستقرار في أفعال اخر من الصّلاة و عدم ذكره في القيام، دليل على كون القيام عبارة عن الوقوف، و حيث يكون المراد منه الوقوف و الوقوف لا يتحقّق إلا مع الاستقرار فلاجل هذا سكتوا عن اشتراطه في القيام.

ففيه أوّلا من أيّ طريق انكشف أنّ سكوتهم كان من باب ذلك (بل لعل كان من باب عدم اعتباره في القيام كما ان الأمر كذلك، الاستقرار شرط في

الصّلاة لا في القيام) و ثانيا إنّ ذكر شرطية الاستقرار في الركوع و السجود يكون من باب أمر آخر، و هو أنّه حيث لا يكفي في تحقق الركوع و السجود صرف الانحناء إلى خاص، بل يعتبر التوقف هنيئة لتحقق موضوعهما، فلهذا شرطوا الاستقرار فيها.

و بعبارة اخرى إنّ الركوع و السجود عبارة عن الهوى إلى حدّ خاص، و الرفع عن هذا الحد الخاص مع الوقوف بعد الهوى إلى حدّ خاص هنيئة فلهذا شرطوا الاستقرار، و على كل حال الالتزام بكون القيام عبارة عن الوقوف ممّا لا يمكن الالتزام به.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 95

فإذا لم يصر هذا الوجه تماما يبقى كلام آخر، و هو أنّه بعد ما بينا من أنّ الاستقرار شرط في الصّلاة و ليس شرطا في القيام حتّى يقال: إنّ مع عدم التمكن من حفظ شرط القيام يرفع اليد عن الشرط و يحفظ أصل القيام، فيقدم القيام ماشيا على الجلوس مستقرا، فيدور في محل الكلام أمر المكلف بين حفظ أحد الشرطين و رفع اليد عن الآخر لأنّ من شرائط الصّلاة القيام، و من جملة شرائط الصّلاة أيضا الاستقرار، و على الفرض بعد عدم تمكن المكلف من الاستقرار المقابل للمشي في حال القيام بل يتمكن من القيام ماشيا لا يمكن له حفظ كلا الشرطين، بل لا بد من صرف قدرته إمّا في حفظ القيام ماشيا، و إمّا في حفظ الاستقرار، فيتخير بين القيام ماشيا و بين الجلوس مستقرا، فيكون تكليفه إما التخيير بينهما لو لم نقل بأنّه بعد فرض كون بدل فيقدم الاستقرار فيكون التكليف الجلوس، مع الاستقرار، لعدم بدل، له و إمّا من تقديم جانب الاستقرار، على القيام بناء على ما ذكرنا من أنّ

ما ليس له البدل يقدم حفظه على ما له البدل فبهذا الوجه يقال: اما بتخيير المكلّف فيما نحن فيه بين القيام ماشيا و بين الجلوس مستقرا، و إمّا بتعيين الجلوس مستقرا.

[في ان القيام ماشيا مقدم على الجلوس]

و لكن نقول: بأنّه بعد كون شرطية الاستقرار غير ثابت بالدليل اللفظى و كونه ثابتا بالسيرة و الاجماع فقدر المتيقن من شرطيته هو صورة التمكن من حفظ الاستقرار، ففي ما نحن فيه لا يكون دوران، لأنّ إطلاق دليل اعتبار القيام يشمل حال التمكن من الوقوف و عدم تمكنه من ذلك، و لكن دليل اشتراط الاستقرار لا يشمل حال العجز عن الوقوف، فعلى هذا لا بدّ من الصّلاة قائما ماشيا في ما يدور الأمر بين الصّلاة قائما ماشيا و بين الصّلاة جالسا مستقرا كما أفتي به العلّامة رحمه اللّه و بعض المتاخرين.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 96

هذا تمام الكلام فيما أفاده سيدنا الاستاد آية اللّه العظمى مدّ ظله العالى في القيام.

أوّلا و الحمد للّه و آخرا و صلّى اللّه على رسوله و على آله و لعنة اللّه على أعدائهم و أنا الاحقر على الصافي الگلپايگاني.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 97

الثالث من أفعال الصّلاة تكبيرة الاحرام

اشارة

و يقال بها تكبيرة الافتتاح لافتتاح الصّلاة بها كما أنّ بها حيث يحرم على المصلّي بعض ما كان حلالا عليه قبلها يقال تكبيرة الاحرام.

ثمّ اعلم بأنّ التكبيرات المشروعة في الصّلاة تكون خمس و تسعين تكبيرة: في الظهر إحدى و عشرين تكبيرة، و في العصر إحدى و عشرين تكبيرة، و في المغرب ست عشرة تكبيرة، و في العشاء إحدى و عشرين تكبيرة، و في الفجر إحدى عشرة تكبيرة، و خمس تكبيرات للقنوت في خمس صلوات، و اعتبار تكبيرة الاحرام في الصّلاة في الجملة ممّا لا إشكال فيه، إنّما الكلام في بعض الجهات:

الجهة الاولى:
اشارة

يظهر من بعض الروايات الواردة في طرقنا مشروعية ثلاث تكبيرات، أو خمس، أو سبع لافتتاح الصّلاة، فنسب إلى المشهور من فقهائنا قدس سرّه كون المكلف مخيرا بين جعل كل واحده منها تكبيرة الاحرام أى: تكبيرة الافتتاح، و كون الأفضل اختيار التكبيرة الآخرة تكبيرة الافتتاح كما يظهر من بعضهم، فإن كبّر ثلاثا فالأفضل جعل الثالثة، و إن كبر خمسا فالأفضل جعل الخامسة، و إن كبر سبعا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 98

فالأفضل جعل السابعة تكبيرة الافتتاح، و يظهر من بعض الفقهاء رحمه اللّه مثل صاحب الدروس و بعض آخر، بأنّ المتعين جعل الاولى منها تكبيرة الافتتاح إذا كبر ثلاثا او خمسا أو سبعا، و يظهر من بعض الآخر منهم تعين جعلها الاخيرة، و قال المجلسي «1» الأوّل رحمه اللّه بأنّه في مقام إتيان الثلاث أو الخمس أو السبع يجعل كلها تكبيرة الاحرام و بعبارة اخرى يجعل المصلّي كلّها تكبيرة الافتتاح، هذا حال الأقوال عندنا، و امّا عند العامة فما هو فتواهم هي مشروعية تكبيرة واحدة للافتتاح، و عدم مشروعية تكبيرات الست الاخر عندهم.

[في ذكر الاقوال فى تكبيرة الاحرام]
اشارة

إذا عرفت أنّ الأقوال عندنا أربعة:

القول الأوّل: التخيير بين جعل أيّها شاء تكبيرة الاحرام و هو ما نسب إلى المشهور.

القول الثاني: تعين جعلها الاولى، و هو المحكى عن الدروس و البهائى و الكاشانى في الوافى و المفاتيح و بعض آخر.

القول الثالث: تعين جعلها الأخيرة كما قد يظهر من المراسم و الغنية و بعض آخر.

القول الرابع: جعلها المجموع منها و هو قوله المجلسي الأوّل رحمه اللّه.

و اعلم قبل الشروع في بيان ما هو الحق بين الأقوال بأنّ ما نسب إلى المشهور من القول بالتخيير في جعل أيها شاء المصلّي تكبيرة الاحرام ليس بتمام، لأنا

بعد ما تفحصنا كلمات القدماء في هذه المسألة من اللذين كان بنائهم الاقتصار بفتاوى

______________________________

(1)- روضة المتقين جلد 2 صفحه 280.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 99

المتلقاة عن الائمة عليهم السّلام، و لم يبيّنوا إلّا الفتاوي المنصوصة المأثورة- كالمفيد رحمه اللّه و السيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه في بعض كتبه، و بعض آخر كابن حمزة- نرى أنّ كلامهم غير ظاهر في القول بالتخيير، بل كلمات بعضهم ظاهر في خلافه، و يظهر من السلار أعنى: سالار بن عبد العزيز في المراسم أنّ المتعين جعل الاولى تكبيرة الافتتاح، و على كل حال الشهرة الفتوائية الّتي يمكن الاستناد بها، و نحن نستند بها و نقول: بأنّ من الشهرة نكشف وجود نصّ في المسألة لم يصل إلينا، غير موجود في ما نحن فيه.

[يستدلّ للقول المشهور برواية ابي بصير]

إذا عرفت ذلك نقول: قد يستدل للقول المنسوب بالمشهور بالرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا افتتحت الصّلاة فكبّر إن شئت واحدة، و إن شئت ثلاثا و إن شئت خمسا، و ان شئت سبعا، و كل ذلك مجز عنك غير أنّك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة) «1» بأنّ الظاهر منها أنّ ما أمر بجهره من التكبيرات هو تكبيرة الافتتاح، و حيث لم يعيّن الجهة بخصوص الأوّل أو الآخر أو المجموع يكشف منه تخيير المكلف بين جعل أى منها شاء تكبيرة الافتتاح.

قد يقال بحمل قوله عليه السّلام في الرواية (غير أنّك إذا كنت إماما لم تجهر إلّا بتكبيرة) على التقية بأن يقال: إنّه بعد ما يرى من ان المفتى به عند العامة ليست إلا تكبيرة واحدة لافتتاح الصّلاة، و لا يشرع عندهم ست تكبيرات غير هذه التكبيرة الواحدة،

فيقال بأنّ وجه النهي عن الجهر إلا بواحدة هو التقية، لأنّه إذا جهر بغير واحدة منها يصير مورد الاذى و الضرر، فلأجل التقية نهي عليه السّلام عن الاجهار بغير واحدة، و لهذا يقال: بأنّ الاجهار بواحدة ليس من باب كونها هي تكبيرة الافتتاحية حتّى يستدل بهذه الرواية على القول المشهور، و يقال: بأنّ ما يجهر به هو

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 7 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 100

التكبيرة الواجبة الافتتاحية، فالواجب ليس إلا واحدة، و حيث لم يعين الجهر بخصوص أحد منها، فلازمه كون المكلف مخيرا في جعل أيّها شاء تكبيرة الافتتاح لما عرفت من الاشكال.

و لكن بعد ما نرى في أنّ في الرواية الّتي ذكرها الصّدوق رحمه اللّه في الخصال و نقل بعض منها مع تغيير في الوسائل، أمّا الرواية، (قال الصّدوق رحمه اللّه في الخصال حدثنا أبي رضي اللّه عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن أحمد بن عبد اللّه الخليجى عن أبي علي الحسن بن راشد قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن تكبير الافتتاح، فقال: سبع، قلت: روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه كان يكبّر واحدة، فقال: إنّ النبي: كان يكبر واحدة يجهر بها و يسر ستا) «1» نقل فعل رسول اللّه: من أنّه كان يجهر بواحدة منها و يسرّ ستّا، و لا يمكن حمل فعله: على التقية، فيوهن حمل هذه الفقرة من الرواية أبي بصير على التقية، بل يستفاد أنّ الجهر بالواحدة و إخفات الست كان مطلوبا لا من باب التقية، ثمّ بعد ذلك هل يمكن الاستدلال بهما على القول المنسوب إلى المشهور أم

لا؟

اعلم أنّ ما يستفاد من هذه الرواية، و كذا الرواية الّتي تنقل فعل النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من جهره تكبيرة واحدة كما تساعد مع القول بالتخيير من باب ان يقال بان ما يختاره الامام أو ما اختار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من التكبيرات تكبيرة الافتتاح يجهر بها، كذلك تساعد مع القول بتعين الاولى، و كذلك مع القول بتعين الأخيرة، لأنّ قوله في رواية أبي بصير (غير أنك إذا كنت إما ما لم تجهر إلّا بواحدة) يدلّ على النهي من الجهر بغيرها و الواحدة الّتي يجوز جهرها على ما ادعى هو تكبيرة الاحرام، و القائل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 12 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 101

بتعين الاولى أو الاخيرة يقول: بأنّه يجهر بواحدة، و هي أوّل التكبيرات، أو آخر التكبيرات.

[في انّ الرواية تساعد مع قول المجلسي الاول ره]

بل يمكن أن يقال: بأنّ هذه الرواية تساعد مع القول المجلسى الأوّل رحمه اللّه أيضا، لأنّه و إن كان قائلا بجعل المجموع تكبيرة الافتتاح، و لكن على قول الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف بأنّه متى لم تتمّ تكبيرة إحرام الامام لا يجوز اقتداء المأموم به، فعلى قول المجلسي رحمه اللّه حيث يكون حال التكبيرات حال حروف كلمة (اللّه اكبر) يعني كما أنّ مع تلفظ الامام بكلمة اللّه أو (الألف، و الام، و الألف، و الكاف و الباء) قبل تمامية التكبير بتلفظه بلفظ (الراء) لا يجوز الاقتداء، بل يجوز بعد التلفظ بتمام الكلمتين، كذلك قبل إكمال تمام التكبير أى تكبيرات السبعة لا يجوز الاقتداء، فيكون النهي عن الاجهار بغير واحدة، لئلا يتوهم المأموم بأنّ الامام أتى بتكبيرة الاحرام، بل يجهر فقط بواحدة،

و هو آخر التكبيرات كى يعلم المأموم بأنّ الامام دخل في الصّلاة و تمت تكبيرة الاحرام.

فبعد ذلك لا يبقى وجه لكون الروايتين دليلا على خصوص القول المنسوب إلى المشهور).

ثمّ إنّه يمكن ان يقال: بأنّ ظاهر ما في بعض الروايات من الأمر باستفتاح الصّلاة بسبع تكبيرات ما رواها زرارة (قال: رأيت أبا جعفر عليه السّلام أو قال: سمعته استفتح الصّلاة بسبع تكبيرات ولاء) «1» هو أنّه في صورة الاتيان بسبع تكبيرات يكون الاستفتاح بها، كما ترى ان في هذه الرواية أمر باستفتاح الصّلاة بالسبع،

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 102

فلازم كون استفتاح الصّلاة بالسبع هو أنّ تمام السبع كان استفتاحها، فيبطل قولان من الأقوال الأربعة، و هو القول بالتخيير و القول بتعين جعل الاخيرة تكبيرة الافتتاح، لأنّه لو كان المصلّي مخيرا بين جعل أى واحد من السبعة، تكبيرة الافتتاح فما وقع الافتتاح بالسبعة، بل افتتح الصّلاة بواحد من السبعة و صار ما وقع قبل السبعة خارجا عن الصّلاة و مقدما عليها، فما استفتح به فكل تكبيرة من السبعة تقع قبل تكبيرة الاحرام يكون مقدما على الصّلاة، فلا يستفتح به الصّلاة و الحال أنّ هذه الرواية تدلّ على أنّ الافتتاح لا بدّ و ان يكون بكل السبعة، كما أنّه على القول بتعين الاخيرة يكون استفتاح الصّلاة، بها فقط فالتكبيرات الست الواقعة قبلها وقعت قبل الصّلاة و لا تستفتح بها الصّلاة، و الحال أنّ الرواية تدلّ على لزوم الاستفتاح بكل السبعة.

فيدور الأمر بين كون الافتتاح بمجموع السبعة كما هو قول المجلسي رحمه اللّه، و بين القول بتعين جعل الاولى، لأنّه بعد جعل الاولى تكبيرة الاحرام و إتيانه بما

بقى من السبعة بعدها فوقع افتتاح الصّلاة بكل من السبعة.

[في ذكر اشعار الروايتين على كون تكبيرة الاحرام هو الاولى و رده]

و يشعر على تعين جعل الاولى تكبيرة الافتتاح الروايتان الدالّتان على أنّ وجه تشريع الست، «1» هو أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كبّر للصّلاة فلم يحر الحسين عليه السّلام (على ما في الرواية الاولى منهما) و أبطأ عن الكلام حتّى تخوفوا أنّه لا يتكلم، فافتتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فكبّر الحسين عليه السّلام فكبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثانيا و هو كبّر و هكذا حتّى كبّر تكبير السابع (على ما فى الرواية الثانية) فصارت سنة، على ما في الرواية الاولى

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 7 و أيضا الرواية 4 من الباب 7 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 103

منهما، أو فجرت بذلك السنة بذلك على ما في الثانية منهما، فيشعر منهما أن تكبيرة الافتتاح هي الاولى، لأنّه كبّر للصّلاة، ثمّ بعد ذلك شرع الست، فشرّع السّت بعد تكبيرة الافتتاح.

(و لكن هذا الوجه مخدوش أمّا أوّلا فلأنّ الظاهر من الرواية 7 من الباب المذكور كون علّة اخرى لتشريع سبع تكبيرات في الافتتاح، و لا يستفاد منها ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كبّر أوّلا للاحرام ثمّ شرّع السّت بعدها، و ثانيا أنّ الظاهر من الروايتين المتقدمتين هو أنّ قبل تشريع ست تكبيرات كبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فكبّر الحسين عليه السّلام فشرّع السّت، و لا يستفاد من ذلك أنّ بعد تشريع السّت أىّ منها صارت تكبيرة الافتتاح).

و يمكن ان يقال وجها لقول المجلسي رحمه اللّه بأنّ الظاهر من بعض أخبار

الباب بل نوعها، هو كون مجموع السبعة افتتاح الصّلاة، مثل ما قال في رواية «1» زرارة (استفتح الصّلاة بسبع تكبيرات) و لذا ترى أنّ بعض المتأخرين يقول: بأنّ الروايات ظاهرة في قول المجلسي رحمه اللّه و لكن الشهرة على خلافه.

و قد يستشكل على قول المجلسي رحمه اللّه بأنّ لازم قوله التخيير بين الأقل و الأكثر، لأنّ على قوله يكون المكلف مخيرا بين أن يفتتح الصّلاة بتكبيرة واحدة و بين أن يفتتحها بثلاث أو خمس او سبع، و هذا هو التخيير بين الأقل و الأكثر، و هو محال.

[في نقل كلام المحقّق الهمداني]

و قال الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه «2» جوابا عن هذا الاشكال: بعدم محذور في التخيير بين الأقل و الأكثر، و حاصل كلامه يرجع إلى أنّ تعلق الطلب بطبيعة يكون

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 249.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 104

مسماها أو مقدار من أفرادها أقل المجزى و الأكثر منها أفضل في الشرعيات و العرفيات فوق حدّ الاحصاء، لكون الاكثر أو في و أتم في الغرض و ان كان الاقل كافيا في رفع الالزام، فإذا تشاغل الشخص بالفعل فما دام متشاغلا يعدّ ممتثلا فإن وقف على الأقل يحصل الامتثال به، و إن لم يتوقف بل باق على تشاغله إلى الأكثر فبالأكثر يكون الامتثال.

و إن قلت: إنّ مع حصول الامتثال بالأقل فكيف يبقى الأمر حتّى يعد الأكثر امتثالا له.

قلت: إن قصد الامتثال بالأقل و اقتصر عليه فيعد هو امتثالا و إن قصد الامتثال بالأكثر و لم يقتصر على الأقل فلا يعد الأقل امتثالا، بل يكون الامتثال بالأكثر فلا مانع من التخيير بين الأقل و الأكثر،

هذا حاصل ما قال في المقام بتفصيل منه في كتابه المسمّى بمصباح الفقيه.

و لكن نقول: بأنّ الموارد مختلف فإنّ كان الأقل فردا للطبيعة و الأكثر فردا آخر للطبيعة كما في الخط، فشبر من الخط، فرد من طبيعة الخط و ذرع من الخط فرد آخر منها، فيمكن دعوى جواز التخيير بين الأقل و الأكثر و لكن لا يمكن ذلك في المقام، لأنّ كل تكبيرة، فرد من التكبير فتكبيرة واحدة فرد منه، و ليس ثلاث، تكبيرات أو خمس أو سبع تكبيرات فردا واحدا في قبالها، بل كل تكبيرة فرد في قبال تكبيرة اخرى، فعلى هذا في مثل ذلك لا مجال للتخيير بين الأقل و الأكثر لأنّ مورد التخيير بين الأقل و الأكثر يكون موردا يكون الأقل فردا واحدا و الأكثر فردا واحدا في قباله لا أفرادا متعددة، و المقام ليس كذلك، لأنّ كل تكبيرة من السبعة فرد مستقل في قبال الآخر مثل أفراد الانسان، ففرد واحد منه فرد و ليس

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 105

عشرة نفر من الانسان فردا واحدا بل تكون عشرة أفراد «1» و على كل حال لا يساعد العرف على التخيير بين الأقل و الأكثر في المقام.

[في ذكر فتاوى القدماء]

ثمّ بعد ذلك كله نذكر توضيحا للمطلب فتاوى بعض القدماء حتّى يظهر للناظر بأنّ دعوى الشهرة في المسألة على التخيير في محلّه أو لا، فنقول: قال السيّد المرتضى رحمه اللّه في الناصريات «2» (على أنّ أصحابنا يذهبون على أنّه مسنون للمصلّي أن يكبر تكبيرات قبل تكبيرة الافتتاح الّتي هي الفرض، و ليست هذه التكبيرات من الصّلاة) و المستفاد من عبارته كون الأخيرة تكبيرة الافتتاح، كما يظهر تعين جعل الأخيرة تكبيرة الاحرام و الافتتاح من ظاهر أبي

الصلاح في الكافي «3» و هو المستفاد من الغنية، و هو مختار يحيى بن سعيد في جامع الشرائع، و يظهر ذلك من عبارة اشارة السبق، و ظاهر المراسم «4» و قال الشّيخ رحمه اللّه في النهاية «5»: و هذه

______________________________

(1)- أقول كما قلت بحضرته مدّ ظله العالى في مجلس البحث: بأنّ الأمر إن كان بالتكبير يكون مجال لهذا الاشكال بأن يقال: إنّ تكبيرات السبع مثلا سبع تكبيرات لا تكبيرة واحدة يكون التخيير بينه و بين الثلاث أو الخمس أو واحدة من باب التخيير بين الأقل و الأكثر و لكن الأمر تعلق بالافتتاح، فقال مثلا كما في رواية زرارة (استفتح الصّلاة الخ) فالاستفتاح كما يتحقّق بتكبيرة واحدة يتحقّق بالثلاث و الخمس و السبع، و يكون تكبير واحد فردا من طبيعة الافتتاح و الثلاث فردا و الخمس فردا و السبع فردا آخر، لا أفراد آخر، فعلى هذا يكون حال ما نحن فيه حال الخطّ الّذي جوز مدّ ظله العالى فيه التخيير بين الأقل و الأكثر و لم يجب مدّ ظله العالي عما قلت، و لعله صار مرضيه أدام اللّه عمره. (المقرر).

(2)- المسائل الناصريات، ص 210.

(3)- الكافى الفقه، ص 122، الغنية، ص 83.

(4)- المراسم، ص 70.

(5)- النهاية، ص 69- 70.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 106

التكبيرات السبع واحدة منها فريضة و لا يجوز تركها، و الباقى سنة، و عبارته في المبسوط (و هو الكتابة الّذي كان بنائه فيه على ذكر التفريعات، كما أفاد في أول كتابه حتى لا يقول العامة بأنّ الخاصة اقتصروا على أحكام خاصة و ما يكون لهم تفريعات، فبنى على ذكر التفريعات فيها و استخرج التفريعات من بين النصوص كما قال رحمه اللّه، فليس في كتابه

المبسوط «1» مقتصرا على ذكر الاصول المتلقاة) قال: (و يستحبّ التوجّه بسبع تكبيرات في أول كل فريضة و أول ركعة من نوافل الزوال (إلى أن قال) بينهنّ ثلاثة أدعية يكبّر ثلاث تكبيرات و يقول: اللهم الخ، و يكبر تكبيرتين و يقول لبيك الخ و يكبر تكبيرتين و يقول و جهت الخ (إلى ان قال) و واحدة من هذه التكبيرات بها الدخول في الصّلاة سواء قصد بالاولة أو بالاخيرة او بالوسطى أو غيرها فإنّ نوى بالأولة تكبيرة الاحرام كان ما عداها واقعا في الصّلاة و إن نوى بالأخيرة ذلك، كان ما عداها واقعا خارج الصّلاة، و الأفضل أن ينوى بالأخيرة ذلك).

و لا يخفي عليك أنّ مختاره في المبسوط هو التخيير بين جعل أىّ منها شاء تكبيرة الاحرام و لكن الأفضل جعلها الاخيرة. «2»

و قد ظهر ممّا مرّ أن الظاهر من كلمات جل القدماء هو تعين جعل الأخيرة تكبيرة الاحرام غير الشّيخ رحمه اللّه، فإنّ ظاهره في المبسوط هو التخيير مع كون الفضل

______________________________

(1) المبسوط، ج 1، ص 104- الوسيلة، ص 94.

(2)- أقول: كما لا يبعد أن يكون ظاهر كلامه في النهاية ذلك لعدم تعيين أنّ أيا منها تكبيرة الاحرام كما لا يبعد أن يكون التخيير مختار ابن حمزة في الوسيلة قال فيها: و التوجيه بسبع تكبيرات واحدة منها تكبيرة الحرام. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 107

في جعلها الأخيرة و بعد كون كتابه كما قلنا غير معدّ لذكر خصوص فتاوى المتلقاة، فلا يضرّ بالشهرة على تعين جعلها الأخيرة.

[في ذكر الاقوال في المسألة]

فترى أنّ الأقوال في المسألة كما قدّمنا أربعة:

القول الأوّل: تعين الاخيرة، و هو مختار جل القدماء إلّا الشّيخ رحمه اللّه في المبسوط.

القول الثاني: تعين جعلها الأولى.

القول الثالث: التخيير في

تعيين جعل أيها شاء تكبيرة الافتتاح، و هو المشهور عند المتأخرين و المنسوب إلى المشهور من غيرهم.

القول الرابع: جعل المجموع الافتتاح و هو مختار المجلسى الأوّل رحمه اللّه.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه لا يمكن الالتزام بقول الرابع لكون الشهرة على خلافه (مضافا إلى مخالفته مع بعض الروايات مثل الرواية الناقلة عن فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أنّه كان يجهر بواحدة بناء على اشعارها بأنّ خصوص ما يجهر به هو تكبيرة نذكرها بعدا، الدالتان على كون الافتتاح بواحدة منها و هي تكبيرة الاخيرة).

و كذلك يشكل الالتزام بالتخيير أمّا أوّلا فلمخالفته مع ظواهر جلّ أخبار الباب بل كلها، و ثانيا المستفاد من الأخبار هو كون ست تكبيرات المنظمة بتكبيرة الاحرام على وزان واحد، بمعنى أنّ هذه التكبيرات إمّا من مقدمات الصّلاة، و إمّا من أجزائها و إمّا كون بعضها من مقدماتها و بعضها من أفعالها، فيكون خلاف الظاهر، و لازم القول بالتخيير هو هذا إذ لو اختار المصلّي مثلا الرابعة، فلازم ذلك

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 108

كون الثلاثة الواقعة قبلها من مقدمات الصّلاة و الثلاثة الواقعة بعدها من أجزاء الصّلاة، غاية الأمر الأجزاء المستحبة، و الحال أنّ ما يفهم من وضع تشريعها بمقتضى الروايات كون كل هذه الستة على نحو واحد و بوزان واحد.

إن قلت: إنّ الشهرة على التخيير.

قلت قد عرفت في ما اسلفنا عدم اشتهار التخيير، بل ظاهر أغلب القدماء هو تعين الأخيرة، فافهم.

و أمّا القول بتعين جعلها الاولى فتارة يقال: بعدم كون تكبيرة الاحرام محتاجا إلى القصد، فيمكن أن يقال بعد تعلق الوجوب بواحدة من التكبيرات و قهرا تكون الباقية منطبق أمر الاستحبابى، و تارة يقال: بأنّها محتاجة

إلى القصد فإن لم يقصد بها افتتاح الصّلاة فلا تصير منطبق عنوان الواجب، كما هو الحق، فبأىّ منها قصد الافتتاح فهي تصير افتتاح الصّلاة، و حيث إنّ القصد معتبر لعدم كفاية صرف إتيان تكبيرة عن امتثال الأمر بتكبيرة الاحرام، فلا يمكن أن يقال: بأنّ الاولى هي تكبيرة الاحرام بدعوى صيرورة الاولى تكبيرة الاحرام قهرا، و وقوع ما بقى التكبيرات سنة لما قلنا.

[في ان الاقرب جعل التكبيرة الاخيرة تكبيرة الاحرام لوجوه]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: إنّه لا وجه لتعين الاولى أمّا أوّلا فلعدم دلالة رواية على ذلك غير روايتين الواردتين في علّة التشريع ذكرنا الكلام فيهما و وجه الاستدلال بهما و قلنا جوابهما، و امّا ثانيا فإنّ الشهرة على خلافه، فعلى هذا نقول:

بأنّ الأقرب بالنظر هو تعين جعلها الأخيرة لوجوه:

الوجه الأوّل:

للشهرة الّتي قدمنا بيانها من أن نوع القدماء قدس سرّه قائلون بتعين الأخيرة أو أفضليتها.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 109

[في الوجه الثاني و الثالث]

الوجه الثاني: رواية فقه الرضا (و اعلم أنّ السابعة هي الفريضة و هي تكبيرة الافتتاح و بها تحريم الصّلاة) و رواية أبي بصير الّتي رواها كاشف اللثام في شرح الروضة، و فيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله اللهم أنت الملك الحق المبين الخ، و الدعاء عقيب الاثنين بقوله: لبيك و سعديك، و عقيب السادسة بقوله يا محسن قد أتاك المسي ء، قال عليه السّلام ثمّ تكبير للاحرام) و هما و ان كانتا ضعيفة السند في حدّ ذاتهما إلا أنّهما معتضدان بالشهرة.

الوجه الثالث: كون هذا القول أحوط حيث إنّ العمدة هي الشهرة، و هي إمّا على القول بالتخيير، و إمّا على تعين الأخيرة فلو اختار المصلّي الأخيرة فراعى الشهرة، هذا تمام الكلام في هذه الجهة.

الجهة الثانية:
اشارة

يظهر من جلّ الفقهاء استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الاحرام، و غيرها من التكبيرات المستحبة في الصّلاة، و لا يرى مخالف فيه من القدماء قدس سرّه الّا السيّد المرتضى رحمه اللّه في الانتصار، و من المتأخرين إلّا صاحب «1» الحدائق رحمه اللّه، فينبغي أوّلا ذكر أخبار الباب بنحو الاختصار، ثمّ بيان ما هو المختار إن شاء اللّه.

[في ذكر الروايات الواردة في رفع اليد في الصّلاة]

فنقول: إنّ بعض روايات الباب يحكى فعل أحد المعصومين:، و هي الرواية 1 و 2 و 3 و 6 و 12 من الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام من الوسائل، و هذه الطائفة لا تدلّ إلّا على أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو أحدا من الائمة: رفع يديه حال تكبيرة الاحرام كما في 2 و 3 و 6 منها، و على رفع يده عليه الصّلاة و السلام حين مطلق التكبير كما في 1

______________________________

(1) الحدائق، ج 8، ص 42.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 110

منها، و في خصوص تكبير قبل الركوع، و بعد الركوع كما في 12 منها.

و رفع اليد بعد الركوع يكون موافقا مع العامة، فهم يقولون باستحباب التكبير بعده و نحن لا نقول باستحبابه، و على كل حال غاية دلالة هذه الطائفة مشروعية رفع اليد و رجحانه، و أمّا الوجوب فلا يستفاد منها.

و بعضها يكون متعرضا لعلة تشريع رفع اليدين، و هي الرواية 10 و 11 من الباب المذكور، و لا ظهور لهذه الطائفة في الوجوب، بل المستفاد منها بيان التشريع، فكما يناسب مع الوجوب يناسب مع ذكر علّة استحباب رفع اليدين عند التكبير.

و بعضها مثل ما رواها أبو بصير (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث: إذا افتتحت الصّلاة فكبرت،

فلا تجاوز اذنيك، و لا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك) «1» المتعرضة لعدم تجاوز اليدين عن الاذن، و عدم رفع اليد عن الرأس بالدعاء في المكتوبة غير متعرضة لأصل رفع اليد و أنّ مطلوبيته تكون على سبيل الوجوب أو الاستحباب.

و مثل ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: قال: على الامام أن يرفع يده في الصّلاة ليس على غيره أن يرفع يده في الصّلاة) «2» فهي متعرضة للفرق بين الامام و المأموم، فهي معارضة مع الأخبار المطلقة من حيث كون المصلّي إماما أو مأموما (مع إجمالها من حيث التعرض لرفع اليد في الصّلاة و بعد عدم إمكان حملها على مطلوبية رفع اليد في حال الصّلاة، فمردد بين كون المطلوب هو رفع اليد حال التكبير أو حال القنوت، نعم على نقل الحميرى في قرب الاسناد

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 111

كما ذكر في الوسائل (أن يرفع يديه في التكبير) يكون متعرضا لرفع اليد حال التكبير).

و مثل ما رواها معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السّلام (قال: و عليك برفع يديك في الصّلاة و تقليبها) «1» و هي لاجل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (و تقليبها) ظاهرة في كون الأمر برفع اليد حال القنوت باعتبار أن فى هذا الحال يقلّب اليد و يجعل باطنها نحو السماء، أو محتمل في ذلك و إن كان من المحتمل أيضا إن يكون

المراد من التقليب الحاصل برفع اليدين حال التكبير لتقليب اليد عن وضعها الطبيعى، و لكن مع احتمال خلافه لا يبقى ظهور للرواية في كونها متعرضة لرفع اليد حال التكبير.

و مثل ما رواها إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه إلى أن قال (دعوا رفع أيديكم في الصّلاة إلّا مرة واحدة حين يفتتح الصّلاة، فإنّ الناس قد شهروكم بذلك، و اللّه المستعان و لا حول و لا قوة إلا باللّه) «2» فهي متعرضة لعدم رفع اليد في غير تكبيرة الاحرام من باب التقية حتّى لا يعرفونهم العامة، و أمّا كون رفع اليد واجبا أو مستحبا حال تكبيرة الاحرام و غيرها من التكبيرات، فهي غير متعرضة له.

و مثل الرواية 1 و 2 من الباب 10 من أبواب تكبيرة الاحرام من الوسائل فيحتمل كونهما متعرضة لحيث آخر أعنى: في مقام بيان حدّ رفع اليد لا في مقام بيان أصل رفع اليد فعلى هذا لا يستفاد من هذه الطائفة وجوب رفع اليد حال التكبير.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 112

و بعضها واردة في تفسير قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ): مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) قال:

هو رفع يديك حذاء وجهك). «1»

و مثل ما رواها إلا صبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب عليه السّلام (قال: لما نزلت على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (فصل لربك و انحر) قال:

يا جبرئيل ما هذه النحيرة الّتي أمرني بها ربي؟

قال: يا محمد أنها ليست نحيرة، لكنّها رفع الايدى في الصّلاة). «2»

و مثل ما رواها الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان عن مقاتل بن حنان مثله إلا أنّه قال: ليست بنحيرة، و لكنه يأمرك اذا تحرّمت للصّلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، و إذا ركعت، و اذا رفعت رأسك من الركوع و اذا سجدت فإنّه صلاتنا و صلاة الملائكة في السموات السبع و أنّ لكل شي ء زينة و أنّ زينة الصّلاة رفع الايدى عند كل تكبيرة). «3»

و مثل ما روى عن على عليه السّلام في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ). «4» إنّ معناه رفع يديك إلى النحر في الصّلاة.

و مثل ما روى عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) قال: هو رفع يديك حذاء وجهك. «5»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الرواية 12 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(3)- الرواية 14 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(4)- الرواية 15 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(5)- الرواية 16 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 113

و مثل ما روى عن جميل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله عز و جل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) فقال بيده هكذا يعني استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصّلاة) «1».

و هذه الطائفة مع ارسال بعضها و ضعف سند بعضها مثل 13 لا يستفاد من الاولى منها أى رواية 4 إلّا رفع اليد، و

لا تعرض فيها لمورد رفع اليد، و الثالثة منها و هي 14 (مضافا إلى اشتمالها لما هو موافق لقول بعض العامة) و هو التكبير بعد رفع الرأس عن الركوع، فإن ذلك ممّا لا يرى له قائل بين الخاصة) لاشتمالها على ذيل و هو قوله (و إنّ لكل شي ء زينة الخ) لا ظهور لها في الوجوب، بل يناسب هذا النحو من التعبيرات مع الاستحباب، فلا يمكن الاتكال عليها و الالتزام بوجوب رفع اليد حال التكبيرات، مضافا إلى أنّ بعض الروايات متعرضة لخصوص حال تكبير الافتتاح، و بعضها للفصل بين الامام و المأموم،

[مستند العمدة في عدم وجوب رفع اليد]

و مستند العمدة في عدم وجوب رفع اليد حال التكبيرات، هو ما قلنا في الاقامة من أنّه لو كانت واجبة يكون بمثابة لا يمكن الترديد فيه و كان ظاهرا واضحا عند المسلمين، لابتلاء العموم به في كل يوم من الأيام خمس مرات، فكذلك في ما نحن فيه، فمن عدم وضوح ذلك بل اشتهار خلافه بحيث لا يرى قائل بوجوبه من القدماء إلّا السيّد رحمه اللّه كما في محكي الانتصار «2» (و ممّا انفردت به الامامية القول بوجوب رفع اليدين في كل تكبيرات الصّلاة لأنّ أبا حنيفة و أصحابه و الثورى لا يرون رفع اليدين بالتكبير إلّا في الافتتاح للصلاة (إلى أن قال) و الحجة في ما ذهنا إليه طريقة الاجماع و براءة الذمة) و إن كان كلامه

______________________________

(1)- الرواية 17 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الانتصار، ص 147.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 114

أيضا قابل للحمل على غير الوجوب، لاحتمال كون نظره الشريف إلى أصل ثبوت ذلك بين الخاصّة خلافا لأبى حنيفة و الثورى فإنّهما لم يقولا بمشروعية رفع اليدين في

غير تكبيرة الافتتاح.

فمحط نظره يحتمل أن يكون صرف إثبات مشروعية رفع اليد عند كل تكبيرة في قبالهم، و تعبيره بالوجوب على هذا يحتمل أن لا يكون وجوب المصطلح بل مراده الثبوت بمعنى ثبوت ذلك و مشروعيته، فهو كما يناسب مع الوجوب يناسب مع الاستحباب، و من المتأخرين صاحب الحدائق «1» رحمه اللّه فنكشف عدم وجوبه قلنا.

[الحق استحباب رفع اليدين حال التكبيرات]

فالمختار، و ما هو الحق، هو استحباب رفع اليدين حال التكبيرات، غاية الأمر يمكن أن يكون استحبابه في تكبيرة الافتتاح أشد و للامام أشد استحبابا صرح في رواية «2» من روايات المتقدمة التفصيل بين الامام و المأموم، فيحمل ذلك على زيادة الفضل للامام، فعلى هذا الحق عدم وجوب رفع اليدين حال التكبيرات، و لكن يكون مستحبا، و العمدة ما قلنا في وجهه، و لا وجه للاشكال ببعض الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) برفع اليد في الصّلاة بأنّ النحر من الجوامد فحمل (انحر) على النحيرة و هو رفع اليد حال التكبير خلاف الظاهر، لأنّ الاشتقاق منه بهذا النحو خلاف الظاهر، لأنّ النحر من المصادر التوليدية لا المصادر الاشتقاقية، لأنّه بعد المراجعة يرى الناظر بأنّ كل أقوال ذكر في الآية كما في تفسير الطبري (علي بن جرير) يكون مشتقا عن الجامد، فهذا ليس إشكالا في الروايات.

فالعمدة ما قلنا في وجه عدم الوجوب مضافا إلى بعض وجوه

______________________________

(1)- الحدائق، ج 8، ص 42.

(2)- الرواية 7 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 115

اخرى قدّمنا ذكره.

و الحمد للّه و الصّلاة على رسوله و آله و العن على أعدائه رب ارزقنا خير الدنيا و الآخرة.

الجهة الثالثة:

لو نسي تكبيرة الافتتاح فهل يجب عليه اعادة الصّلاة أم لا؟

اعلم أنّ ظاهر الرواية 1 و 2 و 4 و 5 و 7 من الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام من الوسائل، و 1 من الباب 3 من أبوابها من الوسائل، هو وجوب الاعادة أى: إعادة الصّلاة إذا نسي تكبيرة الاحرام و هذا ما ادعى بعض عليه الاجماع، و أنّه ممّا لا خلاف فيه

على الظاهر.

و في قبال ذلك بعض الأخبار منها الرواية 8 من الباب 2 من أبوابها، و هي تدلّ على عدم وجوب الاعادة إذا نسيها و تذكر بعد الصّلاة و منها الرواية 9 من الباب المذكور، و لكن يمكن حمل الرواية على صورة الشّك بأن يقال: إن قوله عليه السّلام (أ ليس كان من نية أن يكبر) هو أن من يكون بنائه على الاتيان، يأتيها و لا ينسيها، و لأجل هذا قال عليه السّلام (فليمض في صلاته) و منها الرواية 10 من الباب المذكور، و هي تدلّ على وجوب التكبير لو تذكر قبل الركوع، و عدمه إن تذكر بعده، و تكون صلاته صحيحة و منها الرواية 2 من الباب 3 من أبوابها من الوسائل، و هي بظاهرها تدلّ إجزاء تكبير الركوع عنها و عدم وجوب الاعادة في هذه الصورة فهي بظاهرها معارضة مع بعض الآخر الدالّ على عدم وجوب الاعادة إذا دخل في الركوع سواء أتى بتكبيرة الركوع أم لا.

و على كل حال بعد دلالة الروايات المتقدمة- قبل هذه الطائفة- على وجوب إعادة الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام، و كون الحكم تقريبا من المسلمات عند

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 116

فقهائنا رضوان اللّه عليهم، فلا بدّ من ردّ علم هذه الأخبار على فرض دلالتها، مع قطع النظر عن معارضة بعضها مع بعضها الآخر، إلى أهلها فافهم.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 117

الرابع من أفعال الصّلاة القراءة

اشارة

و كونها من جملة واجبات الصّلاة في الجملة ممّا لا يكون مورد خلاف لا بيننا، و لا بين العامّة عدا ما حكى عن الحسن بن صالح بن حي من أنّه قال: ليست القراءة شرطا فيها، و كذا لا خلاف بين فقهائنا رضوان اللّه عليهم في وجوب

الفاتحة في ركعتى الفجر، و ركعتى الاولى و الثانية من الظهرين و العشاءين، و أمّا عند العامة فقال الشافعى و سفيان و مالك و أحمد و إسحاق و ابو ثور و داود: بوجوبها في الصّلاة، و حكى عن الاصم و الحسن بن صالح بن حي أنّها مستحبة في الصّلاة و قال أبو حنيفة: يجب مقدار آية، و قال أبو يوسف و محمد: مقدار ثلاث آيات.

و أمّا السورة فالمشهور عندنا وجوبه في الأولتين من الصلوات الخمس، و فينا من لا يقول بوجوبه، و أمّا العامة فقال الشافعي و أكثر أصحابه: بأنّها مستحب، و قال بعض أصحاب الشافعي: بوجوبها و لا يجوز الاقتصار على أقل منها، و لكن يجوز تبديل ذلك بما يكون قدر آياتها من القرآن، و حكى أبو بكر بن المنذر عن عثمان بن أبي العاص أنّه قال: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب و ثلاث آيات بعدها، هذا كله في الركعتين الأولتين.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 118

و أمّا في الركعة الأخيرة من المغرب، و الأخيرتين من الظهرين و العشاء، و هو الموضع الأوّل: من المواضع الّتي يقع الكلام فيها في مبحث القراءة، فنقول: أمّا العامة فلا خلاف بينهم في أنّ التكليف هو قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين، و أمّا الخاصة فلا خلاف بينهم في إجزاء غير القراءة و إن كان الخلاف بينهم في ما يجزي بدل قراءة الحمد.

[في ذكر الاقوال فى القراءة]

فما يظهر من كلام المحقق رحمه اللّه في المعتبر «1» كون الأقوال عند الخاصّة رضوان اللّه عليهم أربعة:

القول الأوّل: كما يظهر من عبارته في الكتاب المذكور، هو إجزاء (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه و اللّه أكبر) و هو مختاره و مختار المفيد

«2» رحمه اللّه، و ظاهره اجزاء ذلك مرة واحدة.

القول الثاني: كفاية التسبيح عشر مرات، و هو أن يقول المصلّي ثلاث مرات (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه) و يزيد في المرة الثالثة (اللّه أكبر) فيكون عشرة تسبيحات.

القول الثالث: كفاية تسع تسبيحات (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه) ثلاث مرات.

القول الرابع: هو أن يقول المصلّي (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه و اللّه أكبر) ثلاث مرات، فتكون اثنتا عشرة تسبيحة، هذه الأقوال الأربعة.

______________________________

(1) المعتبر، ج 2، ص 188- 189.

(2)- مقنعه، ص 113.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 119

و أمّا وجه التعبير من هذه الاذكار (بالتسبيحة) فيكون لأجل اشتمال كل منها على تنزيه اللّه تعالى.

[في ذكر الاخبار الواردة فى القراءة فى الركعتين الاخيرتين]

إذا عرفت الأقوال في المسألة فنعطف عنان الكلام إلى ذكر الأخبار في هذه المسألة، فنقول بعونه تعالى: بأن صاحب الوسائل تعرض للأخبار الراجعة إلى المسألة في بابين من أبواب القراءة في الصّلاة من الوسائل الباب 42 و الباب 51، و لسان الأخبار يكون مختلفا، فنذكر بعونه تعالى الأخبار و مقدار دلالتها حتّى يظهر لك ما هو الحق في المقام، فنقول:

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبيد بن زرارة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال: تسبح و تحمد اللّه و تستغفر لذنبك، و ان شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء). «1»

تدلّ على تخيير المكلف بين التسبيح و التحميد و الاستغفار، و بين فاتحة الكتاب من باب كون الفاتحة تحميد و دعاء، و لا دلالة لها على كون أحد فردي التخيير هو خصوص التسبيحات الأربعة، إلا أن يدعى انصراف التسبيح و التحميد في الرواية إليها،

و ليست الرواية متعرضة لعدد خاص، و لازم ذلك حصول المأمور به بصرف مسمى التسبيح و التحميد و الاستغفار، أو خصوص التسبيحات الاربعة مرة واحدة لو قلنا بانصراف التسبيح و التحميد إليها.

الرواية الثانية: و هي ما رواها معاوية بن عمار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القراءة خلف الامام في الركعتين الأخيرتين فقال: الامام يقرأ بفاتحة الكتاب،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 120

و من خلفه يسبّح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما، و إن شئت تسبح. تدلّ على أنّ تكليف الامام قراءة الفاتحة، و المأموم التسبيح). «1»

و المنفرد فمخير بين القراءة و التسبيح في الأخيرتين، و لم يبين فيها نحوة التسبيح إلا أن يقال: بانصراف التسبيح في لسانهم: بالتسبيحات الأربعة.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها علي بن حنظلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر اللّه فهو سواء، قال: قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما و اللّه سواء إن شئت سبحت و إن شئت قرأت). «2»

تدلّ على التخير بين الفاتحة و بين الذكر في الجملة، و عدم أفضلية أحدهما على الآخر، و لم تكن الرواية في مقام بيان كفاية مطلق الذكر بقرينة ذيل الرواية و بعض روايات اخرى، فلا يمكن حمل الرواية على كفاية مطلق الذكر، بل يمكن كون المراد خصوص التسبيح.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها جميل بن دراج (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عما يقرأ الامام في الركعتين في آخر الصّلاة، فقال: بفاتحة الكتاب، و لا يقرأ الذين خلفه، و يقرأ الرجل فيهما

إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب). «3»

تدلّ على أنّ الامام يقرأ الفاتحة، و لا يقرأ المأموم، و لا تعرض فيها بأنّ المأموم يسكت أو يسبح أو يفعل غير ذلك، و تدلّ على أن المنفرد يقرأ.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 121

الرواية الخامسة: و هي ما رواها حريز عن زرارة (قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: أن تقول (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه اكبر، و تكبر و تركع). «1»

(و في الرواية محمد بن إسماعيل الواقع في جلة أسانيد الرواية ليس محمد بن إسماعيل بن بزيع بل هو محمد بن إسماعيل النيشابوري).

تدلّ الرواية على أنّ المجزى في الركعتين الأخيرتين هو التسبيحات الأربعة مرة واحدة (و إطلاقها يشمل الامام و المأموم و المنفرد).

الرواية السادسة: و هي ما رواها عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: عشر ركعات: ركعتان من الظهر، و ركعتان من العصر، و ركعتا الصبح، و ركعتا المغرب، و ركعتا العشاء الآخرة لا يجوز فيهنّ الوهم (إلى أن قال) و هي الصّلاة فرضها اللّه، و فوض إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فزاد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الصّلاة سبع ركعات هي سنة ليس فيهنّ قراءة، إنّما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء، فالوهم إنّما هو فيهن). «2»

تدلّ على عدم مشروعية القراءة في الأخيرتين، و أنّ

التكليف هو الاتيان بالتسبيح و التهليل و التكبير و الدعاء.

الرواية السابعة: و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (ثمّ قال: أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول (سبحان اللّه سبحانه اللّه سبحانه اللّه) تدلّ على أن أدنى ما يجزى في الأخيرتين هو ثلاث

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 122

تسبيحات، و بيّن المراد من التسبيحات هو أن يقول المصلّي (سبحان اللّه) ثلاث مرات). «1»

الرواية الثامنة: و هي ما رواها رجاء بن أبي الضحاك (أنّه صحب الرضا عليه السّلام من المدينة إلى مرو، فكان يسبح في الاخيرتين يقول: (سبحانه اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه و اللّه أكبر) ثلاث مرات ثمّ يركع). «2»

هذه الرواية نقل فعل الرضا عليه الصّلاة و السلام من أنّه كان يصلّي و في صلاته في الركعتين الاخيرتين يقول (سبحانه اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه و اللّه أكبر) ثلاث مرات، و قال المجلسي رحمه اللّه بأنّ عندي نسخة صحيحة من عيون، و فيها ليس فقرة (اللّه اكبر) ففي هذه النسخة ليست إلّا (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه) ثلاث مرات.

اعلم أنّه ليس في روايات الباب رواية كان لسانها وجوب الاتيان بالتسبيحات الأربع ثلاث مرات إلّا هذه الرواية، و نحوه رواية 9 بناء على نقل ابن إدريس في أول السرائر، و هذه الرواية بناء على نقل المجلسي رحمه اللّه من كتاب العيون الذي كان موجودا عنده ليس فيها التكبير، بل

مشتمل على التسبيح و التمهيد و التهليل، فعلى هذا لا يكون مستند في الأخبار للقول بوجوب الاتيان بخصوص التسبيحات الاربعة ثلاث مرات، و قال البهبهاني رحمه اللّه بأنّ عدم وجدان المجلسى رحمه اللّه رواية تدلّ على وجوب إتيان المصلّي بالتسبيحات الأربعة لا يدلّ على عدم وجود رواية تدلّ على هذا الحكم، فتأمل.

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 123

الرواية التاسعة: و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه (قال: لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام قال: قلت: فما أقول فيهما؟ قال: إذا كنت إماما أو وحدك فقل (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه) ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات، ثمّ تكبر و تركع- و رواه ابن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب حريز بن عبد اللّه عن زرارة مثله إلّا أنّه أسقط قوله (تكلمه تسع تسبيحات) و قوله (أو وحدك) «1» و رواه في أول السرائر أيضا نقلا من كتاب حريز مثله إلّا أنّه قال فقل (سبحانه اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر) ثلاث مرات ثمّ تكبر و تركع). «2»

أقول: لا يبعد أن يكون زرارة سمع الحديث مرتين مرة تسع تسبيحات، و مرة اثنا عشر تسبيحة، و أورده حريز أيضا في كتابه مرتين انتهي كلام صاحب الوسائل رحمه اللّه.

تدلّ الرواية على نقل الصّدوق على عدم جواز القراءة في الأخيرتين و وجوب التسبيحات التسعة، و ليس فيها (اللّه أكبر) و تدلّ على

كون هذا الحكم للامام و المنفرد، و لم تتعرض للمأموم، و امّا بنقل السرائر تدلّ على وجوب ذلك لخصوص الامام لاسقاط (او وحدك) و تدلّ بنقل الصّدوق رحمه اللّه كما قلنا و نقل أول السرائر على وجوب (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر) ثلاث مرات، فعلى هذا النقل يجب أن يقال (اللّه اكبر) ثلاث مرات أيضا فعلى هذا النقل هذه الرواية تدلّ على وجوب تسبيحات الأربع ثلاث مرات، و لكن المجلسي رحمه اللّه قال: بأن

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 124

النسخ المتعددة الّتي رأيت من السرائر كانت بلا تكبير.

الرواية العاشرة: و هي ما رواها محمد بن عمران في حديث (أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال: لأي علّة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة قال: إنّما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة اللّه عز و جل، فدهش، فقال (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر) فلذلك صار التسبيح افضل من القراءة). «1»

و هذه الرواية لا تدلّ إلا على أفضلية التسبيح على القراءة، و لا تدلّ على اعتبار التعدد، و لا على اعتبار خصوصية هذه التسبيحات. «2»

الرواية الحادى عشرة: و هي ما قال مرسلة الصّدوق و (قال الرضا عليه السّلام: إنّما جعل القراءة في الركعتين الأولتين و التسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه اللّه من عنده،

و بين ما فرضه اللّه من عند رسوله). «3»

تعرضت هذه المرسلة لعلة جعل القراءة في الأولتين، و جعل التسبيح في الأخيرتين فيمكن دعوى استفادة تعين التسبيح في الأخيرتين من هذه المرسلة.

الرواية الثانية عشرة: و هي مرسلة المحقق في المعتبر عن علي عليه السّلام (أنّه قال:

اقرأ في الأولتين و سبح في الأخيرتين). «4»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- أقول: لا يبعد دعوى كون المشروع و الواجب، هو خصوص هذه التسبيحات، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تكلم بخصوصها.

(3)- الرواية 4 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 125

تدلّ بنفسها على تعين التسبيح في الأخيرتين.

الرواية الثالثة عشرة: و هي ما رواها حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: كان الّذي فرض اللّه على العباد من الصّلاة عشر ركعات و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ و هم يعني: سهوا، فزاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبعا و فيهنّ الوهم و ليس فيهنّ قراءة). «1»

تدلّ على عدم تشريع القراءة في السبعة الّتي تكون فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

الرواية الرابعة عشرة: و هي ما رواها عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيها، فقل (الحمد للّه و سبحانه اللّه و اللّه أكبر). «2»

استدل المحقق رحمه اللّه في المعتبر بهذه الرواية على عدم اعتبار الترتيب، و تدلّ الرواية على عدم جواز القراءة في الأخيرتين، و أن يقال (الحمد للّه

و سبحانه اللّه و اللّه اكبر) و ليس فيها التهليل أعنى (لا إله إلا اللّه) و يكون الترتيب بين الأذكار فيها على خلاف بعض آخر من الروايات، لتقديم التحميد فيها على التسبيح.

الرواية الخامسة عشرة: هي ما رواها معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين، يذكر في الركعتين الأخيرتين أنّه لم يقرأ، قال: أتمّ الركوع و السجود؟ قلت: نعم، قال: إنى أكره أن ا أجعل آخر صلاتي أوّلها). «3»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 126

تدلّ على عدم القراءة في الأخيرتين بناء على حمل الكراهة في الرواية على معناها اللغوي.

الرواية السادسة عشرة: و هي ما رواها محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا صلّى يقرأ في الركعتين الأولتين من صلاته الظهر سرّا، و يتسبح في الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو من صلاته العشاء و كان يقرأ من الأولتين من صلاته العصر سرّا، و يسبح في الأخيرتين على نحو من صلاته العشاء) «1» الحديث.

تدلّ على أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يسبح في الأخيرتين من الظهر و العصر و العشاء و لا تعرض لها لخصوص تسبيحه إلّا أن يقال بانصراف التسبيح إلى خصوص التسبيحات الأربع.

الرواية السابعة عشرة: و هي ما رواها محمد بن حكيم (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام أيما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال:

القراءة أفضل). «2»

لا تدلّ إلّا

على أفضلية القراءة على التسبيح في الأخيرتين.

الرواية الثامنة عشرة: و هي ما رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، و إن كنت وحدك

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 10 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 127

فيسعك فعلت أو لم تفعل). «1»

تدلّ على جواز القراءة إن كان المصلّي إماما و أمّا إن كان الفرادى فيسعه أن يقرأ الفاتحة أو لم يقرأ و تخييره بين الفعل و عدمه يحتمل أن يكون المراد تخييره بين القراءة و أن لا يقرأ شيأ أصلا، و بين قراءة الفاتحة و التسبيح.

الرواية التاسعة عشرة: و هي ما رواها ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

إن كنت خلف الامام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ و كان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين و قال: يجزيك التسبيح في الأخيرتين قلت: أى شي ء تقول أنت؟ قال: أقرأ فاتحة الكتاب). «2»

تدلّ على التخيير بين التسبيح و بين القراءة في الأخيرتين لأنّ مقتضى الجمع بين إجزاء التسبيح و بين قراءته عليه السّلام الفاتحة هو كون المكلف مخيرا بينهما، و لا تدلّ على أزيد من التسبيح فهو يشمل مطلق التسبيح إلّا أن يحمل على خصوص التسبيحات الأربع.

الرواية العشرون: و هي ما رواها سالم بن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين و على الذين خلفك أن يقولوا (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و

اللّه أكبر) و هو قيام فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن تقرءوا فاتحة الكتاب و على الامام أن

______________________________

(1)- الرواية 11 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 11 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 128

يسبح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين). «1»

غاية ما تدلّ الرواية عليها مع قطع النظر عما فيها من الاشكال هو الكيفية أىّ: إنّ كيفية التسبيح هو (سبحانه اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر) و لا تدلّ على الكمية لعدم معلومية أن القوم يقولون التسبيح مرة أو ثلث مرات أو أكثر (إلا أن يقال: يستفاد من الخبر المرة فقط، لأنّه قال عليه السّلام (و على الذين خلفك أن يقولوا (سبحانه اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر).

الرواية الحادية و العشرون: و هي مرسلة عبد اللّه بن جعفر الحميرى عن صاحب الزمان عليه السّلام (أنّه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات فبعض يرى أن قراءة الحمد وحدها أفضل و بعض يرى أن التسبيح فيهما أفضل فالفضل لأيهما لنستعمله؟ فأجاب عليه السّلام قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السّلام: كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج إلّا للعليل أو من يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصّلاة عليه). «2»

تدلّ على تعين القراءة في الأخيرتين لكن فيها اضطراب.

هذا كلّه الروايات المربوطة بمسألتنا، و قد عرفت أن بعضها مفادا مغاير مع بعض الآخر

[في ذكر المقامين فى المسألة]
اشارة

فلا بدّ من التكلم في المقامين:

المقام الأوّل:

في أن المتعين في الركعتين الأخيرتين هو خصوص الفاتحة أو

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 14 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 129

خصوص غير الفاتحة أو التخيير بينها و بين غيرها، و على فرض التخيير هل يكون أحد فردى الواجب المخير أفضل من الآخر أم لا.

المقام الثاني:

بعد إجزاء غير الفاتحة في الأخيرتين هل يكون المتعين هو خصوص التسبيحات الأربع مرة أو مرات أو بعض من التسبيحات الأربع أو يكفي مطلق التسبيع و التحميد و التكبير و التهليل و الدعاء و لو بغير لفظ سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر «1» أو يكفي التسبيح فقط أو يكفي مطلق الذكر.

امّا الكلام فى المقام الاوّل فنقول المشهور على كون المكلّف مخيّرا فيهما بين قراءة فاتحة الكتاب و غيرها و أن اختلفوا فى عدلها بانّه هو مطلق الذكر او خصوص التسبيح و كذا في كيفيّته و كميّته، و الروايات مختلفة فبعضها دالّة على خصوص الحمد «2» و بعضها دالّة على خصوص التسبيح «3» و بعضها على التخيير بينهما «4» و الثالثة شاهدة الجمع بينهما.

و يمكن التمسك لكون التسبيح افضل بفعل الرضا عليه السّلام على ما فى العيون «5».

امّا الكلام فى المقام الثاني فالمشهور كون التسبيح قائما مقام القراءة و امّا كيفيّتها و كمّيتها فبمقتضى رواية زرارة «6» كفاية مرّة من التسبيحات الاربعة

______________________________

(1)- سورة النمل، الآية 30.

(2)- الرواية 4 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب

42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(5)- الرواية 8 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(6)- الرواية 5 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 130

المذكورة فيها و ان كان الاحوط التعدد كما في رواية عيون الاخبار.

الموضع الثاني: بعد ما لا إشكال في اعتبار الفاتحة في الركعتين الأولتين من الفرائض كما قدمنا، و كون ذلك مسلما عند المسلمين و لهذا لا حاجة إلى إتعاب النفس بذكر البرهان و إقامة الدليل عليه بعد تسلمه عند الخاصّة و العامة و إن كان اعتبارها في النوافل محلّ كلام يأتى إن شاء اللّه.

و كذا لا إشكال في كون البسملة جزء سورة الفاتحة و كذا ساير السور و كونها آية منها غير سورة البراءة بناء على عدم كونها جزء سورة الانفال و كونها سورة مستقلة و غير البسملة الواقعة في ضمن سورة النمل و هي قوله تعالى (و أنّه من سليمان و إنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فإنّها جزء آية منها مسلما، فالبسملة في غير الموردين في أوّل كل سورة آية تامة و جزء من كل سورة.

و ما ينبغي أن نعطف عنان الكلام نحوه هو أنّه هل تجب سورة كاملة في الركعتين الاولتين من الفرائض بعد الفاتحة أم لا؟

فنقول: بأنّ المشهور بين الأصحاب وجوب السورة بعد فاتحة الكتاب و به صرح الشيخ رحمه اللّه في التهذيبين «1» و الخلاف «2» حيث قال (الظاهر من روايات أصحابنا و مذهبهم أنّ قراءة سورة اخرى مع الحمد واجبة في الفرائض و لا يجزي على أقل منها).

______________________________

(1)- التهذيب، ج 2، ص 70؛ الاستبصار، ج 1، ص 314.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 325، مسأله

86.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 131

و قال في المبسوط «1» الظاهر من المذهب أنّ قراءة سورة كاملة مع الحمد في الفرائض واجبة و ان بعض السورة أو أكثرها لا يجوز مع الاختيار غير أنّه ان قرء بعض السورة أو قرن بين السورتين بعد الحمد لا يحكم ببطلان الصّلاة و يجوز كل ذلك في حال الضرورة و كذلك في النافلة مع الاختيار.

و قال في النهاية «2» و أدنى ما يجزي من القراءة في الفرائض الحمد مرة واحدة و سورة معها في حال الاختيار و لا يجوز زيادة عليها و لا النقصان منها، فمن صلّى بالحمد وحدها متعمدا من غير عذر كانت صلاته ماضية و لم يجب عليه إعادتها غير أنّه قد ترك الأفضل و إن اقتصر على الحمد ناسيا أو في حال الضرورة من السفر و المرض و غيرها لم يكن به بأس و كانت صلاته تامة و قال أيضا: و لا يجوز أن يجمع بين سورتين مع الحمد في الفرائض فمن فعل ذلك متعمدا كانت صلاته فاسدة فإنّ فعله ناسيا لم يكن عليه شي ء و كذلك لا يجوز أن يقتصر على بعض سورة و هو يحسن تمامها، فمن اقتصر على بعضها و هو متمكن بقراءة جميعها، كانت صلاته ناقصة و إن لم يجب عليه إعادتها انتهي.

و قد يقال: بأنّ بين صدر عبارته في المبسوط و النهاية و بين ذيلها تناقض و تهافت لأنّ في الصدر قال ما يدلّ على وجوب السورة، و في الذيل قال ما يدلّ على أن تركها لا يوجب فساد الصّلاة كما قال في المفتاح الكرامة.

و قد يقال في توجيه كلامه: بأن مراده في الصدر من الوجوب هو الوجوب

______________________________

(1)- المبسوط، ج

1، ص 107.

(2)- النهاية، ص 75- 76.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 132

التكليفي و هذا لا ينافي مع كلامه في الذيل بأنّه لو تركها عامدا لا تفسد الصّلاة الوجوب التكليفي غير مناف مع عدم الفساد.

و لكن حيث إنّه لا يمكن أن يقال: بما قال في المفتاح الكرامة «1» من التناقض بين الصدر و الذيل لأنّه كيف يقول مثل الشّيخ رحمه اللّه يقول كلاما، و يقول بعد سطر على خلافه و كيف لم يكن متوجها بذلك و يختار فتوى على خلاف فتواه في صدر المطلب فلا يمكن الالتزام بذلك و أمّا حمل الصدر على الوجوب التكليفي حتّى لا ينافي مع الذيل من عدم فساد الصّلاة لو ترك السورة فأيضا بعيد في الغاية حيث إنّ الشيخ رحمه اللّه كيف يلتزم بالوجوب التكليفي و الحال أنّه لا يلوح كون جزء من أجزاء الصّلاة واجبا بالوجوب التكليفي فما خصوصية السورة توجب كون وجوبها التكليفي لا الوضعى.

فعلى هذا يمكن أن يقال توجيها لكلامه رحمه اللّه: بأنّ مراده من الصدر و الذيل في كلامه في المبسوط و النهاية هو استحباب السورة و جواز تركها، أمّا عبارة الذيل فمساعد مع هذا كمال المساعدة و أمّا عبارته في الصدر و لو أنّه في المبسوط عبّر بالوجوب و في النهاية: بأدنى ما يجزي، و لكن قد يعبّر بهذه التعبيرات في مقام أهمية المستحب من باب كون المراد بالوجوب اللزوم، لأنّه مع تصريحاته في ذيل كلامه لا يمكن حمل صدر كلامه إلا على هذا.

فعبارته في هذين الكتابين قابلة للحمل على الاستحباب فبناء على هذا يمكن أن يقال: بأنّ له في المسألة قولين لو لم نقل بارجاع كلامه في التهذيبين و الخلاف

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة، ج 2،

ص 350.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 133

إلى ذلك. «1»

و على كل حال حكي الاستحباب عن ابن جنيد و سلار و مال إليه في المعتبر و المنتهي و اختاره جمع من متأخر المتأخرين كصاحبى المدارك و الذخيرة.

[في ذكر الروايات الواردة فى الباب]

إذا فهمت ذلك فما هو العمدة في الباب هو الأخبار فلا بدّ من عطف عنان الكلام بذكرها، فنقول بعونه تعالى: بأنّ ما يستدل على عدم وجوب السورة روايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سمعته يقول: إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة). «2»

وجه الاستدلال بها هو أنّ المستفاد من الرواية جواز الاكتفاء بفاتحة الكتاب و هذا معنى عدم وجوب السورة و لكن يفهم منها أنّ اعتبار السورة كان أمرا مفروغا عنه و لهذا صار سقوطها محتاجا إلى السؤال.

الرواية الثانية: و هي ما رواها الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ان فاتحة الكتاب تجزى وحدها في الفريضة. «3»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها حماد بن عثمان عن عبد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة فاتحة الكتاب في الركعتين

______________________________

(1)- أقول: و لكن هذا حمل بعيد لا يناسب مع عبارته رحمه اللّه، و إن قلنا: بأنّ بين صدر عبارته و ذيله تناقض و تهافت لم يكن ببعيد و لا يلزم كون هذا التهافت من ناحيته بل يمكن حصول ذلك بعدا من اشتباه الكتاب في مقام كتابة نسخ المبسوط و النهاية، فتأمل.

(2)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 3

من الباب 2 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 134

الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا). «1»

تدلّ هذه الرواية على جواز ترك السورة في صورة التعجيل لحاجة أو لتخوف شي ء و حيث إنّ راوي هذه الرواية عن المعصوم هو عبيد اللّه بن علي الحلبي و راوي الرواية الاولى و الثانية كان الحلبي على ما بيّنا من كونهما رواية واحدة و الحلبيون و إن كانوا متعددين و لكن يمكن أن يكون راوي الرواية الاولى و الثانية هو راوي الرواية الثالثة أعنى: عبيد اللّه بن على الحبي فيحتمل كون هذه الروايات الثلاثة رواية واحدة لعدم ثبوت كونها أزيد من واحدة و بعد كون المتيقن مما صدر عن المعصوم عليه السّلام هو كلام واحد و كون الروايات واحدة فلا ندرى بأن ما صدر عنه عليه السّلام هو ما يدلّ على جواز ترك السورة مطلقا أو ما يدلّ على جواز تركها في خصوص صورة يكون للمصلي عذر فبعد ذلك لا تبقى لنا حجة على أزيد من صورة العذر فقدر المتيقن ممّا صدر عن المعصوم عليه السّلام هو جواز ترك السورة إذا كان عذر في البين فلا يبقى وجه للاستدلال بالرواية الاولى و الثانية لجواز ترك السورة مطلقا حتّى في ما لم يكن للمكلف عذر نعم يستفاد من مجموع الروايات المتقدمة بعد قوة احتمال كونها رواية واحدة جواز ترك السورة في صورة الاستعجال بحاجة أو تخوف شي ء. «2»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها الحسن الصيقل (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- أقول: رفع اليد عن الروايات بمجرد الاحتمال الّذي

أفاده مدّ ظلّه العالي مشكل و من البعيد كون بناء العقلاء على الاعتناء بهذه الاحتمالات و اسقاط الرواية عن الحجية فتأمل.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 135

أ يجزي عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شي ء؟

قال: لا بأس). «1»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء الصّلاة التطوع بالليل و النهار). «2»

الرواية السادسة: و هي ما رواها عبد اللّه بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال:

سألته عن الرجل يكون مستعجلا يجزيه أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها؟

قال: لا بأس). «3»

و قد ظهر لك أنّ الرواية 4 و 5 و 6 تدلّ على جواز ترك السورة في خصوص صورة العذر و ظهر لك أنّه على ما قلنا في الرواية 1 و 2 و 3 بأنّها رواية واحدة ليس المتيقن من الصادر عن المعصوم عليه السّلام إلّا جواز ترك السورة في صورة طروّ العذر.

[في نقل كلام صاحب الحدائق]

و قال صاحب الحدائق «4» رحمه اللّه كلاما حاصله أنّه بعد دلالة بعض الروايات على جواز ترك السورة مطلقا سواء كان عذر فى البين أولا، و بعضها على جواز ترك السورة في خصوص صورة طروّ العذر فمقتضى حمل المطلق على المقيد هو حمل ما يدلّ على جواز الترك مطلقا على المقيد بخصوص صورة طروّ العذر فتكون نتيجة

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 2 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب القراءة فى

الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 2 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الحدائق، ج 8، ص 116.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 136

حمل المطلق على المقيد جواز ترك السورة في صورة العذر فقط.

و لكن هذا الكلام فاسد لأنّ مورد حمل المطلق على المقيد يكون في ما إذا عرض المطلق و المقيد على العرف يرى وحدة الملاك فيهما، مثل ما إذا قال القائل (اعتق رقبة) و (اعتق رقبة مؤمنة) و أمّا في ما أثبت المطلق حكما وضعيا بدون قيد و أثبت المقيد حكما وضعيا مقيدا فلا مجال لحمل المطلق على المقيد مثل ما نحن فيه لأنّه إذا عرض على العرف يجوز الاكتفاء بفاتحة الكتاب و يجوز الاكتفاء بها في خصوص صورة الاستعجال لا يفهم منهما كون ملاكهما واحدا، لإمكان أنّ المعصوم عليه السّلام قال في موضع: يجوز ترك السورة في مورد الاستعجال و هذا غير مناف مع أن يقول في موضع: آخر يجوز تركها مطلقا فعلى هذا في المقام لا وجه لحمل المطلق على المقيد. «1»

ثمّ إنّه مدّ ظله العالى عدل في اليوم اللاحق عما قال في اليوم السابق في مجلس البحث و قال: إنّ المطلق حيث يكون ظاهرا في كون تمام الموضوع للحكم هو نفس الطبيعة بدون دخل القيد و إنّ المقيد ظاهر في كون تمام الموضوع للحكم هو المقيد،

______________________________

(1)- أقول: هذا كلام أفاده سيدنا الاستاد مدّ ظلّه في مورد آخر أيضا و لا نفهم تماميته لأنّه إن كان مراده مدّ ظلّه العالي أنّه يحمل المطلق على المقيد في ما إذا كان لسانهما إثبات حكم تكليفي و لو لم يثبت وحدة الملاك فيهما، فهذا غير تمام.

و إن كان مراده أنّ وحدة الملاك يستكشف

في خصوص مورد يكون المطلق و المقيد متكفلين لبيان حكم تكليفي مطلقا و لا يستكشف ذلك في كل مورد يكونان متكلفين لبيان حكم وضعى ففيه أنّه لا كلية من الطرفين بل نحن ندور مدار استكشاف وحدة الملاك في كل مورد سواء كانا متكلفين لبيان حكم تكليفي أو وضعي فعلى هذا لا مانع من دعوى حمل المطلق على المقيد في المورد لأنّ العرف يرى وحدة الملاك بين المطلق و المقيد. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 137

فلو ثبت وحدة ملاكهما و يرى العرف بأنّ لسان المطلق و المقيد يكون في مقام إفادة حكم واحد على موضوع واحد فمقتضى الجمع هو رفع اليد عن ظهور المطلق في إطلاقه و الأخذ بالمقيد.

و لا فرق في ما ذكر بين كونهما متكفلين لبيان حكم وضعى أو التكليفي فلو ثبت في المقام وجود رواية دالّة على جواز ترك السورة مع دلالة رواية اخرى على جواز تركها في خصوص صورة طروّ العذر فيحمل المطلق على المقيد و لكن بعد ما احتملنا من أنّ رواية علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و روايته عن الحلبي عنه عليه السّلام، و رواية حماد عن عبيد اللّه بن علي الحلبي عنه عليه السّلام تكون رواية واحدة، فالقدر المتيقن ممّا ثبت صدوره عنه عليه السّلام ليس إلا جواز ترك السورة في صورة الاستعجال فقط فلا دليل على جواز تركها مطلقا حتّى نحتاج إلى حمل المطلق على المقيد.

[في ذكر رواية اخرى]

و أمّا رواية اخرى و هي ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال لا يصلّي على الدابة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة و يجزيه فاتحة الكتاب و يضع بوجهه

في الفريضة على ما أمكنه من شي ء و يؤمى في النافلة ايماء). «1»

و إن كانت تدلّ على جواز تركها في حال المرض و تكون رواية مستقلة غير الروايات الثلاثة المتقدمة- المحتملة كونها رواية واحدة و هي مثل الرواية 4 و 5 و 6 من الروايات المتقدم ذكرها في الدلالة على جواز ترك السورة في خصوص صورة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 138

الاستعجال أو المرض- و لكن مع ذلك بعد عدم الوثوق بصدور رواية دالة على جواز تركها، لاحتمال كون الصادر من الرواية 1 و 2 و 3 هو خصوص الرواية 3 الدالّة على جواز الترك في خصوص صورة الاستعجال فلا مجال لحمل المطلق على المقيد أعنى: رواية عبد الرحمن نعم لو فرض صدور أحد روايتى على بن رئاب أعنى: الرواية الاولى أو الثانية عن المعصوم عليه السّلام الدالّة على جواز تركها، لكان مجال لأن يقال بما قال صاحب الحدائق رحمه اللّه من حمل المطلق على المقيد.

[في ذكر الجهتين فى السورة]
اشارة

فظهر لك ممّا مرّ عدم وجود دليل على جواز ترك السورة في الركعتين الأولتين من الفرائض فعلى هذا نقول: ينبغي التكلم في السورة في جهتين:

الجهة الاولى: في أنّه هل تجب سورة كاملة في الأولتين بعد الفاتحة

أو يجوز تركها بأن لا يأتي سورة أصلا فقد ظهر لك عدم وجود دليل على جواز تركها.

(بل تجب السورة أمّا أوّلا فلدلالة بعض الروايات عليه و أمّا ثانيا فلان المراجع بأخبار باب الصّلاة من أوّلها إلى آخرها يجد كون وجوب السورة أمرا مفروغا عنه و لهذا كانت السؤالات واقعة عن خصوصياتها، مثل أنّه هل يجوز تركها في صورة الاستعجال أو المرض أم لا و مثل السؤال عن جواز القران بين السورتين و عدمه و مثل أنّ المأموم المسبوق الّذي لا يمهله الامام لأن يأتي بالسورة ما يكون تكليفه و غير ذلك و ظهر لك جواز تركها في صورة الاستعجال و المرض و في ضيق الوقت و ان لم يكن له دليل بالخصوص.

الجهة الثانية [في ذكر الاخبار الدالّة على جواز تبعيض السورة فى الصّلاة]

: و هي الكلام في جواز تبعيض السورة في الفريضة و عدمه فما يدعى كونه دليلا على جوازه روايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها علي بن يقطين في حديث (قال: سألت

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 139

أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن تبعيض السورة فقال: أكره و لا بأس به في النافلة). «1»

بدعوى دلالتها على جواز تبعيض السورة في الفريضة على كراهية و عدم كراهة في تبعيضها في النافلة.

اعلم أوّلا ان كون الكراهة هي الكراهة المصطلحة غير معلوم و ثانيا يحتمل في قوله عليه السّلام (أكره و لا بأس به في النافلة) احتمالان: الأوّل أن يكون المراد هو ما قال المدعي من أن يكون مراده أنّه أكره في الفريضة و لا بأس في النافلة الثاني ان يكون المراد من هذه الجملة (اكره في النافلة و لا بأس به) يعنى يكون في التبعيض في النافلة الكراهة و لكن لا بأس بالتبعيض لأنّ الكراهة غير

مناف مع الجواز فعلى الاحتمال الثاني لا تشمل الرواية الفريضة. «2»

الرواية الثانية: و هي ما رواها سعد بن سعد الاشعرى عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد و نصف سورة هل يجزيه في الثانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقى من السورة؟ فقال: يقرأ الحمد ثمّ يقرأ ما بقى من السورة). «3»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها زرارة (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل قرء

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- أقول: و لكن يضعف الاحتمال الثاني بما يكون في التهذيب من كون السؤال في الصدر عن المكتوبة و النافلة و لم يذكر الصدر في الوسائل فالمناسب الاحتمال الأوّل لأنّ المناسب أن يجب عليه السّلام عن الجواز و عدمه في كل من المكتوبة و النافلة فمراده من (أكراه) أى: أكره في الفريضة و لا بأس في النافلة.

(3)- الرواية 6 من الباب 4 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 140

سورة في ركعة فغلط أ يدع المكان الّذي غلط فيه و يمضي في قراءته أو يدع تلك السورة و يتحوّل منها إلى غيرها؟ فقال: كل ذلك لا بأس به و إن قرء آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع). «1»

و لا بدّ من أن يكون المفروض كون ما أدى غلطا لا يمكن أن يؤديه صحيحا، لأنّه لو تمكن من أدائه صحيحا لوجب ذلك ثمّ إنّ هاتين الروايتين أى الثانية و الثالثة تدلّان على جواز تبعيض السورة و لا صراحة لهما على جواز ذلك في الفريضة و إن فرض لهما إطلاق يشملان النافلة و الفريضة فأوّلا

يمكن أن يقال: بأنّه بعد كون العمل على إتيان السورة و التزام الروات و الأصحاب على إتيانها لا يبقى إطلاق للروايتين لأنّه يمكن كون عدم تقييد الامام في كلامه بالنافلة من باب اعتماده عليه السّلام بما هو المتعارف و المرتكز عند الراوي من وجوب السورة في الفريضة و أنّه كان عالما بأنّ الراوي ينزّل كلامه في خصوص النافلة و لاجل ذلك ترك القيد و لم يكن ترك التقييد مع هذا الارتكاز و التعارف مخلا بالحكمة فمقدمات الاطلاق غير جارية في المقام فلا يكشف الاطلاق من كلامه عليه السّلام و أمّا ثانيا لو فرض كون إطلاق للروايتين فلو دلّ دليل آخر على وجوب سورة كاملة في الفريضة فيقيد إطلاق الروايتين به و تكون النتيجة حملهما على النافلة.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها إسماعيل بن الفضل (قال: صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السّلام أو أبو جعفر عليه السّلام فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة فلمّا سلم التفت إلينا فقال: أمّا إنّي أردت أن اعلمكم). «2»

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 4 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 141

[في ذكر الاحتمالات الثلاثة فى المورد]

و فيها ثلاث احتمالات:

الاحتمال الأوّل: أن يكون المراد من قوله عليه السّلام (اما إني اردت ان اعلمكم) هو تعليمهم بأنّه يجوز تبعيض السورة.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد تعليمهم بجواز ذلك تقية، و يضعف هذا الاحتمال.

أمّا أوّلا فإنّه بعد ما كانت العامّة يقرءون السورة فهم ملتزمون بذلك عملا و لو لم يقولوا بوجوبها، فلا حاجة إلى تعليمه عليه السّلام الشيعة بانهم يتركونها تقية، لأنّهم لو قرءوا السورة لم يقعوا في محظور لعدم

كون عملهم على خلاف العامة و هم لا يدرون بأنّ قاريها يقرئها من باب التزامه بوجوبها أو التزامه باستحبابها، فلا حاجة إلى التقية في المسألة حتّى يعلمهم.

(و امّا ثانيا إنّ الامام عليه السّلام الّذي ترك بعض السورة على ما في الرواية إمّا ترك من باب كونه بنفسه في مقام التقية بمعنى أنّه ترك تقية من باب وجود من يلزم التقية عنده فكيف لما سلم قال بعد الالتفات إليهم (اما انى اردت ان اعلمكم) و إمّا ترك و كان في تركه في مقام تعليم التقية للمأمومين أى: الشيعة فلهذا ترك بعض السورة فأيضا غير صحيح، لأنّه إن كان بصدد ذلك يمكن له أن يقول بهم: إذا ابتليتم بالعامة اتركوا السورة أو بعض السورة لا أن يصلّي صلاته و يترك واجبا من واجباته و هو السورة لأجل تعليم المأمومين طريق التقية، فحمل الرواية على التقية بعيد في الغاية.

الاحتمال الثالث: أن يكون تركها من باب طروّ عذر من استعجال أو

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 142

مرض و أرد أن يعلمهم بأنّ الترك كان لأجل ذلك «1».

و على كل حال حيث إنّ المستفاد من الرواية ليس إلّا صدور فعل عنه عليه السّلام من الاكتفاء ببعض السورة و كلام بعد الصّلاة فهي كاشفة عن فعله و ذكر بيان علّة فعله و هو التعليم و الفعل لا لسان له حتّى يفهم أنّ صدوره كان لأىّ جهة من الجهات هل كان لجواز ترك السورة الكاملة مطلقا أو كان لعذر من الأعذار أو كان لأجل التقية فلا يستكشف منه إطلاق.

ثمّ إن الرواية وردت في الفريضة لأنّ قول الراوي (صلّى بنا) ظاهر في كون الصّلاة جماعة فكانت الصّلاة فريضة و يستفاد من الرواية كون

اعتبار السورة في الصّلاة أمرا مسلما مرتكزا في أذهان المسلمين و كان تركها أمرا مستنكرا عندهم و لهذا صار الامام عليه السّلام في دفع ما يستنكره القوم من تركها فقال (أمّا إنّي اردت أن اعلمكم.

(و مثلها الرواية 3 من الباب المذكور و فيها الاحتمالات الثلاثة كالرواية السابقة غاية الأمر يضعّف حملها على التقية الوجه الأوّل لا الوجه الثاني).

الرواية الخامسة:

و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه سئل عن

______________________________

(1)- أقول: و هنا احتمال رابع و هو أن يكون الترك و بيانه بأنّ الترك كان للتعليم كان من باب التقية لكن لا من باب ما احتملنا في الاحتمال الثاني بل كان بصدد التقية لوجه آخر و هو أنّه عليه السّلام بعد ما رأى بأنّ العامة فهموا بانهم عليهم السّلام و تابعيهم قائلون بوجوب سورة كاملة و صار هذا سببا لعداوتهم فاكتفي عليه السّلام ببعض السورة و قال بعدا أردت أن اعلمكم حتّى يتخيل الحاضر عند صلاته من المخالفين بأنّه عليه السّلام غير ملتزم بالوجوب لأنّ عمله على خلافه و قال بعدا لتابعيه أردت تعليمكم عدم الوجوب فكان فعله من ترك سورة كاملة و قوله بعد الصّلاة كليهما تقية فلا مانع على هذا من حمل الرواية على التقية بهذا النحو فتأمل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 143

سورة أ يصلّي بها الرجل في ركعتين من الفريضة؟ قال: نعم إذا كانت ست آيات قرء بالنصف منها في الركعة الاولى و النصف الآخر في الركعة الثانية). «1»

أظن أنّ أبا حنيفة يقول: إنّ التبعيض يجوز إذا كانت السورة ست آية فتكون الرواية لأجل موافقتها مع مذهبه مورد الوهن.

[في ذكر الرواية السادسة/ احتمالات فى الرواية]

الرواية السادسة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة و هو يحسن غيرها، فإن فعل فما عليه؟ قال: إذا احسن غيرها فلا يفعل و إن لم يحسن غيرها فلا بأس). «2»

و في هذه الرواية احتمالات:

الاحتمال الأوّل: أن يكون السؤال عن تبعيض سورة واحدة فيكون المراد من قوله (يقرأ سورة

واحدة في الركعتين) أنّه يقرأ بعضها في ركعة و بعضها الآخر في ركعة اخرى.

الاحتمال الثاني: أن يكون السؤال من جواز قراءة سورة واحدة في كلا الركعتين بأن يقرأ مثلا سورة التوحيد في الاولى و كذا يقرئها في الثانية و عدم جوازها، فلازم ذلك جواز قراءة سورة قرئها في الاولى في الركعة الثانية، و الاحتمال الثاني إن لم يكن أقوى من الأوّل فلا ظهور للرواية في الاحتمال الأوّل حتّى تكون نتيجتها جواز تبعيض السورة.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 6 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 144

[في ذكر الرواية السابعة و الثامنة و التاسعة]

الرواية السابعة: و مهي ما رواها عمر بن يزيد (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

أ يقرأ الرجل السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة؟ قال: لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات). «1»

و هي أيضا مثل السابقة من جهة مجي ء احتمالين المتقدمين فيها و عدم ظهور لها في الاحتمال الأوّل.

الرواية الثامنة: و هي ما رواها أبان بن عثمان عمن أخبره عن أحدهما عليهما السّلام (قال: سألته هل يقسم السورة في ركعتين؟ قال: نعم اقسمها كيف شئت). «2»

هذه الرواية تدلّ على جواز التبعيض.

الرواية التاسعة: و هي ما رواها زرارة (قال: سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة فقال: أنّ لكل سورة حقا فاعطها حقها من الركوع و السجود و قلت: فيقطع السورة؟ قال: لا بأس). «3»

و لا يخفي عليك أنّ الراوي سئل عن القران بين السورتين فقال عليه السّلام إنّ لكل سورة حقا فاعطها حقها من الركوع و السجود ثمّ سئل سؤالا آخر (فيقطع السورة؟

قال: لا بأس.

يحتمل أن يكون

سؤاله عن جواز تقطيع السورة يعنى بعد ما لا يجوز القران يجوز أن يقطع السورة أى يكتفي ببعض السورة قال: لا بأس فعلى هذا تدلّ الرواية

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 6 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 4 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 145

على جواز تبعيضها «1».

[المشهور عند اصحابنا وجوب سورة كاملة]

هذا كله في ما يمكن أن يستدل به على جواز تبعيض السورة إذا عرفت هاتين الجهتين نقول: بأنّه على ما قلنا في أوّل المسألة ظهر لك أنّ المشهور عند أصحابنا هو وجوب سورة كاملة بعد الحمد في الأولتين من الثنائية و من غيرها و إن كان يظهر من عبارة الشّيخ رحمه اللّه في النهاية بل في المبسوط عدم وجوبها، و ليس بين أصحابنا من يقول بجواز ترك بعضها و وجوب بعضها الآخر و إن كان قول كذلك فلم يكن قولا معتنى به عند أصحابنا قدس سرّه.

و أمّا بعض أصحابنا القائلون باستحبابها و جواز تركها فلا يستفاد من كلماتهم رجحان قراءة بعض السورة كرجحان كلها، بل ظاهر كلماتهم هو استحباب إتيان سورة كاملة و جواز تركها و امّا رجحان إتيان بعضها فلا يستفاد من كلماتهم.

إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّ بعض الأخبار المتقدمة الدالّة على جواز الاكتفاء ببعض السورة و جواز ترك بعضها ممّا لا يمكن العمل بها، لعدم عامل به بين أصحابنا أصلا و ليس قولا معتنى به عندهم.

فبعد ذلك نقول: ظهر لك أمران:

الامر الأوّل: عدم وجود دليل على جواز ترك كل السورة.

______________________________

(1)- أقول: و لكن كما قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي إن كان

المراد ما ذكر من الاحتمال فلازمه كون الذيل سؤالا آخر فلا يناسب أن يأتي بفاء التفريع و يقول (فيقطع) بل كان المناسب أن يقول: و (يقطّع) بل يحتمل أن يكون المراد من قوله (فيقطع السورة) هو أنّه بعد ما سئل عن القران و أجاب عليه السّلام بما يفيد عدم القرآن سئل متفرعا عليه سؤالا آخر و هو انّه بعد ما لا يجوز القران فلو شرع في سورة ثانية يتحقّق بها القرآن يجوز قطعها أولا؟ فقال: لا بأس به. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 146

الامر الثاني: عدم جواز ترك بعض السورة و الاكتفاء ببعضها هذا.

[في ذكر الروايات الدالّة على وجوب قراءة سورة كاملة]

ثمّ إنّه مضافا إلى ما قلنا من أنّه يظهر من عمل المسلمين من صدر الأوّل التزامهم بقراءة سورة بعد فاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين نقول: بأنّه يدلّ على وجوب قراءة سورة كاملة في الأولتين بعد الفاتحة روايات:

الرواية الاولى: بعض الروايات الّتي قدمنا ذكره الدالّ على جواز تركها في صورة الاستعجال و المرض مثل الرواية 3 من الباب 2 من أبواب قراءة الصّلاة من فإنّها بمفهومها تدلّ على عدم جواز تركها في غير صورة الاستعجال أو تخوف شي ء.

و مثل الرواية 1 من الباب 14 من أبواب القبلة فإنّها لا تخلوا عن دلالة على عدم جواز تركها في غير صورة المرض.

الرواية الثانية: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و هي بنقل التهذيب هكذا (قال: اذا أدرك الرجل بعض الصّلاة وفاته بعض خلف الامام يحتسب بالصّلاة خلفه جعل أوّل ما أدرك أوّل صلاته إن أدرك من الظهر أو العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرء في كل ركعة ممّا ادرك خلف الامام في نفسه بأم الكتاب و سورة فإن لم

يدرك السورة تامّة أجزأته أمّ الكتاب فإذا سلم الامام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيها، لأنّ الصّلاة إنما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بام الكتاب و سورة و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء ليس فيهما قراءة و إن أدرك ركعة قرء فيها خلف الامام فإذا سلّم الامام قام فقرأ بأمّ الكتاب و سورة ثمّ قعد فتشهد ثمّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة). «1»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 47 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 147

فهى تدلّ على كون السورة واجبة بعد الفاتحة في الأولتين و تدلّ على عدم تبعيض السورة و وجوب البعض فقط، لأنّه قال (إن لم يدرك السورة تامة أجزأته أمّ الكتاب) و الحال أنّه إن كان بعضها واجبة و يكتفي بها كان اللازم أن يقول (إن لم يدرك السورة تامة يقرأ بعضها، فإن لم يقدر من البعض أجزأته أمّ الكتاب).

الرواية الثالثة: ما رواها منصور بن حازم (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر). «1»

يستفاد منها أنّ السورة واجبة لأنّه نهي عن قراءة الاقل و الأكثر منها

إن قلت: بأنّه بعد كون القران و هو إتيان اكثر من سورة واحدة مكروها فتدلّ على كراهة أقلّ من سورة تامة لأنّ كون الأكثر مكروها يوهن حمل النهي على التحريم.

أقول: بأنّ كراهة الأكثر استفيدت من دليل خارج لا من هذه الرواية فظهور (لا تقرأ) في حدّ ذاته باق في الحرمة غاية الأمر نرفع اليد عن هذا الظهور بقرينة المستفاد من الخارج و نحمله على الكراهة و أمّا بالنسبة إلى الأقل

فالظهور محفوظ).

الرواية الرابعة: ما رواها يحيى بن أبي عمران (قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: جعلت فداك ما تقول عن رجل ابتدأ ب بسم اللّه الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أمّ الكتاب فلما صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسى:

ليس بذلك بأس فكتب بخطه: يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني: العباسي). «2»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 11 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 148

وجه الاستدلال بها على وجوب السورة هو أنّ السؤال و الجواب يكون عن بسملة السورة فيستفاد منها مفروغية وجوب أصل السورة و يمكن أن يخدش في الاستدلال بها بأنّ النظر في السؤال و الجواب يكون في كون البسملة جزء السورة أولا و جوابه عليه السّلام دالّ على كونها جزء السورة (و لكن مع ذلك لا تخلوا عن دلالة و لا أقل من تأييد لوجوب السورة).

و لكن قد يوهن أصل الرواية لأجل ما في ذيلها من قوله (يعيدها مرتين على رغم أنفه) فإنّ ذلك لا يناسب كونه من كلام الامام عليه السّلام، فتأمل جيدا.

الرواية الخامسة: ما رواها العلاء عن محمد عن أحدهما عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يقرأ بالسورتين في الركعة فقال: لكل سورة ركعة). «1»

فإن كان متن الرواية هكذا أعنى (لكل سورة ركعة) فليست الرواية مربوطة بمقامنا أصلا لأنّها على هذا تدلّ على عدم جواز القران بين السورتين.

و أمّا لو كان النقل غير ذلك و هو على نحو ذكرها في الوسائل في أبواب القراءة أعنى الرواية 3 من الباب 4 بالسند المذكور (قال: سألته عن الرجل يقرأ السورتين في

الركعة فقال: لا لكل ركعة سورة) و هذا النقل موافق مع نقل الشّيخ رحمه اللّه في الاستبصار فقد يقال: بدلالتها على وجوب السورة لأنه قال (لكل ركعة سورة) و لكن يمكن أن يخدش فيها حيث إنّ السؤال يكون عن القران بين السورتين (فقال:

لا، لكل ركعة سورة) أى شرعت سورة واحدة لكل ركعة و أمّا كون تشريعها على نحو الوجوب أو الاستحباب فلا دلالة لها عليه.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 8 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 149

هذا كله في الأخبار الّتي يمكن أن يتمسّك بها على وجوب السورة و الحق دلالة بعضها على ذلك بمعنى كون المستفاد منه مفروغية وجوب السورة عندهم و كون السؤال فيها عن بعض خصوصيات اخرى.

الرواية السادسة: و هي الرواية المفصلة الّتي رواها الكليني رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه و الصدوق رحمه اللّه و ينتهي سندها بأبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل نقل معراج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و فيها ما يدلّ على وجوب السورة. «1»

هذا تمام الكلام في الأخبار ثمّ بعد ذلك نقول: بأنّ العمدة في المسألة هو عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على قراءة السورة كما تتبعنا و كان على طبقه عمل المسلمين بحيث كان تركها معدودا عندهم من المستنكرات كما يدلّ على ذلك ما روي من أنّ معاذ أمّ على جماعة فشرع سورة البقرة في صلاته بعد الفاتحة في الركعة الاولى و هكذا شرع في الثانية فلم يصبر واحد من المأمومين و تخلّف عنهم و ذهب إلى جانب من المسجد و صلّى، فالناس اعترضوا على هذا الشخص و قالوا نافقت،

ثمّ بعد وصول الخبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال أ فتّان يا معاذ.

وجه الدلالة أنّه يظهر من هذا النقل كون العمل على إتيان سورة كاملة و هكذا يدلّ عليه ما نقل من أنّه بعد ما جاء معاوية عليه اللعنة بالمدينة صلّى صلاة الاولى و ترك السورة فاعترضوا عليه و قيل: أ سرقت من صلاتك يا معاوية أم نسيت؟

فأتى بالسورة في الصّلاة الثانية.

من كل ذلك يستفاد كون العمل على إتيان سورة بعد الفاتحة في الركعتين

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 1 من ابواب افعال الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 150

الأولتين و هذا عمل المسلمين.

و أمّا العامّة فهم و إن قالوا بجواز ترك السورة و عدم وجوبها، لكن لم يكونوا منكرين لهذا العمل و إنما قالوا لأجل ما يروون من رواية دالة على جواز تركها.

فعلى هذا نقول: بأنّ العمدة في اعتبار السورة في الأولتين بعد الفاتحة و وجوبها هو العمل و حيث كان وجوبها أمرا مفروغا عنه فلهذا ترى أنّ الرواة و السائلين لا يسألون عنهم عليهم السّلام إلّا عن بعض خصوصياتها فارغين من أصل وجوبها كما أشرنا إلى ذلك و لذا ما ذكرنا من الأخبار دليلا على الوجوب كان منشأ دلالتها هو استفادة مفروغية أصل الوجوب منها.

و لا تقل: بأنّه لو فرض ثبوت عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المسلمين فلا يستفاد منه وجوبها، لأنّ العمل و التزامه باتيانها أعم من كون التزامه بالعمل من باب الوجوب أو استحبابها.

لأنّا نقول بأنّه (أمّا أوّلا لو ثبت العمل و التزام صادع الشرع و المسلمين على العمل بشي ء يكفي في كون ذلك الشي ء واجبا) و امّا ثانيا فلانّه بعد

عمله و عملهم و كون تركها مستنكرا عندهم كما عرفت من قضية ترك معاوية عليه الهاوية نكشف من ذلك وجوبها عندهم.

[في ذكر كلام المحقّق فى الشرائع]

و على كل حال فقد عرفت من ذلك كله أنّ ما قال المحقّق رحمه اللّه في الشرائع «1» (و قراءة سورة كاملة بعد الحمد في الأوّلتين واجب في الفرائض مع سعة الوقت و امكان التعلم للمختار و قيل لا يجب و الأوّل أحوط) كلام متين.

______________________________

(1)- الجواهر، ج 9، ص 331.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 151

[في ذكر مسائل فى المورد]
[المسألة الاولى]

هذا تمام الكلام في هذه المسألة ثمّ إنّ هنا مسائل:

المسألة الاولى: يجوز ترك السورة و كذا تبعيضها و كذا القران بين السورتين في النوافل و يدلّ عليه بعض روايات الباب فراجع و لا حاجة إلى ذكره فلا ينبغي الاشكال فيه إنّما الاشكال و الكلام في فرع و هو أنّه لو صار صلاة نفلية فرضا بالعرض مثل ما إذا نذر إتيان صلاة نافلة الصبح فهل يجوز ترك السورة فيها أولا يجوز بل يجب إتيانها وجهان:

وجه جواز الترك هو أنّها النافلة و إن عرضها الوجوب.

وجه وجوب السورة و عدم جواز تركها هو أنها فرض بعد تعلق النذر بها على الفرض.

و الأوّل أقوى لأنّه إن كان ما ذكر في الأدلّة في الصلوات النفلية أو الفرضية من الأمر بها أو جعل خصوصية لها و ترتب أحكام عليها إمّا تكون صيرورة النفل موضوعا لأحكام مشيرا إلى عناوين خاصة الّتي شرعت في الشرع نفلا أو فرضا و بعبارة اخرى كلما جعل موضوعا لحكم الفرض أو النقل كان مشيرا إلى المعنون بهذين العنوانين فالفرض مشيرا إلى الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء و النفل إلى النوافل فقهرا ما وجب فيه السورة هو ما يكون فرضا أى يكون معنونا بهذا العنوان بحسب الشرع و ما لا يجب مشيرا إلى ما يكون نفلا بحسب جعل الشرع

أوّلا، فيكون لازم ذلك عدم وجوب السورة في النوافل و إن صارت فرضا بالعرض مثل ما إذا تعلق به النذر، و كذا تجب السورة في الفرائض و ان صارت نفلا بالعرض مثل صلاة العيدين.

و أمّا إن كان النفل و الفرض غير مشير إلى المعنون بعنوان النفل و الفرض

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 152

بحسب تشريعهما، بل يكون الفرض الواجب و النفل المستحب فلو صار النفل فرضا لعارض فهو واجب و كذا لو صار فرض نفلا لعارض فهو نفل فتجب السورة في النفل الّذي صار فرضا لعارض مثل النافلة المنذورة و لا تجب في الفرض الّذي صار نفلا لعارض.

و لكن حيث يكون حكم الشارع بوجوب السورة في الفرائض و عدمه في النوافل حكما متعلقا للمعنون بهذين العنوانين و مشيرا إلى ما شرع فرضا أو نفلا، فلازمه عدم وجوب السورة في النافلة المنذورة لأنّها مع تعلق للمنذر بها لا تخرج عن كونها نفلا بحسب تشريعها فافهم.

[المسألة الثانية و الثالثة]
اشارة

المسألة الثانية: قد عرفت ممّا أشرنا في أوّل المبحث بأنّ البسملة جزء للسورة فيجب إتيانها و قراءتها مع باقى آيات السورة عند إرادة قراءة السورة في الصّلاة فلو لم يقرئها فلم يقرأ السورة الكاملة و يدلّ على جزئيتها بعض الروايات و لا حاجة لذكرها فراجع.

المسألة الثالثة: قد عرفت ممّا مرّ أنّ السورة واجبة في الفرائض و لكن يستثنى من ذلك موارد فنذكر هذه الموارد و نتكلم عنها حتّى يظهر حقيقة الحال فنقول بعونه تعالى:

[في ذكر المورد الاول للمسألة الثالثة]

المورد الأوّل: في ما يكون الشخص مستعجلا و يدل على سقوط السورة في الجملة فى هذا المورد الرواية 2 و 4 و 6 من الروايات المذكورة في الباب 2 من أبواب القراءة من الوسائل، و هذا الحكم في الحملة لا إشكال فيه إنّما الكلام في أنّه هل المراد من الاستعجال يكون مطلق العجلة و لو كان تعجيل الشخص لبعض امور غير مهمة أو لا يكون بهذا المقدار من السعة بل المتيقن منه هو خصوص التعجيل لبعض

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 153

امور يعتنى به.

لا يعبد الثاني امّا أوّلا فبمناسبة الحكم و الموضوع و ثانيا بقرينة سقوطها إذا تخوف شيئا. و المرض و فليس كل عجلة ممّا يوجب السقوط و إن كان لبعض امور لا يعتنى به.

[فى المورد الثاني و الثالث و الرابع]

المورد الثاني: المرض و هل يكون كل مرض موجبا للسقوط مثلا صداع مختصر أو لا يكون كذلك بل الأمراض الّتي يشق معها الصبر و التحمل وجهان و لا يبعد الثاني.

المورد الثالث: مطلق موارد الاضطرار و الضرورة و لا دليل على السقوط فيها إلّا تنقيح المناط بأن يقال: يكشف من السقوط في مورد الاستعجال و المرض أنّ المناط هو الضرورة و الاضطرار إلى الترك فيكون الترك جائزا في كل ضرورة و اضطرار، و الّا حديث الرفع و من المرفوعات ما اضطروا إليه.

المورد الرابع: ضيق الوقت و الكلام فيه يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في ما يدور الأمر بين ترك السورة و بين ترك بعض أجزاء الصّلاة مع ادراكه أكثر من الركعة في الوقت مثل ما إذا دار الأمر بين أن يترك السورة و يقع التشهّد و السلام في الوقت و بين أن يأتي بالسورة و يقع التشهّد و السلام في خارج

الوقت.

المقام الثاني: أن يكون الدوران بين ترك السورة و إتيان ركعة في الوقت و بين إتيانها و عدم درك ركعة في الوقت فلو بنى على ترك السورة يدرك ركعة من الوقت و لو بنى على اتيانها لا يدرك ركعة من الوقت.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 154

أمّا الكلام في المورد الأوّل فنقول بعونه تعالى: إنّه يستدل لجواز ترك السورة و سقوطها تارة بأنّه بعد سقوطها في مورد الاستعجال، فأىّ عجلة أهم من التعجيل لأمر اخروي، فإن كان الوجه ذلك فقد يورد عليه ما أورده الشّيخ الانصاري رحمه اللّه في صلاته و هو على ما نقله في المصباح الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه «1»، حاصله هو أنّ المستعجل الّذي يسوّغ معه ترك السورة لأمر دنيوى أو دينى إن كان يسوغ له الترك على سبيل الرخصة لا العزيمة بمعنى جواز تركها فى هذا الصورة، لا أنّه يجب تركها، فلا يفيد لنا في ما نحن فيه أصلا، لأنّ الفرض هو كون سقوطها في ضيق الوقت على وجه العزيمة عند من يدعى سقوطها فى هذا الحال و إن كان التعجيل الّذي يسوغ معه ترك السورة هو كون سقوطها على وجه العزيمة، فإثباته لا يمكن في المورد إلّا على وجه دائر لأنّ وجوب ترك السورة أو حرمة فعلها في ضيق الوقت يتوقف على بقاء شرعية الوقت للصّلاة حتّى فى هذا الحال و بقاء شرطية الوقت فى هذا الحال يتوقف على عدم وجوب السورة و جزئيته للصّلاة فى هذا الحال، لأنّه إن كانت السورة جزء حتى فى هذا الحال فلم يتمكن المكلف من حفظ شرطية الوقت فتسقط شرطيتها، فيتوقف سقوط وجوب السورة فى هذا الحال على بقاء شرطية الوقت و الحال

ان بقاء شرطية الوقت فى هذا الحال موقوف على عدم جزئية السورة و هذا دور واضح. «2»

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، كتاب الصّلاة، ص 288.

(2)- أقول: و قد فاتني الفيوضات المتعلقة بهذه المسألة بعد ذلك لعدم تمكنى من الحضور في درسه مدّ ظله العالى لبعض الابتلاءات إلى أن انتهي البحث إلى المسألة اللاحقة و لكن أنا أقول:

بأنّه لو تمّ هذا الدور يمكن أن يقال: أما أوّلا فبأنّ في ما نحن فيه في كلا الصورتين يدور الأمر.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 155

المسألة الرابعة:
اشارة

هل يجب تعيين السورة الخاصّة حين قراءة البسملة أولا يجب ذلك بل لو فرض كون المصلّي مرددا حين قراءة البسملة بين السورتين أو أزيد لا يضرّ ذلك و تصير البسملة جزء واحدا من السورة بتعقب ساير آيات هذه السورة عليها، فإنّ قرء البسملة بلا قصد كونها لأىّ سورة ثمّ تعقبها بآيات التوحيد تصير البسملة بسملة التوحيد و هكذا.

اعلم أنّ الناظر في كلمات الفقهاء قدس سرّه لا يرى تعرض القدماء قدس سرّه لهذه المسألة و لكن وقع الكلام فيها في كلمات المتأخرين و المشهور بين متأخرى المتأخرين هو وجوب تعيين السورة عند قراءة البسملة.

و اعلم أنّه قد يقال: بأنّه يجب التعيين بأنّه بعد كون البسملة جزء من السور و آية منها، و هي من كل سورة غيرها من السورة الاخرى فلا بدّ حين قراءتها قصد خصوص سورة حتّى تصير جزئها.

فإنّ كان الوجه هذا من باب ما قلنا في النية من أنّه إن كان الشي ء الّذي يوجده الشخص في الخارج قابلا لصيرورته منطبقا لعنوانين أو أزيد و بعبارة اخرى قابلا لصيرورته فردا لأكثر من طبيعة واحدة فإذا أراد الشخص أن يجعل هذا

______________________________

بين حفظ جزئية السورة و بين

حفظ شرطية الوقت فلو لم نقل مطلقا بأهمية حفظ شرطية الوقت و لكن يمكن أن يقال بذلك في المقام لخصوصية فيه و هو أنّه بعد ما نرى من سقوط السورة بمجرد الاستيحال أو تخوف شي ء يمكن دعوى استكشاف عدم كونها بحد الوقت في الأهمية خصوصا في المورد الثاني و هو الدوران بين حفظ الوقت لإدراك ركعة و ترك السورة و بين العكس.

و امّا ثانيا فيمكن دعوى عدم شمول دليل اعتبار السورة لمورد ضيق الوقت و عدم إطلاق له يشمل المورد، لأنّ الدليل كان بعض الأخبار المستفاد منه مفروغية وجوب السورة في الجملة و هو العمدة لكون العمل على إتيانها و لا إطلاق له يشمل حتّى مورد ضيق الوقت فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 156

الشي ء مصداقا و فردا لأحد من العنوانين أو الطبيعتين فلا بدّ من القصد و امتازه بمصداقيته لأحد من العناوين بالقصد كما قلنا في الظهر و العصر من أنّه بعد كون الظهر و العصر طبيعتين مختلفتين فلو أراد المكلف أن يصير أربع ركعات الّتي يأتى بها ظهرا أو عصرا، فلا بدّ من أن يقصد حين إتيانها بأنّها الصّلاة الظهر أو العصر فكل ما قصد تصير فردا و مصداقا لها، فكما أنّ الظهرية و العصرية محتاج إلى القصد فهكذا نقول في المقام بأنّه بعد كون البسملة من سورة خاصة غير البسملة من سورة اخرى فلا بد من أن يقصد حين قراءتها بأنّها تكون البسملة لأىّ سورة.

فيقال في جوابه: بأنّه ليس المقام كذلك لأنّ البسملة من كل سورة ليست طبيعة في قبال البسملة من سورة اخرى بمعنى كون كل بسملة من كل سورة طبيعة غير طبيعة البسملة من سورة اخرى و بعبارة اخرى ليست

البسملات من السور طبائعا مختلفة بل البسملة ليست الا طبيعة واحدة من كل سورة كانت، فكل بسملة من كل سورة فرد من هذه الطبيعة الواحدة و لا يمكن أن يقال: بكونها طبائعا مختلفة فعلى هذا يظهر لك كما قلنا في النية بأنّه إن كان لطبيعة واحدة فردان أو اكثر فانطباق الخارج على الطبيعة و صيرورته فردا لها غير محتاج إلى القصد لما قلنا في القصر و الاتمام فلا حاجة في مقام الاداء من قصد القصرية أو الاتمامية إنّ في المقام مقتضى ذلك أعنى: كون كل البسملات فردا لطبيعة واحدة هو عدم اعتبار قصد سورة خاصة حين قراءة البسملة بل بمجرد أدائها قربة إلى اللّه و تعقب آيات سورة من السور إليها تصير البسملة جزء لهذه السورة الخاصّة فعلى هذا يظهر في النظر البدوى عدم اعتبار قصد التعيين في البسملة.

و لكن مع إمعان النظر في كلمات القائلين بقصد التعيين يكشف كون نظرهم إلى جهة اخرى في وجه اعتبار قصد التعيين و هو أن يقال: بأنّه لا إشكال في كون

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 157

المأمور به هو قراءة سورة من سور القرآن المجيد و لا إشكال في أنّ المعتبر في القراءة هو الحكاية بمعنى: أن القاري يحكي عن المحكي و بعبارة اخرى يكون تكلّمه بالكلام بعنوان الحكاية عن كلام الغير فإذا قرئها بعنوان الحكاية يعدّ حكاية و إلّا فلا، فمن يقرأ القرآن أو شعرا من الأشعار فلا يعدّ قراءة القرآن إلّا إذا كان حكاية عن المنزل من اللّه تعالى بقلب رسوله الخاتم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كما أنّه لا يصدق أنّه قرأ شعرا مرء القيس مثلا الّا إذا كان قاصدا حكاية شعره.

فعلى هذا

بعد ما وجب قراءة السورة في الصّلاة و على الفرض تكون البسملة جزء لها، فمتى لا يقصد القارى حكاية هذا الكلام الخاص و سورة مخصوصة في قبال ساير السور فلا يصدق أنّه قرأ هذه السورة الخاصّة فإذا قرء البسملة فإن قرئها بقصد السورة التوحيد مثلا يصدق عليها حكاية البسملة من سورة التوحيد و أمّا إذا قرئها لا بقصد سورة التوحيد بل قرئها بقصد مجرد قراءة القرآن فلا يعدّ قراءة البسملة من سورة التوحيد و إن يعدّ قراءة القرآن و حكاية القرآن.

فظهر ممّا ذكر من أنّه بعد كون المأمور به هو قراءة سورة خاصة و بعد ما لا تصدق القراءة إلّا إذا كان بعنوان حكاية خصوص سورة خاصة منزلة من السماء فمتى قصد البسملة من سورة خاصة و حكايته هذه البسملة الخاصّة من سورة مخصوصة يتحقّق موضوع القراءة و الّا فلا فلأجل هذا يعتبر قصد التعيين.

هذا حاصل ما يمكن أن يقال في توجيه اعتبار قصد تعيين السورة في البسملة كما يظهر ذلك ممّا نقل من كلام الشّيخ الانصاري رحمه اللّه «1»، و على هذا لا فرق بين بسملة الفاتحة و بسملة ساير السور فكما يعتبر القصد في صيرورة البسملة جزء لسائر

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 173- 172.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 158

السور كذلك في الفاتحة ثمّ يظهر من بعض ناقلي كلامه رحمه اللّه «1» إشكال و جواب.

[في ذكر اشكال و دفعه]

أمّا الاشكال فحاصله هو أنّه على ما قلت فمن قصد عند قراءة البسملة طبيعة القرآن و بعبارة اخرى قرئها بقصد مجرد القرآنية و لم يقصد حين قراءتها خصوص البسملة من سورة فقد قرأ القرآن و إن كان هو لم يقرأ آية خاصة من سورة و الحال أنّ

ذلك غير ممكن حيث إنّ البسملة المنزلة من السماء ليست إلّا خصوص البسملات التي نزلت في أوّل السور و ليست بسملة غيرها، فبعد عدم كون البسملة الّتي هي جزء القرآن غير أفراد البسملات المنزلة في أوّل السور فكيف تقول: بأنّ قاري البسملة الناوية فيها مجرد قراءة القرآن بدون تعيين سورة خاصة معينة قرأ القرآن و الحال أنّك قلت لا يصدق قراءة القرآن إلّا إذا قصد بها حكاية المنزل من اللّه تعالى حين قراءته و على الفرض ليس المنزل إلّا خصوص البسملات النازلة في أوائل السور لا طبيعة السورة فعلى هذا كيف يمكن أن يتحقّق قراءة القرآن مع عدم قصد البسملة الخاصة؟ و كيف تقول بمن قصد حكاية القرآن بقراءة السورة لا خصوص حكاية البسملة من سورة معينة بأنّه قرأ القرآن؟

و أمّا الجواب فهو أنّه لا مانع من حكاية الطبيعة و الإخبار عنها مع عدم إخبار عن فرد من أفرادها كما ترى أنّ من رأي زيدا رأى إنسانا أيضا من باب رؤيته زيدا، و لكن كما يمكن له الأخبار عن زيد أو عن الانسان و زيد كذلك يمكن له الإخبار عن نفس الانسان بدون إخبار عن زيد فيقول: رأيت الانسان فهو حكى و أخبر عن الطبيعة و لا يخبر عن فردها أصلا فهكذا نقول في المقام و الحاصل انّه بعد كون حقيقة القرآن هو الحكاية فلا تتحقق الحكاية إلا قصد المحكي و بعد كون

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 173- 174- 175.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 159

الواجب قراءة سورة خاصة فلا بدّ من أن يقصد سورة خاصة عند قراءة البسملة.

و لقائل أن يقول: بأنّ المعتبر في باب نقل كلام الغير هو كون الكلام حكاية عنه

بحيث يكون الحاكي فانيا في المحكى و مندكا فيه بنحو لا يرى إلّا المحكى كالناظر في المرآت الغافل في نظره عن المرآت، لأنّه بعد كون الكلام الصادر من اللّه تعالى أو من غيره كلاما خاصا و وجودا مخصوصا، فلا يمكن قراءة نفس هذا الكلام الموجود و حكايته، فلا بدّ من إيجاده بالوجود التنزيلي، لأنّ القرآن صدر من اللّه تعالى و وقع في قلب رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا يمكن قراءة خصوص ما صدر منه تعالى، فمعنى قراءة القرآن أو قراءة سورة منه هي إيجادها بالوجود التنزيلى و هو بجعل ألفاظه حكاية عن الألفاظ المنزلة لأنّه بعد ما يكون لكل شي ء وجودات أربعة: (ذهني و خارجي و كتبي و لفظي)، و بعد عدم إمكان وجوده الخاص خارجا، فمعنى قراءته هو إيجاده بالوجود التنزيلي و هو اللفظي فيكون قراءة القرآن أو قراءة شعر الغير أو كلام الغير عبارة عن حكايته و معنى الحكاية جعل الحاكي فانيا في المحكى و عدم كون النظر إلّا إلى المحكي كما ترى في مقام استعمال اللفظ و إرادة معناه، فإنّ المتلفظ به يجعله مندكا في معناه، غاية الأمر في مقام حكاية القرآن و قراءته لا يكون من قبيل استعمال اللفظ في المعنى بل يكون من قبيل استعمال اللفظ في اللفظ، و بعد ما عرفت ذلك فليس في الحاكى إلّا كل خصوصية موجودة في المحكي و لا يمكن غير ذلك لأنّ معنى الحكاية هي جعلها قالبا للمحكي و فانيا فيه، فلا بدّ من كون الحاكي متخصصا بكل ما تخصص به المحكى لا أزيد و لا أقل، فبأيّ نحو يكون المحكي لا بدّ و أن يكون الحاكي فعلى هذا لا

بدّ لنا في أن نفهم بأنّ المحكي يكون متخصصا بأيّ خصوصية تجعل الحاكى متخصصا به حتّى يكون حكاية عنه و إلّا لم يكن حكاية عنه.

[في ذكر وجه لعدم لزوم قصد كون بسملة جزء لسورة معينة]

إذا عرفت ذلك فبعد ما نرجع إلى بسملات السور من القرآن و وضع نزولها،

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 160

فلا نرى لها تخصص بخصوصية في صيرورتها قرآنا و من كلامه المنزل إلّا صدورها من اللّه تعالى و تعقب آيات كل سورة بها فبسملة التوحيد لا يتخصص بكونها بسملته إلّا بتعقب آيات التوحيد بها ليس إلّا و هكذا البسملات من ساير السور فبعد كون الأمر كذلك فالبسملة الّتي تكون حاكية عن بسملة سورة التوحيد أو غيرها من السور لا تحتاج في صيرورتها حاكية عن البسملة من سورة التوحيد إلّا بتعقب آيات التوحيد بها و كذا في الحكاية عن البسملات من غير التوحيد من السور و لا تحتاج في كونها حاكية عنها إلى أمر آخر لما قلنا من أنّ الحكاية لا تقتضى إلّا هذا.

فعلى هذا يمكن أن يقال: بعدم اعتبار قصد تعيين سورة خاصة في البسملة بل إذا قرئها بقصد القرآنية فتصير جزء لسورة خاصة بمجرد تعقب آيات هذه السورة الخاصة بها و لو لم يكن قاصدا لهذه السورة حين قراءة البسملة.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 5، ص: 160

[في ذكر اشكال و دفعه]

إن قلت: بأنّ كل بسملة من البسملات متخصصة ببعض خصوصيات لم يتخصص به ساير السور مثلا أحدها مدنية و الاخرى مكية و كذا خصوصية الزمان و المكان فلا يمكن حكاية هذه البسملة المختصّة ببعض هذه الخصوصيات إلّا إذا قصدها بخصوصها.

قلت: إنّ هذا النحو من الخصوصيات ليس ممّا يتعلق به الطلب فإذا وجبت قراءة سورة خاصة فلا يجب الّا قراءة هذه القطعة من القرآن النازل منه تعالى و أمّا خصوصية الزمان و المكان

و نحوها فلم يتعلق به الغرض أو الطلب حتّى يحتاج في مقام الامتثال من القصد هذه الخصوصيات.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 161

[فى نقل كلام الشيخ و الاشكال عليه و الجواب عنه]

ثمّ نقول توضيحا للمطلب: بأنّ شيخ رحمه اللّه «1» اختار وجوب تعيين السورة و ذكرنا حاصل ما أفاده و هو بنحو الاجمال أنّ الواجب على ما يظهر من دليل اعتبار السورة قراءة سورة خاصة و القراءة عبارة عن اتيانها بعنوان الحكاية عن السورة المنزلة فالحكاية لا تحصل إلّا باتيان البسملة بقصد سورة مخصوصة فلو قرئها لا بقصد القرآن لا تصدق قراءة القرآن و لو قرئها بقصد القرآن و لا يقصد به قراءة البسملة من السورة الخاصّة يصدق أنّه قرأ آية من القرآن و لا يصدق انّه قرأ بسملة من سورة خاصة.

و استشكل عليه كما ذكرنا: بأنّه إذا قرأ القاري البسملة بقصد القرآن و لكن لا يقصد البسملة من سورة خاصة فإمّا إنّك تقول: ليس القاري لها قارى القرآن أصلا فواضح الفساد و إمّا أن تقول: إنّها قراءة القرآن فإمّا أن تقول: بأنّها جزء من سورة خاصة فعلى الفرض لا يمكن لأنّ القاري لم يقصد سورة خاصة و إن تقل بأنّها تصير جزء لكل سورة تتعقبها آياتها فهو المطلوب و لا يمكن أن يقال بأن عليه يصدق قراءة القرآن و لا يصدق قاري لبسملة من سورة خاصة حتّى تقول انّه مع كونه قاري القرآن لم يكن قاريا لآية من سورة خاصة.

و أجاب عن ذلك بما قلنا: بأنّه لا مانع من صدق قراءة القرآن مع عدم قصد سورة خاصة من البسملة مع عدم صدق قراءة البسملة من سورة خاصة لأنّه يمكن حكاية الطبيعة و الإخبار عنها بدون حكاية و إخبار عن الفرد بل ربما يكون

الفرد مغفولا عنه حين حكاية الطبيعة لامكان ذلك كما بينا من أنّ الناظر إلى زيد رأى الانسان و رأى الفرد فيمكن أن يخبر عن رؤية الفرد و الجامع كليهما، و يمكن إخباره

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للشيخ الانصاري رحمه اللّه، ص 146 و 147 و 148.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 162

عن خصوص الفرد كما يمكن أن يخبر عن خصوص الجامع بدون الإخبار عن الفرد.

[في ذكر اشكال بعض الاعاظم]

ثمّ استشكل عليه بعض الأعاظم «1» بما حاصله يرجع إلى أنّه على ما بينت من يقرأ البسملة بدون قصد تعيين سورة خاصة فقد قرأ القرآن و أتى بطبيعة البسملة فهذه البسملة طبيعة قابلة الانطباق و الجمع مع كل مصاديقها من البسملات فتصدق على كل منها بأنّها هي الآية الّتي قرئها، فللمصلّي و القاري أن يجعل هذه البسملة المقروة جزء لأيّ سورة شاء بانضمام باقى السورة بها، لأنّه بعد الانضمام يصدق أنّه قرء جميع آيات هذه السورة من البسملة الى آخرها و إن كان قرأ البسملة من هذه السورة على سبيل الابهام و الاجمال و قرأ باقى آياتها على التفصيل و حيث إنّ الواجب في السورة ليس إلّا قراءة سورة على الاطلاق فبقراءة البسملة بقصد طبيعة البسملة القرآنية و لحوق آيات مخصوصة يصدق أنّه قرأ السورة و أطاع أمر المولى نعم في ما تكون سورة بعينها و بخصوصيتها متعلقة للطلب كالفاتحة فلا يحصل امتثاله بهذا النحو لعدم وقوع بسملتها على الوجه الّذي تعلق به الطلب.

و دفع هذا الاشكال ناقل كلام الشّيخ رحمه اللّه و حاصله هو أنّ بعد كون المأمور به قراءة سورة خاصة و إن كان المطلوب طبيعة السورة فلا يتحقّق امتثاله إلا بقراءة سورة خاصة و إن كان للمكلف اختيار أيّ

سورة خاصة شاء و قراءة سورة خاصة لا تحصل إلّا بوقوع تمام السورة بقصد سورة خاصة كما قلت في الفاتحة و مجرد تعلق الأمر في الفاتحة بخصوصها و في السورة بطبيعتها، لا يوجب الفرق بينهما فى هذا الحيث حيث إن الأمر و إن كان متعلقا بالطبيعة إلّا أنّ امتثالها ليس باتيان إحدى السور على الابهام بل لا بدّ في مقام الامتثال من إتيان سورة معينة فإذا كان

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 173.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 163

الامتثال هذا، فلا بدّ حين البسملة من القصد بسورة خاصة فلو قرئها و لم يعيّن سورة خاصة لا تصير البسملة جزء لسورة بمجرد تعقب ما بقى من آيات من السورة بها.

ثمّ لو نوقش في ذلك و يقال: نمنع وجوب قراءة سورة خاصة على المصلّي بل يكفي قراءة قطعة خاصة من القرآن يطلق عليها أنها سورة تامة و إن لم يصدق عليها أنّها سورة خاصة فإنّ الطبيعة المأمور بها تصدق عليها بتفصيل بيّنا.

يقال في الجواب: بأنّ الواجب هو قراءة السورة و الأمر و إن كان بطبيعة السورة لكن المطلوب إتيان فرد من أفرادها، لكن لا فرق في وجوب فرد خاص بين كون الأمر متعلقا بخصوص فرد كالأمر بفاتحة الكتاب و من كونه متعلقا بالطبيعة غاية الأمر تارة يعيّن المولى الفرد و تارة يحوّله إلى المكلف و على كل حال يكون المطلوب هو قراءة سورة خاصة فيكون الحاصل بعد كل ذلك أنّ الشّيخ رحمه اللّه و ناقلي كلامه قائلون بوجوب التعيين مبينا على أنّ القراءة حيث تكون الحكاية فلا بد في مقام الحكاية من القصد بكون المقر و حكاية عن السورة الخاصّة فيجب تعيين سورة خاصة.

و لكن نحن قلنا:

بأنّه بعد كون الحاكي فانيا في المحكى، فلا يعتبر فيه إلّا ما هو موجود في المحكى، و حيث إنّ البسملة المحكى لم تصر جزء للسورة الخاصّة إلّا بلحوق آيات هذه السورة بها، فكذلك الحاكي منها.

و أمّا ما أجاب رحمه اللّه عن الاشكال الّذي أورد عليه: بأنّه لا تنافي بين حكاية الطبيعة مع عدم كونها حكاية عن فرد من أفرادها كما ترى بأنّ من رأى الانسان برؤية فرده، يصح أن يحكى رؤية الانسان بدون حكاية رؤية فرده.

فنقول: بأنّه كما أفاده إذا رأى رجل فردا من أفراد الانسان في يوم، و فردا آخر منه في يوم آخر، فصار بعد ذلك بصدد الإخبار عن رؤية الانسان لا بالفرد

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 164

الذي رأى أولا و ثانيا، فقال رأيت إنسانا، فلا إشكال في كون كلامه، إخبارا أو حكاية عن نفس الانسان بدون كونه إخبارا عن الفرد، فلو بدا له و صار بصدد الأخبار عن أحد الفردين، فهو بدون فصل طويل و هدم الموالات بعد قوله: رأيت الانسان قال: و هو زيد فهل يقع شك في أنّه أخبر عن الانسان و عن زيد مع عدم كونه في مقام تلفظ (رأيت الانسان) إلّا في مقام الأخبار و الحكاية عن رؤية طبيعة الانسان و لكن لحوق كلامه بعد بهذا الكلام صار سببا لكون مجموع قوله رأيت الانسان و هو زيد إخبارا عن الطبيعة و الفرد كليهما.

إذا عرفت ذلك نقول في المقام: بأن من يقرأ البسملة بقصد القرآنية لا بقصد سورة خاصة و إن كان في مقام الحكاية عن الطبيعة لا الفرد، و لكن لحوق آيات التوحيد أو الكوثر مثلا بها يجعلها حكاية عن سورة التوحيد أو الكوثر، و يقال: إنّه

قرء سورة التوحيد أو الكوثر، فالبسملة حين قراءتها و إن لم تكن متخصصة بسورة خاصة و لكن مجرد ضمّ آيات سورة خاصة بها يجعلها جزء لهذه السورة الخاصة، و على الفرض ليس المطلوب إلّا قراءة سورة خاصة، فلا يعتبر القصد في البسملة، بل لحقوق الآيات اللاحقة تصير سببا لصيرورتها جزء لسورة خاصة و يحصل الامتثال. «1»

______________________________

(1)- أقول: أمّا ما أفاده في مقام جواب الشّيخ رحمه اللّه فغير تمام، لأنّ في المثال يكون الشخص مخبرا و حاكيا عن رؤية الانسان و زيد بتعدد الدالّ و المدلول، فقوله (رأيت الانسان) إخبار عن الطبيعة و قوله (و هو زيد) إخبار عن الفرد، لا أن قوله (رايت الانسان) بعد ضم (و هو زيد) صار حاكيا و إخبارا عن الطبيعة و الفرد كليهما، فقوله (رأيت الانسان) باق بحاله من كونه إخبارا عن خصوص الجامع، و لا ينقلب عما وقع إخبارا عنه و إن اضيف إليه قوله (و هو زيد) فكذلك البسملة بعد عدم قصد سورة خاصة وقعت إخبارا أو حكاية عن طبيعة البسملة، و لحوق آيات سورة.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 165

قال مدّ ظلّه بأنّه ينبغي التكلم في أمر يظهر حال هذه الجهة بعنوان فذلكة البحث، فنقول: أمّا فذلكة البحث هو أنّه هل ما يجعل البسملة جزء لسورة خاصة

______________________________

خاصة بها لا يجعلها منها، بل يقال: إنّه قرأ القرآن في البسملة، و قرأ آيات سورة خاصة غير بسملتها الخاصة، و هذا لا يكفي في امتثال المأمور به، لأنّ المأمور به قراءة سورة خاصة كما أفاد في جواب إشكال بعض الأعاظم.

و أمّا ما قال مدّ ظلّه من عدم وجوب القصد، و كفاية لحوق الآيات من سورة في جعل البسملة الغير القاصد

بها السورة الخاصّة جزء لهذه السورة.

فاقول كما قلت بحضرته مد ظله فلنا سؤال و هو انّه على مختاركم ليس معين البسملة و كونها سورة إلا تعقب آيات السورة الخاصّة بها فعلى هذا لو اتى البسملة بقصد سورة ثمّ بدا له و أتى بما بقي من آيات سورة اخرى فلا بدّ من ان تلتزموا بصيرورتها جزء لهذه السورة لا قصدها لأنّ القصد لا يكون معنيا هل لحوق آيات كل سورة بها يجعلها من هذه السورة و أيضا لو نذر قراءة آية من سورة خاصة فأتى ببسملتها في مقام الوفاء بالنذر لم يف بنذره لانك قلت بان البسملة لا تصير موصوفا بجزئيتها لسورة خاصة إلا بتعقب ما بقي من آيات هذه السورة بها و لكن يمكن ان يقال في جواب كلا الاشكاليين بانّه يقال نحن لم نقل بعدم اعتبار قصد التعيين و يكفي مجرد قراءة البسملة بقصد القرآنية مع لحوق آيات سورة خاصة بها في صيرورتها جزء لها و لم نقل بانّه مع قصد الخلاف يكفي تعقب آيات سورة خاصة في جعلها جزء لهذه السورة لان مع قصد سورة خاصة من البسملة قصد قراءة آية من سورة خاصة لانه قصد الطبيعة و الفرد فلو قرء بعدها آيات غير السورة الّتي قصد بالبسملة فلا يوجب ذلك انقلاب البسملة عما وقع عليها بخلاف ما لو قصد بها مجرد الطبيعة لانها قابلة الانطباق مع كل فرد و بعد تعقب آيات سورة خاصة يجعل هذه البسملة جزء لهذا الفرد هذا ما يجي ء بنظري و لكن هو مدّ ظلّه صار في صدد الجواب عن الاشكال الّذي اوردته من ان على مبناكم يلزم عدم كون القصد من السورة الخاصة معينا للبسملة فلو اتى

بها بقصد سورة خاصة ثمّ بدا له و أتى بآيات سورة اخرى تصير البسملة جزء لهذه السورة المتعقبة بها آياتها مع فرض انّه قصد بها السورة الاخرى. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 166

هو لحوق آيات سورة خاصة بها فقط كما يظهر من صاحب الجواهر رحمه اللّه «1» في نجات العباد، أو يكون القصد فقط كما يظهر من شيخ الانصارى رحمه اللّه «2» و من تبعه «3»، أو يكون كل واحد منهما محققا لصيرورة البسملة جزء لسورة بمعنى: أنّها تصير جزء لسورة بلحوق آيات سورة خاصة بها، كما تصير جزء لها باتيانها بقصد سورة مخصوصة.

فإنّ قلنا بالأوّل فلو قرئها بقصد سورة خاصة ثمّ بعد قراءتها بدا له و أتى بآيات سورة اخرى تصير جزء لها و إن كان قصد حين إتيانها السورة الاخرى، لأنّ محقّق صيرورتها جزء لسورة ليس إلّا لحوق آيات هذه السورة بها.

و إن قلنا بالثاني من القصد صارت جزء للسورة المقصودة و لو بدا له و قرء آيات سورة اخرى لم تصر جزء لها، و كذلك على اختيار احتمال الثالث.

[في ذكر وجوه فى المورد]
[الوجه الاوّل]

إنّما الكلام في أنّ الحق أىّ من الاحتمالات الثلاثة فنقول: انّ ما يمكن أن يكون وجها لاحتمال الثانى، و هو مختار الشيخ رحمه اللّه، وجوه:

الوجه الأوّل: قاعدة الاشتغال لأنّ الشّك يكون في المكلف به لا فى التكليف، و بعبارة اخرى يكون الشّك في مقام الامتثال بعد معلومية التكليف، لأنّ المكلف يعلم بوجوب إتيان سورة خاصة و في مقام الامتثال لا يدري أنّ الامتثال يحصل بمجرد إتيان البسملة بدون القصد، أو يتوقف الامتثال على القصد، فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب إتيانها مع القصد حتّى يحصل العلم بامتثال التكليف باتيان

______________________________

(1)- الجواهر، ج 10، ص 52-

56.

(2)- كتاب الصّلاة للشيخ الانصارى، ص 146- 147.

(3)- المحقق الحائري في كتاب صلاته، ص 171.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 167

سورة تامة.

و فيه أنّ الأصل يكون مرجعا إذا لم يكن دليل اجتهادي على أحد طرفي المسألة، و معه لا تصل النوبة إلى الأصل.

[فى الوجه الثاني و الثالث]

الوجه الثاني: هو أنّه بعد كون كل بسملة من كل سورة فردا لطبيعة غير طبيعة البسملة من سورة اخرى، فكما قلنا في الظهر و العصر بأنّهما محتاجان إلى القصد، لأنّ الخارج لا يكون منطبق أحد الطبيعتين إلّا بالقصد، فهكذا في المقام.

و فيه أنّه كما قلنا كون البسملات أفرادا من طبائع مختلفة في غير محله، بل كلها أفرادا لطبيعة واحدة و أمّا الظهر و العصر فقلنا بكونهما طبيعتين لأجل الدليل، و هو بعض الأخبار الدالّة على العدول من العصر إلى الظهر حيث أنّ المستفاد منه كونهما حقيقتين مختلفتين، و إلّا لا معنى للعدول من أحدهما إلى الاخرى.

الوجه الثالث: أنّ البسملات و إن كانت أفرادا لجامع واحد و البسملة صادقة على كل أفرادها، و لذا يصدق على من قرئها أنّه قرأ القرآن، و لكن حيث إنّ حقيقة القراءة الحكاية، فلا تصدق حكاية سورة خاصة تامة الّا إذا قصد بالبسملة هذا الشخص من السورة و إن لم يقصد فلم يمتثل الأمر المتعلّق بقراءة سورة خاصة و الحاصل أنّ حكاية البسملة المتشخصة بتشخص لحقوق (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) أو (إِنّٰا أَعْطَيْنٰاكَ) بها لا تتحقّق إلا بالقصد.

و فيه أنّ لحوق آية خاصة بها لم يكن من مشخصاتها، بل تشخصها إنّما جاء من نحوة وجودها، فمجرد وجودها صارت مشخصة و لا دخالة للحوق آيات خاصة بها في تشخص البسملة، فإنّ التشخص إنّما يجي ء بمجرد الوجود، فليس لحوق آيات خاصة

من مشخصات البسملة حتّى يحتاج قصد حكاية هذه الوجود

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 168

المشخص إلى القصد بهذا العنوان أعنى: بعنوان كونها بسملة لآيات كذائية.

الوجه الرابع:

أنّ تشخص البسملة و إن لم يكن بلحوق آيات خاصة بها، إلّا أنّه في مقام الاشارة بالبسملة الخاصّة يشير بهذا اللحوق بها، فيقصد البسملة الّتي لحقتها آيات كذائية حتّى يمتاز بذلك عن ساير البسملات، بمعنى: أنّه بعد لزوم قراءة سورة خاصة و كون البسملات الطبيعة واحدة، ففي مقام القصد يقصد البسملة المتعقّبة بها آيات كذائية أى: آيات سورة خاصة، هذا بعض الوجوه، و عرفت فيما بينّا ما يمكن أن يكون وجها لهذا الاحتمال في المسألة.

و لكن مع ذلك نقول: بأنّه إن كان قصد التعيين ممّا لا بدّ منه، فكيف لم يتعرض لذلك أحد من القدماء قدس سرّه في كلماتهم مع عمومية البلوى، و لم يرد نصّ في ذلك، فيمكن أن يقال: بأنّه كما يكون المقصود في فهم المرادات و إلقاء اللفظ و إرادة معناه، هو إراءة المعنى، و لم يكن النظر الاستقلالى باللفظ أصلا، كذلك في مقام الحكاية لم يكن الحاكي إلّا في مقام الحكاية و إراءة المحكى أعنى: ما تكلم به.

ثمّ بعد ذلك نقول: بأنّ التشخص انما يجي ء من قبل الاستعمال فمجرد اصدار اللفظ ملازم مع تشخصه و الحاكي إنّما يحكي ما تكلم به لا الوجود المتشخص بل ما تكلّم به هو معنى كلي صادق على ما تكلم به أوّلا و ثانيا و ثالثا و هكذا، لأنّ الحاكي يحكي عن البسملة و هي و إن كانت وجوداته متشخصة و لكن هو يحكي عن الكلي الصادق على كل منها، فبعد عدم كون الحاكي إلّا في صدد حكاية هذا الكلي لا

خصوص البسملة الواقعة قبل آيات سورة كذائية لعدم كون كذلك موجبا لتشخصها، نعم بعد لحوق آيات سورة كذائية بها يصدق أنّه أتى بسورة كذائية و يكفي في صدق امتثال الأمر المتعلّق بسورة خاصة.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 169

[الموضع الثالث قول المحقق ره من لا يحسنها يجب عليه التعلم:]

قال المحقق رحمه اللّه في الشرائع: و من لا يحسنها يجب عليه التعلم و به قال العلّامة رحمه اللّه.

و ظاهرهما كون الوجوب تعيينا في الفرض و استشكل على ذلك سيد بحر العلوم رحمه اللّه في المصابيح: بأنّه لا وجه لوجوب التعييني لأنّه مع قدرة المكلف من الايتمام لا وجه لوجوب التعلم عليه تعيينا، بل هو مخيّر بين التعلم و الايتمام.

و عن كاشف الغطاء رحمه اللّه التصريح بوجوب التعلم تعيينا، و فرّع على ذلك: بأنّه لو ترك التعلم في سعة الوقت و ائتمّ أثم و لكن صحت صلاته.

و لا يخفي عليك بأنّه لا وجه لوجوب التعيينى، لأنّه بعد كون المكلف مخيرا بين الصّلاة جماعة و بين الفرادى فلا وجه لوجوب التعلم تعيينا عليه، لأنّ وجوب التعلم يكون مقدميا و ترشحيا من وجوب القراءة في الصّلاة و بعد كون وجوب القراءة أعنى: الفرد من الصّلاة مع القراءة وجوبها تخييريا لتخيير المكلف بينه و بين فرد آخر و هو الصّلاة جماعة أعنى: الايتمام فقهرا يكون وجوب التعلم المترشح من وجوب القراءة تخييريا، نعم مع عدم التمكن من الايتمام حيث يكون الواجب عليه الصّلاة الفرادى و حيث لا بدّ فيها من القراءة فيجب عليه هذا الفرد تعيينا، فيكون وجوب التعلم فى هذا الفرض وجوبا تعينيا.

فظهر لك بأنّه مع التمكن من الايتمام لا وجه لكون التعلم واجبا بالوجوب التعييني، هذا في صورة تمكن المكلف من الايتمام و أمّا مع عدم تمكنه و

وجوب مع القراءة في هذه الصورة فيجب تعلمها تعيينا في الوقت.

و قبل الوقت أمّا بعد دخول الوقت فواضح لأنّ الواجب أى: الصّلاة مع القراءة صار واجبا مطلقا، فيجب تحصيل مقدماته بحكم العقل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 170

و امّا قبل دخول الوقت فواجب أيضا إمّا من باب ما قلنا في الاصول بتصوير واجب المعلق و فرض كون الوجوب فعليا، و الواجب استقباليا، فلا إشكال في وجوب التعلم لأنّه و إن كانت الصّلاة و هي الواجب وقتها بعد دخول الوقت لكن وجوبها يكون قبل الوقت فيترشح من وجوبها الوجوب بالتعلم فيصير فعلا واجبا بحكم العقل و إمّا لما بينا أيضا في الاصول بأنّه و لو لم نتصور الواجب المعلق و قلنا بكون الهيئة مشروطا لا المادة و لكن يمكن مع ذلك تصوير وجوب المقدمات قبل الوقت بنحو آخر ذكرنا في الاصول.

الموضع الرابع: هل تعتبر رعاية قواعد التجويد

من الادغام بقسميه و الاظهار و الاخفاء و غير ذلك أو لا تعتبر هذه الامور؟

اعلم الضابط هو قراءة الحروف و الكلمات بحيث يعدّ عند أهل العرف أنّه تلفظ بالكلمة أو الحرف فهذا هو المقدار المعتبر و لا يلزم مضافا إلى ذلك رعاية آداب التجويد إلّا بمقدار يوجب عدم رعايتها عدم وقوع الكلام صحيحا لتغيير المعنى أو عدم صدق التلفظ بالكلمة او الحرف عند العرف و أمّا أزيد من ذلك فلا تجب رعايتها، فيكفي في تحقق إتيان الفاتحة أو السورة إيجاد ألفاظهما بنحو يعدّ عند العرف و أهل المحاورة بأنّ القارى قرأهما، فيكفي في قراءة الضاد أو الصاد أو غيرها إتيانهما بنحو يصدق عند أهل العرف أنّه تلفظ بهما.

و من هنا يظهر أنّه لا بد من رعاية إعراب الكلمات و بنائها، و بعبارة اخرى رعاية إعراب كل

حرف أو بنائه بنحو الصادر من جنابه تعالى لأن تركها يوجب الاخلال بالمعنى و كذلك التشديد و من هذا القبيل بعض موارد الادغام و لا يبعد عدم اعتبار الادغام في يرملون و إن كان الاحتياط في رعايته و على كل حال

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 171

فالضابط هو ما قلنا من أن يلاحظ القارى و يقرأ بحيث يعدّ عند العرف أنّه تلفظ و قرء الكلمة أو الحرف فافهم.

الموضع الخامس: هل يجوز قصد المعنى في القراءة أولا؟
اشارة

اعلم أنّه كما قلنا في بعض المباحث السالفة يعتبر في القراءة الحكاية بمعنى: أنّ من يقرأ كلامه تعالى أو كلام الغير لا يصدق على كلامه أنّه قراءة كلامه تعالى أو الغير إلّا إذا ألقى كلامه حكاية عن كلام الغير و لهذا قلنا بعدم كون القراءة من قبيل استعمال اللفظ في المعنى بل ليست استعمالا أصلا، بل يكون إيجاد اللفظ فعلى هذا إذا قرء سورة فإنّ كان المقصود بالقراءة الحكاية عن كلام الغير فقط فيصدق عليه أنّه قرأ كلامه و إن كان المقصود من إلقاء الكلام هو المعنى فهو يكون استعمال اللفظ في المعنى و لا يصدق عليه قراءة كلام الغير و إن كان المقصود من التلفظ بالكلام حكاية كلامه و المعنى كليهما، فلا يمكن، لأنّ ذلك يكون من قبيل استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد و هو محال.

فعلى هذا من يريد قراءة كلامه تعالى و يكون مأمورا به فلا يتحقّق الامتثال و قراءة كلامه إلّا إذا قصد من إيجاد اللفظ حكاية كلامه فقط بدون قصد المعنى و هنا إشكال و هو أنّه كيف يقال: بكون (إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ) إلى آخر سورة الفاتحة كلام اللّه تعالى مع استحالة عبادته تعالى لغيره و استعانته من الغير

أو طلب الهداية فإن التزمتم بكونه كلامه و هو قوله من نفسه و ينشأ و يقصد معناه) فالتزمتم بأمور محال و كفرتم و ان التزمتم بعدم كونه كلامه فهو أيضا مشكل آخر لأنّ الفاتحة سورة من القرآن الصادر منه تعالى على بينه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

اعلم بأنّه بعد معلومية فساد كون صدور هذه الآيات من (إيّاك) نعبد إلى

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 172

آخر السورة من اللّه تعالى مريدا به نفسه تعالى بأنّه عبد اللّه أو طلب الاستعانة أو الهداية من الغير لأنّه جل و تعالى شأنه عن ذلك علوا كبيرا، و من المحالات انتساب هذه الامور إليه جل شأنه فنفهم أنّ مراده تعالى من إيجاد هذه الكلمات هو تعليم العباد و توجههم و أمرهم بذلك الامور فبالدلالة العقلية نفهم أنّ المراد ليس إلّا أنّ العبيد يعبدونه و لا يعبدون سواه و يستعينون به و يطلبون منه الهداية.

[في ذكر الشاهد من تفسير مجمع البيان و التبيان]

و الشاهد على ذلك ما في تفسير «1» الطبري من نقل رواية ينتهي سندها إلى ابن عباس بأنّه إذا جاء جبرئيل بسورة الفاتحة إذا بلغ (باياك نعبد و إياك نستعين) فقل (فقل إيّاك نعبد و إيّاك نستعين) و كذلك في بعض «2» التفاسير فمن ذلك نفهم أن لفظ (قل) أو (قولوا) في أوّل سورة الفاتحة أو قبل (إيّاك نعبد) على اختلاف النقل محذوف و هذا شاهد على أنّ (إيّاك) نعبد إلى آخر السورة يكون مقول قول (قل) و العباد مأمورون بذلك فبذلك البيان يرتفع هذا الاشكال.

[يجوز قصد المعنى و لكن لا يلزم]

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في أنّه هل يجوز في مثل هذه الآيات الّتي مفادها الدعاء أو بيان حال العبد من أنّه يعبده تعالى و لا يعبد غيره قصد المعنى أولا؟

و بعبارة اخرى هل يكون في أمثال هذه الآيات قصد المعنى مضرا بصدق القراءة أولا؟ و على تقدير عدم كونه مضرا هل يلزم قصد المعنى أولا يلزم ذلك؟

اعلم أنّه بعد ما قلنا من أنّ هذه الآيات كلام صدر منه تعالى بعنوان الأمر و تكون مقول قول (قل) و صار كلامه تعالى بهذا الاعتبار أعنى: باعتبار كونه دعاء من العبد فلا بدّ من قصد المعنى بحسب الاعتبار الّذي قلنا، غاية الأمر حيث أنّ قصد

______________________________

(1)- مجمع البيان، ج 1، ص 76.

(2)- التبيان، ج 1، ص 38.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 173

معناها لا يمكن إلّا لاوحدى العارف بالمعنى و بهذه الجهة الّتي بينا لا يتوجه به العوام من الناس أعنى: جل المأمورين بقراءتها في الصّلاة و ليست الفاتحة ممّا كانت قراءتها مأمورا به لخصوص إلا وحدى من الناس بل كلهم مأمورون بها و غالبهم غير ملتفتين بالمعنى أصلا، فمع كونهم مأمورين

بذلك و عدم تصريح من المعصومين عليهم السّلام بلزوم قصد المعنى نفهم عدم اعتباره و إلّا فلا بدّ ان لا يطيع أمر الصّلاة إلا هذا الأوحدي من الناس و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به فمن ذلك نكشف جواز قصد المعنى و عدم لزومه «1».

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظلّه في مجلس البحث اجمالا بأنّ صيرورة (إيّاك نعبد) الى آخر السورة كلامه تعالى غير محتاج إلى تكلف من تقدير (قولوا) أو (قل) بل يكفي الدلالة العقلية على ذلك حيث بعد ما يعلم استحالة هذه الأدعية من اللّه تعالى إلى الغير فنعلم أنّ ذلك تعليم على العباد و إن كان في رواية ما يدلّ على أن جبرئيل قال (قل) أو (قولوا) فهو مؤيد ذلك فلا إشكال في كون هذه الآيات كلامه المنزل و لها معنى أراد اللّه تعالى منها مثل غيرها من الآيات القرآنية لأنّ القرآن نزل منه تعالى و قصد من الفاظه معانيها و كان معجزا بحسب اللفظ فإذا كان كذلك فليست صيرورة هذه الآيات كلامه تعالى إلّا على وضع ساير الآيات فمن يكون مأمورا بقراءتها فهو مضافا إلى عدم لزوم قصد المعنى له لا يمكن له قصد المعنى فيها، لأنّ المعتبر في القراءة هو كون المقروّ بقصد الحكاية عن الألفاظ المنزلة بعنوان القرآنية كما أفاده مدّ ظلّه.

فعلى هذا لا خصوصية لهذه الآيات بل لو قلنا بجواز قصد المعنى و عدم منافاته مع صدق القراءة في هذه الآيات فنقول في غيرها من الآيات و إن قلنا بمنافاة قصد القرآنية مع قصد المعنى في ساير الآيات فكذلك في هذه الآيات.

ثمّ إنّ مدّ ظلّه أجاب عن ذلك و قال ما حاصله يرجع إلى انّه إن كنا

نحن و مقتضى القاعدة في صدق القراءة فهو كما قلنا بأنّ القراءة عبارة عن حكاية الألفاظ المنزلة و جعل الحاكي قالبا لها فهذا ينافي قصد المعنى و لكن نرى في بعض الروايات الواردة في وجه تشريع فاتحة.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 174

[في نقل كلام بعض الاعاظم]

ثمّ إنّه مدّ ظلّه بيّن مطلبا استطرادا لمناسبة مع المقام و قال: ثمّ إنّه قال بعض الأعاظم من معاصرينا (هو آية اللّه الحائرى رحمه اللّه في صلاته) «1» في ضمن التكلم في قاطعية الكلام في مقام رد من يستشكل على وجوب ردّ السّلام في الصّلاة بقصد القرآنية كلاما، لا بأس بذكر كلامه و هو أنّه قال ما حاصله يرجع إلى أنّه استشكل على جواب ردّ السّلام بقصد القرآنية في الصّلاة بأنّ القراءة لا تصدق إلا إذا صدر الألفاظ من القاري بقصد الحكاية عن الألفاظ المنزلة و لا إشكال في أنّ الالفاظ المستعملة في معانيها تحكي عن هذه المعانى بحيث تكون فانية فيها فعلى هذا لا يصدق ردّ السّلام إلا إذا يوجّه المسلّم سلامه إلى المخاطب و لا يصدق على الألفاظ الّتي يقرأ بقصد الحكاية عن الالفاظ المنزلة أنّها خطاب إلى المسلّم عليه حتّى يصدق التحية و هذا الاشكال ليس من باب عدم جواز استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد لأنّه إن كان الاشكال هذا فيمكن جوابه بأنّ يقال: لا يجعل القصد إلى حكاية الكلام المنزل و القصد إلى ردّ التحية في عرض واحد في مقام إيجاد (سلام عليكم) بل يمكن جعل واحد منهما في طول الآخر بأن يتلفظ (بسلام عليكم) بقصد

______________________________

الكتاب مثل أنّه قال اللّه تبارك و تعالى: قسمت الصلاة بينى و بين عبدى فمن أوّل السورة الى جملة (إيّاك نعبد)

إنّما هو لى و جملة (إيّاك نعبد و اياك نستعين) إنما هو بينى و بين عبدى و الباقى إنّما هو لعبدى (سنن ابن ماجد) ج 2 ص 1243 ح 3784.).

عدم منافات بين صدق القراءة و الحكاية في مقام قراءة فاتحة الكتاب و بين قصد المعنى (إن قلت: فقل في ساير الآيات القرآنية بعدم مضرية قصد المعنى مع صدق القراءة قلت: بأنّه ان وجد دليل في غير الفاتحة بمثل ما ورد في الفاتحة نقول به و لكن حيث لا دليل في غيرها، فنقول في غيرها بما تقتضيه القاعدة من عدم جواز قصد المعنى (أقول: و لكن مع ذلك يمكن بعدم فرق بين الفاتحة و غيرها في هذه الجهة و لا يبعد كون الاحوط ترك القصد المعنى فتأمل). (المقرّر).

(1)- كتاب الصّلاة، ص 299.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 175

القرآنية و يكون داعيه بقصد القرآنية و ايجادها هو تحيّة الغير فيكون أحدهما في طول الآخر بل يكون الاشكال من جهة اخرى و هو أنّ (سلام عليكم) الّذي يكون قرآنا هو سلام الملائكة فهو قالب لهذه المعنى فإذا يقرئه المصلّي فقد قرء (سلام عليكم) الّذي هو كلام اللّه تعالى و هذا الكلام منه تعالى يكون معناه: سلام الملائكة لا سلام الشخص القاري بمخاطبه فهذا السّلام لا يمكن أن يكون تحية و ان قصد به معناه لأنّ معناه ليست التحية من المسلّم إلى المخاطب.

ثمّ قال بعد ذلك: و بالآخرة القول بجواز ردّ السّلام بقوله (سلام عليكم) بقصد قراءة القرآن يتوقف على جواز استعمال اللفظ في معنيين أحدها المجازي و هو اللفظ المنزل و الثاني المعنى الحقيقي و هو على تقدير جوازه غير مقصود للقائل بجواز ردّ السلام فإنّه يصرّح بتبعية قصد

الردّ و على فرض استعمال اللفظ في المعنيين يكون كلاهما في عرض واحد فترى أنّه في مقام بيان الاشكال مع قوله أوّلا بأنّ هذا الاشكال غير إشكال استعمال اللفظ في المعنيين قال بعد قوله و (بالآخرة) ما يدلّ على أنّ الاشكال في المقام هو إشكال استعمال اللفظ في المعنيين، لأنّه قال: و بالآخرة القول بجواز ردّ السّلام بقوله (سلام عليكم) بقصد قراءة القرآن يتوقف على جواز استعمال اللفظ في المعنيين فهذا محلّ النظر في كلامه.

و أيضا ما قال في دفع الاشكال بما حاصله يرجع إلى أنّ المسلّم يقصد بسلامه الحكاية عن الكلام المنزل و يقصد المحكى و هو الكلام المنزل الخطاب بالمسلّم و ردّ تحيته و لا يقصد بلفظه الصادر عن نفسه رد السّلام فعلى هذا القى اللفظ حكاية عن الكلام المنزل و قصد بالكلام المنزل ردّ السّلام فلا يوجب استعمال اللفظ في المعنيين و نظير ذلك كتابة (سلام عليكم) لشخص، فإنّ من يكتب (سلام عليكم) لا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 176

يقصد بالسلام المكتوب ردّ التحية بل السّلام المكتوب يجعله حاكيا عن الملفوظ ثمّ يجعل السّلام الملفوظ و هو المحكي سلاما و تحية بالشخص المنظور.

ليس بتمام فإنّ من يسلم بالسلام بقصد القرآنية لا يجعل الكلام المحكي جواب التحية مضافا إلى أنّ إشكال المستشكل كان من جهة اخرى و هي أنّ السّلام المحكى قصد به الخطاب إلى أشخاص اخر و بعبارة اخرى معناه شي ء آخر فكيف يمكن أن يقصد به الخطاب إلى المسلّم.

و امّا تنظيره بالسلام المكتوب فأيضا ليس بصحيح فإنّ السّلام المكتوب لا يجعله الكاتب حاكيا عن الملفوظ ثمّ يجعل الملفوظ سلاما بالمخاطب بل بنفسه يسلّم بالمخاطب و إن انتقل حين الكتابة إلى السّلام

الملفوظ فكلامه رحمه اللّه فى هذا المقام أيضا مورد النظر.

ثمّ إنّه قد يتوهم جواز جعل رد السّلام (بسلام عليكم) الّذي جزء من القرآن بنحو آخر و هو أن يقال: بأنّ الشخص في مقام ردّ السّلام يتكلم (بسلام عليكم) الّذي هو جزء سورة زمر بقصد القرآنية لكن داعيه يكون من قراءة هذه الآية من القرآن جواب السّلام و ردّ التحية و بعبارة اخرى يصحح بهذا المورد السّلام في الصّلاة أعنى: بنحو الداعي على الداعي.

لكن هذا و ان كان وجها و لكن ليس بوجيه لأنّ صدق السّلام و ردّ التحية بهذا النحو غير معلوم، لأنّ مقضى وجوب ردّ التحية و السلام هو كون اللفظ تابعا للجواب و بعنوان التحية و على الفرض لا يقصد باللفظ إلّا قراءة القرآن و ان قصد بقراءته القرآن جواب التحية و لكن هذا المقدار غير كاف في صدق ردّ السّلام فافهم.

و يظهر من الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه في المصباح توجيه صحة ردّ

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 177

السّلام بصيغتى القرآن أى: سلام عليك و سلام عليكم في بعض الموارد الّتي يشكل جواب بعنوان التحية مثل صورة ردّ جواب الصبي أو جواب من سلّم ملحونا بنحو آخر و هو أنّه قال:

فوائد الاولى الأحوط في الموارد الّتي لم يثبت وجوب الردّ فيها لبعض الشبهات الموضوعية أو الحكمية كبعض الموارد الّتي تقدمت الاشارة إليه في طى الكلمات السابقة هو الردّ بصيغتى القرآن أى: سلام عليك و سلام عليكم قاصدا به قراءة القرآن ليحصل به الردّ على سبيل الكناية من باب إياك أعنى و اسمعي يا جاره اذا الظاهر كفاية مثله في صدق اسم ردّ التحية و عدم توقفه على إرادته من اللفظ بالدلالة

المطابقية و اللّه العالم انتهي.

لا يخفي عليك أنّ في مورد الكناية يستعمل اللفظ في معناه المطابقي و يفهم اللازم مثلا إذا قال الشخص: زيد كثير الرماد استعمل لفظ زيد في معناه و كثير في معناه أيضا، و رماد في معناه أيضا، و لكن كان غرض المتكلم من ذلك انتقال المخاطب إلى لازمه و هو سخاوة زيد غاية الامر إرادة الجدية تعلقت بافهام اللازم و كانت المعنى المطابقي مرادا بالارادة الاستعمالية لا الإرادة الجدية فإن أراد في المقام هكذا بأنّ من يتلفظ (بسلام عليكم) قصد القرآنية و يستعمله في معناه الحقيقى المطابقى و كان غرضه انتقال المخاطب الى لازمه و هو ردّ تحية المخاطب فهذا لا يصدق ردّ السّلام و لا ردّ التحية فلا يمكن توجيه ردّ السّلام بقصد القرآنية بهذا النحو و إن أراد غير الكناية المصطلحة بمعنى أن يكون عرضه هو استعمال لفظ (سلام عليكم) أو (سلام عليك) بقصد حكاية القرآن و أراد منه بالارادة الاستعمالية و الجدية المعنى المطابقي أى: المعنى الّذي أراده تعالى من هذا اللفظ غاية الأمر له

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 178

إرادة على كون ذلك جوابا و تحية على المسلم مثل إياك أعنى و اسمعي يا جاره فأيضا لا يصدق عليه الجواب لأنّ التحية و عدمها دائر مدار الصدق العرفي فلا يعدّ ذلك جواب ردّ السّلام و لا التحية على الشخص فافهم.

الموضع السادس: هل القران بين السورتين يكون مكروها، أو يكون حراما
اشارة

بمعنى: عدم جوازه و بطلان الصّلاة به.

لا يخفي عليك أنّ العامة لا يقولون لا بحرمته و لا بكراهته و ما يظهر من الشيخ رحمه اللّه في النهاية «1» و الخلاف «2» هو عدم جوازه غاية الأمر يظهر من كلامه في الخلاف عدم كون المسألة من المسلمات عند

الخاصّة بل هي مورد الخلاف و المشهور بين المتأخرين «3» جوازه على كراهية.

[في ذكر الاخبار المجوز و المانعة و الجمع بينهما]

أما روايات الباب فهي مختلفة فما قيل بدلالتها على عدم الجواز هي الرواية 1 من الباب 8 من أبواب القراءة و 2 من الباب المذكور بناء على عدم كون الكراهة هي الكراهة المصطلحة و 3 من الباب المذكور بناء على كون قوله (فيقطع السورة قال: لا بأس) بالتشديد و أمّا إن كان بالتخفيف فيكون معناه فهل يقطع السورة إذا شرع فيها (قال: لا بأس) فيختار من القطع و عدمه و لازم ذلك عدم البأس بالقران بين السورتين (و تقدم الكلام في هذه الرواية في ضمن التكلم في وجوب السورة و عدمه)، و 2 و 5 و 7 من الباب المذكور بناء على كون المفهوم للقضية (و 14 بناء على حمل (لا يصلح) فيها على المنع الغير المرضي فعله و إن كانت قابلة للحمل على

______________________________

(1)- النهاية، ص 75- 76.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 336.

(3)- الجواهر، ج 9، ص 354.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 179

الكراهة لأجل التعبير بلا يصلح) و 2 من الباب 4 من أبواب القراءة من الوسائل.

و أمّا ما يدلّ من الأخبار على الجواز فهي الرواية 9 من الباب 8 من أبواب القراءة و 11 من الباب المذكور و 14 بناء على كون (لا يصلح) مشعرا بالكراهة فمقتضى الجمع العرفي حيث يكون هو الحمل على الكراهة برفع اليد عن ظهور الأخبار الناهية بنصوصية الأخبار المجوّزة في الجواز فتكون النتيجة هي الحمل على الكراهة.

و لا يقال: بأن الأخبار المجوزة حيث تكون موافقة مع العامة لكون القران جائزا عندهم فتحمل على التقية و يؤخذ بالأخبار المانعة.

لأنّا نقول مع فرض إمكان الجمع العرفي فلا

تصل النوبة إلى الترجيح بالمرجحات «1» فعلى هذا لا يبعد كون القران بين السورتين مكروها فافهم.

ثمّ إنّه بعد ما قلنا ما هو حال القران في مقام الاثبات و عرفت ذلك فكيف حاله في مقام الثبوت؟

اعلم أنّ دخله عدما في الصّلاة بناء على كون القرآن محرما قابل لأنّ يكون على أحد من النحوين في مقام الثبوت: إمّا بأن يكون إتيان سورة زائدة على سورة واحدة بنفسها من الموانع للصّلاة و إمّا بأن يكون عدم إتيان سورة ثانية من القيود للسورة الاولى بمعنى: أنّ شرط السورة الواجبة هو كونها واحدة و بشرطاللا من الزيادة و الفرق بين الاحتمالين هو أنّه على الاحتمال الأوّل لو أتى المصلّي بسورة ثانية

______________________________

(1)- أقول: مضافا إلى أنّ مفاد بعض الأخبار المجوزة هو الكراهة و الكراهة مخالف مع مذهب العامة فهم مخالفون مع كل من الطائفتين لانهم قائلون بالجواز بلا كراهة فلا معنى لترجيح احدى الطائفتين بمخالفة العامة). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 180

و تحقق القران فبطلان الصّلاة مستند الى وجود المانع و أمّا على الاحتمال الثاني فالبطلان مستند إلى فقد الشرط أى: شرط الجزء و هو السورة لا إلى المانع.

و أمّا لو التزمنا بكون القران مكروها فكيف يمكن توجيهه في مقام الثبوت.

اعلم أنّه على ما اخترنا و قلنا في بعض المباحث الاصولية بأنّه بعد كون الأمر بالصّلاة مثلا أمرا بايجاد طبيعتها و بعد كون هذه الطبيعة لها أفراد فالمكلف يختار اى فرد منها شاء فلو فرض أنّ لهذه الطبيعة أفراد يختلف بعضها مع بعض من حيث إيجاب كمال الطبيعة من بعضها الاخر أو نقص كمالها من بعض أفرادها الآخر ففي كلا الصورتين تحصل الطبيعة و يعدّ الفرد امتثالا للطبيعة و تحمل

عليه بالحمل الشائع الصناعي.

و لهذا قلنا لو صلّى مثلا مع القنوت فلا يعدّ القنوت أمرا خارجا عن حقيقة الصّلاة فالفرد من الصّلاة الّتي مع القنوت فردا منها غاية الأمر يكون أكمل من الفرد الّذي لا قنوت فيه.

و بهذا التوجيه قلنا: بأنّ ما يزاد في الصّلاة لا يعدّ خارجا منها، بل يعدّ جزئها كالقنوت.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ الصّلاة لها فردان: فرد يأتي بها مع سورة واحدة و فرد يأتى بها مع السورتين فبناء اعلى كون القرآن بين السورتين مكروها، فالفرد الّذي يأتي بسورتين يعدّ من الصّلاة و جزء إلها، و يطلق على مجموع العمل المركب من الأجزاء و الشرائط و هذه السورة الثانية صلاة غاية الأمر بعد كون القران مكروها يكون هذا الفرد المأتى به مع السورتين أقل كمالا من الفرد الآخر المأتي به مع سورة واحدة فعلى هذا تعدّ السورة الثانية أيضا جزءا الصّلاة و ليست

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 181

أمرا خارجا منها «1»

[في ان محل النزاع فى جواز القران و عدمه فى موارد ثلاثة]

اعلم أنّ محلّ النزاع في جواز القران و عدمه يحتمل أن يكون في موارد ثلاثة:

المورد الأوّل: أن يكون النزاع في أنّه هل يجوز إتيان سورة أزيد من سورة واحدة لا بعنوان الجزئية بل بقصد مطلق القرآن أم لا، فمن يقول: بالجواز يقول بجواز قراءة سورة اخرى أو أكثر بقصد القرآن و من يقول بعدمه يقول: بعدم جواز ذلك فإذا قرأ بعد الفاتحة في الصّلاة سورة القدر مثلا، ثمّ قرأ سورة التوحيد بقصد مطلق القرآن فقد تحقق القرآن.

المورد الثاني: أن يكون محلّ النزاع في جواز ذلك و عدمه بقصد الجزئية فيكون محل الكلام في أنّه بعد ما أتى المكلف بجزء الصّلاة و هو السورة بعد الفاتحة و تحقق الجزء فهل

يجوز إتيان سورة اخرى بقصد كونه جزء آخر للصّلاة و بعبارة اخرى بقصد كونها جزءا مستقلا أم لا يجوز ذلك.

المورد الثالث: أن يكون محل النزاع في ما إذا أتى بسورة ثانية لا بقصد مطلق القرآن و لا بقصد كونه جزء مستقلا بل بعنوان كونها جزء الجزء بمعنى: أنّ السورة الواجبة في الصّلاة تارة يأتى بها في ضمن سورة واحدة و تارة في ضمن سورتين فمن يقول بالجواز يقول بذلك و من لا يقول بالجواز لا يقول به.

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه: بأنّه و إن تمّ ما أفدت من أن بعض ما يأتي به في أثناء الصّلاة ممّا ليس داخلا في حقيقتها و يكون خارجا عن طبيعتها لكن يوجب كمالا في الفرد يعدّ جزء للصّلاة كالقنوت فلا يمكن أن يقال بذلك في ما نحن فيه لأنّ السورة الزائدة تصير موجبا لأقلية ثواب الفرد الّذي واجدا لهذه الزيادة عن الفرد الفاقد لها، فكيف تعدّ هذه السورة جزء للصّلاة ففي مقام الجواب عن هذا الاشكال و بيان توجيه كون محل النزاع في جواز القران و حرمته في أىّ مقام قال مدّ ظلّه: اعلم أنّ محلّ النزاع ... الخ (كما فى المتن). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 182

اعلم أنّ كون محلّ النزاع في الصورة الاولى بعيد و إن نقل في الجواهر «1» و المصباح بأنّ بعضا جعل محل النزاع في تلك الصورة لأنّه لا يستفاد ذلك من أخبار الباب، و كذلك الصورة الثانية.

و ما ينبغي أن يقع محل النزاع هو الصورة الثالثة لأنّ الظاهر من الأخبار هذه الصورة، لأنّ ظاهر (قوله لا قرآن بين السورتين) أو (لا تقرن بين السورتين) و غيرهما هو هذه الصورة لأنّ الظاهر منها

هو أنّه لا يجوز القران أو يكره القرآن، بعد جمعها مع الأخبار المجوزة، بين السورتين، و بعد كون السورة الاولى جزء للصّلاة إذا أتى المكلف بها بقصد الجزئية، فإذا (قال لا قران بين السورتين) يكون معناه عدم إتيان السورة الثانية بقصد الجزئية يعنى: لا يجوز إتيان سورتين بقصد الجزئية، و بعبارة اخرى يكون المستفاد من الأخبار هو أنّ ما هو الجزء يكون سورة واحدة لا أكثر من ذلك فافهم.

الموضع السابع [عدم جواز قراءة شي ء فى الفرائض من سور العزائم]
اشارة

: قال في الشرائع «2»: لا يجوز أن يقرأ في الفرائص شيئا من سور العزائم.

اعلم أنّ بين المسلمين خلافا في وجوب السجدة عند قراءة آيات السجدة من القرآن، فقال أبو حنيفة من العامة: بوجوب السجدة عند قراءة كل آية من آيات السجدة من القرآن، و قال الشافعى: بعدم وجوب السجدة فيها أصلا.

و أمّا المعروف بين أصحابنا. و هو وجوب السجدة فى أربع مواضع منها، عند قراءة آية السجدة من الم تنزيل المتصلة بسورة لقمان، و حم تنزيل، و و النجم، و اقرا

______________________________

(1)- الجواهر، ج 9، ص 358.

(2)- الجواهر، ج 9، ص 343.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 183

باسم، و مسنونة فى إحدى عشر منها، و يتمسكون بقول علي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عزائم الآيات أربع، و وجه التعبير بالعزيمة هو كون السجود عند قراءتها واجبة، و لأجل هذا يقال بالسورة الّتي فيها آية السجدة: بأنّها السورة العزيمة.

ثمّ إنّ العامة لم يمنعوا من قراءة شي ء منها في الصّلاة فريضة كانت أو نافلة حتى من يقول بوجوب السجدة عند قراءتها، و المعروف عندنا جماعة الخاصّة عدم جواز قراءتها في الصّلاة الفريضة و أمّا فى النافلة فلا بأس بها فيها،

[في ذكر الروايات الواردة فى الباب]

فنذكر أوّلا الأخبار الراجعة إلى الباب، ثمّ نبين ما هو الحق في المقام إنشاء اللّه فنقول بعونه تعالى: بأنّ صاحب الوسائل ذكر أخبار الباب فى أبواب أربعة:

الرواية الاولى: و هي ما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة قال: يسجد ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب يركع و يسجد). «1»

قد يتوهم كون الرواية دالة على جواز قراءة العزيمة في النافلة و كذا في الفريضة و لو

بالإطلاق و لكن يمكن منعه لعدم كون السائل و المجيب عليه السّلام في مقام السؤال و الجواب عن أصل الحكم أعنى جواز قراءة السجدة و عدمه حتّى يقال بان لها الاطلاق بل الرواية واردة مورد حكم الاخر و هو انّه لو قرء آية السجدة الواقعة في آخر السورة ما يصنع و كان الجواب عن هذه الجهة فالمتيقن من الرواية هو النافلة.

الرواية الثانية: الرواية الّتي نقلها الشّيخ رحمه اللّه في التهذيب و هي ما رواها سماعة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 37 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 184

قال من قرء اقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع قال و ان ابتليت بها مع امام لا يسجد فيجزيك الايماء و الركوع و لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع) و قطعها صاحب الوسائل رحمه اللّه فذكر قطعة منها في الباب 37 و قطعة منها في الباب 40 فراجع و يمكن منع الاطلاق للرواية يشمل الفريضة بقرينة الذيل (و لو فرض إطلاق لها فيقيد بقرينة بعض ما يدلّ على لمنع في الفريضة).

الرواية الثالثة: و هي ما رواها وهب بن وهب عن ابى عبد اللّه عن ابيه عن علي عليه السّلام (انه قال إذا كان آخر السورة السجدة اجزاك أن تركع بها). «1»

هذه الرواية أيضا لا إطلاق لها يشمل الفريضة لكونها في مقام بيان حكم آخر و هو جواز ترك السجد إذا كانت آية السجدة آخر السورة فحيث لم يكن في مقام بيان أصل حكم جواز قراءة آية السجدة في الصّلاة فلا إطلاق لها من هذا الحيث فقدر المسلم منها هو النافلة.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها

ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال ان صليت مع قوم فقرأ الامام اقرا باسم ربك الّذي خلق أو شيئا من العزائم و فرغ من قراءته و لم يسجد فاوم ايماء و الحائض سجد إذا سمعت السجدة). «2»

لا يستفاد من هذه الرواية جواز قراءة شيئا من العزائم في الفريضة بل تكون متعرضة لحكم آخر و هو انّه أن اتفق الاقتداء بامام مخالف لاجل التقية و الدخول في جماعة المخالفين ثمّ من باب الاتفاق قرء امامهم سورة السجدة و سمعت انت و لم تكن متمكنا من السجدة لكون ذلك خلاف مذهبم فاوم ايماء ثمّ بعد ذلك بين عليه السّلام حكما

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 37 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 38 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 185

آخرا و هو ان الحائض إذا سمعت آية السجدة تسجد و ليس الحيض مانعا من ذلك.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال و عن الرجل يصلّي مع قوم لا يقتدي بهم فيصلي لنفسه و ربما قرءوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها كيف يصنع قال لا يسجد). «1»

هذه الرواية غير مربوطة بما نحن فيه بل متعرضة لحكم آخر كسابقها.

الرواية السادسة: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن احدها (قال سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد قال يسجد اذا ذكر إذا كانت من العزائم). «2»

هي في مقام بيان حكم آخر و ليست في مقام بيان أصل جواز قراءة آية السجدة و عدمه، حتّى يقال ان لها إطلاق يشمل الفريضة لانها في مقام بيان

حكم ناسي السجدة فاجاب عليه السّلام يسجد إذا ذكر إذا كان من العزائم و امّا قراءتها جائزة فيها أم لا فلا تفرض لها.

الرواية السابعة: و هي ما رواها زرارة عن احدها: (قال لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم فإنّ السجود زيادة في المكتوبة). «3»

الرواية الثامنة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن اخيه (قال سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أ يركع بها أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها قال

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 38 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 39 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 40 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 186

يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع و ذلك زيادة في الفريضة و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة). «1»

الرواية التاسعة: و بالاسناد (قال و سألته عن امام يقرأ السجدة فاحدث قبل ان يسجد كيف يصنع قال يقدم غيره فيسجد و يسجدون و ينصرف و قد تمت صلاتهم). «2»

و رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر: على ما في التهذيب لكن بهذا النحو (قال سألته عن امام قرأ السجدة فاحدث قبل ان يسجد كيف يصنع قال يقدم غيره فيتشهد و يسجد و ينصرف هو و قد تمت صلاتهم).

هذا كله الروايات في المسألة فنقول بعونه تعالى انّه كما قلنا في صدر المبحث لم ير من القدماء من افتى بالجواز في المسألة إلا ما نقل عن الاسكافي من جواز ذلك و ان يظهر من بعض توجيه كلامه فالمشهور بين القدماء هو عدم جوازها و ادعى عليه الاجماع و كما

بينا غير مرة يكون مراد القدماء قدس سرّه من الاجماع النص عن المعصوم عليه السّلام لا بعض ما اصطلح عند المتأخرين من الاجماع، و أيضا ما قال صاحب «3» الجواهر رحمه اللّه من انّه لم يظهر من القدماء من يقول بحرمة قراءة سور العزائم في الصّلاة وضعا بل ظاهر كلامهم هو الحرمة التكليفية لا الوضعية ليس في محله لانّ الظاهر من الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف من وضع استدلاله هو الحرمة الوضعية و بطلان الصّلاة بقراءتها لانه استدل على حرمته بالنص و بأن مقتضى الاشتغال بالصّلاة هو

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 40 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 40 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الجواهر جلد 9 صفحه 364.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 187

عدم قراءتها فيها فالظاهر من هذا الاستدلال أعنى الاشتغال هو كون قراءتها موجبا لعدم العلم بالفراغ عن الصّلاة لاحتمال كونها سببا لبطلان الصّلاة بها فافهم.

[فى ذكر الروايات المذكورة على عدم الجواز]
اشارة

إذا عرفت ذلك فتكلم في ما يمكن ان يستدل به من الروايات المذكورة على عدم الجواز:

منها الرواية الثانية و هي ما رواها سماعة و ذكرها الكليني رحمه اللّه و نقل عنه الوسائل غاية الأمر قطعها قطعتين قطعة منها ذكرها في الباب 37 و قطعة منها في الباب 40 و هي متعرضة لاحكام ثلاثة:

الأوّل ان من قرء اقرأ باسم ربك الّذي خلق يسجد إذا ختمها و اذا قام من السجود يقرأ فاتحة الكتاب و ليركع.

الثاني انّه إذا ابتلى الشخص بجماعة العامة و قرء الامام سورة السجدة و هو يسمع، و الحال انّه لا يسجد يكفي الايماء بدل السجدة و يركع لعدم تمكنه من السجدة فى هذا الحال لكون السجدة خلاف

مذهبهم كما قلنا في صدر المبحث.

الثالث ان جواز قراءة سورة السجدة في خصوص الصّلاة التطوع و لا يجوز قراءة اقرأ باسم في الصّلاة الفريضة و لا إطلاق لصدر الرواية اعنى ما يفيد حكم الأوّل بحيث يشمل الفريضة لكونه متعرضا لحكم آخر، و هو انّه لو قرأ اقرأ باسم يسجد يقرأ الفاتحة ثمّ يركع؛

و ان قلت بانّه يستفاد من الفقرة الثانية كون مورد حكم الصدر هو الفريضة لأنّ الفقرة الثانية تعرضت لتكليفه في الجماعة و الجماعة في الفريضة فهذا شاهد على كون مورد فرض الصدر من الرواية هو الفريضة أيضا.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 188

نقول اما أوّلا فمن المحتمل عدم كون كل واحد من الفقرات الثلاثة من الرواية متصلا بالآخر لاحتمال ان السائل سئل سؤالات منفصلة ثمّ جعلها في مقام النقل فصارت متصلة كل سؤال بالآخر.

و ثانيا يحتمل عدم كون صلاة الجماعة في الفقرة الثانية فريضة بل تكون نافلة لأنّ المفروض كون الجماعة من العامة و هم يجوّزون الجماعة في النافلة.

و ثالثا بان الفقرة الثالثة المصرحة فيها بالفرق بين النافلة و الفريضة و جواز قراءتها في الاولى و عدمه في الثانية شاهد على كون مورد حكم الصدر اى الفقرة الاولى هو النافلة إذا عرفت ذلك يستفاد من الذيل، عدم جواز قراءتها في الفريضة و امّا الرواية الثامنة الّتي رواها في قرب الاسناد عن علي بن جعفر و رواها في التهذيب مع اختلاف في المتن و يكون متن قرب الاسناد اجود و نقل التهذيب مضطربا تكون صدرها بحسب الظاهر منافيا مع الذيل لانه مع التصريح بان يسجد إذا قرأ العزيمة في الفريضة، قال في ذيلها و ذلك زيادة في الفريضة و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة.

وجه

التنافي انّه مع تجويز السجدة في الصدر يقول في الذيل بان السجدة زيادة في الفريضة و لا يعود و من جملة ما يدلّ على عدم جواز قراءة العزيمة بل عمدتها هي الرواية السادسة و هي ما رواها زرارة و ظاهرها على النهي من قراءة العزيمة في المكتوبة معلّا بان السجدة زيادة في المكتوبة

[فى الاحتمالات فى الرواية/ الاول]

و في الرواية احتمالات:

الاحتمال الأوّل: ان يكون النهي هو النهي الوضعي أعنى بطلان بمجرد قراءة سورة العزيمة أو آيتها فبمجرد قراءتها تبطل الصّلاة فعلى هذا تكون قراءة سورة العزيمة أو آيتها الخاصّة من جملة موانع الصّلاة فيكون النهي ارشاد إلى الفساد.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 189

[فى الاحتمال الثاني و الثالث و الرابع]

الاحتمال الثاني: ان يكون النهي النهي الوضعى و ارشاديا لكن يكون ارشاد إلى عدم قابلية صيرورة صورة العزيمة جزء للصّلاة و لازم ذلك هو انّه لو اكتفي بسورة العزيمة فلم يأت بجزء من الصّلاة و هو السورة لأنّ مقتضى هذا النهي هو عدم قابلية سورة العزيمة لصيرورتها جزء و لكن لو قرء بعضها فعدل عنها و قرء سورة اخرى فلا تبطل صلاته بناء على جواز العدول و عدم حرمة القرآن بين السورتين فالفرق بين الاحتمال الأوّل و الثاني واضح

الاحتمال الثالث: ان يكون النهي نهيا تحريميا لا وضعيا، بمعنى انّه يحرم قراءة سورة العزائم في الصّلاة، غاية الأمر يكون ملاك تعلق النهي به هو كون قراءة العزيمة مستلزما اما لترك واجب و هو السجدة، و امّا فعل حرام و هو ابطال الصّلاة بسبب وقوع الزيادة و هو السجدة بقرينة العلة، و يقال بفساد الصّلاة في هذه الصورة من باب ان النهي من جزء العبادة يوجب فساد العبادة به، ففي هذه الصورة يكون فساد الصّلاة و عدمه دائرا مدار القول بان النهي في العبادة يوجب فساد العبادة أم لا، و يكون بطلان صلاته من باب عدم كون هذه الصّلاة مقربة، و يكون ملاك التحريم ما قلنا من ان العلة و هو قوله عليه السّلام (فان السجود زيادة في المكتوبة) تفيد ان قراءتها حيث يوجب ابتلاء المكلف اما بترك السجدة الواجبة

لو تركها إذا قرئها و لم يسجد و امّا بفعل السجدة إذا قرئها و سجد فيبتلى باتيان الزيادة و ابطال الصّلاة و هو محرم فيدور امره بين فعل محرم أو ترك واجب فلهذا حرّم على المكلف قراءتها في الصّلاة.

الاحتمال الرابع: هو ان يكون النهي نهيا ارشاد يا لكن لا ارشاد إلى مانعية سور العزائم كما كان مفاد الاحتمال الأوّل، و لا ارشاد إلى عدم قابليتها، لأنّ تصير جزء لها كما هو مفاد الاحتمال الثاني، بل يكون ارشاد إلى امر آخر، و هو انّه إذا قرء

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 190

العزيمة في الصّلاة يبتلى القارى اما بترك الواجب لو قرئها و لم يسجد، و امّا بفعل المحرم و هو ابطال الصّلاة لو سجد، فانّه إذا سجد فالسجدة زيادة و الزيادة مبطل، و لا يجوز ابطال الصّلاة، و هذا يستفاد من العلة المذكورة، لانه علل النهي بان السجدة زيادة في المكتوبة، و الفرق بين هذا الاحتمال و الاحتمال الثالث هو انّه في الاحتمال الثالث يقال بحرمة القراءة تكليفا و كان بطلان الصّلاة بناء عليه لاجل عدم كون الصّلاة مع هذه السورة مقربة و لو لم يسجد سجدة التلاوة، و لكن بناء على هذا الاحتمال لا تصير الصّلاة فاسدة إلا إذا قرء العزيمة و سجد سجدة التلاوة في الصّلاة لصيرورة ذلك زيادة في المكتوبة، و لكن لو قرئها و لكن عصى و لم يأت بالسجدة فلا تبطل صلاته (بل لو قيل في الاحتمال الثالث بان النهي يكون تحريميا و متعلقا بالسورة، بمعنى انّه كانت قراءة العزيمة محرما فبمجرد قراءة بعضها و لو لم تقرأ آية السجدة تبطل صلاته لصيرورة البعض المقرو من السورة لأن لا يكون العمل

اى الصّلاة مقربة، و هذا بخلاف الاحتمال الرابع فانّه بعد كون النهي ارشاد إلى ان قراءة العزيمة توجب ابتلاءك بأحد الأمرين المذكورين فلو قرء بعض السورة ثمّ رفع اليد عنها لا تبطل الصّلاة بقراءة هذا البعض).

الاحتمال الخامس:

هو ان يقال بعد كون وضع العامة خارجا هو قراءة العزيمة في الصّلاة و السجدة متى قرءوها، فيقال: بأنّ النهي عن قراءة العزيمة و إن كان إرشاديا، و لكن يكون إرشادا بأنك إذا قرأت لا تسجد، و بعبارة اخرى لا تقرأ فإنّك إن قرأت لا تسجد، و بعبارة ثالثة يكون النهي إرشادا إلى عدم إتيان السجدة في الصّلاة إذا قرء الشخص العزيمة، لأنّ السجود زيادة في المكتوبة (فعلى هذا الاحتمال تكون هذه الرواية مخصصا لما دلّ على وجوب السجدة فورا حين تلاوة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 191

آية السجدة) و هذا الاحتمال بعيد.

[في ذكر مقدّمات ثلاث فى الاحتمال الثالث و الرابع و الخامس]

إذا عرفت هذه الاحتمالات الخمسة نقول: أمّا الاحتمالات الثلاثة المتأخرة أعنى: الثالث و الرابع و الخامس، فهي احتمالات لا تناسب الرواية أصلا، توضح ذلك يحصل بمقدمات:

المقدمة الاولى: أنّ الظاهر من الأمر باتيان شي ء في العبادة، أو النهي عن فعل شي ء فيها هو كون ذلك الشي ء دخيلا فيها وجودا أو عدما، بمعنى جزئيته أو شرطيته أو مانعيته، مثلا إذا قال (اركع في الصّلاة) أو (لا تتكتف فيها) فالظاهر من الأوّل كون الأمر إرشادا إلى جزئية الركوع لها، و كون الثاني إرشادا إلى كون التكتف مانعا لها.

المقدمة الثانية: لا إشكال في أنّ الظاهر ممّا أخذ في العبادة مثلا في الصّلاة قيدا بنحو الجزئية أو الشرطية أو المانعية، هو كونه مأخوذا في طبيعة العبادة، مثلا إذا قال (لا تتكتف في الصّلاة) فالظاهر منه كون طبيعة الصّلاة مقيدة بعدمها، و كون التكتف مانعا عن حصول طبيعتها.

المقدمة الثالثة: أنّ وزان حرمة قطع الصّلاة ليس وزان الأجزاء و الشرائط و الموانع من حيث ما تقدم في المقدمة الثانية، بمعنى أنّ حرمة القطع لا تتعلق بطبيعة الصّلاة، بل ما

هو متعلق حرمة القطع هو الفرد ليس إلّا، لأنّ المحرم قطع العمل، و هو ليس إلّا الفرد لا الطبيعة، فطبيعة الصّلاة غير مقيدة بعدم القطع بحيث يكون القطع كأحد الموانع لطبيعتها بحيث لا يمكن تحقق الطبيعة بعدها، بل الحرمة تعلقت بفرد، فإذا شرع و صار في مقام امتثال الطبيعة باتيان فرد، فالنهي متعلق بالفرد بمعنى أنّه إذا قطع الفرد الّذي شرع فيه، فهذا الفرد غير قابل لأنّ يصير فردا و ارتكب فعلا محرما،

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 192

فمورد تعلق حرمة القطع هو الفرد لا الطبيعة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ ظاهر الرواية المتقدمة، أعنى: رواية زرارة، هو تعلق النهي بطبيعة الصّلاة، فقوله عليه السّلام (لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم) يكون مثل ساير النواهي المتعلقة بطبيعة الصّلاة، مثل أن يقول (لا تتكتف) أو (لا تتكلم) فكما أنّ غيرها ظاهر في الارشاد إلى كون متعلق النهي مانعا لطبيعتها، كذلك (لا تقرأ في المكتوبة) يكون إرشادا إلى كون ذلك مانعا لطبيعة الصّلاة، و كون طبيعتها مقيدة بعدمها، و علل ذلك بعلّة و هو أنّ السجود زيادة في المكتوبة، فيكون المراد هو الارشاد إلى أنّه لو قرأت العزيمة في الصّلاة، فحيث أنّ قراءتها ملازم للازم شرعي و هو السجود، لأنّه واجب فورا شرعا إذا قرئها، و إذا سجد توجب السجدة الزيادة، فلا تقرأ حتّى تبتلي بالمانع، و هو الزيادة في الصّلاة فعلى هذا ظهر لك ممّا قلنا أمران:

الامر الأوّل: أنّ ظاهر الرواية هو الارشاد إلى أنّ قراءة العزيمة من باب استلزامه للسجدة، و هي الزيادة في الصّلاة، صارت متعلق النهي، فما هو المانع للصّلاة هو إتيان السجدة لا نفس قراءة العزيمة، و اثره فساد الصّلاة لو أتى بالسجدة

بعد قراءتها، و أمّا لو قرئها و لم يأت بالسجدة إمّا نسيانا أو عصيانا فلا تبطل الصّلاة

الامر الثاني: ظهر لك أنّ الاحتمال الثالث و الرابع لا يمكن استظهارها من الرواية لأنّ الاحتمال الثالث هو كون النهي إرشادا إلى أنّ قراءتها موجبا لابتلاء المصلّي بأحد الأمرين: إمّا ترك السجدة الواجبة، و إمّا فعل المحرم و هو قطع الصّلاة، و على الاحتمال الرابع كان منشأ الحرمة التكليفية المتعلقة بقراءتها هو ابتلائه بأحد الأمرين، و مما بينا ظهر لك أن حرمة القطع حيث يكون متعلقا بالفرد لا بطبيعة الصّلاة، و ظاهر الرواية كون متعلق النهي طبيعتها، فلا وجه لحمل العلة المذكورة في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 193

الرواية على الارشاد بابتلائه إمّا بقطع الصّلاة أو بترك الواجب، لأنّ حرمة القطع غير متعلقة بطبيعة الصّلاة، و الرواية تنهي عن قراءة العزيمة في طبيعتها، فلا بدّ من كون النهي فيها إرشادا إلى ما يفسد الطبيعة لا الفرد، مضافا إلى أنّ الظاهر من الرواية هو كونها في مقام بيان المانعية السجدة، لا الارشاد إلى حرمة قطعها. «1»

و أمّا الاحتمال الخامس، فمضافا إلى بعده في حدّ ذاته، لكونه خلاف الظاهر نقول: بأنّه إن كانت الرواية ناظرا إلى عمل المسلمين خارجا من بنائهم على قراءة سور العزائم و إتيان السجدة عقيبها فكان النهي إرشادا إلى عدم إتيان السجدة عقيب قراءتها في الصّلاة، و كان مفاد الرواية في الحقيقة هو أنّه اترك السجدة في الصّلاة، لا أن يكون قراءتها منهيا عنها، لأنّه لو كان النهى عن قراءتها لكان اللازم ان لا يختص الحكم بخصوص سور العزائم، لأنّ العامة إن أوجبوا السجدة أوجبوها في جميع سور السجدة، و ان استحبوا استحبوها في الجميع، فلا

وجه لاختصاص النهي بالعزائم أعنى: خصوص السور الاربع، فمن هنا نفهم عدم كون نظر المعصوم عليه السّلام الى الاحتمال الخامس:

الاحتمال السادس:

و ممّا بينا لك يظهر أنّ في المقام احتمالا سادسا، و هو ما ذكرنا من كون النهي في

______________________________

(1)- أقول: أمّا ما ذكر مدّ ظلّه من كون حرمة القطع متعلقة بالفرد لا الطبيعة لم يكن خاليا عن الاشكال، لأنّ القطع كالتكتف و آمين و غيرهما ممّا يكون محرّما في طبيعة الصّلاة، غاية الأمر يبطل بسببه الفرد، كما أنّ ساير القواطع هكذا، نعم الظاهر من الرواية هو الارشاد إلى أنّ قراءتها يوجب إيجاد مانع في الصّلاة و هو السجدة، لا أن يكون إرشادا إلى ابتلاء المصلّي إما بترك الواجب أو بفعل المحرم.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 194

رواية زرارة المتقدمة إرشادا إلى المانعية أعنى: مانعية السجدة للصّلاة لا مانعية العزيمة، و أنّك لا تقرأ العزيمة لأنّ لها لازم شرعى و هو السجدة، و السجدة مانع للصّلاة، و ظهر لك بأنّ الاحتمال الثالث و الرابع و الخامس لا يمكن الأخذ بها.

و يظهر لك ممّا مر أنّه لا وجه لاحتمال الأوّل و الثاني أيضا، لأنّ ظاهر الرواية هو كون قراءة العزيمة موجبا للفساد لأجل السجدة، لا أنها لا تصير جزء للصّلاة و أنّ الرواية ترشد إلى فساد الصّلاة، لا إلى عدم قابلية العزيمة لأنّ تصير جزء و كذلك الاحتمال الأوّل، لأنّ في الاحتمال الأوّل كان البناء على حمل الرواية على كون نفس العزيمة مانعا لما قلنا من أنّ الظاهر كون السجدة موجبا للفساد، فهي المانع لا نفس العزيمة.

و يظهر من بعض الاعاظم (المراد شيخنا آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) «1» اختيار كون لسان الرواية هو الحرمة التكليفية، فقوله (لا

تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم) يريد حرمة قراءتها، غاية الأمر ذكر علّة الحرمة و هو كون السجدة زيادة في المكتوبة، فالعلة علّة للتحريم لا للفساد، و لهذا نقول كلما يوجب السجدة يكون محرّما بالحرمة التكليفية، و أمّا فساد الطبيعة بقراءتها فلا نقول بمقتضى الرواية، بل نقول: بأنّه بعد كون قراءتها محرمة بالرواية، فنقول بفساد الصّلاة بقراءتها، لأجل أنّ الكلام المحرم ماح لصورة الصّلاة، أو لدعوى الاجماع على ذلك فعلى هذا نقول بالتفصيل، فنقول: إذا قرء المصلّي العزيمة عمدا تبطل الصّلاة بها، لأجل كونها ماح لصورتها و لو لم يسجد بعدها، و نقول في صورة الاسماع و السماع بعدم بطلان الصّلاة بمجردها. «2»

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 164 و 165.

(2)- أقول: تعرض سيدنا الاعظم آية اللّه العظمى مدّ ظله العالى لكلامه رحمه اللّه و لكن لم يجب

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 195

ثمّ بعد ذلك كله هل نقول: بكون ظاهر الرواية، مع العلة المأخوذة فيها، هو كون نفس قراءة العزيمة مانعا و إن لم يتعقبها السجود، فتفسد الصّلاة بمجرد قراءتها، أو نقول: بأنّ الظاهر منها هو كون السجدة مانعا و الرواية فى مقام الارشاد بهذا، فعلى هذا لو قرء العزيمة و لم يسجد لم تبطل صلاته، و إن قرئها فسجد بعدها تبطل الصّلاة، لأنّ السجود زيادة في المكتوبة

اعلم أنّ الاحتمال الأوّل و إن كان احتمالا، لكن ما يستظهر من الرواية الاحتمال الثاني، أعنى: كون النهي في الرواية إرشادا إلى مانعية السجدة للصّلاة

[في ذكر وجوه أربعة فى الباب]
اشارة

ثمّ إنّه يظهر من كلام بعض من الفقهاء قدس سرّه الالتزام بفساد الصّلاة بمجرد قراءة العزيمة و إن لم تتعقبها السجدة ببعض وجوه اخرى:

الوجه الأوّل: هو أنّ قراءة العزيمة

ليست من الكلام الّذي يجوز في الصّلاة فعلى هذا يفسد بها الصّلاة، لأنّ الكلام عدا ما استثنى مفسد للصّلاة.

الوجه الثاني: أنّ ذلك فعل كثير، و فعل الكثير مبطل الصّلاة.

الوجه الثالث: أنّ ذلك ماح لصورة الصّلاة شرعا.

الوجه الرابع: هو أنّه بعد كون المراد من الصحة هو موافقة الأمر فيقال: إنّ

______________________________

عنه، و لكن أقول في جوابه رحمه اللّه بما استفدت من مطاوي كلامه مدّ ظلّه العالي، و هو أنّه نقول اما أوّلا لما اسلفنا من أنّ الظاهر في أمثال هذا النحو من النواهي هو الارشاد إلى مانعية المنهي عنه للمركب، و أمّا ثانيا فلأنّ خصوصية المورد تشهد على عدم كون النهي تحريميا، لأنّ الظاهر من العلة هو كون منشأ النهي كون السجدة زيادة في المكتوبة، و هذا صريح في كون النهي للارشاد، فلو فرض بأنّا لم نقل في أمثال هذه النواهي بأنّها ظاهرة في الارشاد إلى المانعية، ففي خصوص المورد يكون ظاهر العلة كون النهي للارشاد. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 196

قراءة العزيمة في الصّلاة موجب للأمر بالسجدة، و مع الأمر بالسجدة يكون المصلّي مأمورا بابطال الصّلاة، و مع الأمر بابطالها لا يمكن له موافقة الأمر بوجوب المضى في الصّلاة، فلا توصف صلاته بالصحة، لأنّ الصحة موافقة الأمر و على الفرض لا يكون مأمورا بالمضى، بل يكون مأمورا بالسجدة، و مع الأمر بالسجدة مأمور بابطال الصّلاة، فلا يمكن له موافقة الأمر بالمضى في صلاته و إتمامه، و بعد عدم هذا الأمر لا تقبل الصّلاة للصحة، و هذا معنى فسادها، لأنّ معنى الفساد ليست إلّا عدم الصحة، فلأجل هذا يقال: بفساد الصّلاة بقراءته العزيمة و إن لم يتعقبها بالسجدة.

و في كل الوجوه نظر: أمّا في الوجه الأوّل

فلأنّ القرآن ليس من الكلام المحرم إلّا أن يدلّ دليل خاص على كون خصوص قراءة العزيمة محرمة، و هذا غير الاستدلال بهذا الوجه، أمّا في الوجه الثاني فواضح، لأنّه ليس ذلك من فعل الكثير المبطل، أمّا في الوجه الثالث فإن كان المراد من قولك هو أنّ قراءته العزيمة ماح لصورة الصّلاة عرفا، فواضح عدم عدّ ذلك عند العرف ماح لها، و إن كان المراد كونها ماح لصورتها شرعا، فلا نفهم معناه، لأنّ الصورة ليست ممّا يتصرف فيها الشرع (بل الشرع لا يبين إلّا ما يكون دخيلا في المأمور به وجودا أو عدما، فإنّ عدّ العزيمة مانعا فتبطل الصّلاة بها و إلّا فلا، و مع قطع النظر من بعض الروايات الّذي يكون الكلام الآن فيه و في دلالته، لا دليل على كون نفس العزيمة مانعا)

[في ذكر الامور فى الوجه الرابع]
اشارة

أمّا في الوجه الرابع فالمراجع بالكلمات يجد أنّ بعض الفقهاء من المتأخرين قدس سرّه و المعاصرين أجابوا عن هذا الوجه بوجوه:

الامر الأوّل:

إنّا لا نسلم أوّلا وجوب السجدة حتّى في هذا المورد، و ثانيا لا نسلم وجوب السجدة عند تلاوة آية السجدة فورا حتّى في ما قرائت العزيمة في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 197

الصّلاة، فبعد عدم وجوبها فورا فلا يوجب ما ذكر من المحظور في الاستدلال، لأنّ ذلك فرع الأمر بالسجدة فورا في الصّلاة، و نحن لا نسلم ذلك.

(و فيه أنّ السجدة واجب حتّى في هذا الحال، و وجوبه فورا واضح، و الشاهد على ذلك قوله عليه السّلام (فإنّ السجود زيادة في المكتوبة) في رواية زرارة، فإنّ لم تكن السجدة واجبة في صورة قراءة العزيمة في الصّلاة أو لم يكن وجوبها فوريا لما تصح العلّة).

[في ذكر الامر الثاني و الثالث]

الامر الثاني: أنّ السجدة في صورة قراءة العزيمة في الصّلاة إمّا تكون واجبة أولا، فإنّ كانت واجبة فلم تكن محرمة و لم تبطل الصّلاة بها، و إن لم تكن واجبة فلا يأتى بها فلا تصير قراءة العزيمة موجبا لفساد الصّلاة، فلا وجه لما قلت من أنّها توجب فساد الصّلاة بتوهم استلزام قراءتها الأمر بالسجدة و مع هذا الأمر يكون المصلّي مأمورا بابطال الصّلاة، و بعد عدم وجوب السجدة لا يترتب هذا المحظور.

الامر الثالث: أنّ ما قلت في الاستدلال من ان قراءة العزيمة موجب لفساد الصّلاة، لأنّ مع قراءتها يصير المصلّي مأمورا باتيان السجدة، و لازم ذلك النهي عن المضى في الصّلاة و هذا متفرع على كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهي عن ضده، و هذا ممنوع، مضافا إلى أنّه لو قلنا بأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده نقول: بامكان المضى في الصّلاة و عدم بطلانه بمجرد الأمر بضده و النهي عنه إمّا بكفاية الملاك و إمّا على الترتب.

هذا كله ما قيل

في جواب هذا الاستدلال، و ما يقتضي التحقيق في الجواب بدون حاجة إلى ما قيل هو ما أشرنا في طى كلماتنا، و هو أنّ ما تعلق به الأمر هو طبيعة الصّلاة، لأنّها هي الّتي لاحظها المولى باعتبار المصالح الكامنة فيها، و صارت

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 198

مورد الأمر و ليست الأفراد مركب الأمر و متعلقه، و لهذا لسنا مأمورين إلّا بايجاد الطبيعة، غاية الأمر لا يمكن إيجادها إلّا في ضمن الفرد، و لكن الخصوصيات الشخصية غير دخيلة في غرض المولى، و غير واقعة تحت الأمر، فما تعلق به الأمر هو طبيعة الصّلاة، فعلى هذا نقول: بأنّ الفرد من الصّلاة الّتي يختاره المكلف في مقام الامتثال ليس مورد الأمر أصلا، فإذا شرع المصلّي في الصّلاة فما لم يتم صلاته يكون الأمر بالطبيعة باقيا، و ليس أمر متعلقا بالفرد يدلّ على وجوب إتمام هذا الفرد، بل الأمر بالطبيعة يدعوا نحو الطبيعة حتّى يمتثلها المكلف، فلو قطع الفرد و تركه و لم يتمه فالأمر بالطبيعة باق بحاله.

فيظهر لك ممّا ذكر بأنّه ليس أمر متعلقا بالفرد حتّى تصير قراءة العزيمة الموجبة للامر بالسجدة الموجبة للأمر بابطال الصّلاة بقول المستدل، موجبا لعدم بقاء الأمر بمضى الصّلاة الموجب لعدم ترتب الصحة، و هو معنى الفساد، لما قلنا من أنّ الأمر لم يتعلق إلّا بطبيعة الصّلاة، فمعنى الصحة موافقة المأتى به لهذا الأمر، فلو أتى بالفرد موافقا لنحو صارت الطبيعة مأمورا بها بحيث يكون جامعا لما أخذ فيها وجودا و عدما، فيترتب عليه الصحة، بمعنى أنّ به حصلت موافقة الأمر بالطبيعة، و لو لم يكن الفرد كذلك لا يترتب عليه الصحة، و هذا معنى الفساد، لا أن يكون أمرا بالفرد و

كانت الصحة عبارة عن موافقة هذا الأمر حتّى يقال: بأنّ مع الأمر بالسجدة لا تترتب الصحة و تكون الصّلاة فاسدة لعدم بقاء الأمر بالمضى في هذا الفرد من الصّلاة، حتّى يقال: بأنّ مع الأمر بالسجدة يلزم إبطال الصّلاة المنافى مع الأمر بالمضى، لما بيّنا من أنّ الأمر تعلق بالطبيعة لا بالفرد، فلو أتى بالفرد امتثل الأمر بها، و إلّا فلا، و الأمر بها باق بحاله، فلو قرء العزيمة و أتى بالسجدة لم يتمثل أمر الصّلاة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 199

فلا مجال، لأنّ يقال بأن القراءة موجب لحدوث الأمر بالسجدة الّذي مرجعه إلى الأمر بالابطال المنافي مع الأمر المضى، و مع عدم بقاء الأمر بالمضى لا تترتب الصحة، لأنّ معناها موافقة الأمر، و هذا معنى الفساد لما قلنا: بأنّ الأمر يدعو إلى الطبيعة، فلو صار الفرد موافقا لها تترتب الصحة و يصير الفرد موافقا لما أمر به، و هو الطبيعة، فإنّ أتى بالعزيمة و لم يسجد بعدها عصيانا مثلا و أتم صلاته يترتب على هذا الفرد من الصّلاة الصحّة لانّ هذا الفرد المأتى به صار موافقا لما امر به أعنى الطبيعة المأمور بها، فالصحة غير مترتبة على الأمر بالفرد حتّى يقال الأمر بالسجدة معناه الابطال المنافي مع الأمر بالمضى، فلا تترتب الصحة لما قلنا بأنّ الأمر بالطبيعة لا بالفرد، فإنّ اتى بالفرد امتثل الأمر بالطبيعة و إن كان عاصيا بترك السجدة، و لو اتى بالسجدة فالفرد غير قابل لأنّ يصير منطبق الطبيعة.

إن قلت: بأنّ إتيان العزيمة حيث يكون له لازم شرعى، و هو السجدة، و إتيان السجدة مستلزم لقطع الصّلاة، و هو حرام فمستلزم المحرم محرّم.

فأقول: ليس مستلزم المحرم محرما.

[فى كون رواية زرارة دالّة على وجه المانعيّة]

فانقدح بذلك كله أنّ قراءة

العزيمة بنفسها لا توجب بطلان الصّلاة، نعم لو قرئها و سجد عقيبها تبطل الصّلاة من باب أنّ السجدة زيادة في المكتوبة المستفاد ذلك من رواية زرارة المتقدمة، فالمانع للصّلاة هو السجدة. لا أصل قراءة العزيمة بينّا في مقام الاستفادة من رواية زرارة.

إن قلت: بأنّ رواية سماعة المتقدمة تدلّ على كون قراءة العزيمة بنفسها مانعة، لأنّه قال عليه السّلام فيها (لا تقرأ في الفريضة).

أقول: بأنّ بعد ذكر وجه المانعية في رواية زرارة بأنّ النهي المتعلّق بالقراءة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 200

كان إرشادا الى فساد الصّلاة بالسجدة، فلا وجه للأخذ بإطلاق رواية سماعة لأنّا فهمنا من رواية زرارة كون المانع السجدة لا سببها، و هو قراءة العزيمة

إن قلت: بأنّ الشهرة قائم على بطلان الصّلاة بقراءة العزيمة

نقول: إنّ المقدار الّذي يكون عليه قيام الشهرة هو كون قراءتها منهيا عنها، و أمّا بطلان الصّلاة بها فلم يقم عليه شهرة من القدماء، هذا تمام الكلام في قراءة العزيمة في الصّلاة عمدا.

[في ذكر مسئلة فى الباب]
اشارة

مسئلة: لو قرء العزيمة في الصّلاة نسيانا، مثلا شرع في الفريضة، ثمّ حين قراءته السورة نسي أنّ ما بيده من الصّلاة هي الفريضة، و يتخيل كونها في النافلة و شرع في سورة من سور العزائم الأربع، ثمّ بعد قراءتها تذكر كون ما بيده الفريضة، فما يكون تكليفه، و ما يصنع؟

[في ذكر الاقوال الاربعة فى المسألة]
اشارة

اعلم أنّ الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه «1» في المصباح ذكر في المسألة أقوالا أربعة:

القول الأوّل: ما نسب إلى كاشف الغطاء رحمه اللّه من أنّه يسجد بعد قراءة العزيمة، و يتم صلاته بعد السجدة

القول الثاني: أنّه يسجد بعد الصّلاة، و هو مختار السيّد رحمه اللّه في العروة.

القول الثالث: أنّه يؤمى بدل السجود، و لا تجب السجدة بعد الصّلاة، و هو مختار بحر العلوم رحمه اللّه في منظومته «2» حيث قال:

و يسجد الداخل فى نفل و في فريضة يؤمى له و يكتفى

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 293.

(2)- الدره النجفية، ص 138.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 201

النصّ و القول به قد يشكل إذ كان في حكم السجود البدل

القول الرابع: الايماء بعد قراءتها في الصّلاة، و السجود بعد الصّلاة.

و يمكن أن يقال: باحتمال خامس، و هو وجوب السجدة فورا و بطلان الصّلاة بعدها، هذا كله الاحتمالات في المسألة.

[في ذكر وجه القول الاول و الثاني]

أمّا الاحتمال الأوّل فما يمكن أن يكون وجها له إمّا كون مختاره عدم كون السجدة مبطلا للصّلاة، و عدم كونها زيادة و هذا واضح الفساد، لما قدمنا من كون صريح رواية زرارة كون السجود زيادة في المكتوبة.

و إمّا عموم بعض الأخبار الدالّ على وجوب السجدة في أثناء الصّلاة.

و هذا أيضا فاسد، لما قدمنا من أنّه لا بد من حمل الأخبار المطلقة على النافلة لو لم نقل بكون ظهورها، أو منصرفها النافلة من رأس، و عدم إطلاق لها يشمل الفريضة و أمّا وجه القول الثاني فهو أن يقال: بأنّه بعد عدم إحراز أهمية السجود من الصّلاة، لعدم استفادة أهميته من رواية زرارة حيث إنّ قوله (فإنّ السجود زيادة في المكتوبة) لا يستفاد منها إلّا أنّه

إذا قرئها يبتلى المصلّي من باب كون لازم شرعى لقراءتها و هو السجدة إمّا بترك الواجب و هو السجدة، و إمّا بقطع الصّلاة، لا أن يكون في مقام بيان أنّك لا تقرأ العزيمة، لأنّك إذا قرأتها يجب عليك سجودها فورا من باب أهميتها على الصّلاة، فإذا لم تكن الرواية دالّة على أهمية السجود على الصّلاة، دار أمر المكلف بين الأخذ بأحد المتزاحمين إمّا إتمام الصّلاة و ترك السجدة، و إمّا إتيان السجدة و قطع الصّلاة، فهو في هذا الحال بحكم العقل مخير بين الأخذ بايّهما شاء، و لكن حيث كان قطع الصّلاة قبل طرود هذه الحالة محرما مسلما، فيشك فعلا في أنّه هل يحرم القطع أم لا، فيستصحب حرمة القطع السابقة، و أثره حرمة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 202

القطع، فمن أجل ذلك يجب إتمام الصّلاة و إتيان السجدة بعدها. «1»

[في ذكر وجه القول الثالث و ردّه]

أمّا وجه قول الثالث فإنّ كان رواية أبي بصير و سماعة المتقدم ذكرهما بأن يقال: بأنّهما تدلان على كون الايماء بدلا عن السجدة، حيث قال عليه السّلام في الاولى (إن صلّيت مع قوم فقرأ الامام «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» أو شيئا من العزائم و فرغ من قراءته، و لم يسجد فأوم إيماء) و في الثانية (و إن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزك الايماء) بدعوى ظهورهما في أنّ في الصّلاة يؤمى بدل السجود.

فنقول: هذا الوجه فاسد، إذ مفاد الروايتين و إن كان بدلية الايماء عن السجدة، لكن وجهه هو ابتلاء المصلّي بالامام المخالف، فيكون مراده من الرواية هو

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظلّه العالى: إن كان وجه هذا القول هذا، أعنى: مجرد عدم إحراز اهمية السجود على الصّلاة، و كون

المصلّي مخيرا بين السجدة و إبطال الصّلاة، و بين إتمامها و إتيان السجدة بعدها، فلازم ذلك ليس تعين تأخير السجدة إلى بعد الصّلاة، بل لازمه هو تخييره بين هذا و بين السجدة و بطلان الصّلاة بها، فلا يثبت بذلك تعين تأخير السجدة و إتيانها بعدها

و إن كان الوجه في ذلك الاستصحاب المتقدم ذكره، ففيه أنّه لا أثر للاستصحاب في المقام، لأنّه لا يثبت إلّا وجوب المضى في الصّلاة، أو حرمة قطعها، و هذا ثابت مع قطع النظر عن ذلك، لأنّه على الفرض يكون أمر المصلّي دائرا بين حفظ واجب و هو السجدة و بين حفظ واجب آخر أو المحرم و هو وجوب المضى أو حرمة القطع، و ليس الدوران إلّا إذا كان التكليف بهما مسلما، فلا حاجة إلى إثبات أحد التكليفين بالاستصحاب، و لا أثر له فعلى هذا يكون أثر هذا الوجه هو التخيير لا تعيين الأخذ بأحد الطرفين إلّا أن يقال: بأنّه بعد حكم العقل بالتخيير لعدم مرجح بين طرفي التخيير، فباستصحاب حرمة القطع يحكم الشرع بعدم جواز القطع و وجوب المضى، فتكون الثمرة هو الأخذ بأحد طرفي التخيير، أعنى: وجوب إتمام الصّلاة و السجدة بعدها، فتأمل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 203

أنّهم حيث لم يجوزوا السجدة في أثناء الصّلاة، فأوم في هذا المقام، و هذا لا يدلّ على بدلية الايماء للسجدة حتّى في ما لم تكن تقية في البين.

و أمّا إن كان وجهه هو ما روى عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (قال:

سألته عن الرجل يكون في صلاة جماعة، فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال:

يؤمى برأسه، و رواية 4 من باب المذكور قال و سألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ

آخر السجدة، فقال: يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع، ثمّ يقوم فيتم صلاته إلّا أن يكون في فريضة فيومي برأسه إيماء). «1»

فهي و إن كانت دالة على بدلية الايماء عن السجود إذا سمع آية العزيمة، و يمكن أن يقال: بعدم الفرق بين السماع و بين قراءتها نسيانا من باب تنقيح المناط، و هو عدم إتيان السجدة في الصّلاة، و يجاب بها عما أشكل بحر العلوم رحمه اللّه من أنّ الايماء إذا كان بدلا عن السجدة، فهو سجدة في هذا الحال، فما دلّ على كون السجدة زيادة في المكتوبة يشمل الايماء بان يقال: بأنّ هذه الرواية تدلّ على جواز الايماء بدلا من السجدة في الفريضة.

و لكن مع ذلك كله يكون الاشكال في سند الرواية، لأنّ انتساب هذا الكتاب بعلي بن جعفر عليه السّلام غير معلوم و بعض روايات هذا الكتاب و ان ذكر في قرب الاسناد أو غيره لكن هذا لا يوجب الاعتماد بتمام ما في هذا الكتاب فعلى هذا لا يمكن الأخذ بالرواية من حيث الاشكال في السند.

[في ذكر وجه القول الرابع]

و أمّا الوجه الرابع، فهو قول من لم يجتهد في المسألة و قال: بأنّه يؤمى في

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 43 من ابواب القراءة الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 204

الصّلاة و يسجد بعدها، لأنّ بهذا يحصل اليقين بالبراءة.

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّه إن لم يكن الاشكال في سند رواية علي بن جعفر المتقدمة لقلنا بأنّ الحق هو القول الثالث، من أنّه يؤمى و يتم صلاته، و لا تجب السجدة بعد الصّلاة، و لكن الاشكال في سند الرواية كما قلنا، فعلى هذا لا يبعد الاخذ بقول الثاني و هو ان يتم صلاته و

يسجد بعد الصّلاة و تكون صلاته صحيحة لما قلنا في وجه ذلك من انّه مع عدم معلومية اهمية واحد من وجوب السجدة و حرمة قطع الصّلاة على الآخر فباستصحاب حرمة القطع نحكم بوجوب اتمام الصّلاة و إتيان السجدة بعدها. «1»

______________________________

(1) اقول و قد عرفت ما في التمسك بالاستصحاب فعلى هذا ما يأتى بالنظر فعلا هو انّه يقال بأهمية السجدة على الصّلاة تمسكا بقوله عليه السّلام في الرواية بان السجود زيادة في المكتوبة بانّه يستفاد من هذه الفقرة ان قراءة العزيمة توجب السجدة و حيث انّه يجب اتيانها فورا من باب اهميتها على الصّلاة فيوجب اتيانها الزيادة في الصّلاة فان كانت الصّلاة اهمّا منها أو في عرضها من حيث الاهمية فلا يناسب ان يقول هكذا لانه يقرأ العزيمة و لا يأتى بالسجدة فلا توجب الزيادة فإيجاب القراءة الزيادة من باب كون السجدة اهم من إتيان الصّلاة و لكن يمكن دفعه بان قوله عليه السّلام فإنّ السجود زيادة في المكتوبة لا يفيد اهميّة السجدة بل يحتمل ان يكون مراده عليه السّلام هو الارشاد بانك إذا قرأت العزيمة فتصير مبتلى بأحد الأمرين اما بترك السجدة فتركت الواجب و امّا بقطع الصّلاة و فعل المحرم فلا يفيد كون حفظ السجدة أهم من حفظ الصّلاة و عدم قطعها فعلى هذا لا يمكن ان يقال في المقام باتيان السجدة متعينا فيمكن ان يقال بتخير المكلف بين إتيان السجدة و بطلان الصّلاة بناء على كون السجدة زيادة سواء حصل سببه عمدا أو سهوا و بين تركها و المضى في الصّلاة و إتيان السجدة بعدا و لا وجه لأن يقال بعدم اطلاق لادلة وجوب السجدة عند تلاوة العزيمة مثل حال الصّلاة لأنّ العلة

المذكورة في رواية زرارة تدلّ على كون السجدة واجبة عند تلاوتها حتّى حال الصّلاة فعلى هذا في صورة قراءة العزيمة نسيانا لا يبعد كون.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 205

الموضع الثامن:
اشارة

لا تجوز قراءة سورة يفوت معها الوقت اعلم ان ما يتمسك يمكن التمسك به لهذا الحكم وجوه و قبل ذكر الوجوه نقول ان في المسألة قولين الأوّل عدم الجواز و هو منسوب إلى المشهور بين القدماء بل ادعى عليه الاجماع و الثاني الجواز و هو يظهر من كلام صاحب الحدائق رحمه اللّه «1» و بعض آخر فهو قال لم اجد ما يدلّ على تحريم ذلك إذا عرفت ذلك فنقول بان الكلام في جهتين:

الجهة الاولى: في تحريم ذلك و عدم جوازه و الجهة الثانية في بطلان الصّلاة بها فنذكر الوجوه حتّى يعلم بانّه هل يكتفي بكلها أو ببعضها لاثبات أحد الجهتين أو كلاهما أم لا؟:

الوجه الأوّل: التمسك بالرواية الّتي رواها سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمى (قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام في حديث لا تقرأ في الفجر شيئا من ال حم). «2»

و لا يستفاد منها في حدّ ذاتها الا النهي عن قراءة شي ء من (ال حم) في الفجر و امّا كون وجه النهي عنه هو فوت الوقت به او جهة اخرى فغير معلوم و لهذا تمسك بها بضميمة الرواية الّتي رواها سيف بن عميرة عن عامر بن عبد اللّه (قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول من قرأ شيئا من (ال حم) في صلاة الفجر فاته الوقت) «3» بان يقال يستفاد من الرواية الثانية كون منشأ النهي في الرواية الاولى هو فوت الوقت

______________________________

المكلف مخيرا بين إتيان السجدة و ابطال الصّلاة و بين

ترك السجدة و اتمام الصّلاة إتيان السجدة بعد الصّلاة فتأمل جيدا. (المقرّر)

(1)- حدائق جلد 8 صفحه 126.

(2)- الرواية 2 من الباب 44 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 44 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 206

بقراءة (حم).

و لا يخفي عليك ان ظاهر الرواية الثانية لا يستقيم لانه كيف تفوت قراءة حم الوقت، لأنّ وقت الفجر يكون ساعة و نصف تقريبا، و في هذا المقدار يمكن قراءة سورة البقرة مكررا فكيف لا يسع القراءة حم خصوصا (حم دخان).

و قد يقال بان المرد من الوقت هو الوقت الأوّل اى وقت الفضيلة، لأنّ وقتها انقص من قوت الاجزاء (و لا يخفي ان وقت الفضيلة ليس بهذا المقدار من الضيق لا يسع لقراءة حم)

[فى نقل كلام المحقّق الهمداني ره و رده]

و على كل حال قال في مصباح «1» الفقيه بانّه و لو حملت الرواية على وقت الفضيلة، مع ذلك يستفاد من ضم كل من الروايتين إلى الاخرى حرمة قراءة سورة يفوت بقراءتها الوقت، بان يقال المستفاد من الرواية الاولى هو النهي عن قراءة حم، و المستفاد من الثانية كون علّة النهي عن قراءتها هو فوت الوقت بقراءتها، فبعد كون علّة النهي هو فوت الوقت بها فيدور الحكم مدار العلة و نحوتها، لأنّ النهي مسبب عن العلة، فإنّ كان الوقت وقت لا يجوز تأخير الصّلاة عن هذا الوقت فلا يجوز فوت الوقت، و يكون حراما فيكون سبب الفوت غير جائز و محرم أيضا، و ان لم يكن الفوت محرما فلا يكون سببه محرما، فعلى هذا نقول: بان لازم ذلك كون ما يوجب فوت وقت الفضيلة مكروها، و ما يوجب فوت وقت الاجزاء حراما.

ان قلت ان لازم

ذلك استعمال لا تقرأ في الاكثر من معنى واحد و هو التحريم فيما يفوت قراءتها وقت الاجزاء و الكراهة في ما يفوت بها وقت الفضيلة.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه كتاب الصّلاة، ص 295.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 207

اقول كما قلنا في رواية ابن بكير نقول بانّه استعمل في الجامع و القدر المشترك فلا يلزم المحظور، فعلى هذا بهذا النحو يقال بحرمة قراءة ما يفوت به الوقت انتهي، و لكن مع ذلك كله نقول بان استفادة الحرمة من الروايتين مشكل، لأنّ احدهما لا يتعرض إلا للنهي عنها و الآخر لا يستقيم بظاهرها لما قلنا من انّه لا يفوت بقراءته حم الوقت (و حمله على وقت الفضيلة مضافا إلى عدم تماميته أيضا لما قلنا ان بقراءتها لا يفوت وقت الفضيلة لا شاهد له، لأنّ ذلك خلاف ظاهر الرواية فاستفادة هذا الحكم من ضم كل من الروايتين بلا اخرى مع الاشكال الّذي قلنا مشكل.

الوجه الثاني:

ان يقال في وجه تحريم قراءة ما يفوت به الوقت بان السورة، و ان كانت من اجزاء الصّلاة، و لكن ليس ما يفوت به الوقت واجبا، لأنّ وجوبه مستلزم لتكليف المحال فالواجب من السورة هو خصوص سورة لا يفوت بقراءتها الوقت، و ليس ما يفوت به الوقت متعلق الوجوب من رأس، لانّه لو كانت متعلق الوجوب يلزم تكليف المحال، لأنّ المكلف لا يتمكن من قراءته مع حفظ الوقت، فبعد عدم تعلق الوجوب بسورة يفوت قراءتها الوقت، فلو اتى بقصد الجزئية فهو تشريع و التشريع حرام، و امّا إذا قرئها في صلاته لا بقصد الجزئية فيحرم من باب ما استفاد من الروايتين المتقدمتين، فإنّ ظاهرهما و ان كان صورة قراءتها بقصد الجزئية، و لكن العلة كانت فوت

الوقت، فلا فرق بين قراءتها بقصد الجزئية أو بدون قصد ذلك، لأنّ في كلا الصورتين يفوت الوقت.

فحاصل هذا الوجه الاستدلال في صورة قصد الجزئية لحرمتها بعدم كونها متعلق امر الوجوبي الّذي اعتبر السورة جزء للصّلاة، فلو اتى بها بقصد الجزئية

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 208

فتشريع و التشريع حرام، و في صورة قراءتها لا بقصد الجزئية ببركة الروايتين و في هذا الوجه نظر يظهر بادني تأمل، و هو ان ما جعل مقدمة هو عدم تعلق الأمر الّذي تعلق بالسورة في الصّلاة لهذا القسم من السور، ثمّ قيل بانّه لو اتى بقصد الجزئية فتشريع محرم لانها لم تكن جزء حتّى يمكن قراءتها بعنوان الجزئية ليس بتمام، لانّا نقول ان الدليل الدالّ على وجوب السورة في الصّلاة ليس مقيدا بخصوص السورة الّتي لا يفوت بقراءتها الوقت، بل الدليل مطلق، و معنى اطلاقه هو كون الواجب قراءة سورة ما و المكلف متمكن من اختيار اى فرد شاء من أفراد السور فليس الواجب مقيدا بخصوص السور الّذي لا يفوت به الوقت، حتّى يقال بعدم تعلق الوجوب من رأس بالسور الّتي يفوت بقراءتها الوقت و يقال انّه لو قرء هذا القسم بقصد الجزئية فتشريع محرم لما قلنا.

الوجه الثالث:
اشارة

و هو الّذي يخطر بالبال و ذكرنا غير مرة من انّه يشترط و يعتبر في صيرورة الخارج أعنى الفرد الماتى به منطبق عنوان الطبيعة المأمور بها، و حصول الامتثال به في امتثال الطبيعة ان يكون هذا الفرد ممّا يمكن التقرب به إلى اللّه تعالى، و لهذا قلنا في باب اجتماع الأمر و النهي بانا و ان نجوّز الاجتماع و لكن مع ذلك لا نجوّز الصّلاة في الدار المغصوبة، لأنّ من يكون في فعله

طاغيا و عاصيا للمولى كيف يمكن له التقرب بجنابه في هذا الفعل، و لاجل هذا لا تصح الصّلاة في الدار المغصوبة.

فنقول في المقام بانّه بعد ما نرى بان مع قراءة السورة الطويلة يفوت الوقت، فيكف يمكن التقرب بها، و بعد عدم كون هذا العمل ممّا لا يمكن التقرب به فيكون

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 209

فاسدا، و وجه عدم امكان التقرب به هو ان المصلّي بهذه الصّلاة المقرو فيها السورة الطويلة ترك الأمر بطبيعة الصّلاة المتعلقة به فعلا، لانّه فعلا مأمور باتيان طبيعتها مع الاجزاء و الشرائط و من جملتها وقوعها في الوقت، فهو بهذه الصّلاة يفوّت الوقت فيعصى الأمر بالطبيعة الواجبة عليه فعلا، و بعد كون هذا العمل عصيانا و طغيانا بالمولى فلم يكن قابلا لأنّ يصير مقربا له فيفسد العمل، و هذا وجه الفساد اى فساد الصّلاة.

[في نقل كلام الشيخ الانصاري]
اشارة

ثمّ ان للشيخ الانصارى رحمه اللّه كلاما في مقام عدم فساد الصّلاة بقراءة سورة يفوت به الوقت، و هو انّه لا يستفاد من النهي الوارد في رواية سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمى مع ضمها برواية سيف بن عميرة عن عامر بن عبد اللّه المتقدم ذكرها إلا حرمة المقدمى، و لو فرض استفادة حرمة التشريعية بل و حرمة الاستقلالية أيضا لا يفسد بقراءتها الصّلاة.

و توضيح كلامه هو ان يقال ان استفاد من الروايتين حرمة المقدمى، و ليس مراده رحمه اللّه من حرمة المقدمى حرمته عقلا، بل غرضه انّه لو استفاد حرمته التشريعية و لكن هو من باب كون قراءتها موجبا لتفويت الوقت المحرم أو يقال باستفادة حرمة التشريعية بمعنى ان السورة الطويلة لا تقبل، لانّ تصير جزء للصّلاة فإذا لم تصر جزء، فاتيانها بعنوان الجزئية

تشريع محرم يقال بحرمة الاستقلالية بمعنى كون قراءتها من المحرمات مستقلا بناء على استلزام الأمر بالشي ء النهي عن ضده، بانّ يقال بان المكلف بعد كونه مأمورا بالصّلاة في الوقت و الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، فتكون السورة الّتي بقراءتها يفوت الوقت حرام استقلالا، فكل ذلك لا يوجب فساد الصّلاة ما لم يوجب نقص جزء أو شرط و السورة القصيرة و ان انتفت هنا،

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 210

و لكنها ساقطة لضيق الوقت الثابت كونه عذرا و لو كان بسوء اختيار المكلف.

[في ردّ كلام الشيخ الانصاري]

هذا حاصل كلامه رحمه اللّه و اعلم انّه كما قلنا ليس الدليل الدالّ على اعتبار السورة في الصّلاة دالا الّا على اعتبار سورة ما، و هو غير مقيد لا بالقصير و لا بعدم كونها طويلة، فعلى هذا لو قرء المصلّي في ضيق الوقت سورة يفوت به الوقت، فلا يكون إشكال من حيث عدم إتيان الجزء، لأنّ هذه السورة قابلا لأنّ تصير جزء، و لكن مخالفة الأمر بالطبيعة عصيان و محرم، فكما قلنا ليست قراءتها محرمة بمعنى كون العقاب على قراءتها بل العقاب على مخالفة الأمر المتعلّق بطبيعة الصّلاة في الوقت، فليست قراءتها محرمة لا بالحرمة المقدمية و لا التشريعية فيما اذا قرئها بقصد الجزئية، (نعم تصير محرمة بالحرمة التشريعية لو اتى بها بقصد خصوص كونها جزء الأمر و مورده)، و لا بالحرمة الاستقلالية، لما قلنا من استفادتها من الروايتين مشكل فلا تحرم بالحرمة المقدمية و لا التشريعية، لانّها قابلة لصيرورتها جزء لصدق سورة ما عليها، و لا الاستقلالية لعدم كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهي عن ضده، بل نقول ان بهذه الصّلاة الّتي يقرأ فيها سورة يفوت معها الوقت خالف الأمر بالطبيعة، و لهذا

ليست الصّلاة الّتي بها يعصي المولى قابلة لصيرورتها مقربا له، و لهذا تفسد فالسر في فساد هذه الصّلاة ما قلنا، فصار حاصل المسألة هو بطلان الصّلاة و فسادها فافهم. «1»

______________________________

(1)- اقول و لكن عندى الحكم بفساد الصّلاة المتضمنة لقراءة سورة يفوت بقراءتها الوقت مشكل لأنّ المكلف بقراءتها عصى الأمر بالطبيعية المشروطة بالوقت فصارت قراءتها مفوتا لفرد من الطبيعة و هو الصّلاة في الوقت و ليس هذا موجبا لأنّ يفسد فردا آخر منها و هو ما بيده من الصّلاة لانّه كما افاده مدّ ظلّه تكون هذه السورة قابلة لصيرورتها جزء غاية الأمر صارت قراءتها.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 211

الموضع التاسع: هل يجوز العدول من سورة إلى سورة اخرى
اشارة

اختيارا ما لم يتجاوز النصف إلا من و الحجد و التوحيد فانّه لا يجوز العدول منهما الى سورة غيرهما و لو لم بتجاوز النصف الا في يوم الجمعة منهما إلى الجمعة و المنافقين أم لا

[في ذكر المقامات الاربعة فى المورد]

فيقع الكلام في مقامات أربعة:

المقام الأوّل: هل يجوز العدول من سورة إلى سورة اخرى أم لا؟

المقام الثاني: العدول جائز في خصوص ما لم يبلغ النصف أو لم يزد النصف أو يجوز و ان بلغ الثلثين من السورة أو يجوز و ان تجاوز من الثلثين.

المقام الثالث: هل يجوز العدول من الحجد و التوحيد الى غيرها من السور أم لا؟

المقام الرابع: بعد عدم جواز العدول من الحجد و التوحيد بغيرهما من السور هل يجوز العدول منهما بخصوص الجمعة و المنافقين في خصوص صلاة الجمعة أو يوم الجمعة أم لا؟

[في ذكر الروايات الواردة فى الباب]

و قبل بيان الحق في المقام لا بدّ من ذكر الأخبار المربوطة بالمقام فنقول بعونه تعالى ان صاحب الوسائل ذكر اخبار المربوطة بالباب في أبواب ثلاثة:

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ غيرها قال له ان يرجع ما بينه و بين ان يقرأ ثلثيها). «1»

______________________________

موجبة لتفويت واجب آخر و هو الفرد الواجد للوقت فنقول أوّلا لا وجه لفساد الجزء لانّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده و ثانيا على فرض فساد الجزء لا وجه لفساد أصل الصّلاة و المسألة بعد محتاج إلى مزيد تأمل.

(1)- الرواية 2 من الباب 36 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 212

و هذه الرواية تدلّ على جواز العدول و تدلّ بظاهرها على جوازه في ما يقرأ ثلثيها و امّا في صورة قراءة الزائد من ثلثيها فلا تدلّ على عدم جواز العدول بل ساكتة عنه.

الرواية الثانية: و هي ما رواها محمد بن مكي الشهيد رحمه اللّه في الذكرى نقلا من كتاب البزنطي عن أبي

العباس (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ في اخرى قال يرجع إلى الّتي يريد و ان بلغ النصف). «1»

و هذه الرواية تدلّ أيضا على جواز العدول و لكن على جوازه و ان بلغ النصف و امّا في الزائد من النصف فيمكن ان يقال بدلالة مفهومها على عدم جواز العدول منها الى الاخرى. «2»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن سعد عن أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد اللّه بن علي الحلبي و عن الحسين بن سعيد عن علي بن النعمان عن أبي الصباح الكناني و عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن المثنى الحناط عن أبي بصير كلهم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ثمّ ينسى فيأخذ في اخرى حتّى يفرغ منها ثمّ يذكر قبل ان يركع قال يركع و لا يضرّه). «3»

و هذه الرواية تدلّ على انّه لو نسى و اخذ في سورة اخرى يجزي و لا يضرّ

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 36 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- اقول و يمكن نصفه لأنّ قوله عليه السّلام و ان بلغ النصف) يدلّ على كون النصف المرتبة الخفية و هذا لا ينافي مع كون مرتبة اخفي منه و هي بعد النصف فتأمل. (المقرّر)

(3)- الرواية 4 من الباب 36 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 213

ذلك و لا تدلّ على جواز العدول في حال العمد إلى سورة اخرى فالرواية غير مربوطة بما نحن فيه و تكون في مقام بيان حكم آخر.

الرواية الرابعة:

الرواية الّتي لا ربط لها بما نحن فيه «1»، لانّها واردة في الصورة الّتي شرع في قراءة سورة فغلط فيها هل له تركها و قراءة سورة اخرى او يدع المكان الّذي غلط فيه و يمضى في قراءته و هذه الرواية مضافا إلى الاشكال فيها لاجل دلالتها على كفاية بعض السورة تدلّ على جواز العدول في صورة وقوع الغلط في السورة المعدول عنها فلا تدلّ على جواز العدول في حال الاختيار و التمكن من القراءة صحيحا.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها عمرو بن أبي نصر (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الرجل يقوم في الصّلاة فيريد ان يقرأ سورة فيقرأ قل هو الله أحد و قل يا ايّها الكافرون فقال يرجع من كل سورة الا من قل هو اللّه أحد و قل يا ايّها الكافرون). «2»

تدلّ الرواية على جواز العدول إلا عن الاخلاص و الحجد، و هل لها من حيث الاستثناء لها الاطلاق بمعنى دلالتها بالإطلاق على عدم جواز العدول منهما مطلقا في كل وقت و حال أم لا، لا يبعد عدم إطلاق لها من هذه الجهة، و حيث ان الرواية تكون في مقام بيان جواز الرجوع و العدول من كل سورة إلى غيرها غير السورتين، و ليس في مقام بيان ان عدم جواز الرجوع منهما يكون مطلقا بل تدلّ على الاستثناء في الجملة فتكون هذه الرواية من هذه الجهة مهملة.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 36 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 35 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 214

الرواية السادسة: و هي ما رواها الحلبي (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام رجل قرأ

في الغداة سورة قل هو الله أحد قال لا بأس و من افتتح سورة ثمّ بدا له ان يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلا قل هو الله أحد و لا يرجع منها إلى غيرها و كذلك قل يا ايّها الكافرون). «1»

و اعلم ان أحمد بن محمد بن عيسى لا يمكن ان يروى عن ابن مسكان بدون الواسطة لما بينّا في طبقاتنا، فانّهما ليسا بحسب الطبقة في مرتبة بعد مرتبة الاخرى حتّى يمكن ان يروي أحمد عن ابن مسكان، فلا بدّ من ان يكون بينهما شخص آخر حذف في السند، ثمّ بعد ذلك نقول بانّها تدلّ على جواز العدول إلا من الجحد و التوحيد و لا يبعد كون الاطلاق للرواية من حيث الاستثناء بخلاف الرواية السابقة.

الرواية السابعة: و هي ما رواها في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن بن علي بن جعفر عن اخيه (قال سألته عن الرجل إذا أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها هل يصلح له ان يقرأ نصفها ثمّ يرجع إلى السورة الّتي أراد قال نعم ما لم تكن قل هو اللّه أحد و قل يا ايّها الكافرون) «2» تدلّ على جواز العدول إلا عن التوحيد و الحجد.

الرواية الثامنة: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام في الرجل يريد ان يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللّه احد قال يرجع إلى سورة الجمعة). «3»

و هذه الرواية تدلّ على جواز الرجوع من التوحيد في يوم الجمعة إلى سورة

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 35 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 35 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من

الباب 69 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 215

الجمعة، و هل يستفاد منها جواز العدول منها بالجمعة في خصوص صلاة الجمعة أو يجوز في يوم الجمعة و لو في غير صلاة الجمعة او، لا، اما قوله في الرواية (يريد ان يقرأ سورة الجمعة في الجمعة) فلا دلالة له على احدهما، لأنّ في الجمعة محتمل لأنّ يكون المراد منها نفس صلاة الجمعة، و محتمل لأنّ يكون المراد منها يوم الجمعة، و لكن يمكن ان يقال بان قوله في صدر الرواية (في الرجل) ليس سؤاله عن خصوص صلاة الجمعة، لانّه ان كان السؤال عن صلاة الجمعة كان المناسب ان يقول في الامام لأنّ صلاة الجمعة يأتي بها جماعة و الامام يقرأ، فمن هنا يمكن ان يقال بان المراد يوم الجمعة.

الرواية التاسعة: و هي ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد و انت تريد ان تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع إلا ان تكون في يوم الجمعة فانك ترجع الى الجمعة و المنافقين منها). «1»

تدلّ على عدم جواز العدول من الاخلاص إلا في يوم الجمعة و فيها يجوز منها إلى الجمعة و المنافقين (و هل الرواية متحدة مع الرواية 6 رواهما الحلبى أم لا).

العاشرة: و هي ما رواها عبيد بن زرارة (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أراد ان يقرأ في سورة فاخذ في اخرى قال فليرجع الى السورة الاولى إلا ان يقرأ بقل هو الله أحد قلت رجل صلّى الجمعة فاراد ان يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو الله أحد قال يعود إلى سورة الجمعة). «2»

الرواية الحادى عشر:

و هي ما رواها علي بن جعفر عليه السّلام عن اخيه موسى

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 69 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 69 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 216

بن جعفر عليه السّلام (قال سألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ قال سورة الجمعة و اذا جاءك المنافقون و ان اخذت في غيرها و ان كان قل هو الله أحد فاقطعها من أوّلها و ارجع إليها). «1»

تدلّ بظاهرها على ان السورة الّتي يقرأ في الجمعة هي سورة الجمعة و اذا جاءك المنافقون، و ان شرع في غيرها قطعها، و ان كان ما شرع فيه التوحيد، و قوله (ما يقرأ في الجمعة) محتمل لأنّ يكون المراد يوم الجمعة أو خصوص صلاة الجمعة.

هذا كله في اخبار الباب، و امّا الفتوى فاحكام الاربعة مشهور كما يظهر من النهاية «2» و بعض آخر من القدماء «3» رحمه اللّه مع اختلاف يسير في كلماتهم في ان العدول يجوز ما لم يتجاوز النصف أو ما لم يبلغ النصف (راجع عباراتهم).

[الكلام فى مقامات أربعة]
[الاول و الثاني]

إذا عرفت ذلك نقول كما قدمنا يقع الكلام في مقامات أربعة:

المقام الأوّل: هل يجوز العدول من سورة الى اخرى أم لا، قد عرفت جوازه من بعض الأخبار المتقدمة ذكرها و هذا واضح في الجملة و هي الرواية 1 و 2 و 5 و 6 و 7 و 10.

المقام الثاني: هل يجوز العدول و ان تجاوز ثلثي المعدول عنه، أو يجوز ما لم يبلغ ثلثيها، أو يجوز ما لم يتجاوز نصفها، أو يجوز في خصوص ما لم يبلغ نصفها.

اعلم ان بعض الروايات كما قدمنا و ان كان له إطلاق من

هذا الحيث، و لكن

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 69 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- النهاية، ص 77.

(3)- المبسوط، ج 1، ص 107.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 217

يستفاد من الرواية الثانية جواز العدول ما لم يتجاوز النصف، لانّه قال عليه السّلام يرجع إلى التي يريد و ان بلغ النصف) و به قامت الشهرة لأنّ المشهور عند القدماء قدس سرّه جواز العدول ما لم يتجاوز النصف (و ان تكن الرواية ضعيفة السند فضعفها منجبر بعمل الاصحاب)، و بعد ما قلنا مكررا من ان بناء القدماء كان على ذكر فتاوى المتلقاة عنهم عليهم السّلام، فنكشف من كلماتهم وجود النص، ففي هذا المورد نكشف النص و امّا الرواية الاولى الدالّة على جواز العدول ما لم يتجاوز ثلثيها، فهي مع قطع النظر عن احتمال كون قول المعصوم عليه السّلام ثلثها بدون الياء بين الثاء و الهاء، نقول بانّها معرض عنها عند الاصحاب للشهرة القائمة على خلافها.

[المقام الثالث و الرابع]

المقام الثالث: لا يجوز العدول من سورة الاخلاص و الجحد، و يدل على هذا الحكم الرواية 5 و 6 و 7 و 9 و 10 من الروايات المتقدمة، و ان كانت 9 و 10 متعرضة للااستثناء أيضا.

المقام الرابع: هل يجوز العدول من الاخلاص و الجحد في الجمعة الى الجمعة و المنافقين أم لا؟

اعلم الرواية الثامنة تدلّ على العدول من قل هو اللّه أحد الى الجمعة، فلا تعرض لها لا للعدول من الجحد و لا للعدول الى المنافقين، و الرواية التاسعة تدلّ على العدول من الاخلاص إلى الجمعة و المنافقين، بمعنى انّه لو شرع في الجمعة في الاخلاص في الركعة الاولى من صلاة الجمعة يعدل إلى سورة الجمعة، و ان شرع في

ثانيتها في الاخلاص يعدل منها إلى المنافقين، و الرواية العاشرة تدلّ على العدول في الجمعة من قل هو الله احد إلى الجمعة، و الرواية الحادي عشر تدلّ على العدول من التوحيد إلى الجمعة و المنافقين، فالرواية 8 و 9 و 10 و 11 تدلّ بالصراحة على

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 218

العدول من الاخلاص الى الجمعة أو إليها و الى المنافقين.

و قد يشكل في الجحد بانّه لا دليل على جواز العدول منها في الجمعة الى الجمعة و المنافقين و لكن تقول لا مجال للاشكال فيه:

اما أوّلا: فلان الشهرة قائمة على جواز العدول منها و من الاخلاص في الجمعة إلى الجمعة و المنافقين و هذه كاف في إثبات الجواز.

و ثانيا: قوله عليه السّلام في الرواية 11 (و ان اخذت في غيرها و ان كل قل هو الله أحد فاقطعها من أوّلها و ارجع إليهما) يدلّ على العدول من كل سورة إليهما لأنّ قوله (و ان اخذت في غيرها) مطلق فلا يبقى من هذه الجهة إشكال.

[في ذكر بعض الفروع]
اشارة

إذا عرفت ما هو الحق في المقامات الاربعة يقع الكلام في الفروع:

[الاول و الثاني]

الفرع الأوّل: هل العدول من الاخلاص و الحجد إلى الجمعة و المنافقين يكون من باب اللزوم و الوجوب أو يكون من باب الجواز فقط.

اعلم انّه تارة يقال بان في صلاة الجمعة يجب قراءة الجمعة و المنافقين، و يكون مفاده ما دل على العدول منهما إليها هو العدول في خصوص صلاة الجمعة، فيكون العدول منهما إليهما واجبا، و امّا لو لم نقل بذلك فالروايات و ان كان محتملها الوجوب و لكن لا ظهور لها في ذلك، لأنّ قوله في الرواية 8 يرجع أو في 9 ترجع أو في 10 يعود أو في 11 فاقطعها يمكن كون الأمر الواقع عقيب الحظر، بمعنى ان العدول من الاخلاص و الحجد بعد كونه غير جائز، فالامر بالرجوع منهما إلى الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة يكون لدفع توهّم الخطر و لا ظهور لها في الوجوب.

الفرع الثاني: هل يكون مورد جواز العدول من التوحيد و الحجد إلى الجمعة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 219

و المنافقين في يوم الجمعة في خصوص صلاة الجمعة، أو هي و الظهر منها، أو هما و العصر منها، أو هن و الغداة منها؟

لا يخفي عليك ان في الرواية 9 قال (يوم الجمعة) و الرواية 8 قال في الجمعة، و قلنا باحتمال كون المراد من في الجمعة يوم الجمعة، لانّه ان كان المراد خصوص صلاة الجمعة، كان المناسب ان يقول السائل في الامام، لا ان يقول في الرجل، و امّا الرواية 10 فالظاهر منها خصوص صلاة الجمعة، و امّا الرواية 11 فقال فيها (في الجمعة) فنقول انّه و ان كان المصرح في الرواية 9 يوم الجمعة،

و لكن بعد ما كان القدر المسلم من مورد استحباب الجمعة و المنافقين صلاة الجمعة، فلا يبعد كون القدر المسلم في صلاة الجمعة و في ظهرها، لأنّ التعبير ورد غير مرة من الظهر من يوم الجمعة بالجمعة أيضا، فنقول ان القدر المسلم جواز العدول منهما إليهما في صلاة الجمعة و في صلاة الظهر من يوم الجمعة فافهم.

الفرع الثالث:

الظاهر من الأخبار المتقدمة الدالّة على عدم العدول من التوحيد و الجحد، هل هو الحرمة أو الكراهة؟

اعلم ان الظاهر من المشهور كون العدول منهما غير جائز، و لكن قال المحقّق رحمه اللّه في المعتبر «1» بكراهة ذلك، و لعل وجهه هو انّه بعد كون الداعى إلى العدول لدرك الافضل غالبا، فيكون ملاك حكم الشارع في مقام الثبوت هو درك ذلك، و لم يجز العدول منها إلا في يوم الجمعة إلى خصوص الجمعة و المنافقين، لانّهما بمقدار من الفضل لا يكون فيهما ملاك العدول، فيوجب هذا الملاك الكراهة، و لكن حيث ان

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 191.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 220

الظاهر من الروايات و المشهور هو عدم الجواز، فلا يبعد القول بالحرمة لا الكراهة.

الفرع الرابع:

قد يقال بانّه كما ترى يكون مورد كل الروايات الواردة في العدول هو فيمن أراد المصلّي ان يقرأ سورة فقرأ غيرها، ففي هذا المورد يجوّز العدول إلا أحد روايتي الحلبي، و هي الرواية السادسة، فإنّ فيها لم يذكر ذلك أعنى كون إرادة سابقة على قراءة المعدول إليه، و لكن هذه الرواية بقرينة روايته الاخرى و هي الرواية التاسعة المذكورة فيها (و انت تريد ان تقرأ بغيرها) لا تصير موجبا لغير ما يستفاد من ساير الروايات لاحتمال كون روايتى الحلبي واحدة، و لكن الناقلين عنه رواها باختلاف في التعبير لا ان تكونا روايتين، فعلى هذا مورد الروايات هو كون المصلّي أوّلا مريدا لقراءة سورة خاصة ثمّ شرع في غيرها من باب غفلته لما أراد سابقا، فقال بجواز العدول في ذلك المورد، فلا وجه للحكم بجواز العدول في ما إذا شرع في سورة لا عن غفلة بل شرع عامدا ثمّ بدا له

في الأثناء ان يعود الى الاخرى و لكن لا وجه لاختصاص العدول بخصوص هذه الصورة.

اما أوّلا: فلان من يريد قراءته سورة ثمّ يشرع في اخرى ينسى المراد و المقصود الأوّل لا ان يدخل في اخرى بلا قصد و عن غفلة، فمورد الروايات ليس من يدخل في سورة غفلة ثمّ جوّز العدول له منها، فعلى هذا لا يوجب كون المكلف أوّلا مريدا للمعدول إليه، و وقوع ذلك مورد السؤال لاختصاص الحكم بخصوص من يريد أوّلا سورة ثمّ شرع غفلة في اخرى فجاز له العدول منها إلى ما أراد أوّلا.

و ثانيا: نقول بان وجه كون المأخوذ في نوع الاسئلة الواردة في الأخبار صورة الإرادة هو انّه حيث ان الداعى غالبا إلى اختيار سورة خاصة يكون درك

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 221

الفضل و الثواب، فقهرا يختار الشخص كل سورة تكون قراءتها افضل، فيريد اتيانها ثمّ حال الشروع يقرأ سورة اخرى من باب نسيان الاولى، فلاجل هذا أخذ في السؤال صورة الإرادة من باب انّه لدرك الافضل يريد سورة خاصة، ثمّ بعد الشروع في غيرها يبدو له مجددا درك الافضل، فيسأل عن جواز العدول بها و عدمه، فلهذا لا يوجب اختصاص السؤال بهذه الصورة اختصاص الحكم بهذا المورد، فيجوز العدول سواء نسى ما أراد قراءته أوّلا فشرع في اخرى، او لا يكون سبق إرادة بل شرع في سورة ثمّ بدا له في الأثناء العدول إلى سورة اخرى.

[فى الكلام في ما يقتضيه الاصل فى المسألة]
اشارة

إذا عرفت ما هو الحق في المقامات الاربعة و بعض الفروع المتفرعة عليها، لا بأس بصرف عنان الكلام في ما يقتضيه الأصل في المسألة حتّى يرجع إليه في الموارد المشكوكة الّتي لا يستفاد حكمها من روايات الباب، فنقول بعونه تعالى:

قد يقال

بان الأصل عدم جواز العدول إلا في كل مورد ثبت جوازه بالدليل الخاص، اما لأنّ العدول يوجب القرآن بين السورتين، و امّا لاجل ان هذا يوجب الزيادة في الصّلاة.

و لا يخفي ما فيهما من الفساد اما في الأوّل؛

ففيه أوّلا منع كون ذلك قرانا، لانّا لو فرضنا كون إتيان بعض سورة ثمّ إتيان سورة بعدها من صغريات القرآن، و لم نقل بان القرآن عبارة عن إتيان سورة أوّلا بتمامها ثمّ إتيان سورة اخرى أو بعض سورة بعدها، و لكن محل الكلام في القرآن، سواء كان كل مورد اتى الشخص بسورة بقصد الجزئية ثمّ يأتى باخرى بقصد كونها أيضا جزء آخرا كان كل مورد يأتى بهما بعنوان كونهما جزء واحد، فليس مورد العدول من صغرياته، لأنّ في العدول يرفع اليد عن جزئيته السورة الاولى، و يجعل

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 222

الثانية جزء، فلم يكن مورد العدول مربوطا بباب القرآن، و ثانيا بينّا كراهة القرآن.

و امّا ما في الثاني، فكون ما اتى من السورة الاولى زيادة، و موجبا لبطلان الصّلاة يكون مبنيا على عدم جوازه، و امّا لو ثبت جوازه و لو من الأصل، فلا مانع منه.

و قد يقال بان الأصل هو جواز العدول.

[في ذكر الامرين فى المسألة]

و المراد من هذا الأصل كما يظهر من بعض العبائر قابل لامرين:

الأوّل: ان يكون المراد من أصالة الجواز هو انّه بعد كون امر المولى و لو امرا ضمنيا بطبيعة السورة، و بعبارة اخرى بسورة ما كما قلنا و لم يبين سورة خاصة فالعقل يحكم بتخيير المكلف بين قراءة اى سورة شاء من السور، و يقال بان إطلاق الأمر يقتضي التخيير، فالمكلف مخير في جعل اى سورة من السور فردا لطبيعة السورة المأمور بها،

فإذا شرع في سورة فله ان يتمها و يتمثل بها الأمر، و له ان يرفع اليد عنها، و يأتى بالاخرى فما لم يفرغ من قراءة سورة تكون مقتضى القاعدة التخيير و هو معنى جواز العدول إلى الاخرى، فهذا وجه كون الأصل جواز العدول.

الثاني: استصحاب التخيير، بمعنى انّه لا إشكال في ان المكلف قبل الشروع في قراءة سورة كان مخيرا بين قراءة هذه السورة و بين قراءة غيرها، فبعد الشروع في السورة الفلانية يستصحب هذا التخيير الثابت له قبل الشروع، و هذا معنى جواز العدول، فباحد هذين الوجهين يقال بكون الأصل جواز العدول إلّا في ما ثبت عدم الجواز. «1»

______________________________

(1)- اقول و يمكن ان يقال بانا نشك في جواز العدول و عدمه و منشأ الشّك هو انّه هل يعتبر

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 223

[الكلام فى اتيان السورة]

اذا عرفت ذلك نقول: بان وجه الأوّل فاسد، لأنّ المكلف بعد كونه مكلفا بطبيعة السورة، و لو بالامر الغيري أو الضمني أو الانبساطي، فقهرا يكون له الاختيار في مقام الامتثال لاختيار اى فرد من أفرادها، و امّا بعد اختياره فردا و شرع فيها فبها يتحقّق الامتثال فلا معنى للتخيير، لأنّ عدم تعيين فرد خاص من الطبيعة من ناحية الأمر يقتضي جواز اكتفاء المكلف في مقام الامتثال باى فرد من أفرادها، و امّا بعد الشروع في السورة و امتثال امر المولى باتيان بعض السورة فلا مجال للتخيير، لأنّ ما اتى صار مصداقا للامتثال، فلا يبقى امر حتّى يكون المكلف في اختيار الفرد من المأمور به مخيرا. «1»

اللهم إلا أن يقال بان الواجب هو السورة و امتثال هذا الأمر باتيان السورة، فما لم يأت بها حيث لم يأت بالمأمور به فيكون مخيرا في امتثال

المأمور به بين اى فرد شاء، و هذا معنى جواز العدول، و لكن نقول بانّه كما قلنا في محله بان الأمر بالمركب تعلق به و باجزائه، و لكن ليس الأمر بالاجزاء أمرا مقدميا و لا ضمنيا، بل هذا الأمر الواحد المتعلّق بالمركب انبسط على تمام اجزائه، فتعلقه بالاجزاء يكون بمعنى انبساطه على الاجزاء فبهذا المعنى صارت الاجزاء واقعة تحت الأمر، كذلك نقول بان الاوامر المتعلقة بالأجزاء تكون بهذا النحو، بمعنى ان السورة صارت متعلق

______________________________

في الصّلاة أو في السورة تقيده بعدم تبديل السورة أم لا فيكون المرجع هو البراءة.

(المقرّر)

(1)- (اقول قلت بحضرته مدّ ظله العالى في مجلس البحث بان الواجب هو السورة فهو و ان شرع في السورة و لكن امتثال الأمر بالسورة لا يتحقّق إلا بعد إتيان تمام السورة فلم يمتثل هذا الأمر بالشروع حتّى يقال بعد الامتثال لا مجال للتخيير فإذا قلت ذلك قال مدّ ظلّه في مقام الجواب).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 224

الأمر و ان كان امرها غيريّا كذلك ينبسط على الاجزاء بمعنى صيرورة الأمر بها منبسطا إلى كل جزء جزء من اجزاء السور، فيكون كل كلمة و آية على هذا مأمورا به بمعنى تعلق الأمر و انبساطه عليها فإذا كان كذلك نقول بان من يشرع في قراءة السورة بقصد امتثال السورة المأمور بها، فكل ما يقرأ من السورة من الكلمات و الآيات تصير امتثالا للمأمور به، و يسقط بمقداره الأمر الانبساطي، فبعد ما شرع المصلّي في سورة و قرء بعضها فبهذا المقدار امتثل الأمر، و بعد صيرورة ذلك المقدار فردا للامتثال و صالحا لأنّ يصير جزء للمركب، فكيف يمكن قلبه عما هو عليه و اخراجه عن هذه الصلاحية، فلا يجوز العدول

بحسب القاعدة، لأنّ معنى العدول قلب ما وقع فرد للامتثال عما هو عليه من صيرورته مصداقا للطبيعة و امتثالا للامر بها، و هذا غير ممكن، فلاجل هذا تكون مقتضى القاعدة هو عدم جواز العدول من سورة إلى سورة اخرى. «1»

______________________________

(1)- اقول كما قلت بحضرته ادام اللّه ظله في مجلس البحث بان من يدعى كون الأصل هو جواز العدول ان كان مراده ما اقول من ان إطلاق الأمر يقتضي تخيير المكلف في اختيار اى فرد شاء من أفراد الطبيعة المأمور بها فلو فرض تمامية ما افدت من كون و زان أبعاض الاجزاء و جزء الجزء وزان الجزء بالنسبة إلى المركب بمعنى كون اعتبار جزء الجزء اعتبار الجزء بالنسبة المركب فكما أن الأمر بالمركب ينبسط إلى الاجزاء كذلك ينبسط امر الجزء و ان كان غيريا الى اجزائه أي جزء الجزء فكما ان من يشرع في الصّلاة فبكل جزء يأتي به يسقط الأمر بالمركب بالنسبة إليه و ان كان سقوط كله مراعى باتيان ما بقى من الاجزاء كذلك من شرع في جزء من اجزائها فبكل مقدار يأتى من جزء الجزء يسقط الأمر بالجزء و ان كان سقوط كل امره مراعي باتيان جميع اجزاء الجزء (و الحال ان ذلك مورد الاشكال في النظر لعدم كون اعتبار جزء الجزء عند العرف اعتبار جزء الكل).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 225

مضافا إلى انّه يقال في الجواب عن الوجه الأوّل المتمسك بجواز العدول بان إطلاق الأمر و ان فرض اقتضائه تخيير المكلف في أفراد الطبيعة و لكن يكون ذلك قبل شروعه في الفرد و امّا بعد الشروع فلا نسلم هذا التخيير. «1»

______________________________

و لكن مع ذلك نقول بان ذلك لا يستلزم عدم بقاء التخيير،

حيث ان المكلف ما لم يمتثل الأمر يكون بالخيار بين امتثال الطبيعة في ضمن اى فرد شاء، ففي المقام ما لم يمتثل الأمر بالجزء و هو السورة لعدم إتيان تمام السورة على الفرض، بل هو مشتغل بها، فالامر بالجزء باق و لو باعتبار ما بقى من اجزائه، فالتخيير الّذي يقتضي إطلاق الأمر بالجزء باق بحاله، فله رفع اليد عما بيده من السورة و اختيار فرد آخر، و لا تقل بان ما وقع من الجزء للجزء و لا يقبل خروجه عن صلاحية الجزئية، فلا يمكن تبديل السورة بسورة اخرى، و اخراج ما وقع من الصلاحية الحاصلة له، لأنّ ذلك لا يوجب عدم جواز العدول حيث ان ما وقع من السورة، و ان كانت قابلة و صالحة لأنّ يصير جزء للسورة، و لكن حيث ان المصلّي لم يأت بما بقى من السورة و له التخيير و تبديل الفرد بفرد آخر في مقام امتثال الطبيعة، فله ان يأتى بما بقى من اجزاء ما بيده من السورة، و له رفع اليد و إتيان سورة اخرى، و لازم ذلك عدم قابلية ما اتى من السورة الاولى، لأنّ تصير فردا للطبيعة المأمور بها.

و الحاصل انّا نقول ان التخيير الّذي يقتضي إطلاق الأمر، باق ما لم يمتثل الأمر و لازم ذلك تخير المكلف إلى ما قبل إتيان السورة، و لو قبل آخر كلمة منها رفع اليد عنها و إتيان سورة اخرى، كما ان هذا التخيير في أصل الصّلاة و إتيان اى فرد من أفرادها و لو لم يكن قطع الصّلاة حراما لقلنا ببقاء التخيير و لو قبل عليكم من فرد من الصّلاة، و كون المكلف مخيرا بين اتمامها و بين رفع اليد

عنها و اختيار فرد آخر فهذا وجه صحيح. و لم يقم ما افاده مد ظله بنظري القاصر فافهم. (المقرّر)

(1)- اقول و في هذا الكلام نظر لانه ان لم يكن الأمر مطلقا فلا بدّ من الالتزام بكونه مقيدا فان ادعى ان إطلاق الأمر لا يقتضي التخيير بعد الشروع فلا بدّ من التزامه بان بعد الشروع يكون الأمر مقيدا بكون الطبيعة في ضمن ما شرع من الفرد و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به بل الأمر باق بإطلاقه و لم يصر مقيدا بكون امتثالها بالفرد الّذي شرع فيه فلا وجه لهذا الكلام.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 226

و امّا الوجه الثاني من الوجهين المتمسك بهما لكون الأصل هو جواز العدول اعنى الاستصحاب بان يقال كان المصلّي قبل الشروع في سورة خاصة مخيرا بين اختيار اى فرد شاء من السور فيستصحب هذا التخيير بعد الشروع في السورة الخاصة و اثره جواز العدول من سورة إلى سورة اخرى ففيه ان المعتبر في الاستصحاب هو بقاء الموضوع و اتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة و في المقام ليس الموضوع باقيا لتبدله فإنّ المتيقن تخييره قبل الشروع و قد تبدل ذلك لانه شرع في السورة هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

الموضع العاشر:
اشارة

قال المحقق رحمه اللّه في الشرائع «1» روى اصحابنا ان الضحى و الم نشرح سورة واحدة، و كذا الفيل و لايلاف، فلا يجوز أفراد إحداهما عن صاحبتها في كل ركعة.

اعلم ان هذا الحكم مشهور عند الاصحاب كما يظهر من الشيخ رحمه اللّه «2» و السيد رحمه اللّه «3» و الصدوق رحمه اللّه «4» و غيرهم، و يكفي وجها لهذا الحكم هو تسلم الحكم بين القدماء رحمه اللّه لما قلنا غير مرة من

انّه بعد كون بنائهم رحمه اللّه على الاقتصار في كتبهم على ذكر خصوص الفتاوي المتلقاة عنهم عليهم السّلام و كوننا و هم أهل النص و كونهم اللاحظين لبعض المجامع و كتب الحديث الّذي لم يصل إلينا، فمع ذلك كله لو اتوا على شي ء، و الحال ان العامة لم يقل به اصلا، فنكشف ذلك من وقوفهم على نص على هذا

______________________________

(1)- الشرائع، ج 1، ص 83 جواهر، ج 10، ص 20.

(2)- النهاية، ص 77.

(3)- الانتصار، ص 146.

(4)- الهداية، ص 135.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 227

الحكم، فعلى هذا نقول بانهم وقفوا على نص دالّ على الحكم المذكور، و افتوا على طبعة و لهذا قال السيّد رحمه اللّه في الانتصار «1» بان هذا الحكم من متفردات الامامية، و لهذا قال المحقق «2» رحمه اللّه روى اصحابنا.

هذا حال المسألة مع قطع النظر عما في ايدينا من الأخبار.

[في الروايات الواردة فى المسألة]

و امّا الأخبار فنقول: ذكر صاحب الوسائل رحمه اللّه روايات:

الاولى: ما رواها العلاء عن زيد الشحام (قال صلّى بنا ابو عبد اللّه عليه السّلام الفجر فقرأ الضحى و الم نشرح في ركعة). «3»

تدلّ الرواية على نقل فعله عليه السّلام و امّا كون وجه فعله من باب كونهما سورة واحدة، و لهذا جمع بينهما أو كان وجه فعله جواز القرآن بين السورتين فلا دلالة لها على احدهما فلا تدلّ لا على كونهما سورة واحدة، و لزوم الجمع بينهما لو بنى المصلّي على قراءتهما في الصّلاة و لا على عدمه.

الثانية: ما رواها ابن مسكان عن زيد الشحام (قال صلّى بنا ابو عبد اللّه عليه السّلام فقرأ بنا بالضحى و الم نشرح). «4»

و هذه الرواية لا تدلّ على كون قراءتهما في ركعة واحدة أو ركعتين

فلا دلالة لها على ما نحن فيه.

______________________________

(1)- الانتصار، ص 146.

(2)- الشرائع، ج 1، ص 83.

(3)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 228

الثالثة: ما رواها ابن أبي عمير عن بعض اصحابنا عن زيد الشحام (قال صلّى بنا ابو عبد اللّه عليه السّلام فقرأ في الاولى الضحى و الثانية الم نشرح لك صدرك). «1»

و هذه الرواية أوّلا قابل لأنّ تحمل على كون قراءة الضحى في الركعة الاولى و الم نشرح في الركعة الثانية من باب جواز التبعيض في السورة فقرأ بعضها في ركعة و قرا بعضها في ركعة اخرى، و ثانيا لا تدلّ إلا على نقل فعله عليه السّلام، و يمكن كون فعله لاجل التقية، و الحاصل انّه مع تسلم الحكم بين الاصحاب تكون الرواية معرضا عنها فلا يعتني بها.

الرابعة: ما رواها الفضل بن الحسن الطبرسى في مجمع البيان (قال روا اصحابنا ان الضحى و الم نشرح سورة واحدة و كذا سورة أ لم تر كيف و لِإِيلٰافِ قُرَيْشٍ). «2»

و قد ذكر في الباب بعض روايات اخرى و لا حاجة إلى ذكرها، لأنّ كل هذه الروايات لا يكفي لاثبات هذا الحكم المذكور و لا لنفيه، و العمدة هو تسلم الحكم بين قدماء الاصحاب رحمهم اللّه و لو شاء أحد ان يحتاط فالاحتياط إتيان سورة غير هذه الاربع المذكورة في مقام امتثال الأمر المتعلّق بطبيعة السورة في الصّلاة فافهم.

ثمّ ان هنا كلاما آخرا، و هو انّه بعد كون الضحى و الم نشرح سورة واحدة، و كذلك بعد كون أ لم تر و لايلاف سورة واحدة، لو

بنى المصلّي على إتيان الم نشرح بعد الضحى، فهل يجوز أو يلزم قراءة البسملة قبل الم نشرح أو لا يلزم أو لا يجوز قراءة

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 229

البسملة، و هكذا في أ لم تر و لايلاف، و بعبارة اخرى يأتي ببسملتين أو بسملة واحدة قبلهما، و هذه الجهة محل كلام و خلاف بين الاصحاب، يظهر من بعضهم عدم الافتقار إلى البسملة (و نسب في البحار هذا القول الى الاكثر، بل عن التهذيب عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة، و عن التبيان «1» و مجمع البيان ان الاصحاب لا يفصلون بينهما) و هذا مختار المحقق رحمه اللّه في الشرائع «2» حيث قال و لا يفتقر إلى البسملة بينهما على الاشهر، و يظهر من بعضهم الافتقار إليها، فهل الحق عدم الافتقار إليها أو الافتقار بها ما يمكن ان يكون وجها للاوّل.

امّا أوّلا فلانه بعد كون الضحى و الم نشرح على الفرض سورة واحدة و هكذا أ لم تر و لايلاف و البسملة تقع في ابتداء السورة فلا افتقار إلى البسملة بين الضحى و الم نشرح، و كذا بين أ لم تر و لايلاف.

و امّا ثانيا بان البسملة لم تكن في مصحف «3» أبي و قراءته اقرب القراءات بقراءته الائمة عليهم السّلام بل في رواية ما يدلّ على انهم عليهم السّلام يقرءون موافقا لقراءته، و امّا وجه لزوم قرأته البسملة فهو ان يقال بعد كون البسملة مذكورة في ابتداء كل من السور الاربع فمقدار المسلم كون هذه السورة الاربع سورتين، و امّا سقوط

البسملة من بينهما فلا وجه له مع كونها مذكورة في المصاحف.

[فى ذكر القول المشهور عند القدماء]

إذا عرفت ذلك نقول بانّه كما بينّا كان عدم الافتقار إلى البسملة بل عدم

______________________________

(1)- التبيان، ج 10، ص 371، مجمع البيان ج 5، ص 507.

(2)- الشرائع، ج 1، ص 73.

(3)- مجمع البيان، ج 5، ص 544.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 230

الفصل بينهما بها مشهورا عند القدماء قدس سرّه لما قلنا من ان ظاهر الشيخ رحمه اللّه في التهذيب «1» و في التبيان «2» و ظاهر الطبرسي رحمه اللّه في مجمع البيان «3» ظاهر المحقق رحمه اللّه و ظاهر المجلسي «4» رحمه اللّه هو كون عدم الفصل بينهما بالبسملة مشهورا مثل أصل الحكم بكونهما سورة واحدة، مضافا إلى ان الشافعي من العامة قال (ان البسملة آية من اوّل سورة الحمد بلا خلاف بينهم و في كونها آية من كل سورة قولان: احدهما آية من اوّل كل سورة، و ثانيهما: انّها بعض آية من كل سورة و انها انّما تتمّ بما بعدها فتصير آية، و قال أحمد و إسحاق و ابو ثور و ابو عبيدة و عطا و الزهري و عبد اللّه بن المبارك منهم انّها آية من اوّل كل سورة حتّى انّه قال من ترك بسم اللّه الرحمن الرحيم ترك مائة و ثلث عشر آية، و قال ابو حنيفة و مالك و الاوزاعي و داود منهم ليست آية من فاتحة الكتاب و لا من سائر السور فهم بين من يدعي كونها جزء القرآن و السورة، غاية الأمر بعضهم يقولون بكونها آية مستقلة من كل سورة، و بعضهم بانّها بعض الآية في غير الفاتحة، و امّا فيها فآية بلا خلاف، و بين من يدعى عدم

كونها جزء السور اصلا بل يقرأ تيمّنا و تبرّكا و بعد كون خارجية البسملة بهذا النحو عند المسلمين و هو كون البسملة الواقعة في اوائل السورة غير البسملة الواقعة في وسط سورة النمل، تقع في أوّلها اما من باب جزئيتها للسورة على قول، و امّا يتمنا على قول آخر، بحيث كانت دعوى كون البسملة واقعة في ما بين سورة من السور

______________________________

(1)- التهذيب، ج 2، ص 72.

(2)- التبيان، ج 10، ص 371.

(3)- مجمع البيان، ج 5، ص 507.

(4)- بحار الانوار، ج 82، ص 46.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 231

امر مستنكرا، و كان هذا الأمر عندهم واضحا بحيث ان من يقول بكونها آية من اوّل السور، قال من تركها ترك مائة و ثلث عشر آية فمع فرض كون خارجيتها هكذا عند المسلمين، فهل ترى من بيان كون الضحى و الم نشرح سورة واحدة و كون أ لم تر و لايلاف سورة واحدة إلا عدم كون البسملة فاصل بين الضحى و الم نشرح و بين الفيل و لايلاف لانها سورة واحدة ليست البسملة إلا في اوائل السور، فلاجل ذلك مع تسلم عدم الفصل بالبسملة بين القدماء قدس سرّه نقول بعدم الفصل بها و عدم افتقار بها في مقام القراءة في الصّلاة. «1»

______________________________

(1)- (اقول كما قلت بحضرته مدّ ظلّه في مجلس البحث اما أوّلا كما قال بعض بعد كون البسملة في ابتداء كل السور الاربع المذكورة في المصاحف فلا وجه لتركها غاية الأمر دلت الروايات على كونها سورة واحدة و لعل وجه تخيل كونها اربع سور لا سورتين هو ما رأوا من ان البسملة في اوائل كل منها فدفع هذا التوهّم بانّها سورتان و ليس الافتتاح بالبسملة دليلا

على كونها اربع لعدم منافات بين الفصل بالبسملة بينهما و بين كونهما سورة واحدة و امّا ثانيا و هو العمدة فهو انّه ان قلنا كما افاد مدّ ظله بان معنى ورود الرواية منهم عليهم السّلام بانهما سورة واحدة هي عدم جواز الفصل بينهما بالبسملة و عدم كون بسملة بينهما و يضم ذلك مع ما هو مسلم عندنا من ان البسملة جزء لكل سورة و من جملة اجزاء القرآن فإذا قلنا بعدم الفصل بينهما بالبسملة و معناه عدم كون هذه البسملة جزء للسورة و اجزاء القرآن المنزل من السماء فمع كونها في المصاحف و كونها من جملة ما بين الدفتين و عدّها من القرآن الكريم فلازم هذه الدعوى كون البسملة الفاصلة بينهما من الزيادات الواقعة في الكتاب الكريم و بعبارة اخرى توجب هذه الدعوى القول بزيادة البسملتين في القرآن و لازم ذلك هو الالتزام بالتحريف في الكتاب العزيز و الحال ان بطلان التحريف بالزيادة فيه من المسلمات عند الخاصّة و ان كان كلام في التحريف بالنقيصة و الحال ان الحق فساد القول بالتحريف بالنقيصة أيضا و امّا ثالثا فيمكن ان يقال بجواز قراءة البسملتين في الصّلاة لو بنى المصلّي على قراءة السورتين من اربع سور المذكورة و الفصل بين السورتين.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 232

[في ذكر قول الفقهاء فى الفصل بالبسملة و عدم الفصل]

اعلم ان الشّيخ رحمه اللّه و صاحب مجمع البيان رحمه اللّه و بعض آخر كالمحقّق رحمه اللّه في الشرائع ملتزمون بعدم الفصل بينهما بالبسملة و ابن ادريس «1» رحمه اللّه و المحقّق رحمه اللّه في المعتبر و جمع من المتأخرين التزموا بقراءته البسملة الفاصل بينهما، فمن التزامهم لا يمكن كشف نص على لزوم قراءته مع التزام مثل الشّيخ رحمه اللّه في

التبيان بعدم الفصل

______________________________

بالبسملة لما ورد في الرواية بانّه (اقرءوا كما يقرأ الناس) فلو لم نقل بكون البسملة الفاصل بينهما جزء للقرآن و لكن تجب قراءتها في الصّلاة لاجل ذلك و ان قلت بان اقرءوا كما يقرأ الناس يكون في مقام بيان القراءة على طبق قرأته الناس في صورة اختلاف القراءات لا في مثل المقام قلت بانه لا مانع لشمولها لمثل المورد أيضا و امّا رابعا و هو الوجه الّذي قلت بحضرته مدّ ظلّه في اليوم البعد حين البحث و هو اليوم الاثنين الخامس من جمادى الاولى من شهور سنة 1373 من الهجرة و هو انّه بعد ما نرى من كون البسملة مذكورة بين الضحى و الم نشرح و بين الفيل و لايلاف و بعد كون البسملة على مختارنا جزء للقرآن و آية من كل سورة فالضحى و الم نشرح مع بسملتهما سورة واحدة و كذلك الفيل و لايلاف مع بسملتهما سورة واحدة من القرآن فإذا قال المعصوم عليه السّلام و روى عنه بان الضحى و الم نشرح سورة واحدة أو ان الفيل و لايلاف سورة واحدة فظاهر كلامه عليه السّلام هو كونهما بالوضع الّذي يكون في القرآن أعنى مع بسملتهما سورة واحدة و ان كانت البسملة خارجة فكان المناسب ان يبينه عليه السّلام فنفس ما ورد من كونهما سورة واحدة دليل على احتياجهما ببسملتين و عدم كون البسملة الفاصلة خارجة عنها و الشاهد على صدق مدعانا هو ما ترى من ان في البعض السور المحكوم باحكام لا يقال ان البسملة خارجة عنها مثلا إذا قال اقرأ سورة الجمعة و المنافقين لا يقال ان بسملتهما ليست جزء السورتين بل الظاهر كون السورة بتمامها محكومة بحكم

الكذائي مع بسملتها و ليس هذا إلا من باب ان السورة تشمل للبسملة أيضا ففي المقام بعد ما يقول الضحى و الم نشرح سورة واحدة لا يفهم منه الا كونهما بوضعهما في القرآن و هو كونهما مبدوتان بالبسملة سورة واحدة فافهم ثمّ ان مدّ ظله العالى عطف عنان كلامه حول ما افاده سابقا من عدم الفصل بالبسملة بينهما بعد ذكر القائلين بكلي طرفين في المسألة فقال). (المقرّر)

(1)- السرائر، ج 1، ص 221.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 233

بينها بالبسملة، فعلى هذا نقول يظهر من الفخر الرازي في تفسيره الكبير بان في العامة من يقول بكونهما سورة واحدة و انه لا يفصل بينهما بالبسملة، و على هذا ليس الحكم من متفردات الامامية كما قال السيّد رحمه اللّه (الا ان يقال بان القائل بينهم قليل بحيث لا تعدّ المسألة خلافيا عندهم)، و كما قلنا سابقا كل من يقول منهم بكون البسملة جزء من السور أو يقول بعدم جزئيتها لها بل يذكر تيمنا و تبركا يقول بكون البسملة في ابتداء السور، فعلى هذا ما له الخارجية هو كون البسملة في غير سورة النمل واقعة في ابتداء السور، فلكل سورة بسملة اما جزء أو تيمنا، فمع هذه الخارجية عند المسلمين إذا قال المعصوم عليه السّلام بانّ الضحى و الم نشرح سورة واحدة و الفيل و لايلاف سورة واحدة لا يفهم إلا عدم كون البسملة بينهما بل لهما بسملة واحدة في أوّلهما، و لهذا كما نقل الفخر من يقول من العامة بكونهما واحدة يقول بعدم الفصل بالبسملة، و هذا ليس إلّا من باب ان لكل سورة بسملة واحدة عندهم و بعد كونهما سورة، فليس لهما إلّا بسملة واحدة فلا يبقى منشأ

لتوهّم كون البسملة الفاصلة جزء لها إلّا ممّا يرى في المصاحف الّتي تكون بايدينا انّه كتبت فيها هذه السورة الاربع مع البسملات الاربع، و هذا لا يكفي لاثبات جزئية البسملة الفاصلة بينهما، لانّه بعد عدها سورة واحدة و كون البسملة في اوّل كل سورة فلا يعلم كون البسملة الفاصلة بينهما جزء للقرآن.

ان قلت بان البسملة الفاصلة بينهما صارت سببا لتوهم كونهما سورتين فهذه البسملة ليست خارجة منها.

قلت بعد تنزيل ما ورد منهم عليهم السّلام من كونهما سورة واحدة على عدم فصل

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 234

بالبسملة كما فهم الاصحاب، لاجل ما كان معروفا خارجا من كون البسملة في ابتداء كل سورة، لا ما بين السور إلا في سورة النمل، فلا يبقى مجال لتوهم كون البسملة جزء لها و من ذكر البسملة بينهما هو من يقول بكونهما سورتين، و الّا من يقول من العامة بكونهما سورة واحدة يقول بانّه لا يفصل بينهما بالبسملة كما نقل الفخر في تفسيره، فمما ذكرنا يظهر لك ان الحق هو انّه لا يفصل بينهما بالبسملة و لو أراد أحد ان يأتى بها يمكن ان يأتي بها بقصد الرجاء و لا يمكن قراءتها بقصد الجزئية فافهم.

و امّا الاجماع على عدم التحريف بالزيادة في القرآن فمع قول الشّيخ رحمه اللّه بعد الفصل بينهما بالبسملة لا يصح دعوى شمول هذا الاجماع للمورد فلا وجه للاشكال بان القول بعدم الفصل بينهما بالبسملة يوجب الالتزام بالتحريف بالزيادة في الكتاب العزيز المجمع عليه بطلانه لما قلنا من عدم شمول الاجماع للمورد. «1»

الموضع الحادى عشر:
اشارة

اعلم ان وجوب الجهر بالقراءة على الرجال في ركعتي الفجر و اولتين من المغرب و العشاء و الاخفات في غيرها يكون تقريبا من المسلمات

عند الخاصة، و ان خالف في ذلك المرتضى رحمه اللّه، و قال باستحباب الجهر في هذه الموارد، و لا إشكال في كون عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك، و كذلك الصحابة و التابعين، و لهذا كان الجهر في بعض الصلوات و الاخفات في بعضها امرا مفروغا عنه عند المسلمين فلو ترى عدم ذكر في كل الروايات أو في بعضها عن الموضع الّذي يجب فيه الجهر من الصلوات أو الاخفات بل يرى ذكر حكمه في الروايات فقط،

______________________________

(1)- اقول كما قلت سابقا الالتزام بعدم الفصل بينهما بالبسملة ممّا لا افهم له وجها وجيها لما قلت سابقا فلا نطيل الكلام باعادته. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 235

يكون ذلك لاجل ما قلنا من كون العمل على الجهر في الموارد المذكورة و الاخفات في غيرها، و مع كون العمل على ذلك فكان محل الجهر و هو ركعتي الفجر و اولتين من المغرب و العشاء امرا معلوما غير محتاج تعرضه في ضمن الاسئلة و الاجوبة في الروايات.

[في ذكر الروايات المربوطة بالباب]

إذا عرفت ذلك كله نعطف عنان الكلام إلى ذكر روايات الباب فنقول بعونه تعالى:

الاولى: و هي تدلّ على بيان ذكر علّة الجهر في ما يجهر و الاحفات في ما يخفت و فيها التعرض لوجوب الجهر في الموارد المذكورة. «1»

الثانية: و هي مشتملة على ذكر علّة اخرى لجعل الجهر في الموارد المعلومة و الاخفات في بعض الموارد. «2»

الثالثة: و يستفاد منها كون المجعول الجهر في بعض الموارد و الاخفات في بعض الموارد. «3»

الرابعة: الرواية 4 من الباب المذكور. «4»

الخامسة: تدلّ على ان فعل الرضا عليه السّلام كان على الجهر في الموارد الثلاثة المذكورة و في صلاة الليل و الشفع

و الوتر و الاخفات في الظهر و العصر. «5»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(5)- الرواية 5 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 236

السادسة: ما رواها زرارة (عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل جهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه و اخفي في ما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال اى ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الاعادة فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمّت صلاته) «1».

السابعة: و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال قلت رجل جهر بالقراءة في ما لا ينبغي الجهر فيه أو اخفي في ما لا ينبغي الاخفاء فيه و ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه او قرء في ما لا ينبغى القراءة فيه فقال اى ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شي ء عليه). «2»

تدلّ الرواية السادسة على التفصيل بين ترك الاجهار في ما ينبغي الاجهار فيه، و ترك الاخفاء في ما ينبغي الاخفاء فيه عمدا، فتجب الاعادة، و بين تركه ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى، فلا تجب الاعادة، فمن وجوب الاعادة بترك ذلك عمدا نفهم كون الاجهار في ما ينبغي الاجهار فيه، و الاخفاء في ما ينبغي الاخفاء فيه واجب.

و يستفاد من الرواية السابعة أيضا لكن ليس ظهورها مثل السادسة (و على كل حال لو كنا

و هذه الروايات يستفاد من مجموعها كون الجهر مجعولا، كما في بعضها و واجبا كما في بعضها في الموارد المذكورة، و الاخفاء في غيرها، و عدم التصريح بموضع الجهر و الاخفات، أعنى عدم التصريح بان محل الجهر هو الركعتان من الفجر، و ركعتان من المغرب و العشاء، و الاخفاء في الظهر و العصر لا يضرّ بالمقصود، لانّه بعد معهودية عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصحابة و التابعين على الجهر في هذه الموارد،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 26 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 26 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 237

و الاخفاء في غيرها تكون الأخبار ناظرة إليها، فإنّ قوله جهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه، أو اخفي في ما لا ينبغي الاخفاء فيه، يكون ناظرا إلى ما هو المغروس عند السائل من كون مواضع الاجهار الموارد المذكورة و موارد الاخفاء غيرها.

هذا حال هذه الأخبار، و في قبال ذلك كله الرواية الّتي رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى عليه السّلام (قال سألته عن الرجل يصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه ان لا يجهر قال ان شاء جهر و ان شاء لم يفعل). «1»

تدلّ بظاهرها على تخيير المصلّي بين الاجهار في موضع الجهر، و بين الاخفاء.

[في ذكر الفتاوى]

هذا كله الأخبار المربوطة بالمقام، اما الفتاوي: فامّا العامة فالجمهور منهم قائلون باستحباب الجهر في المواضع المذكورة، و المخالف فيهم على ما في التذكرة ليس إلا أبي ليلى فانّه قال بوجوب الجهر كما عليه المشهور من الخاصة، و اما الخاصة فالمشهور بينهم هو وجوب الجهر، بل لم ينقل الخلاف إلا

عن السيّد رحمه اللّه و الاسكافي رحمه اللّه فانهما قائلان بالاستحباب كما ذهب إليه جمهور العامة.

إذا عرفت ذلك نقول، بانّه كما قلنا لا إشكال في كون عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو الجهر في المواضع المذكورة، كما ان عمله مسلم عند المسلمين و كان تسلم عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك بنحو وقع الخلاف بين العامة في وجوب قراءة شي ء في الثالثة من المغرب و ركعتي الآخرتين من العشاء و عدمه، فمن يقول منهم بعدم وجوب شي ء يدعي ان من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يسمع شي ء فيها، فعمله مسلم بانّه كان يجهر في المواضع المذكورة فإذا ضم عمله الشريف مستمرا على الجهر مع قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بانّه (صلوا كما رأيتمونى

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 238

اصلي) تكشف من عمله وجوب الجهر، و لا يقال من ان الفعل اعم من كونه من باب الوجوب أو الاستحباب لما قلنا من ان عمله مع قوله المذكور يفيد الوجوب.

فمما ذكرنا يظهر لك بانّه ان كنا في محيط فقه العامة و اغمضنا عن النصوص الواردة من أهل البيت عليهم السّلام و مشينا على رويتهم، فلا بدّ لنا من الالتزام بالوجوب لا استحباب الجهر، و على كل حال نقول: اما عندنا فقد دلت رواية زرارة المتقدمة ذكرها على نقض الصّلاة و وجوب اعادتها لو جهر في ما لا ينبغى الاجهار فيه، و اخفي في ما لا ينبغي الاخفاء فيه، متعمدا و في قبالها دلت رواية علي بن جعفر المتقدمة ذكرها على

عدم وجوب الجهر، و تخيير المكلف بين الجهر و الاخفات، و افتى على طبق الاولى الشّيخ رحمه اللّه و غيره و على طبق الثانية السيّد رحمه اللّه فما نقول نحن في المقام

[في ذكر الوجوه في ما نحن فيه]
اشارة

ما يمكن أن يقال وجوه:

الوجه الأوّل:

ان يقال بانّه بعد كون جمهور العامة قائلين بالاستحباب لا الوجوب، فتحمل رواية علي بن جعفر على التقية، فتكون رواية زرارة بلا معارض.

و فيه، ان حمل رواية علي بن جعفر على التقية مشكل، لانه مع ثبوت عمل مستمر من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الجهر عند العامة، فلا موجب لأنّ يفتي موسى بن جعفر عليهما السّلام على التخيير تقية، لانه لو عرفت العامة التزام الخاصّة بالوجوب لا يوجب محذور للشيعة (و له عليه السّلام فحمل الرواية على التقية مشكل. «1»

______________________________

(1)- اقول لا ينافي ثبوت عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع كون اظهار حكم وجوب الجهر خلاف التقية، لان التقية كانت في اظهار خلاف فتواهم و رأيهم، كما ترى في ساير موارد التقية، فإنّ الشيعة لو اظهروا حكما على خلاف فتوى علمائهم صاروا في معرض الايذاء و ان كان حكمهم.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 5، ص: 239

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 239

[في ذكر الوجه الثاني و الثالث]

الوجه الثاني: ان يقال بجمع العرفي بينهما، بان ظاهر رواية زرارة وجوب الاعادة مع عدم الجهر، و رواية علي بن جعفر نص في عدم وجوب الجهر، فيحمل الظاهر على النص و تكون النتيجة هي استحباب الجهر.

و فيه، انّه و ان كان هذا الجمع جمعا عرفيا في حدّ ذاته، و موافقا لما مشينا و قلنا في الأمر من ان امر المولى و بعثه الى فعل من الافعال، و يفيد هذا البعث في حدّ ذاته الوجوب لو لم يصل بيان من المتكلم الآمر على الاستحباب بالتفصيل الّذي قلنا في الاصول،

ففيما ورد طلب في دليل و ورد جواز تركه في دليل آخر فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب، و لكن لا مجال لهذا الجمع في المقام، لأنّه و لو فرضت قابلية حمل فعله عليه السّلام في رواية زرارة (و عليه الاعادة) على الاستحباب بقرينة رواية علي بن جعفر، و لكن قوله في رواية زرارة قبل هذه الفقرة (فقد نقض صلاته) غير قابل على الحمل على الاستحباب فلا وجه لهذا الجمع.

الوجه الثالث: هو ان يقال بانّه بعد عدم امكان جمع العرفي بين الروايتين، لأنّ قوله في رواية زرارة (فقد نقض صلاته) صريح في نقض الصّلاة بترك الجهر عمدا، و رواية علي بن جعفر تدلّ على جواز ترك الجهر و لازمه عدم نقض بترك الجهر، فبينهما التعارض.

______________________________

على طبق عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو روايته، ففي المقام بعد كون جمهور العامة قائلين بالاستحباب يمكن كون حكم موسى بن جعفر عليه السّلام على خلاف التقية، لكن يوهن الحمل على التقية من جهة اخرى، و هو ان التخيير معناه كون طرفي التخيير مساويا، و هذا مخالف مع القول باستحباب أحد طرفي المسألة، فالحكم بالتخيير مخالف مع فتوى العامة من استحباب الجهر، فعلى هذا يكون حمل الرواية على التقية مشكل). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 240

نقول بانّه في مقام التعارض حيث انّه لا بد من الاخذ بما فيه المرجح من الروايتين فلا إشكال في لزوم الاخذ برواية زرارة، و طرح رواية علي بن جعفر لكون الشهرة الفتوائية و الروائية على طبق رواية زرارة، فبهذا الوجه نقول بان الحق هو وجوب الجهر في المواضع المذكورة و الاخفات في غيرها، فافهم.

[في ذكر بعض الفروع فى المسألة]
اشارة

ثمّ اعلم ان هنا فروعا:

الفرع الأوّل:
اشارة

في انّه بما يتحقّق الجهر و الاخفات.

قد يقال بان اقل الجهر هو ان يسمع الكلام القريب الصحيح إذا استمع و الاخفات ان يسمع نفسه ان كان يسمع، و قد يقال بان الحق هو كون الجهر و الاخفات من الصفات العارضة للصوت، فيقال صوت جهوري، و لا يبعد كون الأمر كذلك، لانّهما و صفان للصوت، فلو كان للصوت جوهر يقال انّه اجهر في صوته و ان لم يسمعه أحد، و يقال للصوت الّذي لم يكن له جوهر بانّه اخفي في صوته و ان يسمعه أحد، فالميزان في الجهر و الاخفات هو هذا.

[في ذكر الروايات الواردة فى الباب]

و امّا الأخبار فلا دلالة لها على إثبات ما استظهرنا، و لا على خلافه فتذكر الأخبار حتّى يظهر لك ذلك فنقول بعونه تعالى بان الروايات هي ما جمعها صاحب الوسائل رحمه اللّه في الباب 33 من أبواب القراءة في الصّلاة:

الاولى: و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال لا يكتب من القراءة و الدعاء إلا ما اسمع نفسه). «1»

هذه الرواية تدلّ على عدم كتابة القرآن و الدعاء إلا ما اسمع نفسه مطلقا، و لا

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 241

اختصاص لها بخصوص القراءة في الصّلاة، بل لا اختصاص لها بخصوص القراءة و الدعاء و الاذكار في الصّلاة، و الظاهر ان المراد منها بقرينة بعض ما يأتى من الروايات هو انّه لا يكتب إذا كان مثل حديث النفس بان يحرك لسانه، و لكن لا يكون صوت، فإن تدلّ بإطلاقها لحال الصّلاة، فتدل على عدم كفاية ما لا يسع نفسه، اى يكون تحريك لسان فقط، لا ان يكون صوت في البين

مثل حديث النفس فلا ربط لها بما نحن بسدده من تعيين حدّ الجهر و الاخفات، لأنّ غاية ما يمكن دلالتها عليه هو عدم كفاية هذا المقدار، و امّا ما حدّ الجهر و الاخفات فلا تدلّ عليه.

الثانية: ما رواها سماعة (قال سألته عن قول اللّه عز و جل و لا تجهر بصلوتك و لا تخافت بها قال المخافة ما دون سمعك و الجهر ان ترفع صوتك شديدا). «1»

و هذه الرواية غير مربوطة بالمقام، لانّها لا تدلّ إلا على ان المخافة ما دون سمعك و الجهر رفع الصوت شديدا، و امّا حدّ الوسط بينهما و هو الجهر و الاخفات الذي نحن بسدده فلا دلالة لها لاحدها.

الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن سنان (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام على الامام ان يسمع من خلفه و ان كثروا فقال ليقرأ قراءة وسطا يقول اللّه تبارك و تعالى و لا تجهر بصلوتك و لا تخافت بها). «2»

لا تدلّ الرواية إلا على ان الامام يقرأ قراءة وسطا، و لا دلالة لها على ان ما هو حدّ الجهر و الاخفات فلا تكون مربوطا بالمقام.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 242

الرابعة: ما رواها الحلبي (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه على فيه قال لا بأس بذلك إذا اسمع اذنيه الهمهمة). «1»

تدلّ بظاهرها على كفاية سماع الهمهمة.

الخامسة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال سألته عن الرجل يصلح له ان يقرأ في صلاته

و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته في غير ان يسمع نفسه قال لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما). «2»

ذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في الباب 52 أيضا مع اختلاف يسير في المتن مع النقل المذكور، و هي هذه (عن علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصلح له ان يقرأ في صلاته و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير ان يسمع نفسه قال لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما). «3»

نقل صاحب الوسائل الرواية في كل من البابين عن الشّيخ رحمه اللّه و على ما في تهذيب الشّيخ رحمه اللّه تكون الرواية هكذا (محمد بن أحمد بن يحيى العمركي عن علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصلح له ان يقرأ في صلاته و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير ان يسمع نفسه قال لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما). «4»

السادسة: و هي ما رواها إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في قوله

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 52 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- التهذيب، ج 2، ص 97، ح 365.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 243

عز و جل و لا تجهر بصلوتك و لا تخافت بها قال الجهر بها رفع الصوت و التخافت ما لم تسمع نفسك و اقرأ ما بين ذلك). «1»

السابعة: و روى أيضا (القائل علي بن ابراهيم) عن أبي جعفر الباقر عليه

السّلام (قال الاجهار ان ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك و الاخفات ان لا تسمع من معك و الا يسيرا). «2»

هذا كله في روايات الباب.

[في ذكر كلمات الفقهاء فى مفهوم الجهر و الاخفات]

ثمّ اعلم بانّه كما قلنا الجهر و الاخفات يكون من صفات الصوت، و ليس معناهما و تفسيرهما سماع الغير الصوت، و سماع النفس الصوت فمن تخيل بان معنى الجهر هو سماع الغير و من الاخفات سماع النفس فكل صوت يسمعه الغير فهو جهر و كل صوت لا يسمعه الغير بل يسمعه النفس هو الاخفات فقد تخيل تخيلا فاسدا، لانه لا يستفاد ذلك لا من الروايات كما عرفت و لا من كلمات من تعرض للمسألة من قدماء فقهائنا قدس سرّه فننقل أوّلا عباراتهم حتّى تعلم ان ما نقول حقا.

قال الشّيخ رحمه اللّه في النهاية «3»، و اذا جهر لا يرفع صوته عاليا بل يجهر متوسطا، و اذا خافت فلا يخافت دون اسماعه نفسه ذكر في المبسوط «4» أيضا نحوه، و قال في موضع آخر من المبسوط و لا يجوز ان يقرأ في نفسه، بل ينبغي ان يسمع نفسه ذلك

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- النهاية، ص 80.

(4)- المبسوط، ج 1، ص 108.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 244

و يحرّك به لسانه، و قال المفيد رحمه اللّه «1» في المقنعة بعد ذكر الجهر في الجهرية و الاخفات في الاخفاتية، و لكن لا يخافت بما لا يسمعه اذنبه من القرآن.

اما كلامهما المتقدم ذكره فليس تفسيرا للجهر و الاخفات أصلا، بل هو في الحقيقة بيان المراد من الآية الشريفة وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا

تُخٰافِتْ بِهٰا وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلًا نظير بعض الروايات الواردة في تفسيرها، غاية الأمر بيّن الشيخ رحمه اللّه مورد النهي من كلي طرفي الجهر و الاخفات و المفيد رحمه اللّه ذكر مورد النهي من الاخفات فقط، و لم اجد هذا الحكم و لا تفسيرا للجهر و الاخفات في الكافي و الغنمية و لم و لا في الاقتصاد و الجمل و القعود و جمل العلم و العمل و شرحه و المقنع و الهداية و قال الشيخ رحمه اللّه في التبيان «2» و قوله (و لا تجهر بصلوتك و لا تخافت بها و ابتغ بين ذلك سبيلا) نهى اللّه عن الجهر العظيم في حال الصّلاة و عن المخافة الشديدة و امر ان يتّخذ بين ذلك سبيلا و حدّ اصحابنا الجهر في ما يجب الجهر فيه بان يسمع غيره و المخافة بان يسمع نفسه، و قال المحقق «3» رحمه اللّه في المعتبر: و أقل الجهر أن يسمع غيره و الاخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سميعا و هو إجماع العلماء و لأنّ ما لا يسمع لا يعدّ كلاما و لا قراءة الخ.

و ذيل عبارة الشّيخ رحمه اللّه في التبيان و عبارة المحقق رحمه اللّه و إن كان في مقام ذكر ما يعتبر في الجهر و الاخفات في القراءة في الصّلاة حيث قال الأوّل: و حدّ أصحابنا الجهر الخ و الثاني: و أقل الجهر أن يسمع غيره و الاخفات أن يسمع نفسه (الخ)، و لكن

______________________________

(1)- المقنعة، ص 141.

(2)- التبيان، ج 6، ص 533.

(3)- المعتبر، ج 2، ص 177.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 245

مع ذلك ليس مرادهما ذكر حدّ الحقيقى للجهر و الاخفات و بيان

المراد منهما و تفسيرهما، بل نظرهما إلى أمر آخر و هو أنّ الجهر و الاخفات الواجبين في القراءة يعتبر فيهما أن يسمع الغير في الجهر و أن يسمع النفس في الاخفات فخصا الجهر و الاخفات الواجبين بهذين الموردين رحمه اللّه.

[في ذكر نكتة لطيفة فى الباب]

فظهر لك ممّا قلنا نكتة لطيفة و هي أنّ ظاهر أخبار الباب و ظاهر كلام الفقهاء ليس تفسيرا للجهر بأنّه ما يسمع غيره و الاخفات ما يسمع نفسه فانقدح بذلك امور:

الامر الأوّل: أنّه إن كان سماع الغير تفسيرا للجهر و سماع النفس تفسيرا للاخفات فلا يبقى مجال للنزاع في تعيين حدّ الصوت و لأن يقال: إنّ الحد في الجهر ظهور جوهر الصوت و في الاخفات عدم ظهور جرس الصوت لأنّه بعد كون الجهر عبارة عن صوت يسمعه الغير و الاخفات عبارة عن صوت يسمعه النفس فيدور الجهر و الاخفات مدارهما.

الامر الثاني: إنّ سماع الغير و سماع النفس ليس تفسيرا للجهر و الإخفات و لا يستفاد ذلك لا من رواية و لا من كلام القدماء رحمه اللّه.

الامر الثالث: من توهّم مثل صاحب مفتاح «1» الكرامة رحمه اللّه من كون كلام الشيخ رحمه اللّه أو غيره تفسيرا واحدا للجهر و الاخفات يكون في خطاء بل خصوا الجهر الواجب بما يسمع غيره، و الاخفات الواجب بما يسمع نفسه، فقيّدوهما بقيد لا أنّ حقيقتهما قائمة بهما كما بينا لك في مطاوي كلماتنا.

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة، ج 2، ص 365.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 246

[في ذكر المقامات فى المورد]
اشارة

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في مقامات:

المقام الأوّل:

في أنّه هل يعتبر في الجهر الواجب في بعض الصلوات و الاخفات الواجب في بعضها أمر آخر سوى ظهور جرس الصوت و عدم ظهوره أم لا؟ و بعبارة اخرى هل يعتبر في أقل مرتبة الجهر أن يكون بحيث يسمع الغير و في أقل مرتبة الاخفات أن يكون بحيث يسمع نفسه أم لا يعتبر ذلك؟

قد يقال بأنّ مقتضى الرواية الاولى و الثانية المتقدمتان هو اعتبار إسماع النفس في أقل الاخفات، لأنّ مفاد الاولى هو عدم كتابة القرآن و الدعاء في ما لا يسمع نفسه، و لأنّ مفاد الثانية هو كون المخافة المنهي عنها ما دون سمعك، فيستفاد منهما عدم عدّ هذه المرتبة اخفاتا واجبا في الصّلاة و لكن كما بينّا سابقا ليس اسماع الغير دخيلا في حقيقة الجهر و لا إسماع النفس دخيلا في حقيقة الاخفات.

فنقول: أمّا ما قيل من اعتبار السماع النفس في صدق أقل مرتبة الاخفات بأنّ الروايتين تعرضتا لا لخصوص الجهر و الاخفات في القراءة، بل الاولى متعرضة لأقل مرتبة يكتب من القراءة و الدعاء و القراءة أعم من حال القراءة في الصّلاة و غيرها، فتشمل جميع الأذكار الصّلاة و كذلك الثانية تشمل جميع أذكار الصّلاة، و المراد منهما عدم البلوغ بمرتبة لا يسمع النفس، و هل هذا القيد أخذ بنحو الموضوعية بمعنى: أنّه و لو علم القارى بأنّه قرأ اخفاتا، و تحقق الصوت الاخفاتية أى: الهمس في الصوت يجب مع ذلك إسماع النفس أو أخذ بنحو الطريقية بمعنى: أنّ سماع النفس طريق إلى تحقق الصوت بعنوان القراءة الاخفاتية و أمارة عليه رحمه اللّه.

ثمّ إنّ سماع النفس المأخوذ هل يعتبر أن يكون فعليا، أو يكفي تقديرا

بمعنى: أنّه يعتبر ان يسمع النفس الصوت فعلا، و لازمه هو لزوم السماع النفس و إن كان مانع

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 247

للسمع و هذا معنى اعتبار اسماع الفعلي أو يكفي أن يكون الصوت بمرتبة لو لم يكن مانع في البين كان يسمعه نفس المتكلم القاري و هذا معنى اسماع التقديري.

و بعبارة اخرى هل يعتبر في صدق أنّ الشخص أتى باقل الواجب من الاخفات أن يتأثر بسببه مضافا إلى تأثر مقاطع الحروف آلة السمع أيضا أو لا يعتبر ذلك بل يكفي كون تاثر مقاطع الحروف بسببه بحيث لو لم يكن للسامعة مانع يتأثر منه سامعة القاري.

فأقول: لا وجه للالتزام بفعلية السماع بل إن كان السماع معتبرا، فهو معتبر تقديرا بمعنى: أن يكون الصوت بحيث لو لم يكن مانع في البين يسمعه القاري و هذا واضح و بعد ذلك نقول: بأنّه يمكن دعوى دخل ذلك على وجه الطريقية لا الموضوعية بمعنى: كون سماع نفسه أمارة على تحقق الصوت و وجه ذلك هو أنّ الصوت إن كان صوتا فيسمعه نفس المتكلم و بعبارة اخرى إن لم يكن ما يتكلم به مثل حديث النفس بل كان أقل مرتبة الصوت فيكون خارجا قابلا لأن يسمعه نفس المتكلم و حيث لا يكون تفكيك بينهما أعنى: بين أقل مرتبة الصوت و بين اسماع نفسه خارجا، فجعل إسماع النفس أمارة على ذلك فلا يستفاد من الروايتين أخذ اسماع نفسه على وجه الموضوعية بحيث يدور صدق اقل مرتبة الاخفات مداره.

و أمّا اعتبار سماع الغير في أقل الجهر فلا دليل عليه أصلا، نعم بعد ظهور جوهر الصوت في الجهر فيكون الصوت بحدّ من العلو يكون قابلا لأن يسمعه الغير فافهم.

المقام الثاني:

لو فرض اعتبار

سماع النفس فهل المعتبر هو سماع مادة الصوت فقط و إن لم يسمع هيئة الصوت أو يعتبر سماع مادته و هيئة، و بعبارة اخرى

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 248

لو قرأ الشخص آية فهل المعتبر سماع جامع الصوت الّذي يوجد بقراءتها و إن لم يسمع الالفاظ و الكلمات و الحروف، أو يعتبر سماع ذلك، مقتضى الرواية الاولى اعتبار سماع الصوت من المادة و الهيئة، لأنّه قال فيها (لا يكتب من القراءة و الدعاء الّا ما اسمع نفسه) فظاهرها إسماع نفسه القراءة و الدعاء و لا يصدق سماع القراءة و الدعاء إلّا إذا سمع الصوت بمادته و هيئة من الكلمات و الحروف.

و قد يقال: بأنّ الرواية الرابعة المتقدمة تدلّ على كفاية سماع الهمهمة و هو يحصل بسماع مادة الصوت فقط، و بذلك نقول بكفاية سماع الهمهمة، و ليست هذه الرواية معارضة مع الرواية الاولى لأنّ الاولى تكون في مقام بيان أصل اعتبار السماع و هذه الرواية تبين أن السماع اللازم هو سماع مادة الصوت لا المادة و الهيئة معا. «1»

المقام الثالث:

قد مر أنّ ما ذكر من اعتبار سماع الغير في أقل الجهر لا دليل عليه أصلا، و كذا لا يستفاد من الرواية الاولى و الثانية كون سماع النفس دخيلا على

______________________________

(1)- أقول: هذا ما قلت بحضرته مدّ ظلّه في مجلس البحث) و لكن الرواية الاولى يكون لسانها سماع القراءة و الدعاء و سماع الهمهمة لا يكون سماعا للقراءة و الدعاء فلا يمكن أن يقال بكون الرواية الرابعة شارحا لها.

و أمّا الرواية الخامسة من الروايات المتقدمة الّتي نقلها صاحب الوسائل رحمه اللّه في أحد الأبواب بنحو و في باب آخر بنحو آخر عن الشّيخ رحمه اللّه فحيث

إنّ عبارة التهذيب الّتي نقلناها هي هكذا (قال: لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما) فهي تدلّ على عدم لزوم كون صوت أصلا، فلا يمكن الأخذ بها، بل تحمل على ما حملها الشيخ رحمه اللّه من كون ورودها مورد ابتلاء الشخص بالامام المخالف فيكفي في هذا الحال هذا المقدار كما ينادي به بعض روايات اخر فمحمول على التقية. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 249

وجه الموضوعية في أقل الاخفات نعم غالبا لا يتحقّق الصوت إلّا و يسمعه نفس المتكلم ثمّ إنّه لا حدّ لمرتبة الأعلى من الاخفات بل مع عدم ظهور الصوت و عدم ظهور جرسه يصدق الاخفات.

و أمّا حدّ الأعلى من الجهر فالمستفاد من الآية الشريفة وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ. «1»

مع ما ورد من أهل البيت عليهم السّلام في تفسيره، هو النهي عن الجهر العظيم و عن الاخفات بما دون السمع و الأمر بالابتغاء ما بينهما، و النهي إن كان نهيا تحريميا تكليفيا، فلا يجوز أن يجهر جهرا عظيما، و لو جهر فحيث إنّ النهي النهي التكليفي فيدور بطلان الصّلاة و عدمه مدار إخلال ذلك بقصد القربة و عدمه، و على كون النهي وضعيا يكون الجهر بهذا المقدار من العلو من موانع الصّلاة فتفسديه و ليست الآية متعرضة لحدّ الجهر و الاخفات الواجب في الصّلاة بل تعرضت لجهة اخرى و هو حدّ الافراط و التفريط فافهم.

الفرع الثاني [في صلاة الجمعة و صلاة الظهر من يوم الجمعة]
اشارة

: يقع الكلام في صلاة الجمعة و صلاة الظهر من يوم الجمعة من حيث الجهر و الاخفات.

أمّا الكلام في حكم صلاة الجمعة من حيث الجهر و الاخفات فنقول: قال العلّامة رحمه اللّه في المنتهي: إنّه أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أنّه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة

و لم أقف على قول للأصحاب في الوجوب و عدمه، و الأصل عدمه انتهي

______________________________

(1)- سوره اسراء، الآية 110.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 250

و يظهر من بعض آخر القول باستحباب الجهر فيها، و قد يتوهم أنّ دعوى العلّامة رحمه اللّه من إجماع كل من يحفظ عنه العلم دليل على كون استحبابه إجماعيا.

و لكن كما قلنا في أصل مسئلة الجهر و الاخفات بان جمهور العامة قائلون باستحباب الجهر فيمكن ان يكون التزامهم باستحباب الجهر في صلاة الجمعة من هذا الباب و أمّا الخاصّة القائلون بوجوب الجهر في مواضعها، و الاخفات في مواضعها فلا نسلم فتواهم على استحباب الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة.

فبعد ذلك نقول: بأنّه كما قلنا في صلاة الجمعة: بأنّ أصلها ثبت بعمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ بعد مضى مدة من اقامته صلاة الجمعة نزلت الآية الشريفة (يا ايّها الذين آمنوا إذا نودى الخ) فالمقصود من النداء في هذه الآية هو النداء المخصوص للجمعة المخصوصة كان إمامها رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بكيفية خاصة و آداب مخصوصة فلا يبقى وجه للتمسك بهذه الآية لوجوب صلاة الجمعة مطلقا و لو كان مناديها كل من كان و وضعها في الاسلام فالصّلاة الجمعة الّتي يجب السعي إليها إذا نودي لها هي التي أقامها رسوله، و من له الأمر من بعده.

و لهذا يرى من وضع انعقادها من الصدر الأوّل من الاسلام إلى الحال عند الخاصة و العامة أنّ من يقيمها، و من بيده أمرها هو الخليفة ففي هذا الحيث لا يكون اختلاف بيننا و بين العامة و إن كان الاختلاف في أنّهم يقولون أنّ الخليفة هو الفلان و الفلان ثمّ

الفلان ثمّ على عليه الصّلاة و السلام ثمّ من يكون أمر خلافة المسلمين و رياستهم بيده و نحن نقول: بأنّ بعد رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تكون الخليفة إلّا من نصّ عليه اللّه و رسوله و هو على و أولاده المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

[في وجوب الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة]

فكما أنّ أصل صلاة الجمعة ثبت بفعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كذلك ما يكون مسلما من فعله

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 251

هو أنّه جهر بالقراءة فيها و لم ينقل من أحد بانّه اخفي في قراءة صلاة الجمعة فبعد عمله المستمر من الجهر في قراءتها نكشف وجوب الجهر في صلاة الجمعة كما قلنا في أصل المسألة فكما أنّ الجهر في الغداة و في الأوليين من المغرب و العشاء ثبت بفعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجوبه، هكذا يثبت من فعله في صلاة الجمعة و مداومته على الجهر بالقراءة فيها كون الجهر واجبا، خصوصا مع قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (صلّوا كما رأيتموني اصلّي فعلى هذا ما ينبغي أن يذهب إليه هو وجوب الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة.

هذا بالنسبة إلى حكم صلاة الجمعة من حيث الجهر و الاخفات في قراءتها و أمّا حكم صلاة الظهر في يوم الجمعة من حيث الجهر و الاخفات في قراءتها فمحل خلاف فهل نقول بالجواز أو بوجوب الجهر أو نقول بوجوب الاخفات فيها، أو نقول بالتفصيل بين الجماعة و الفرادى؟

[في ذكر الروايات الواردة فى الباب]

اعلم أنّ المراجع في الروايات يرى أنّ لسان الأخبار مختلف في المقام فنذكر أوّلا الأخبار الواردة في المسألة ثمّ نذكر ثانيا ما هو الحق في المقام إن شاء اللّه، فنقول بعونه تعالى شأنه:

الاولى: ما رواها عمران الحلبي (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي الجمعة أربع ركعات أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال: نعم، و القنوت في الثانية). «1»

تدلّ على جواز الجهر في صلاة الظهر من يوم الجمعة.

الثانية: و هي ما رواها الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا، أجهر بالقراءة؟ فقال: نعم، و قال: اقرأ سورة الجمعة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 252

و المنافقين في يوم الجمعة). «1»

تدلّ على الجواز في صلاة ظهر الجمعة إذا صلّى وحدة.

الثالثة: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال لنا: صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة و اجهروا بالقراءة فقلت: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر فقال: اجهروا بها). «2»

تدلّ بظاهرها على وجوب الجهر بالقراءة في الظهر من الجمعة و الانكار الّذي فرضه السائل يحتمل أن يكون مراده إنكار العامة لهم و يحتمل أن يكون مراده إنكار الخاصة لهم من باب كون عدم الجهر بها معروفا عندهم. «3»

الرابعة: ما رواها محمد بن مروان (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصلّيها في السفر؟ قال: تصلّيها في السفر ركعتين و القراءة فيها جهرا). «4»

يحتمل أن يكون المراد إتيان صلاة الجمعة في السفر و الأمر بالجهر بالقراءة فيها، و يحتمل أن يكون المراد الظهر و أنّ القراءة فيها تكون جهرا.

الخامسة: ما رواها جميل (قال: سألت أبا عبد اللّه عن الجماعة يوم الجمعة في

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- أقول: و لكن إن كان المراد إنكار العامة لهم فكيف قال عليه السّلام مع ذلك (اجهروا بها) لأنّ مع إنكارهم تجب التقية كما أنّ حمل الانكار على إنكار الخاصّة بعيد من باب أنّ الخاصّة كيف ينكرون

على عمل مثل محمد بن مسلم رحمه اللّه. (المقرر)

(4)- الرواية 7 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 253

السفر فقال: تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر و لا يجهر إمام فيها بالقراءة إنّما يجهر إذا كانت خطبة). «1»

السادسة: ما رواها الشّيخ رحمه اللّه أيضا عن حسين بن سعيد عن العلاء عن محمد بن مسلم (قال: سألته عن صلاة الجمعة في السفر فقال: تصنعون كما تصنعون في الظهر و لا يجهر الامام فيها بالقراءة و إنّما يجهر إذا كانت خطبة). «2»

اعلم أنّ السند إن كان كما ذكر صاحب الوسائل عن الشّيخ رحمه اللّه تكون الرواية مرسلة، لأنّ حسين بن سعيد لا يمكن أن يروي عن العلاء بلا واسطة، لأنّه في طبقة لا يروي عنه بلا واسطة و يحتمل كون الروايتين أعنى: الخامسة و السادسة رواية واحدة لقرب كل واحد منها بالآخر من حيث المتن فروى جميل من باب علمه بصدور الرواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام من باب استماعه مثلا عن محمد بن مسلم و هذا احتمال صرف لا أن يدعي علم أو ظن على كونهما رواية واحدة هذا، ثمّ إنّهما تدلّان في حدّ ذاتهما على أنّ الامام لا يجهر في صلاة الظهر و إنّما الجهر يكون في صلاة الجمعة.

هذا كله روايات الباب، ثمّ اعلم بأنّه كما قلنا كان عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالجهر في القراءة في صلاة الجمعة و أمّا في صلاة الظهر من يوم الجمعة فلا ندري نحوة عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنّه هل جهر فيها بالقراءة أو لا، نعم يمكن أن يقال:

بأنّ عمل المسلمين خارجا كان على الاخفات فيها، و يقال: بأنّه مع كون عمل المسلمين على الاخفات فيها مع عمومية الابتلاء بها، فإن كان الأمر على خلاف ما عليه المسلمون لكان

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 254

اللازم بيانه، فمن ذلك نكشف كون الواجب الاخفات في القراءة فيها.

[في ذكر كلام المحقّق الهمداني ره و ردّه]

فما ذكر الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه في المقام من أنّه إن كان الجهر واجبا مع عموم الابتلاء كان اللازم ذكره مع كون المسلمين على خلافه و لكن هذا لا ينافي استحباب الجهر إذ ربّ مستحب يكون العمل على خلافه أعنى: لم يعملوا به مع استحبابه فكون عمل المسلمين على الاخفات لا ينافي مع الاستحباب «1» ليس في محله لما قلنا من أنّ عمل الخارجي إن كان هو الاخفات كما يظهر من الرواية الثالثة المتقدّمة من كون الجهر أمر مستنكرا عند المسلمين فمع عموم الابتلاء و عدم ردّ ظاهر يكشف ذلك عن عدم كون الجهر مطلوبا وجوبا و لا استحبابا «2» و على كلّ حال نقول: بأنّ لسان روايات الباب كما عرفت مختلف فبعضها يدلّ على وجوب الجهر و بعضها على حرمته فهل يمكن أن يجمع بينهما بجمع عرفي أولا؟

قد يقال: بامكان الجمع و رفع التعارض من بين بدعوى أنّه بعد كون الجهر في صلاة الجمعة واجبا كما مر منا، يقال: بأنّه يحمل رواية الجميل و محمد بن مسلم الدالّتان على النهي عن الجهر فيها على نفي الوجوب بقرينة روايات الآمرة بالجهر فيها، بأن يقال: إنّ مفادهما بقرينة هذه الروايات هو أنّ الجهر

يكون واجبا إذا كانت

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، كتاب الصّلاة، ص 300.

(2)- أقول: الحق عدم دلالة كون عمل المسلمين على الاخفات بمجرده دليلا على نفي وجوب الجهر كما قال في المصباح و لا على كون الاخفات هو الوظيفة كما أفاد سيدنا الاستاد مد ظله العالى، لأنّه مضافا إلى امكان منع العمل هكذا، نقول: ليس العمل دليلا على كونه مستندا عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أمّا عدم بيان رد عملهم من ناحية المعصوم عليه السّلام فأوّلا يمكن أن يكون لأجل التقية و ثانيا يكفي بيانا بعض الروايات المتقدمة الدالّة على جواز الجهر و وجوبه فيها. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 255

خطبة يعنى: تكون الصّلاة صلاة الجمعة و أمّا إذا كانت ظهرا فلا يجهر فيها الامام أى: لا يجب الجهر فيها.

أو يقال بقرينة روايات الدالّة على الجواز بأنّه و إن قلنا بأنّ الجهر في صلاة الجمعة مستحبا، فالنهي عن الجهر يحمل على عدم الاستحباب و لا ينافى عدم الاستحباب مع الجواز بمعنى الاعم.

أو يقال: بأنّ النهى عن الجهر في الروايتين في صلاة الظهر من يوم الجمعة يكون في مقام دفع توهّم الوجوب فلا يكون نهيا تحريميا، فتكون نتيجة الجمع هو عدم حرمة الاخفات و عدم وجوبه غاية الأمر إن قلنا بوجوب الجهر في الجمعة فالنهي عن الاخفات في ظهرها لا تدلّ إلّا على عدم وجوب الجهر فيها بقرينة ما يقابلها من الروايات فلا ينافي النهي مع استحبابها، خصوصا إن كان النهي دفعا لتوهم الوجوب و إن كان الجهر في صلاة الجمعة مستحبا، فمعنى النهي عن الجهر في ظهرها هو عدم استحباب الجهر فيها، فبقرينة باقى الروايات نقول بجواز الجهر لا باستحبابه فعلى

كل حال يرفع اليد عن ظاهر النهي في الخبرين بالنصّ على الجواز في ساير الروايات و هذا جمع عرفي يقال في مقامات كثيرة.

[فى الجمع بين الروايات]

و لكن في الجمع بين الطائفتين من الروايات بهذا النحو تأمّل لأنّه مع تأمل في رواية جميل و محمد بن مسلم الدالّتان على حرمة الجهر في حدّ ذاتهما يرى أنّهما غير قابلين لهذا الجمع و العرف لا يساعد معه، فإن محمد بن مسلم أو جميل الراويان للروايتين بعد ما سمعا الكلام عن المعصوم عليه السّلام هل فهما من قوله (و لا يجهر الامام) عدم وجوب الجهر على الامام حتّى يقال: بأنّ النهي قابل للحمل على عدم وجوب الجهر أو لم يفهما منه إلّا عدم جواز الجهر فالعرف بعد ما يراجع هذا النهي و يراجع الأمر الوارد بالجهر في الطائفة المعارضة لهاتين الطائفتين هل يرى أنّ المتكلم فيهما

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 256

أراد شيئا واحدا، و هو عدم الوجوب أو يفهم التعارض بين الأمر بالجهر و النهي عنه فما يأتي بالنظر هو التعارض بين الطائفتين و عدم كون هذا الجمع عرفيا.

اذا لا يمكن الجمع بينهما بهذا النحو المذكور و تكون متعارضين فكما حقق في محلّه إن كان لاحدهما مرجح من المرجحات يصير سببا لترجيحه و طرح ما يقابلها، و إلّا فالحكم هو التخيير أو التساقط على الكلام فيه فعلى هذا نقول: بأنّ الترجيح يكون مع رواية محمد بن مسلم و جميل لأنّ المشهور أفتوا على طبقهما بل كان عليه عمل المسلمين كما ينادي بذلك الرواية الاخرى من محمد بن مسلم المذكورة في ضمن الروايات المتقدمة الدالّة على أنّ الجهر كان أمرا مستنكرا، فالترجيح معهما، فكما قلنا سابقا في حاشية العروة: الحق هو

الاخفات فإنّه لو لم يكن أقوى فلا أقلّ من كونه أحوط. «1»

الفرع الثالث: لا إشكال في عدم وجوب الجهر على النساء
اشارة

في ما يجب الجهر فيه على الرجال لدلالة بعض الروايات عليه «2»، لأنّ الرواية الثالثة منها تدلّ على عدم وجوبه عليهنّ، مضافا إلى كون ذلك مفتى به الأصحاب.

و ليس الوجه في ذلك ما قيل: من أنّ في الروايات قال (رجل) فلا يجب الجهر على النساء لأنّه إن كان المدرك هذا فقط فليس ذكر الرجل مخصّصا مثل ساير الموارد.

______________________________

(1)- أقول: أمّا أوّلا ما أفاده مدّ ظلّه من عدم إمكان جمع عرفي بين الطائفتين من الروايات بحمل النهي الوارد في رواية جميل و محمد بن مسلم على عدم الوجوب بقرينة الأخبار المجوّزة فتكون نتيجه الجمع جواز الجهر. (المقرّر).

(2)- فارجع الباب 31 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 257

[العمدة في عدم وجوب الجهر على النساء]

و العمدة ما قلنا من أنّه أوّلا تدلّ عليه رواية علي بن جعفر المذكورة «1» و ضعف سند الرواية الدالّة على ذلك تنجبر بعمل الاصحاب فلا مجال للاشكال في عدم وجوبه عليهن.

و ثانيا اشتهار ذلك بين الأصحاب.

و أمّا وجوب الاخفات عليهنّ فلا وجه له لعدم دليل عليه (و الأصل البراءة عن الوجوب) نعم جهرها مع سماع الأجنبي صوتها، فإن قلنا بعدم إشكال في إسماع صوتها فلا إشكال و أمّا إن قلنا بعدم جواز إسماع صوتها الاجنبى فحيث إنّ التكليف باخفاء صوتها عن الأجنبي يكون حكما تكليفيا لا وضعيا، فيدور فساد صلاتها في صورة الجهر مع إسماع صوتها الاجنبي و عدم فسادها، مدار منافات الجهر مع قصد التقرب و عدمه، لأنّ الجهر منهي فمع كونه منهيا عنه لا يصير مقربا و إن قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهي لما قلنا غير مرة من فساد صلاتها من باب عدم كون صلاتها مقربا فى هذا الحال فافهم.

الفرع الرابع: لو جهر في موضع الاخفات أو اخفى في موضع الجهر
اشارة

فهل تبطل الصّلاة أولا؟ و قبل الشروع في بيان حكم المسألة و جهاتها نذكر الروايتين المربوطتين بالمقام فنقول بعونه تعالى:

الاولى: ما رواها حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، و اخفي في ما لا ينبغي الاخفاء فيه، فقال: أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الاعادة فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري، فلا

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 31 من ابواب القراءة فى الصلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 258

شي ء عليه، و قد تمت صلاته). «1»

الثانية: ما رواها حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: رجل جهر بالقراءة في ما لا ينبغي

الجهر فيه، أو أخفى في ما لا ينبغي الاخفاء فيه، و ترك القراءة في ما ينبغي القراءة فيه، أو قرء في ما لا ينبغي القراءة فيه، فقال: أىّ ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شي ء عليه). «2»

[في ذكر مقامات فى المسألة]
اشارة

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في المسألة في مقامات:

المقام الأوّل:
اشارة

لا إشكال في شمول الرواية من جهر في موضع الاخفات أو بالعكس ساهيا أو ناسيا، أو لا يدري و تذكر بعد الصّلاة، فلا يجب عليه الاعادة، و كذا لو تذكر بعد مضى محل تداركه، مثل ما إذا دخل في الركوع، لأنّه لو كان الجبران و إتيان القراءة واجبا عليه يلزم إعادة الصّلاة لأنّه بعد الصّلاة أو بعد الدخول في الركن إن كان الجهر في موضع الاخفات أو الاخفات في موضع الجهر غير مغتفر فتجب اعادة الصّلاة و المستفاد من الرواية عدم وجوب إعادتها إذا وقع ذلك ساهيا أو ناسيا أو لا يدري.

و أمّا لو جهر في موضع الاخفات، أو أخفي في موضع الخبر ناسيا أو ساهيا أو لا يدري و لم يمض محل التدارك مثل ما فعل ذلك و لم يدخل بعد في الركوع، أو أتى ببعض الفاتحة أو السورة كذلك و الحال أنّه في بعضها الاخرى مثلا في صلاة الغداة قرء (الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ) إخفاتا، و تذكر و هو مشغول بقراءة (الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ) فهل يجب عليه تدارك ما قرء على خلاف النحو الواجب عليه أولا، بل وقع ما وقع

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 26 من ابواب القراءة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 26 من ابواب القراءة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 259

صحيحا و لا شي ء عليه.

اعلم أنّ مفاد الرواية الاولى هو أنّ من جهر في موضع الاخفات أو العكس إن كان عن عمد فقد نقض صلاته و عليه الاعادة و مفهوم ذلك و هو الّذي أداه عليه السّلام بنحو المنطوق و ذكرها و فرع بفاء التفريع و هو أنّه إن كان

ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمت صلاته فإذا نظر إلى الفقرتين الواقعتين في جواب السؤال يرى أنّ مفاد الفقرة الاولى حكم أداه بصورة المنطوق و حيث كان لهذا المنطوق مفهوما، فتعرض له و صرح به في الفقرة الثانية فكلما اعتبر من القيود و الأحكام في الفقرة الاولى اعتبره في الفقرة الثانية، غاية الأمر في الأولى ذكر قيدا و هو العمد و حكم بحكم و في الثانية مع عدم القيد المذكور حكم على عدم الحكم المذكور في الفقرة الاولى.

فعلى هذا نقول: بأنّه بعد الحكم بوجوب الاعادة في الفقرة الاولى إذا فعل ذلك متعمدا، فقهرا نفهم أنّ مورد المفهوم يكون كل مورد كان قابلا للاعادة نفاها فعلى هذا لا بد و أن تكون الفقرة الثانية متعرضة لكل صورة لو لم يكن الحكم بعدم الاعادة كانت مورد الاعادة، و بعبارة اخرى لو لم يكن حكم الشارع بعدم شي ء عليه و إتمام صلاته لكان اللازم عليه اعادة الصّلاة غاية الأمر نفي الاعادة فلازم ذلك هو كون الصورة الثانية و هو ما فعل ذلك ساهيا ناسيا أو لا يدري و تذكر قبل مضى محل تداركه غير داخل في الفقرة الثانية من الرواية لأنّ في هذه الصورة لا يوجب فعل ذلك لا عادة الصّلاة بل الواجب إعادة ما قرأ على غير ترتب الواجب عليه من الجهر أو الاخفات.

و بعبارة اخرى نكشف من الأمر بالاعادة في الفقرة الاولى من الرواية أنّ مورد الثانية لا بد و أن يكون كل مورد يوجب عدم اغتفار الجهر في موضع الاخفات

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 260

أو العكس إعادة الصّلاة فحكم عليه السّلام بعدم وجوب الاعادة و هذه الصورة خارجة

عن المفروض في الفقرة الثانية و لأجل هذا نقول: بعدم شمولها لها «1».

و السؤال و إن كان مطلقا و الفقرة الاولى و إن كانت تشمل هذه الصورة و لكن (عليه الاعادة) في الفقرة الاولى يوجب تخصيص الحكم في الفقرة الثانية (بأنّه قد

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: بأنّ قوله عليه السّلام في الفقرة الثانية (لا شي ء عليه) يدلّ على عدم شي ء عليه إذا فعل ذلك نسيانا أو سهوا أو لا يدري مطلقا سواء مضى محل التدارك لا، و أمّا ما افاده من أنّ قوله عليه السّلام في الفقرة الاولى (و عليه الاعادة) دليل على أنّ مورد الجواب في الفقرة الثانية يكون في ما يقبل الاعادة و عدمها فقال (لا شي ء عليه) أى لا إعادة عليه فعلى هذا لا تشمل موردا يبقى محل التدارك، فعندي مورد الاشكال و قلت بحضرته مدّ ظلّه، و هو أنّه لا إشكال في أنّ السؤال يكون مطلقا بمعنى: أنّ قوله جهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه الخ يكون السؤال عن الجهر في غير مورده، فهو سؤال مطلق و الفقرة الاولى أيضا مطلق لشمولاه لصورة تذكره بعد الصّلاة و لصورة تذكره بعد مضى محل التدارك، و لصورة لم يمض محل التدارك، و لهذا لو قرء آية من آيات الفاتحة أو السورة أو كلمة منهما جهرا في مورد يجب الاخفات أو عكسه عامدا تبطل الصّلاة و عليه الاعادة فلا بدّ و أن تكون الفقرة الثانية مطلقا أيضا تشمل لصور الثلاثة أمّا أوّلا فلأنّ مقتضى كون الفقرة الثانية هي مفهوم الفقرة الاولى هو شموله للصور الثلاثة لأنّ المفهوم موافق مع المنطوق في الاطلاق و التقييد و لا فرق بينهما إلّا من

حيث إثبات حكم في المنطوق لموضوع مع وجود القيد، و عدم الحكم مع عدم القيد ففي المقام أمر بوجوب الاعادة في ما جهر في موضع الاخفات أو عكسه إذا فعل متعمدا في جميع الصور، ففي الفقرة الثانية ليس عليه شي ء لعدم كون ذلك معتمدا في جميع الصور، و ثانيا بعد كون ظاهر السؤال هو السؤال عن مطلق الصور، و الظاهر من الفقرة الاولى هو جميع الصور في الحكم بالاعادة في حال العمد فإن لم تكن الصورة الّتي لم يمض محل التدارك داخلا في الجواب في الفقرة الثانية، فلازمه عدم جواب الامام عليه السّلام عن صورة وقوع تلك الصورة سهوا أو نسيانا أو لا يدري، و هذا خلاف الظاهر فلاجل ذلك نقول بشمول الرواية لجمع الصور، و لم يقبل مدّ ظلّه ما قلت، و قال: و السؤال و إن كان ... (كما فى المتن). (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 261

تمت صلاته و لا شي ء عليه) على مورد يقبل عدم الاعادة و أنّه و إن كانت الفقرة الثانية غير محكوم بحكم عدم شي ء عليه، كان عليه الاعادة فلهذا لا تشمل هذه الصورة.

و أمّا الرواية الثانية فيحتمل قويا كونها متحدة مع الرواية الاولى و إن كان بين متنهما اختلاف، لأنّ راويهما زرارة و راوي عنه في كليهما هو حريز فيبعد بالنظر أنّ زرارة سئل عن هذه المسألة مرتين، فمع هذا الاحتمال لا يسلم كونهما روايتين، و بعد كونهما رواية واحدة لا ندري بأنّ ما صدر عن المعصوم عليه السّلام هو ما في المتن الاولى أو الثانية فلا بدّ من الأخذ بما هو المتيقن من النقلين «1».

[في ذكر الوجوه فى الباب]

ثمّ اعلم بأنّ دخل الجهر و الاخفات في الصلوات الجهرية و الاخفاتية

و اعتبارهما فيهما ثبوتا مع قطع النظر عن مقام الاثبات يتصور على وجهين:

الوجه الأوّل: أن يكونا دخيلين في نفس الصّلاة بدون توسيط القراءة و بعبارة اخرى يكون في عداد ساير ما يعتبر في الصّلاة شرطا أو شطرا، و بعبارة ثالثة هما معتبران في نفس الصّلاة في قبال القراءة فكما أنّ القراءة ممّا تعتبر فيها هكذا الجهر و الاخفات معتبر ان فيها و ان كان محلهما حال القراءة و لكنهما أمران معتبران في حيال القراءة في الصّلاة.

الوجه الثاني: أن يكونا دخيلين في الصّلاة بتوسيط القراءة بمعنى: أنّهما

______________________________

(1)- أقول: أمّا أوّلا فقد عرفت أنّ الرواية الاولى بإطلاقها تشمل لهذه الصورة و ثانيا كانت الرواية الثانية عين الاولى فما أفاده مدّ ظلّه العالي في محله، و لكن إن كانت غير الاولى ففيها لا يأتي ما بينه مدّ ظلّه في الرواية الاولى، لعدم تعرضها إلّا لصورة فعل ذلك نسيانا أو سهوا و قال (لا شي ء عليه) فافهم). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 262

شرطان للقراءة و بعبارة اخرى يعتبر في القراءة المعتبرة في الصّلاة أن تكون جهرا في بعض صلواته و إخفاتا في بعضها، فبناء عليه هما من شرائط القراءة.

فعلى الاحتمال الأوّل مع فرض دلالة رواية زرارة على وجوب الاعادة على من جهر في موضع الاخفات أو العكس ان كان فعله متعمدا، و عدم شي ء عليه إن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى نقول: بأنّ مقتضى القاعدة هو أنّه لو قرء بعض الفاتحة أو السورة حتّى كلمة منها، و كان محل التدارك باقيا أعنى: لم يدخل في ركن لا يجب عليه تداركها، و تصح الصّلاة مع تركه الجهر و الاخفات، لأنّه على الاحتمال الأوّل كان محل إتيان

الجهر أو الاخفات حال القراءة فمع إتيان القراءة و عدم إتيان أمر آخر معتبرا في الصّلاة في حيال القراءة فالقراءة المعتبرة أتى بها، و سقط أمرها، و الجهر مضى محله، لأنّه لا يمكن إتيانه إلّا في ضمن القراءة الواجبة و على الفرض أتى بالقراءة الواجبة و لا ينقلب ما وقع عما وقع عليه فبقاء وجوب الجهر مع ذلك غير معقول لعدم امكان إتيانه في محله، لأنّ محله كان حال الاتيان بالقراءة و القراءة الواجبة وجدت على الفرض، و إتيان فرد آخر من القراءة مع الجهر لا يفيد أيضا، لأنّ هذا الفرد ليس الفرد الواجب من القراءة الّذي كان محل الجهر أو الاخفات.

فبناء على هذا لا يجب عليه الاعادة في هذه الصورة لرواية زرارة و لا يجب تداركه لعدم إمكان تداركه لفوت محل تداركه بعد القراءة، فتكون النتيجة عدم وجوب تدارك الجهر أو الاخفات لو تركهما ناسيا أو ساهيا أو لا يدري في صورة عدم مضى محل تداركه، أى: عدم دخوله في الركن لو قلنا بكونهما دخيلا في نفس الصّلاة لا في القراءة المعتبرة في الصّلاة.

و أمّا لو ترك أحدهما متعمدا و لم يدخل في الركوع سواء ترك في كل القراءة،

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 263

أو في بعضها حتّى في كلمة و دخل في كلمة اخرى، و فرض كونهما دخيلان في نفس الصّلاة، و فرض دلالة رواية زرارة على وجوب الاعادة فبطلان الصّلاة و وجوب الاعادة يمكن أن يكون لأجل أنّه زاد في صلاته، لأنّ القراءة الواقعة على غير وصف الجهر لا تقبل لأن تصير جزء لأنّ بها ترك الجهر الواجب أو اخفات الواجب، فما أتى من القراءة بعد عدم قابليتها لأن تصير جزء الصّلاة تكون

زيادة فيها، فتبطل الصّلاة أو من باب أنّ ذلك تشريع محرم، لأنّه أتى بالقراءة متعمدا اخفاتا مثلا مع كون الواجب الجهر بها أو بالعكس، فتبطل بها الصّلاة، أو لأنّه ترك الجهر الواجب أو الاخفات المعتبر ان في الصّلاة عمدا، أو لأنّه أتى بالمانع و هو الجهر في محل الاخفات أو العكس، و هذا من الموانع الّتي بها تبطل الصّلاة.

لا يخفي عليك أنّ ظاهر رواية زرارة كون البطلان و وجوب الاعادة مستندا إلى ترك الجهر في ما ينبغي الجهر فيه، أو الاخفات في ما ينبغي الاخفات فيه، لا من باب الزيادة و لا من باب التشريع كما تو همه بعض و لا من باب إيجاد المانع «1» هذا كله لو قلنا بكون الجهر و الاخفات دخيلا في نفس الصّلاة بدون توسيط القراءة.

و أمّا بناء على الوجه الثاني، أعنى: كونهما دخيلين في القراءة و من شرائطها، فنقول بعونه تعالى: أنّه لو ترك الجهر أو الاخفات ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى، فكما

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: بأنّ الظاهر من قوله في السؤال (جهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه الخ) و قوله عليه السّلام (أيّ ذلك فعل متعمدا الخ) هو استناد وجوب الاعادة إلى نفس الجهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه، و هو ظاهر في أنّ نفس الجهر في محل الاخفات أو العكس صار موجبا لوجوب الاعادة و هذا مبطل للصّلاة لا ترك الاخفات أو ترك الجهر كما أفاد مدّ ظلّه، و قلت بحضرته و تم البحث و لم يتعرض بعد لذلك فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 264

قلنا تكون رواية زرارة متعرضة لصورة الاعادة و عدمها بمعنى: أنّ قوله في الفقرة الاولى

بوجوب الاعادة و نقض الصّلاة إذا ترك أحدهما عامدا نكشف أنّ الفقرة الثانية الّتي تكون في الحقيقة مفهوم الفقرة الاولى تعرضت لصورة يوجب ترك أحدهما نسيانا أو سهوا أو لا يدري إعادة الصّلاة لو لا هذه الرواية فقال (لا شي ء عليه) أى: لا تجب الاعادة فلم تكن الرواية متعرضة لصورة لا يوجب تركهما إعادة الصّلاة، و هو ما ترك أحدهما و لم يمض محل تداركهما. «1»

فظهر لك ممّا مرّ أنّه إن قلنا بكون الجهر و الاخفات ممّا لهما دخل في أصل الصّلاة ففي صورة ترك أحدهما ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا بدّ أن نقول: بعدم وجوب اعادة الصّلاة و عدم لزوم تداركهما و لو تذكر قبل الركوع، لأنّ تداركهما لا يمكن إلّا بتدارك القراءة، و هي وقعت على الفرض جزء و بعد وقوعها جزء لا تنقلب عما وقعت عليه، فلا يمكن تداركهما في حال القراءة الّتي تقع جزء الصّلاة، فإن كان الجهر و الاخفات واجبا في هذا الحال، فلا يمكن إتيانهما إلّا بابطال ما بيده من الصّلاة ثمّ إعادتها، و الحال أنّ رواية زرارة تدلّ على عدم وجوب الاعادة و إن قلنا بدخلهما في القراءة، فلا تعرض لرواية زرارة لهذه الصورة لأنّها متعرضة لصورة لو لا الرواية كان الواجب اعادة الصّلاة فيها هذا.

[في كون عمل رسول اللّه ص على الجهر و الاخفات لا يدلّ على كونهما من شرائط القراءة]

نعم، هنا كلام آخر، و هو أنّه لا دليل لنا على كون الجهر و الاخفات دخيلين في القراءة من الصّلاة و كونهما من شرائطها، بل يمكن كونهما ممّا يكون دخيلا في أصل الصّلاة بدون توسيط القراءة، لأنّ عمدة الدليل في وجوب الجهر و الاخفات في مواضعها على ما بيناها هي عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و

المسلمين من بعده، و ليس في البين ما

______________________________

(1)- أقول: ما يخطر بالبال كما قلت شمول رواية زرارة لهذه الصورة. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 265

يدلّ على أنّ المواظبة على اتيانهما و عدم تركهما هل يكون من باب دخلهما في الصّلاة أو من باب دخلهما في القراءة، و مجرد إتيانهما و كون محلهما حال القراءة، بل و مجرد دلالة بعض الروايات بأنّه يجهر في القراءة أو يخفي بها، لا تدلّ على كونهما من شرائط القراءة.

فعلى هذا لو لم نقول بكون الظاهر كونهما ممّا اعتبر في الصّلاة فلا وجه لأن نقول بكونهما معتبرين في قراءة الصّلاة، و بعد ذلك يقال: بأنّ القدر المسلم من العمل الذي هو عمدة الدليل في الجهر في بعض الصلوات و الاخفات في بعضها ليس إلّا على كونهما معتبرين في أصل الصّلاة في عداد ساير الأجزاء و الشرائط.

فعلى هذا تكون النتيجة هو أنّه لو قرء الشخص ناسيا أو ساهيا أو لا يدري القراءة جهرا في موضع الاخفات أو بالعكس، و لم يدخل بعد في الركوع، فلا تجب إعادة ما قرء على خلاف الوجه الواجب عليه، و لا تجب إعادة الصّلاة، أمّا عدم وجوب إعادة الجهر أو الاخفات باعادة القراءة فلعدم إمكان إعادتهما إلّا باعادة الصّلاة، لأنّ إتيانهما في حال القراءة الواجب غير ممكن إلّا بافساد الصّلاة و إعادتها ثانيا على وجهها، و على الفرض تدلّ رواية زرارة على عدم وجوب إعادة الصّلاة، فلا تجب اعادة الصّلاة، فافهم.

المقام الثاني:
اشارة

قد عرفت بأنّ في المسألة روايتين تنتهي سندهما إلى حريز، و هو يروي عن زرارة و هو يروي عن أبي جعفر عليه السّلام و من المحتمل كونهما رواية واحدة كما أنّه من المحتمل كونهما روايتين.

و

على كل حال تعرض في إحداهما لخصوص صورة النسيان و السهو و تعرض في الاخرى في مقام الجواب لصورة العمد في الفقرة الاولى، و لصورة النسيان

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 266

و السهو و لا يدري في الفقرة الثانية فما ينبغى التكلم فيه في هذا المقام هو أنّ المراد من المتعمد الّذي وجب عليه الاعادة هل هو الّذي يكون قاصدا إتيان الفعل فقط، أو الّذي يكون قاصدا إلى الفعل و العنوان، أعنى: قاصدا إلى الجهر في محل الاخفات، أو الاخفات في موضع الجهر.

و بعبارة اخرى بعد كون الناسي من يصدر عنه الفعل من باب نسيانه الشي ء، و لكن يكون هذا الشى موجودا في خزينته (و بعبارة اخرى في الحس المشترك)، و الساهي هو الّذي غفل عن الشي ء أصلا و يجري شي ء على لسانه و يتكلم به، فالمتعمد هو الّذي يكون ملتفتا إلى الشي ء و غير غافل عنه.

فالناسي في المقام هو الّذي كان عالما بحكم الجهر و الاخفات و بموضعهما، و يكون حين صدور الفعل عنه على خلاف وجه ما علم به محفوظا في الخزينة و لكن ينسى الحكم أو الموضوع أو كليهما، فيصدر عنه القراءة على خلاف ما قرره الشارع.

و الساهي هو الّذي كان عالما سابقا، و لكن غفل كلية عما علم به، بحيث لا يكون الموضوع و الحكم، أو الموضوع، أو الحكم موجودا في خزينته، ففي مقام القراءة مع غفلته يجهر في محل الاخفات أو بالعكس بدون توجه، بل يكون صرف سبق اللسان.

ففي مقابل الناسي و الساهي يكون المعتمد، فالمتعمد هل هو الّذي يصدر عنه الجهر أو الاخفات، لا على وجه النسيان و لا السهو، بل مع القصد و التوجه بالجهر أو الاخفات يجهر

أو يخفي، أو يكون المتعمّد في مقابلهما و في مقابل الجاهل، و هو الذي لم يكن عالما لا بالموضوع و لا بالحكم او بأحدهما، فيكون المراد من المتعمد على هذا هو الّذي يصدر عنه الفعل مع القصد و التوجه إلى الجهر و الاخفات و الى حكمهما

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 267

و مع ذلك يجهر في محل الاخفات أو بالعكس.

لا يبعد كون الظاهر من المتعمد في حدّ ذاته هو الأوّل أعنى: من يكون قاصدا إلى الفعل بمعنى: أنّه يصدر عنه الجهر الاخفات عن قصد سواء علم بكون ما يأتى به من الجهر أو الاخفات على خلاف حكم الشارع أم لا، و سواء علم بعدم كون هذا الموضع الّذي يجهر فيه، أو يخفى فيه محل الجهر أو الاخفات أم لا، و بعبارة اخرى سواء علم بالحكم بالموضوع أو لا يعلم بهما أو بأحدهما.

فعلى هذا قد يشكل في شمول الرواية للجاهل مضافا إلى أنّه بعد ما قلنا من أنّ منشأ العمدة في وجوب الجهر و الاخفات في الصّلاة هو العمل، و كيف يمكن أن يخفى العمل على مسلم حتّى يسأل عن وظيفته و يجيب عليه السّلام بمعذورية الجاهل، لأنّ العمل كان على الجهر في صلاة الغداة و المغرب و العشاء، و الاخفات في صلاة و الظهر و العصر فمع هذا العمل يبعد كون جاهل بالحكم أو بالموضوع إلّا أن يقال: بأنّ المراد ليس من يجهل العمل، بل مع علمه بعمل المسلمين لا يدري الوجوب.

[ليس في كلمات القدماء تعرض لصورة الجهل]

فلأجل ما قلنا قد يقع الاشكال في النظر بدوا في شمول الرواية للجاهل، و بعد ما راجعنا كلام القدماء قدس سرّه رأينا عدم فتوى و تعرض منهم إلّا للناسي و الساهي، و ليس

في كلماتهم تعرض لحكم الجاهل، و ما يرى في كلماتهم يكون موافقا مع مضمون رواية اخرى من زرارة المتقدمة المتعرضة لخصوص السهو و النسيان، و لا يرى منهم عمل على طبق هذه الرواية المشتملة لصورة الجهل بقوله عليه السّلام (أو لا يدري) فهل يعدّ ذلك إعراضا منهم عن هذه الرواية أم لا؟

[في ذكر الاشكالين فى المورد]

و لكن مع ذلك نقول: بأنّه ما يرى من شمول الرواية للجاهل، و حكمهم بكونه كالناسي و الساهي في ما نحن فيه من المحقّق رحمه اللّه و العلّامة رحمه اللّه و من تأخر عنهما، و كون

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 268

ذلك مسلما بينهم تقريبا، فلا يمكن طرح هذه الرواية و أن لا يعمل بها، و ما قلنا من الاشكالين يمكن دفعهما.

أمّا الاشكال الأوّل: فنقول: بأنّ الفقرة الاولى من الرواية المتعرضة لصورة العمد و إن كانت في حدّ ذاتها ظاهرة فيمن يكون صدور الفعل عنه عن القصد سواء كان ملتفتا و قاصدا العنوان أو لا و لو لم تكن في الرواية الفقرة الثانية و اكتفي عليه السّلام بذكر الفقرة الاولى كان الجاهل خارجا، لأنّ المفهوم الفقرة الاولى لا يشمل إلا الناسي و الساهي لظهور المتعمد في الفقرة الاولى لما يقابلهما فقط، و لكن مع ذكر الفقرة الثانية و ذكر (لا يدري) فإنّ تقل بالناسي و الساهي فقط يكون مفهوم الفقرة الاولى، لا ينافي مع ذلك لشمول الحكم للجاهل، لأنّه ذكر عليه السّلام حكم مورد آخر يكون حكمه مثل الناسي و الساهي بعدهما بصورة العطف، فمع تصريح الامام عليه السّلام بقوله (لا يدري) لا يبقى إشكال في شمول الرواية للجاهل.

و أمّا الاشكال الثاني: و هو استبعاد كون شخص جاهلا بعمل المسلمين يصير مورد السؤال

و الجواب فأيضا قابل للدفع، لأنّه مع التزام العامة بعدم وجوب الجهر و الاخفات، و كونهما مستحبين لا واجبين عندهم، فلا بعد في ان يكون بعض الناس، من أجل ما يرى من التزامهم خارجا بالاستحباب، في الجهالة في حكم المسألة، و لهذا وقع مورد السؤال و الجواب، فمما ذكرنا يظهر لك شمول الرواية للجاهل بالموضوع و الحكم، ثمّ إنّه لا فرق في الجاهل بالحكم بين من يكون جاهلا مركبا، و بين من يكون غير ملتفت أصلا بالحكم.

و هل تشمل الرواية الشّاك، و هو الّذي لا يكون جاهلا بالحكم بالجهل المركب، مثل من يكون ملتفتا مثلا بالعمل المسلمين بالجهر في بعض الصلوات

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 269

و الاخفات في بعضها، و لكن يكون مرددا في أنّ ذلك يوجب وجوبهما أم لا، فمع هذا الشك جهر في موضع الاخفات أو بالعكس، أو لا تشمله.

[في ان لا تشمل الرواية للشاك لا صدرها و لا ذيلها]

لا يخفي عليك بأنّ قوله عليه السّلام (لا يدري) لا يشمل الشاك (لأنّ من يكون لا يأتى بأحد طرفي شكه إلّا بعنوان الرجاء و الاحتياط، لا بعنوان الجهر في ما لا ينبغي الجهر فيه أو عكسه، فلفظ (لا يدري) و إن كان بنظر البدوي قابلا لأن يشمل الشاك، لكن بعد التأمل في الفقرة الاولى، و تقابلها مع الفقرة الثانية، و عدم كونه متعمدا، لعدم كون جهره في محل الاخفات أو بالعكس من باب ما يفعله المتعمد- لأنّ المتعمد في الرواية بعد ضم الفقرة الثانية بالاولى و هو من يصدر عنه الفعل عن قصد و التفات إلى الفعل، و إلى كونه في ما لا ينبغي و على خلاف وضعه المشروع، حيث إنّه بعد شمول لا يدري للجاهل بالحكم و الموضوع، يكون المراد من

المعتمد هو خصوص من يكون قاصدا الى الفعل و الى عنوان كون هذا الفعل على خلاف ما حكم الشرع- فعلى هذا نقول: بأنّ الشاك غير داخل لا في صدر الرواية و لا في ذيلها.

أمّا الصدر فلأنّه ليس متعمدا، لأنّه لا يجهر في محل الاخفات أو بالعكس إلّا من باب الرجاء أو الاحتياط لا بعنوان كونه في غير ما ينبغي، و أمّا الذيل فلأنّ الذيل يكون مقابل الصدر، فبعد كون الصدر هو من يدري الفعل مع عنوانه، فالمراد من الذيل هو من لا يدري ذلك، أى: يكون جاهلا بذلك، فقوله (لا يدري) منصرف من الشاك، لأنّ الشاك ليس عامدا و لا غير عامد أى الناسي و الساهي و الجاهل، لأنّه ليس إتيانه بشي ء لا ينبغي فعله لا عن تعمد، و لا غير تعمد بل يكون

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 270

إتيانه الفعل بعنوان الرجاء و الاحتياط. «1»

و أمّا من يكون عالما بالحكم و لكن لا يعلم بمحله، و بعبارة اخرى يكون جاهلا بالموضوع- مثلا يعلم بأنّ بعض الصلوات يجب الجهر فيه، و بعضها يجب الاخفات فيه، و لكن لا يدري بأنّ محل الجهر و موضوعه هو صلاة الغداة و المغرب و العشاء، و موضوع الاخفات هو الظهر و العصر، فأخفى في محل الجهر، أو بالعكس- فهذه الصورة بعيد خارجية في الغاية، لأنّه مع العمل المستمر على الجهر في بعض الصلوات و الاخفات في بعضها، كيف يخفى على أحد محل الجهر و الاخفات (و لكن مع ذلك لو اتفق هذا الفرض، فيكون من قبيل الجهل بالموضوع لا يجب عليه الاعادة بمقتضى رواية زرارة المتقدمة. «2»

______________________________

(1)- أقول: هذا حاصل ما استفدت ممّا قاله ظله العالى في وجه خروج

الشاك إلّا دعوى الانصراف، و أمّا ما ذكر في وجه الانصراف فلم أفهم، لأنّه على ما أفاده مدّ ظلّه سابقا يكون الظاهر من المتعمد هو الّذي يقصد الفعل و إن لم يقصد العنوان و (لا يدري) جملة واقعة بعد الذكر الناسي و الساهي الّذي يكون مفهوم الفقرة الاولى، و بين حكم (لا يدري) لكونه كالناسي و الساهي، لا أن يكون (لا يدري) في مقابل المعتمد، فعلى هذا نقول في وجه خروج الشاك: بأنّ المتعمد هو الّذي يقصد الفعل و (لا يدري) هو من لا يعلم و هو بعمومه يشمل الجاهل و الشاك، فالصدر، و هو المتعمد، بنفسه يشمل الشاك، لأنّ الشاك قاصد إلى الفعل أيضا و الذيل و هو (لا يدري) يشمل الشاك، فمقتضى الصدر هو وجوب الاعادة على الشاك، و مقتضى الذيل عدم الوجوب، فيتعارض الصدر مع الذيل، فتكون النتيجة أيضا عدم إمكان الالتزام بشمول الرواية للشاك، و بعد عدم كونه داخلا في الرواية أعنى: غير داخل لا في الصدر و لا في الذيل للتعارض بين الصدر و الذيل، فهو غير معذور بمقتضى القاعدة الأوّلية و يجب عليه الاعادة و القضاء فتأمّل.

(المقرّر)

(2)- أقول: فانقدح بذلك كلّه شمول الرواية صدرا للعالم بالحكم و الموضوع، فيجب عليه.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 271

المقام الثالث:
اشارة

بعد الالتزام بصحة صلاة الجاهل بالحكم، و عدم وجوب الاعادة عليه لو جهر المكلف في موضع الاخفات، أو العكس يكون هنا إشكال معروف، و هو أنّه مع فرض معذورية الجاهل بحكم الجهر و الاخفات، و عدم وجوب الاعادة عليه.

إمّا أن يقال: بأنّ منشأ المعذورية هو كون التكليف بالجهر و الاخفات مخصوصا بالعالم بهذا الحكم، فهذا محال للزوم الدور مضافا إلى أنّه على هذا لا

وجه لاستحقاق العقاب على تركه و إمّا أن يقال: بكون التكليف مطلقا و لا اختصاص له بالعالم بالحكم، بل يشترك فيه العالم و الجاهل، فكيف يقال بعدم وجوب إعادة الصّلاة و تماميتها كما يظهر من رواية زرارة مع إمكان التدارك بالاعادة و القضاء، و كيف يقول من يقول بعدم استحقاق العقاب مع إطلاق الأمر و عدم امتثاله، هذا حاصل الاشكال و قد بيّن بتقريرات مختلفة.

أمّا استحقاق العقاب و عدمه، فيظهر من بعض الكلمات استحقاقه، فلا وجه للاشكال بعدم استحقاق العقاب، و لا إجماع و لا شهرة قائمة على عدم استحقاقه العقاب.

و أمّا ما يقال من أنّه لو كان التكليف من رأس متعلقا بغير الجاهل، فمضافا إلى لزوم الدور لاستلزامه توقف العلم بالحكم على وجود الحكم، فإن كان الحكم متوقفا على العلم به يلزم الدور، و بطلان الدور واضح، لأنّه يلزم كون الشي ء الواحد موجودا و معدوما في مرتبة واحدة، و هذا محال رأسا، و لو مع قطع النظر عن الدور

______________________________

الاعادة و ذيلا للناسى و الساهي و الجاهل بالحكم و الموضوع فلا يجب يجب عليهم إعادة الصّلاة. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 272

إن كان الحكم مختصا بالعالمين بالأحكام، فالبعث على الشي ء لا بد و أن يكون بعد علم المبعوث إليه بالبعث، و هذا محال لأنّه كيف يعقل بعث المولى بعد علم العبد بالبعث، فنفس البعث محال عليه في ظرف علم العبد بالبعث.

و أمّا ما يقال: بأنّه لا يعقل وجود العلم مع عدم وجود المعلوم، و لهذا لا يمكن العلم بالحكم مع عدم وجود حكم، فلا يمكن اختصاص الحكم بخصوص العالمين بالأحكام.

ففيه أنّ وجود العلم معقول مع عدم وجود المعلوم، و ما لا يمكن هو وجود

الجزم مع عدم وجود ما يجزم به. «1»

إذا عرفت عدم معقولية كون الحكم مختصا بالعالم به، و لهذا قالوا بأنّ له تعالى في كل واقعة حكما واحدا يشترك فيه العالم و الجاهل، فلا وجه هنا لدعوى عدم إطلاق الأمر بالجهر و الاخفات و اختصاصه بخصوص العالمين.

فنقول: بأنّ ظاهر كلام الشّيخ رحمه اللّه هو كون الاشكال في المسألة مختصا بخصوص صورة الالتزام باستحقاق العقاب، لأنّه على هذا يرد الاشكال حيث لا يجامع الحكم بالصحة مع استحقاق العقوبة، و أمّا مع عدم استحقاق العقوبة فلا يرد الاشكال ففيه انّه كما قلنا في بيان الاشكال ليس هو منحصرا بهذه الصورة، بل إن قلنا بعدم استحقاق العقاب يكون الاشكال أيضا و هو أنّ عدم العقوبة كاشف عن عدم التكليف على الجاهل، و لازم ذلك كون الحكم مختصا بالعالم، و هو مستلزم

______________________________

(1)- أقول: و وجود العلم بدون وجود المعلوم ظاهرا غير معقول، لأنّ النسبة بين العلم و المعلوم التضايف، فلا يمكن العلم بدون المعلوم، نعم يمكن حصول القطع مع عدم وجود المقطوع به، لأنّ الفرق بين العلم و القطع هو أنّ العلم اعتقاد جازم موافق مع الواقع، و القطع اعتقاد جازم يمكن كونه موافقا للواقع، و يمكن عدم مطابقة مع الواقع. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 273

ما قلنا من الدور و استحالة البعث، هذا.

[في ذكر كلام المحقّق الهمداني ره و دفعه]

ثمّ إنّ الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه «1» بعد ما يقول بأنّ الظاهر من بعض استحقاق الجاهل بالجهر و الاخفات للعقوبة، فمع فرض استحقاقه العقوبة، تصدى لدفع الاشكال الوارد على فرض استحقاق العقوبة و ذكر في كيفية مجامعة الحكم بالصحة مع استحقاق العقوبة وجها حاصله هو أنّه يمكن أن يكون في مقام الثبوت و

الواقع لأصل طبيعة الصّلاة مصلحة ملزمة توجب الأمر بها، و كان للفرد من الصّلاة الواقعة مع الجهر و الاخفات مصلحة اخرى ملزمة فلأجلها أمر بهذا الفرد من الصّلاة.

و بعبارة اخرى يكون من باب تعدد المطلوب، فمطلوب من المولى هو الطبيعة و لهذا يأمر بها، و مطلوب آخر له و هو إتيان فرد منها واجدا لخصوصية الجهر أو الاخفات و لهذا يأمر به أيضا بأمر آخر، فمع فرض كون المطلوب متعددا، و كون ظرف امتثال الأمر الثاني المتعلّق بالفرد الواجد للخصوصية هو في ضمن امتثال الطبيعة، بحيث لا يمكن امتثاله إلّا في هذا الظرف، لأنّ المطلوب الثاني هو الاتيان بفرد الطبيعة واجدا للخصوصية، فلو أتى المكلف بالطبيعة في ضمن الفرد الواجد للخصوصية فقد امتثل الأمرين، و أمّا لو أتى بطبيعة الصّلاة في ضمن فرد آخر غير الفرد الواجد للخصوصية فقد امتثل أمر الطبيعة، و أمّا الأمر بالفرد الواجد للخصوصية لم يمتثله، و لا يمكن بعد ذلك امتثاله لما قلنا من أنّ المطلوب إتيانه في ضمن الطبيعة المأمور بها، و على الفرض أوجد الطبيعة فلا يمكن امتثال الأمر بالفرد لمضى محله، و يصح أن يعاقب على تركه لمخالفة العبد أمر المولى.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 316.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 274

فوجه العقاب هو عصيان المولى و مخالفته لأمره، و وجه عدم الاعادة و القضاء عليه و إتمام صلاته هو عدم إمكان أعادته أو قضائه لمضى محله بامتثال الطبيعة فعلى هذا نقول: لا تنافي بين الالتزام باتمام الصّلاة و عدم وجوب الاعادة و القضاء، و بين استحقاق العبد للعقوبة بترك الفرد الواجد للجهر أو الاخفات.

إن قلت: بعد كون أمر من المولى على الطبيعة، و أمر على الفرد الواجد للخصوصية،

فلو بنى المكلف على امتثال الطبيعة بدون امتثال الفرد في ضمنها، فحيث أنّ بها يقع عصيان الفرد فلا يمكن صيرورة ذلك امتثالا للطبيعة، لأنّ هذا العمل لا يكون مقربا مع فرض عصيان الأمر المتعلّق بالفرد به فعلى هذا يبقى الأمر بالطبيعة، لعدم إمكان امتثاله إلّا في ضمن امتثال أمر الفرد.

قلت: بعد ما اخترنا من عدم كون الأمر بالشي ء مستلزما للنهي عن ضده الخاص، فلا يوجب الأمر بالفرد الواجد للخصوصية للنهي عن ضده الخاص، و هو طبيعة الصّلاة، و بعد عدم صيرورة هذه الصّلاة الماتى بها بعنوان امتثال الطبيعة منهيا عنها، فلا مانع لأن تصير مقربا، فباتيانه يمتثل الأمر بالطبيعة، و يبقى الأمر بالفرد، و لا يمكن امتثاله، فيعاقب على ترك امتثاله، و لا محل لاعادته، أو قضائه.

إن قلت: بأنّه بعد ما يكون لطبيعة الصّلاة على ما فرضت مصلحة صارت متعلق الأمر لأجلها مع قطع النظر عن كونها في ضمن فرد خاص، و للفرد الخاص منها مصلحة اخرى توجب الأمر به، و لازم ذلك كون الطبيعة بنفسها واجدة لمصلحة صارت مورد الأمر فعلى هذا لو أتى بالطبيعة في حال العلم في ضمن فرد آخر غير الفرد الواجد للخصوصية كان اللازم عدم وجوب الاعادة و القضاء، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام بذلك.

قلت: نحن فى هذا المقام نكون في مقام التصور، و بيان توجيه لدفع ما يتوهم

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 275

من التنافي في مفاد رواية زرارة و كلمات الفقهاء قدس سرّه من الحكم بأنّ الجاهل بالحكم في الجهر و الاخفات تمت صلاته و لا إعادة عليه، و مع هذا يعاقب على ترك الجهر. أو الاخفات و أنه في مقام الثبوت يمكن كون طبيعة الصّلاة مشتملة

على مصلحة لكن لا على سبيل الاطلاق، و الصّلاة الواجدة لخصوصية واجده من الجهر و الاخفات واجدة لمصحلة اخرى توجب تعلق أمر بالطبيعة و أمر بالفرد، فنقول: يمكن أن تكون طبيعة الصّلاة في حال العلم بالحكم واجدة لخصوصية لم تكن مطلوبة و متعلق الأمر بنفسها مثل كون مطلوبية طبيعة الصّلاة مقيدة بخلوصها عن شائبة التجري، و مع تقييدها بذلك ينافي كونها مطلوبة في حال العمد و التردد.

فعلى هذا يمكن تصوير كون الطبيعة مورد تعلق أمر في حال الجهل باعتبار واجديتها لمصحلة، و كون الفرد الواجد للخصوصية متعلق أمر آخر باعتبار واجديته لمصحلة اخرى، فلا ينافي عدم وجوب الاعادة و القضاء مع استحقاق العبد للعقاب، هذا حاصل مراده في المقام.

و لو أمعنت النظر في بياننا في توجيه مراده يظهر لك عدم ورود إشكالين عليه:

الاشكال الأوّل: أنّه على هذا التوجيه يكون استحقاق العقاب على ترك الجهر أو الاخفات، لأنّ مطلوب الثاني هو إتيان الصّلاة جهرا أو اخفاتا، و الحال أنّ وجوبهما لا يكون نفسيا، بل يكون غيريا فلا عقاب و لا ثواب عليهما، بل الثواب على فعل الصّلاة الواجدة للأجزاء و الشرائط و منها الجهر أو الاخفات، و العقاب على تركها.

الاشكال الثاني: أنّ الجهر أو الاخفات ليسا بنفسهما مطلوبين آخرين صارا متعلق الأمر، فلا معنى لكون المطلوب متعددا باعتبار الطبيعة و باعتبار

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 276

الجهر الاخفات.

أمّا بيان عدم ورود الاشكالين فهو أنّه على ما قلنا يفرض كون الطبيعة باعتبار واجديتهما لمصحلة بنظر المولى متعلقة لأمر، و كون الفرد منها لواجديته لخصوصية الجهر أو الاخفات متعلقا لأمر آخر لا الجهر أو الاخفات، فلا يكون استحقاق العقاب على ترك الفرد من الصّلاة الواجدة لخصوصية واجديته من

الجهر أو الاخفات بل يكون الفرد متعلق الأمر فلا يرد أحد من الاشكالين لأنّا لا نقول بكون الجهر و الاخفات بنفسهما متعلقين لأمر، و لا نقول بكون العقاب على تركهما فبما قال رحمه اللّه و بينّا مراده بنحو أو فى قد اجيب عن الاشكالين.

[في ذكر اشكال المحقّق الحائري على المحقّق الهمداني]

ثمّ إنّ بعض الاعلام (يعني آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) استشكل «1» على هذا التوجيه الذي ذكره آية اللّه الهمداني رحمه اللّه، و ذكر توجيها آخر لدفع الاشكال المتقدم، أمّا الاشكال فهو أنّه على ما قال في المصباح يلزم صحة العمل إن أتى بالطبيعة متعمدا في ضمن فرد غير الفرد الواجد للخصوصية المأمور به، فإنّ إتيان الطبيعة على ما فرضها عبادة و إن قارن عصيان الأمر الآخر، و هذا الاشكال هو الاشكال الّذي أورده آية اللّه الهمداني رحمه اللّه على نفسه، و أجاب عنه بأنّه يمكن كون طبيعة واجدة لخصوصية لأجلها لا يمكن كونها مطلوبة حال العمد و التردد.

اعلم بأنّه و إن بينّا مراده رحمه اللّه بنحو أو فى بحيث يندفع عنه بعض الاشكالات كما نبهنا عليه إلّا أنّه ما قلت في جواب الاشكال- الّذي يمكن أن يورد عليه من أنّه بعد كون أمر من المولى على الطبيعة و أمر على الطبيعة المقيدة، فلو بنى المكلف على امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة، فحيث إنّه يتحقّق بامتثاله عصيان الأمر بالطبيعة

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 194.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 277

المقيدة فلا يصير مقربا، لأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده- بأنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص فلا إشكال.

يمكن لقائل أن يورد عليه و يقول: بأنّا و إن قلنا بأنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص

لأنّ ضد الشي ء عدمه لا خصوص الفعل الوجودى المقارن للعدم و هو الضد الخاص، و لكن هذا يكون في ما لا يكون نفس الأمرية الضد بهذا الفعل الوجودي، و أمّا إذا كان نفس الأمرية هذا الضد بالفعل الوجودي، فلا يمكن كون هذا الفعل الوجودي مأمورا به و مقربا، و في المقام يكون كذلك حيث إنّ نفس الأمرية عدم الطبيعة المقيدة يكون بوجود الطبيعة المطلقة، ففي مثل هذه الصورة لا مانع من الالتزام بكون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهي عن ضده فعلى هذا لا يمكن امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة مع كونه عصيانا للأمر بالطبيعة المقيدة، فلأجل هذا لا يتم ما بينه رحمه اللّه لدفع الاشكال، و نذكر إنشاء اللّه بأنّ الوجه الّذي ذكره العلّامة الحائرى رحمه اللّه أيضا لا يندفع الاشكال، و نذكر إنشاء اللّه ما يندفع به الاشكال.

[الكلام في توجيه كلام المحقّق الحائري و الهمداني]

فنقول: أمّا التوجيه الّذي ذكره بعض الأعلام (أعنى: علامة الحائري رحمه اللّه) «1» في دفع الاشكال، فهو أن يقال: بأنّه يمكن أن يكون لطبيعة الصّلاة الواجدة لخصوصية الجهر أو الاخفات مصلحة موجبة للأمر بها على الاطلاق، و لكن للطبيعة الجامعة، مع قطع النظر عن خصوصية الجهر و الاخفات، توجد مصلحة ملزمة مع الجهل بالحكم، فليست المصلحتين في عرض واحد، بل المصلحة في الطبيعة توجد بعد الجهل، فما له المصلحة أوّلا و صار مورد الأمر هو خصوص الطبيعة الواجدة للخصوصية، و لكن في طولها توجد مصلحة عند جهل المكلف بالحكم بأصل

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 192.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 278

الطبيعة، فتصير مورد الأمر حال الجهل، و بهذا يندفع الاشكال، إذ العقاب يكون على تركه لخصوص الفرد من الطبيعة الواجدة للجهر أو الاخفات، و أمّا عدم

وجوب الاعادة فيكون من باب أنّ الطبيعة في حال الجهل لأجل واجديتها لمصحلة صارت مورد الأمر و على الفرض أتى بها، و لا يمكن معها امتثال الطبيعة في ضمن الفرد الواجد لخصوصية الجهر أو الاخفات.

و مما مرّ يظهر لك الفرق بين التوجيهين، فإنّه على التوجيه الأوّل تكون المصلحتان في عرض واحد قائمة إحداهما بمطلق الطبيعة، و الاخرى بالفرد الواجد للخصوصية من الطبيعة، و على الثاني تكون المصلحة على المقيد مع قطع النظر عن الجهل و لم تكن مصلحة قائمة في هذا الحال على الطبيعة المطلقة، و باصطلاحه على الطبيعة الجامعة، فإذا طرأ الجهل توجد مصلحة على الطبيعة المطلقة، فالمصلحة على الطبيعة الجامعة توجد في طول المصلحة على الطبيعة المقيدة بالجهر أو الاخفات.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ المكلف بالجهر أو الاخفات تارة يعلم بالحكم و يعمل على علمه بمعنى: أنّه مع علمه بالحكم يجهر في موضعه و يخفي في موضعه، و تارة يعلم بهما أى: بحكمهما و لكن لا يعمل بعلمه، فيجهر في موضع الاخفات أو بالعكس، و تارة يكون جاهلا بالحكم و من أجل جهله يجهر في موضع الاخفات أو بالعكس، و تارة مع جهله بالحكم يعمل من باب الاتفاق على طبق الواقع فيجهر في موضعه. و يخفي في موضعه.

[في ذكر الصور فى المسألة]

أمّا فى الصورة الاولى: فتكون نتيجة توجيه صاحب المصباح رحمه اللّه، و كذلك نتيجة توجيه علامة الحائري رحمه اللّه هو درك المكلف مصلحة المقيد، لأنّه على كلا التوجيهين ليس في حال العمد إلّا مصلحة واحدة، و هي المصلحة الموجودة في المقيد، أمّا على القول الأوّل منهما لأنّ المطلق من أجل خصوصية تكون فيه، و هي خلوه

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 279

عن شائبة التجري ليس

فيه مصلحة، و أمّا على القول الثاني فلأنّ مع الجهل تحدث مصلحة في المطلق فليس في حال العمد مصلحة مترتبة عليه.

أمّا فى الصورة الثانية: فعلى التوجيه الأوّل منهما لا يدرك المكلف لا مصلحة مطلق الطبيعة و لا مصلحة المقيد، لأنّه على ما عرفت ليس في المطلق مصلحة حال العمد، و على الفرض لم يدرك مصلحة المقيد لعدم الاتيان به، بل خالف أمره لأنّه أتى بالجهر في محل الاخفات أو بالعكس، و كذا على التوجيه الثاني لأنّ حال العمد ما فيه المصلحة هو المقيد و على الفرض لم يدركها، و أمّا المطلق أعنى: الطبيعة الجامعة، فلم تكن فيها مصلحة حال العلم بالحكم.

أمّا فى الصورة الثالثة: فعلى كلا التوجيهين يدرك المكلف مصلحة الطبيعة الجامعة، و لا يدرك مصلحة المقيد، لأنّه على التوجيه الأوّل فات عنه المصلحة القائمة على المقيد لترك الجهر في محل الاخفات أو بالعكس و لأنّه على التوجيه الثاني ليس في حال الجهل إلّا المصلحة المحدثة في المطلق (الّا على الاحتمال الأوّل الّذي نذكر في كلامه في الصورة الرابعة إن شاء اللّه).

أمّا فى الصورة الرابعة: فعلى التوجيه الأوّل لا إشكال في كون المكلف مدركا لكلا المصلحتين مصلحة المطلق و المقيد كالصورة الاولى، لأنّه على الفرض أتى بالصّلاة المشروطة بالجهر أو الاخفات فأدرك المصلحة القائمة على المطلق و المقيد كليهما

[في ذكر ثلاث احتمالات فى الصور الاربعة]

، و أمّا على التوجيه الثاني فيشكل الأمر، لأنّ في كلامه احتمالات:

الاحتمال الأوّل: أن يكون مراده هو أنّ في صورة الجهل مضافا إلى المصلحة القائمة بالمقيد توجد و تحدث مصلحة اخرى في المطلق حال الجهل، فيكون في حال الجهل مصلحتان مصلحة في المطلق و مصلحة في المقيد، و أمّا في حال العلم

تبيان الصلاة، ج 5،

ص: 280

فلا يكون إلا مصلحة واحدة قائمة بخصوص المقيد.

فإن كان مراده هذا ففساده ظاهر، لأنّ لازم ذلك كون الجاهل بالحكم الّذي أدرك الواقع مدركا لمصلحتين، و كون العالم بالحكم العامل على طبق الواقع مدركا لمصلحة واحدة، فيكون العالم العامل بالواقع أسوأ حالا من الجاهل العامل بالواقع، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، و هو أيضا لا يلتزم به.

الاحتمال الثاني: أن يكون مراده من إحداث مصلحة حال الجهل في المطلق أى مطلق طبيعة الصّلاة، هو أنّ للجاهل تحدث مصلحة اخرى على المطلق، فهو يدرك مصلحة المطلق و مصلحة المقيد، و لكن لا مثل الاحتمال الأوّل، بل يفرض كون العالم مدركا لمصلحتين مصلحة المطلق و مصلحة المقيد كالجاهل بالحكم، فالعالم و الجاهل يدركان مصلحتين، و هذا الاحتمال ليس مراده.

و على كل حال إن كان مراده هذا، فلا معنى لقوله بأحداث مصلحة في المطلق حال الجهل، لأنّ ظاهر ذلك عدم وجود مصلحة في المطلق حال العلم مضافا إلى أنّه على كلا الاحتمالين يرد عليه أنّه لا مجال لاستحقاق العقاب على الجاهل إذا صادف وقوع عمله على خلاف الواقع، لأنّ المفروض كون الجهل سببا لا يجاد مصلحة في المطلق مضافا إلى مصلحة المقيد، فهو مع كونه مدركا لكلا المصلحتين لا وجه لاستحقاقه للعقاب.

الاحتمال الثالث: أن يكون نظره إلى أنّ كل مصلحة قائمة على الطبيعة المقيدة بالجهر أو الاخفات حال العلم بالحكم توجد و تحدث هذه المصلحة في الطبيعة الجامعة، أى المطلق، حال الجهل بالحكم، فالعالم بالحكم و الجاهل به مدركان لمرتبة واحدة من المصلحة، غاية الأمر إنّ العالم يدرك هذه المرتبة في ضمن المقيد، و الجاهل

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 281

يدركها في ضمن المطلق، فلا يفوت

من الجاهل مصلحة و إن كان آتيا على خلاف الواقع و تاركا للجهر أو الاخفات.

[التحقيق فى الاحتمال الثالث]

فإن كان مراده هذا فيرد عليه بأنّه على هذا يقع رحمه اللّه في الاشكال الّذي يفرّ منه، و هو الدور، لأنّه بناء على هذا يكون العالم بالحكم مأمورا بالصّلاة المقيدة بالجهر أو الاخفات و الجاهل بالحكم مأمورا بطبيعة الصّلاة، لأنّ ما فيه المصلحة للاول هو المقيد و الثاني هو المطلق، فيلزم اختصاص العالم بحكم و هو مستلزم للدور، مضافا إلى عدم وجه لاستحقاق العقاب على هذا. «1»

و أمّا ما يتوهم من كون نظره في إحداث المصلحة في الطبيعة الجامعة حال الجهل لا إلى مطلق حال الجهل حتّى الصورة الّتي يأتي الجاهل بما وجب عليه واقعا من الجهر في موضعه و الاخفات في موضعه، بل يكون نظره إلى أنّه تحدث مصلحة متعلقة بالمطلق في خصوص الصورة الّتي يكون جاهلا بالحكم و يأتي الصّلاة على

______________________________

(1)- أقول: و ازيد عليها احتمالا رابعا، و هو أن يفرض حدوث مصلحة في حق الجاهل حال الجهل، و لكن تكون هذا المصلحة أقل من المصلحة الّتي تكون للعالم، مثلا العالم يدرك عشرين درجة باعتبار إدراكه لمصلحة المطلق و المقيد، و الجاهل عشرة درجات من باب إدراكه المطلق فقط، فوجه صحة صلاة الجاهل المقصّر في تركهما هو ادراكه لمصلحة المطلق الّتي أقل من المطلق و المقيد الّتي يدركها العالم العامل بالوظيفة، فهو مستحق للعقاب لتركه المقيد عن جهل لا يعذر فيه، و أمّا صحة صلاته فهو لأجل امتثاله الأمر المتعلّق بالمطلق لأجل حدوث مصلحة فيه حال الجهل.

و إن كان نظره رحمه اللّه إلى هذا فيرد عليه ما أورده على جعل الطرق و الامارات من أنّ جعلها مستلزم

لتوفيت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة، لأنّه على هذا مع الحكم الشارع بعدم وجوب الاعادة فوّت منه المصلحة الكامنة في المقيد، فعلى كل الاحتمالات الأربعة ليس توجيه رحمه اللّه دافعا للاشكال. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 282

خلاف النحو الواجب عليه، و هو الصورة الّتي أجهر في موضع الاخفات، أو بالعكس، ففي هذه الصورة يقول بأحداث مصلحة في الطبيعة الجامعة.

فهو، مع عدم كونه مفاد ظاهر كلامه، لأنّ ظاهر كلامه، احداث المصلحة حال الجهل في المطلق، لا يفيد لدفع الاشكال المتقدم في مسئلة معذورية الجاهل بالجهر و الاخفات، لأنّه يقال ما قلت من إحداث المصلحة في المطلق في صورة الجهل بالحكم، و وقوع الصّلاة فاقدة للجهر أو الاخفات.

إن قلت: إنّ المصلحة الحادثة في المطلق في هذا الحال تكون مثل المصلحة الموجودة في المقيد حال العلم، فتكون المصلحتان متساويتين، غاية الأمر في حال العلم هذه المصلحة قائمة على المقيد، و في حال الجهل على المطلق.

فيلزم إشكال الدور لأنّه يلزم كون الحكم بالمقيد مخصوصا بالعالمين به مضافا إلى عدم وجه لاستحقاق العقاب بعد كون تكليف الجاهل واقعا هو المطلق.

و إن قلت: بكون المصلحة في هذه الصورة من الجهل تحدث في المطلق المقيد بكون قراءته جهرا في موضع الاخفات و اخفاتا في موضع الجهر بعكس المجعول للعالم رحمه اللّه.

فهو، مضافا إلى كونه خلاف ظاهر كلامه، لأنّ ظاهر كلامه حدوث المصلحة حال الجهل في المطلق لا في المقيد بالعدم، لا يمكن به توجيه دفع إشكال استحقاق العقاب، لأنّه على هذا يكون تكليفه حال الجهل إتيان المطلق في ضمن المقيد المضاد لما هو المقيد حال العلم، فلا وجه لاستحقاق العقاب فيبقى الاشكال.

(و إن قلت: بأنّه في هذا الحال توجد مصلحة زائدة في

المطلق لم تكن هذه المصلحة في غير هذا الحال، فيلزم كون العالم المدرك للواقع أسوأ حالا من الجاهل،

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 283

مضافا إلى عدم وجه لاستحقاق العقاب.

و إن قلت: بأنّ العالم مدرك لمصلحة المقيد، و المطلق و الجاهل مدرك لمصحلتين مصلحة المطلق و المقيد، فهو مضافا إلى كونه خلاف ظاهر كلامه لانه قال تحدث مصلحة في المطلق للجاهل، و هذا يدلّ على كون مصلحة في المطلق في حق العالم بالحكم يوجب عدم استحقاق العقاب، و الحال أنّهم يقولون باستحقاقه).

[في ذكر الكلام المحقّق الحائري ره]

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّ نظر العلّامة الحائري رحمه اللّه يكون إلى أمر ننبه عليه تتميما للفائدة بعد ذكر مقدمة، و هي أنّ الترتب المعنون في الاصول يعنون في موردين:

المورد الأوّل: في مسئلة الضد، و هو أنّه قال الشّيخ البهائي رحمه اللّه بأنّ الأمر بالشي ء و إن لم يكن مقتضيا للنهي عن ضده، فلا أقل من اقتضائه عدم الأمر بالضد، و ثمرة ذلك تظهر في ما كان الضد عبادة، فحيث إنّ صحة العبادة متوقف على الأمر، ففي صورة كون الواجب العبادى ضد واجب آخر فلا يكون قابلا لصيرورته مأمورا به، و بعد عدم كون أمر به لا يترتب عليه الصحة.

و في مقام الجواب عن هذا البيان قال بعض: بأنّا نصحح أمرا للضد بنحو الترتب بأنّا نفرض أحد الأمرين مطلقا، و الآخر مشروطا بعصيان أمر المطلق، و من يقول بصحة الترتب- و هو مختارنا و اثبتناه في الاصول و بينّا وجهه مفصلا- يقول:

بأنّ الأمر بالأهم و إن كان مطلقا و تكون مرتبة إطاعته و عصيانه متأخرا عن رتبة نفسه، فالمولى بعد ما يرى كون الأهم و كذا المهم محبوبا له، و يرى بأنّه لا يتمكن

العبد من امتثال كل منهما، و يكون الأهم أحب بنظره فيأمر به مطلقا، و يجعل أمره بالمهم مشروطا بعصيان أمرا الاهمّ، فيتصور بهذا النحو أمرا مترتبا على عصيان الأمر

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 284

بالاهم بالمهم، و قد بينا وجه صحة الترتب في الاصول بما لا مزيد عليه، و نذكر هنا أيضا على وجه الاختصار.

[في ذكر وجها لصحّة الترتيب]

فنقول بعونه تعالى: بأنّه و إن ذكر لتصحيح الترتب وجوه من بعض المحققين، و لكن الوجه الّذي يكون خاليا عن الاشكال هو أن يقال: بأنّ ما يوجب تخيل استحالة الترتب هو توهّم استلزام ذلك الأمر بالضدين في آن واحد، و نذكر بيانا يرتفع به الاشكال و يرى عدم وجه للاستحالة، و هو أنّ المولى لو أمر أحدا باتيان الضدين في آن واحد يلزم الأمر بالضدين و البعث فيهما في آن واحد، و هو محال.

(و وجهه ليس إلّا أنّ البعث جدا بما لا يتمكن المبعوث إليه من امتثاله محال، لأنّ حقيقة بعث العبد إلى الفعل إرادة صدور الفعل من العبد، لأنّ هذا معنى الإرادة التشريعية في قبال الإرادة التكوينية الّتي يقدم المريد باتيان مراده بنفسه في الخارج، و يحرك عضلاته نحوه، و في التشريعية يريد من الغير فيبعثه نحو الفعل، فمع علم المريد بعدم إمكان انبعاث العبد نحو الفعل كيف يريد الفعل منه و يبعثه نحوه، فوجه الاستحالة هو عدم إمكان البعث و تعلق الإرادة بالمتناقضين أو الضدين).

و أمّا إذا أمر بشيئين بأمرين، مثلا أمر بانقاذ الابن بأمر، و أمر بانقاذ الأخ بأمر آخر، فلا يرى كونهما أمرا بالضدين في حدّ ذاتهما، و لا تنافي بينهما في حدّ ذاتهما إلّا إذا كان الأمران بحيث يبعثان و يحرّكان العبد نحو إتيان كل

واحد منهما في عرض واحد لتزاحم كل منهما مع الآخر، و أمّا إذا كان أحد الأمرين في طول الآخر فلا يوجب اجتماع الضدين، فلو أمر المولى أمرا مطلقا بانقاذ الأخ في آن، و أمر بأمر مطلق بانقاذ الابن في هذا الآن مع عدم تمكن العبد من انبعاثه نحو كل منهما في هذا الآن فيكون امرا بالضدين.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 285

و أمّا إذا كان أحد الأمرين في طول الآخر، و في ظرف لا يكون أمرا آخر شاغلا للزمان، فلا يوجب الأمر بالضدين، فعلى هذا نقول: في ما أمر بشي ء و يكون ضده واجبا آخرا كالمثال المتقدم، فللمولى يكون مطلوبان أحدهما إنقاذا لابن، و الثاني إنقاذا الأخ، و يرى بأنه لا يمكن حفظ كل من مطلوبيه لعدم تمكن العبد من إنقاذهما في آن واحد، فيامر أمرا مطلقا بما يكون أشدّ حبّا به، فيأمر في المثال بانقاذ الابن مثلا، و لكن لو رأى بأنّ العبد لا يمتثل هذا الأمر و لا ينبعث نحوه و يعصيه، و لا ينقذ الابن فيأمر في هذا الفرض بانقاذ الأخ كي يحفظ مطلوبه المهم إذا رأى أنّه لا يحفظ مطلوبه الأهم، فبعد كون كل منهما مطلوبا له، و يكون أحدهما أهمّ في نظره من الآخر، و يرى عدم انبعاث العبد نحو الأهم، ففي هذا الحال ما يصنع المولى هو أنّه يأمر أمرا مطلقا بالأهم، و يأمر أمرا آخرا مشروطا بعصيان الأهم بالمهم، فبعد كون الأمر بالمهم في طول الأمر بالاهم و مشروطا بعصيانه، فلا يكون مستلزما للأمر بالضدين.

إن قلت: بأنّ الأمر بالمهم و ان كان مشروطا بعصيان الأهم و لا يكون في رتبة الأمر بالأهم و لكن الأمر بالأهم يكون في هذه

المرتبة، لأنّ أمر الأهم يكون مطلقا و اطلاقه يشمل هذا الحال.

قلت: أمّا الإطلاق اللحاظي فلا يمكن لأنّ العصيان و اطاعة الأمر ممّا يكونان في طول الأمر فلحاظهما في رتبة سابقة على الأمر غير ممكن، لأنّه بعد الأمر إمّا يعصي الأمر أو يطيع، فقبل الأمر لا يمكن لحاظ الموضوع المأمور به و طلبه في حال الاطاعة أو حال العصيان:

و أمّا الاطلاق الذاتي بمعنى: كون الموضوع، أو متعلق الطلب مرسلا و بلا تقيد

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 286

بقيد- كما نذكر بيانه في جواب ما قال في تصحيح الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري بالترتب إنشاء اللّه- فهو يفرض للأهم و له الاطلاق بهذه المعنى، لكن بعد كون فرض الأمر بالمهم في رتبة عصيان الأهم، فالعبد في هذا الحال لا ينبعث نحو الاهم فأمر المولى على الأهم و ان كان باقيا، و لكن لا يكون مؤثرا لعدم انبعاث العبد إليه، فلهذا لا يكون يامر بالضدين.

إن قلت: بأنّه بعد ما فرضت كون الأمر بالمهم في فرض عصيان الأمر بالاهم، فقبل العصيان لا يكون أمر على المهم، و على الفرض يكون ظرف امتثال الأمر بالمهم هو ظرف عصيان الأمر بالأهم، فكيف يفرض قبل ظرف العصيان أمر بالمهم.

قلت: بأنّه بعد تصحيح الشرط المتأخر كالشرط المتقدم و المقارن، فيكون العصيان للأهم شرطا متأخرا للأمر بالمهم، فمع علم المولى بالعصيان يأمر في رتبة سابقة على العصيان بالمهم، فالأمر بالمهم مشروط بالعصيان بنحو الشرط المتأخر، فبهذا النحو يصح الترتب.

إن قلت: إن لازم ما قلت استحقاق العبد للعقوبتين لو ترك الأهم و المهم كلاهما، لأنّه خالف أمرين من أوامر المولى.

قلت: نلتزم بذلك و لا مانع منه، لأنّه بعد تصحيح تعلق الأمرين باختلاف الرتبة، و

كون أحدهما مشروطا، فلو خالف كل من الأمرين يستحق بحكم العقل للعقوبتين عقوبة على ترك الأهم و عقوبة على ترك المهم.

فانقدح بذلك كله أنّه لا مانع من صحة الترتب و مدعي الاستحالة لا بد له من إثباتها.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 287

و قد ذكرنا بأنّه إن كان الأمر ان بحيث يوجبان للامر بالجمع في رتبة واحدة كان محالا، مثل ما إذا أمر بامر واحد بالمتضادين، و قد ذكرنا عدم استلزامه ذلك لاختلاف الأمرين من حيث الاطلاق و الاشتراط، و عدم كون الأمر المشروط في رتبة الأمر المطلق في هذا المورد، فصحة الترتب و تصويره واضح، و يكون أمرا عرفيا يتفق كثيرا ما للنوع، مثلا تقول أنت بخادمك جئني بالماء البارد، و لو رأيت أنّه لا ينبعث نحوه تقول: و إن لم تأت به فات بكل ماء موجود فعلا: و الأمثلة كثيرة. «1»

المورد الثاني: في الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري
اشارة

فإنّ بعض الاعلام (و هو السيّد «2» محمد الاصفهاني رحمه اللّه) قد تصدى لدفع الاشكال في حجية الظن، و أنّ حجيته يوجب اجتماع الضدين بالترتب، و حاصل ما نقله بعض تلامذته (في الدرر) بعد تهافت في كلامه صدرا و ذيلا (فإنّ ظاهر صدر كلامه هو تصوير الاطلاق

______________________________

(1)- أقول: الحق استحالة الترتب، لأنّ القائلين بصحته لا يتكلمون في وجه الاشكال، و لا يدور كلامهم حول النقطة الّتي هي جوهر المطلب، و هو أنّه نسأل عنهم بأنّه في الرتبة الّتي تقول:

بأمر المولى و بعثه نحو المهم، و هي رتبة سابقة على العصيان، هل يكون بعث من المولى في هذه المرتبة نحو الأهم أو لا.

فإنّ قلت: ليس بعث نحو الأهم في هذه الرتبة، فيكون خارجا عن محل النزاع، لأنّ محل النزاع يكون في ما كان

الأمر بالأهم باقيا و لا إشكال فيه، و إنّما الاشكال في تصحيح أمر متعلق بالمهم.

و إن قلت بأنّ الأمر بالأهم و البعث نحوه باق في هذا الحال و هذه المرتبة يكون البعث فيها بالمهم، فمعنى ذلك البعث في هذه الرتبة بالأهم و المهم في آن واحد، و رتبة واحدة مع كونهما ضدين، فهذا محال لكونه طلبا للضدين، فلا يعقل تصوير أمر بالمهم بنحو الترتب لما قلنا. (المقرّر)

(2)- درر الفوائد، ص 351- 352.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 288

و التقييد في موضوع الحكم، كما يظهر من مثاله بالعتق، و ظاهر ذيل كلامه تصوير الاطلاق و التقييد في الحكم، و يظهر ذلك من مثاله بصلوة الجمعة).

(أقول: لم أفهم التهافت هو أنّ الأحكام لا تتعلق بالموضوعات الخارجية، بل تتعلق بالموجودات الذهنية لا مقيدة بالذهن، و الآمر قبل الأمر إمّا أن يكون الموضوع مطلوبا له على الاطلاق، و إمّا أن يكون مطلوبه مقيدا، و صيرورة مطلوبيته مقيدة إمّا أن تكون باعتبار المصلحة في المقيد، و إمّا أن تكون من باب تزاحم غير المقيد لغرضه الآخر، فبالكسر و الانكسار يصير المقيد مطلوبا له، فعدم صيرورة غير المقيد في الصورة الاولى مطلوبا يكون من باب عدم المقتضى فيه، و في الثانية يكون من أجل طروّ المانع و في هذه الصورة لا بدّ للآمر من لحاظ عنوان المطلوب مع لحاظ عنوان آخر متحد معه، صار سببا لخروج غير المقيد عن المطلوبية، فلو فرض عنوانان لا يمكن اجتماعهما في الذهن بحيث يكون المتعقل لأحدهما لا مع الآخر، فلا يمكن الكسر و الانكسار بينهما حتّى يرفع اليد عن أحدهما، و يبقى الآخر.

و من هنا يظهر أنّ ما هو المتعلّق و الموضوع للأحكام الواقعية، لا يمكن

تعقله مع ما هو الموضوع في الأحكام الظاهرية، فلو تصور صلاة الجمعة مثلا، فلا يمكن في تصورها إلّا تصور الحالات الّتي يمكن أن تتصف بها في هذه المرتبة، مثل كونها في المسجد أو الدار و أمثالهما، و أمّا اتصافها بكون حكمها الواقعي مشكوكا، فليس يتصور في هذه الرتبة، لأنّ هذا الوصف يعرض الموضوع بعد عروض الحكم به، و لا يمكن لحاظ أوصاف المتأخرة عن الحكم في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 289

موضوع ذلك الحكم.

و إن قلت: بأنّ العنوان المتأخر، أعنى: كون الموضوع مشكوك الحكم، و إن لم يكن في مرتبة العنوان المتقدم و هو نفس الموضوع، و لكن ذات الموضوع ملحوظ في مرتبة عنوان المتأخر، فعند ملاحظة عنوان المتأخر يجتمع العنوانان.

قلت: أمّا في تصور الموضوع في الحكم الواقعي فلا يلاحظ الحكم العارض عليه و أمّا تصور الموضوع بلحاظ كونه مشكوك الحكم فلا بدّ و أن يكون بلحاظ الحكم، لأنّ الموضوع مشكوك الحكم، فلا يلاحظ في هذا اللحاظ الموضوع الواقعى لعدم إمكان لحاظ الموضوع مجردا عن الحكم و بين لحاظ الموضوع ثابتا له الحكم.

فحينئذ نقول: متى يتصور اللاحظ الآمر صلاة الجمعة بملاحظة ذاتها تكون مطلوبة، و متى يتصورها بملاحظة كونها مشكوك الحكم تكون متعلقة لحكم آخر، فلا يكون الحكمين في مرتبة واحدة، بل تعلق حكم بالموضوع الواقعي في مرتبة، و تعلق الحكم بالموضوع المشكوك حكمه في مرتبة اخرى، فلا يلزم اجتماع الضدين، فبهذا النحو صار بسدد دفع الاشكال في جعل الطرق و الامارات.

[في ردّ كلام المحقّق الاصفهاني]

و فيه أنّ الترتب في هذا المورد غير تمام، و لا يمكن دفع اشكال لزوم اجتماع الضدين به، و فهم ذلك محتاج إلى ذكر مقدمة على سبيل الاختصار، و بينا تفصيله في المطلق

و المقيد في الاصول، و هو أنّ الاطلاق، على ما قلنا و هو الحق، عبارة عن الارسال، فالمطلق أعنى: المرسل، و بالفارسية (رها) فإذا كان المتكلم أو الآمر في عالم لحاظ موضوع حكمه لاحظ متعلق الحكم كالصّلاة مثلا، أو موضوعه كالانسان مثلا، و جعله مركزا لحكمه و موضوعه، و متعلقه الطبيعة بدون تقيده بقيد

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 290

حتى قيد الارسال، مثلا في المثال جعل الصّلاة تمام المتعلّق بدون تقيده بقيد من الجهر أو الاخفات أو غيرهما، أو جعل الانسان موضوعا لحكمه بدون تقيده بكونه رجلا أو امرأة، عالما أو جاهلا و غير ذلك، بحيث يكون ما هو تمام الموضوع و المتعلق للحكم هو نفس الطبيعة مرسلا عن القيد، لا بنحو يكون الارسال قيدا له، بل بمعنى عدم لحاظ شي ء معها فيكون اللفظ مطلقا، و المعنى أى الموضوع أو المتعلّق مطلقا.

فليس المراد من الاطلاق إلا الارسال عن القيد، لا أن يكون الملحوظ حين الاطلاق الشياع و السريان في جميع أفراد الطبيعة كما توهّم بعض، و عرّف المطلق بانه لفظ شايع في جنسه، بل في المطلق على ما قلنا لا يلاحظ إلّا الطبيعة، و بعد عدم لحاظه إلّا الطبيعة بدون تقيدها بقيد، ففي كل مورد توجد الطبيعة و في ضمن أىّ خصوصية كانت ترى الحكم قهرا، لأنّ موضوع الحكم ليس إلا هي، ففي كل مصداق من المصاديق لها يكون الحكم، لكن لا من باب كون المصداق موضوعا للحكم بخصوصياته المشخصة، بل من باب كونه مصداقا للطبيعة، فيكون في المطلق ثبوت الحكم على الأفراد دائرا مدار وجود الطبيعة و عدمها في أىّ خصوصية كانت، و في ضمن أىّ فرد كانت.

إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّ كل

وجود من الوجودات يكون فيه الطبيعة يصير مصداقا لها و موضوعا للحكم، أو متعلقا له، لكن لا من باب أنّ الحاكم لاحظ هذا الفرد و أسري حكمه إليه، بل من باب أنّ ما هو تمام الموضوع لحكمه موجود فيه، فإذا قال (اعتق رقبة) فمعنى إطلاق الرقبة هو كونها تمام الموضوع للحكم بدون خصوصية زائدة، فلازم إطلاقها هو كفاية عتق أىّ رقبة شاء المكلف مؤمنة كانت أو

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 291

كافرة، و ليست كفاية ذلك من باب لحاظ الحاكم شيوع الرقبة في كل فرد فرد من الرقبة، بحيث لاحظ حين الحكم جميع مصاديق هذا العنوان، بل يكون من باب أنّ تمام الموضوع حيث يكون الرقبة فإذا أعتق رقبة يسقط الأمر لاتيانه ما هو تمام موضوع حكمه.

و يظهر لك أيضا أنّه ليست معنى الاطلاق عدم اجتماع عنوان المطلق مع خصوصيات اخرى، لأنّه على ما قلنا ليست خصوصية اخرى غير العنوان الّذي صار تمام متعلق الحكم دخيلا في الموضوع و ملحوظا، و لكن هذا لا ينافي مع اجتماع العنوان الماخوذ الملحوظ مع ساير العناوين، ففي المثال ليس المأخوذ إلا طبيعة الرقبة، و لكن لا مانع من اجتماعها في الخارج مع بعض عناوين اخر، مثلا مع عنوان العلم و الجهل، فلو تحقق عنوان الرقبة يكفي في كونها تمام المتعلّق للحكم، سواء كانت عالما أو جاهلا، غنيا أو فقيرا و غير ذلك، و لكن اجتماع بعض العناوين مع عنوان الرقبة لا يوجب كون هذه العناوين دخيلا و ملحوظا حال الحكم، لأنّ الملحوظ ليس الرقبة، لأنها تمام الموضوع لحكمه.

فعرفت ممّا مر أنّ انطباق الطبيعة الّتي صارت موضوعا أو متعلقا للحكم مع بعض العناوين آخر لا يوجب كون هذه العناوين

ملحوظا حال الحكم على الطبيعة، و كون الحكم ساريا إلى هذه العناوين، و مع ذلك يسرى الحكم إلى كل فرد من الطبيعة من باب كون ذلك مصداقا لها بمعنى كونه موضوعا للحكم، لكن لا من باب كونه ملحوظا، بل من باب كون الطبيعة الّتي تكون تمام الموضوع للحكم موجودا فيه.

فمن هنا يظهر لك أنّ العلم بالحكم أو الجهل بالحكم و إن كانا من الحالات الطارية على الحكم، و لا يمكن لحاظهما في الموضوع المتقدم رتبة من الحكم، و لكن

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 292

هذا لا يمنع من شمول إطلاق موضوع الحكم لحالهما أى: لحال العلم و الجهل بالحكم، لأنّه بعد كون الموضوع عنوانا آخر و هو يكون تمام الموضوع للحكم، فأينما وجد يوجد الحكم و إن كان منطبقا مع عناوين آخر، فإذا قال مثلا (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أقيموا الصّلاة) فما هو تمام الموضوع هو الايمان، و ما هو تمام المتعلّق هو الصّلاة بدون تقييدهما بقيد آخر، فمتى وجد الايمان و حصل هذا العنوان يكون الوجوب ثابتا، لأنّ تمام الموضوع في ثبوت الوجوب لم يكن إلا الايمان و إن وجد معه عنوان أو عناوين اخر، فالمؤمن في حال علمه و جهله بهذا التكليف موضوع للحكم من باب وجود تمام موضوع الحكم فيه، و هو الايمان.

فعلى هذا نقول: بأنّ إطلاق التكليف الواقعى يشمل حال العلم و الجهل بالتكليف الواقعي، فمع شمول إطلاقه لحال الجهل لا يبقى مجال لما قال من أنّ التكليف الواقعي لم يكن في حال الجهل، ففي حال الجهل قابل لأنّ يجعل الشارع تكليفا اخر في طول الواقع، و هو التكليف الظاهري، لما قلنا من شمول إطلاق التكليف الواقعي حال الجهل، لكن لا

من باب لحاظ حال الجهل، بل من باب تحقق ما هو الموضوع للحكم في هذا المقام أعنى: في تصحيح الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري (مضافا إلى أنّ لازم ذلك هو التصويب، لأنّ لازم ما قال رحمه اللّه هو عدم كون الحكم الواقعي حال الجهل، فيلزم كون العالم موضوعا لحكم غير ما يكون الجاهل مختصا به، و بعبارة اخرى يلزم كون الأحكام الواقعية مخصوصة بالعالمين بالأحكام و هذا دور).

[في ان احكام الواقعيّة احكاما انشائية]

فظهر لك أنّ الجواب عن لزوم اجتماع الضدين في جعل الطرق و الامارات لا يدفع بالترتب و فرض كون حكم الظاهري في طول الحكم الواقعي، و ما يدفع به

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 293

الاشكال هو الّذي بينا في محله من فرض كون الحكم الواقعي إنشائيا، فإذا صادفه الأمارة يصير فعليا و منجّزا بأن يقال: بأنّه كما قلنا تكون حقيقة الأمر و النهي هي البعث و الزجر، فمرتبة الانشاء و الشأنية هي مرتبة بعث المولى و زجره، و لكن حيث يكون جوهر البعث و روحه هو انبعاث العبد نحو الفعل أو انزجاره عن الفعل، فإذا يرى المولى أنّه يمكن انبعاث العبد أو انزجاره يريد عنه، و أمّا إذا رأى بأنّه لا يتمكن من الانبعاث و الانزجار، فلا يمكن أن يريد منه أى يبعثه أو يزجره، فمرتبة الانشاء هي مرتبة البعث و مرتبة الفعلية هي مرتبة يمكن انبعاث العبد أو انزجاره، و بلوغ الحكم بهذه المرتبة لا يمكن إلّا بعد علم المكلف بالبعث أو الزجر بنفس تكليف المولى، أو بوسيلة جعل آخر مثل أن يجعل الاحتياط في حال الجهل، فما لم يبلغ الحكم المرتبة الفعلية ليس فيه روح البعث و هو إرادة الانبعاث من العبد، بل يكون

الحكم حكما انشائيا غير فعلى و غير منجّز، و إذا صار عالما بالحكم بعلمه بنفس هذا الحكم و البعث، أو بجعل آخر مثل جعل الاحتياط أو غيره يصير الحكم فعليا و منجزا لكون التنجّز مساوقا للفعلية، و ليس التنجّز من مراتب الحكم بل من صفاته.

إذا عرفت ذلك فالأحكام الواقعية أحكاما إنشائية، و لكن لو تعلق العلم بها أو قامت الأمارة عليها أو جعل الاحتياط في موردها تصير فعليا و منجّزا، و لو لم تقم الأمارة عليها تكون باقية في مرتبة الانشاء، و يتدارك مصلحتها الفائتة في هذا الحال بمصلحة قائمة في جعل الأمارة في هذا الحال، فعلى هذا لا يلزم اجتماع الضدين لعدم كون الواقعي فعليا في صورة عدم إصابة الطريق بها، بل يكون انشائيا، فالحكمين و إن كان أحدهما في صورة عدم الاصابة يبعث إلى شي ء و الآخر يزجر عنه، و لكن بعد عدم كونهما في مرتبة واحدة فلا يلزم اجتماع الضدين، لكون أحدهما

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 294

شأنيا و الآخر فعليا، فبهذا النحو يرتفع الاشكال لا بنحو الترتب

[يظهر من ردّ كلام المحقّق الاصفهانى امور ستة]

و يظهر لك أوّلا: أنّ الأحكام الواقعية تصير فعلية بقيام الأمارة عليها عليها أو بجعل الاحتياط في مواردها و يمكن صيرورة الأحكام الواقعية فعلية بما دل على طلب العلم مثل قوله «1» تعالى (فَلَوْ لٰا نَفَرَ الخ) أو ما يدلّ على السؤال يوم القيامة، بعد جواب العبد في مقام الاعتذار عن عدم العمل (باني لم أعلم) بأنّه (هلّا علمت) فمن التحريص على طلب العلم بالأحكام الشرعية يستكشف كون الواقعيات فعليا (و هذا معنى العلم الاجمالى بتكاليف واقعية، و لهذا يجب الفحص عنها و العمل عليها على طبق ما قام عليها العلم أو العلمى).

و

يظهر لك ثانيا عدم كون الحكم الواقعى فعليا إذا لم يصادفه العلم أو العلمي.

و يظهر لك ثالثا بأنّ مقتضى الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري بما قلنا، هو أنّ الأمارة لو صادفت الواقع تكون مؤديها حكما حقيقيا، و إن لم تصادفه ليست مؤديها حكما حقيقيا، بل تكون حكما صوريا لعدم كون مصلحة في نفسها، بل هي حكم طريقي. «2»

و يظهر لك رابعا أنّ الفرق بين التربت في الضد و بين الترتب هنا، هو أنّ

______________________________

(1)- سورة التوبة، الآية 122.

(2) أقول: فمن هنا يظهر لك أنّ تصحيح الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري بنحو الترتب المتقدم ذكره لا يتصور على الطريقية، بل لا بدّ من الالتزام بالموضوعية في الطرق و الامارات، لأنّ معنى الترتب جعل حكم آخر في فرض جهل المكلف بالواقع واجد لمصلحة اخرى غير ما جعل لذات الشي ء أوّلا، و هذا خلاف التحقيق. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 295

التكليف و البعث إليه يكون فعليا، غاية الأمر في رتبة العصيان لا يؤثر بعث المولى و لهذا يحيى الأمر بالمهم لحصول شرطه، فاطلاق الأمر بالأهم محفوظ و يشمل حال العصيان، غاية الأمر لعدم تأثير بعثه نقول: بعدم مانع من تعلق بعث مشروطا بالمهم، و أمّا فى المقام الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي فعلى ما قلنا مع فرض كون إطلاق الحكم الواقعي شاملا لحال الجهل بالنحو المتقدم بيانه، و لكن هذا الحكم في حال الجهل لم يبلغ مرتبة البعث، لأنّ المولى يرى عدم قابلية الحكم للانبعاث، فالقصور ليس من ناحيته، بل يكون من ناحية العبد ففي هذا الفرض أعنى، فرض جهل المكلف، لا يكون الحكم الواقعي فعليا أصلا حتّى يتوهم التضاد بينه و بين الحكم الظاهري

حتّى تصل النوبة في تصحيح الأمر بالحكم الظاهري بنحو الترتب، مضافا إلى بطلان توجيه الترتب لغير هذه الجهة أيضا فافهم.

و يظهر لك خامسا بأنّ ما قلنا من التوجيه في تصحيح الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري يكون في ما يرى الحكم الظاهري في مقابل الحكم الواقعي، و بعبارة اخرى يكون في ما أدت الأمارة أو الأصل على حكم على خلاف الحكم الواقعي، و بعبارة ثالثة تكون مؤدى الأمارة أو الأصل طلب فعل، و الحال أنّ هذا الفعل يكون حراما واقعا أو بالعكس، و بهذا النحو نرفع التضاد المتوهم و نجمع بينهما.

و أمّا إذا كان لسان الأمارة أو الأصل هو التوسعة في الواقعي، بمعنى أنّ ما يكون معتبرا وجودا أو عدما، و مطلوبا أو مبغوضا هو الأعم من الواقعي و الظاهري، و هو مثل ما يكون الحكم الواقعي في مقام بيان دخل جزء أو شرط في المأمور به، و يكون لسان دليل الحكم الظاهري التوسعة في الشرط أو الجزء مثل الطهارة في الصّلاة، فإنّ المستفاد من الحكم الواقعي شرطيتها للصّلاة، و مقتضى قوله

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 296

(كل شي ء طاهر حتّى تعلم انّه قذر) أو استصحاب الطهارة هو كون الطهارة الظاهرية فردا للطهارة، فمعناهما هي التوسعة في الطهارة الّتي شرط في الصّلاة، و بينا ذلك مفصلا في مبحث الاجزاء في الاصول، و في الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري، و قلنا باجزاء الصّلاة الواقعة مع الطهارة الظاهرية عن الواقع، فكل مورد يكون لسان دليل الحكم الظاهري التوسعة في دليل الحكم الواقعى، سواء كان الحكم الظاهرى اصلا أو أمارة، نقول بعدم تعارضهما، و إجزاء الظاهري عن الواقعي، لكون ما اعتبر أعمّ من الواقعي و الظاهري.

يظهر لك

سادسا بأنّه لا يمكن دفع الاشكال في الجهر و الاخفات- المتقدم ذكره من أنّه كيف تقول بصحة الصّلاة الواقعة على خلاف وصفها الواجب لترك الجهر أو الاخفات، و مع ذلك تقولون باستحقاق الجاهل بها للعقاب- بما قاله العلّامة الحائري رحمه اللّه من الترتب على نحو الترتب الّذي قال استاده العلّامة السيّد محمد الاصفهاني رحمه اللّه في مسئلة الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري، لما قلنا لك.

[لا يمكن فى مسئلة الجهر و الاخفات بالتوسعة]

إذا عرفت ذلك كله فهل يمكن ان يقال في مسئلة معذورية الجاهل بالجهر و الاخفات: بالتوسعة بأن يقال: بأنّه بعد دلالة رواية زرارة المتقدمة على عدم وجوب الاعادة على تركهما و تمامية الصّلاة الواقعة بدون الجهر أو الاخفات- بأنّ أصل طبيعة الصّلاة واجبة و اعتبر فيها شرط، و هو كون قراءتها جهرا أو اخفاتا، و بعد ملاحظة صدر رواية زرارة مع ذيلها نكشف من كون طبيعة الصّلاة واجبة و اعتبر فيها شرط، و هو كون قراءتها جهرا أو اخفاتا و واجدة لتلك المصلحة في حال الجهل و إن تكن فاقدة للجهر أو الاخفات، فنقول: بأنّه لا مانع من كون الطبيعة واجدة لمصلحة في صورة علم المكلف إذا أجهر فيها أو أخفي فيها، و تكون واجدة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 297

لتلك المرتبة من المصلحة في حال الجهل و إن أجهر في ما ينبغي الاخفات فيه أو بالعكس.

و لكن قد يستشكل في ذلك بأنّه لو فرض كون الطبيعة واجدة لمرتبة من المصلحة و لو بدون الجهر أو الاخفات في قراءتها كما فرضت في صورة الجهل، فمن أىّ علة اعتبر أحدهما في حال العلم مع فرض كون الطبيعة واجدة لتلك المرتبة من المصلحة بدونهما و هل يكون دخلهما إلّا لغوا. «1»

اعلم

بأنّ في معذورية الجاهل بالجهر و الاخفات يكون اشكالان:

الاشكال الأوّل: إشكال الدور، و هو أنّه إن قلت: بأنّ الجاهل غير مكلف

______________________________

(1)- أقول كما قلت بحضرته مدّ ظلّه العالى: أمّا أوّلا فإنّ ذلك منقوض بما أفدت من هذا النحو من التوسعة فإنّ في الموارد الّتي تقول بالتوسعة- مثل ما إذا كان مفاد الحكم الواقعي جعل الشرطية الواقعية، و لسان جعل الحكم الظاهري كون الشرط أعم من الظاهري و الواقعي مثل (كل شي ء طاهر) بالنسبة إلى شرطية الطهارة الخبيثة في الصّلاة- يرد هذا الاشكال لأنّه يقال مع فرض كون الطهارة أعمّ من الواقعية و الظاهرية واجدة لمرتبة واحدة من المصلحة تكون الطهارة الواقعية واجدة لها، فيكون جعل الطهارة الواقعية حال العلم بها لغوا.

و ثانيا يمكن أن يكون للطهارة الواقعية مرتبة من المصلحة حال العلم، و لا تكون هذه المرتبة في الطهارة الأعم من الواقعى و الظاهرى في هذا الحال، لكن تكون لها هذه المرتبة في خصوص حال الجهل، و هكذا يمكن كون الصّلاة مع الجهر أو الاخفات واجدة لمرتبة من المصلحة في حال العلم لا تكون هذه المرتبة بدونهما في حال العلم، و لهذا أمر المولى بالصّلاة معهما حال العلم بهذا الحكم، و لكن تكون هذه المرتبة من المصلحة في الصّلاة بدون واجديتها للجهر أو الاخفات في حال الجهل بهما، فلأجل هذا لم يشرع للجاهل إلّا الصّلاة الواجدة للجهر أو الاخفات، ثمّ تمّ مجلس البحث و لم يبين مدّ ظله العالى مختارة في ورود هذا الاشكال و عدمه، و قال في اليوم اللاحق). (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 298

بالجهر الاخفات و أنّ هذا الحكم شرّع لخصوص العالم بهذا الحكم، فهذا دور للزوم توقف الموضوع على العلم

بالحكم، و الحال أنّ العلم بالحكم مؤخر عن الموضوع بمرتبتين.

الاشكال الثاني: أنّه بعد ما لا تجب الاعادة و تمت صلاته، فما الوجه لاستحقاق العقاب، لأنّ عدم وجوب الاعادة يكون من باب تحقق الامتثال، و بعد تحقق الامتثال لا وجه لاستحقاق العقاب.

[في جواب السيد البروجردي ره عن الاشكالين فى الجهر و الاخفات]

فنقول بعونه تعالى: أمّا الجواب عن الاشكال الأوّل فكما قلنا في الاصول و ذكرنا في طي كلماتنا السابقة بنحو الاجمال: بأنّه يمكن أن يقال: بأن يكون في مقام الثبوت حكما مطلقا على جميع المكلفين، و يشمل إطلاقه العالم و الجاهل بإطلاقه الذاتي على الجهر في الصّلاة أو الاخفات فيها، و بعد ملاحظة خارجية الجهر و الاخفات من الصدر الأوّل إلى زمان صدور رواية زرارة الدالّة على معذورية الجاهل بحكمهما على ما قلنا من كون عمل المسلمين على الجهر في بعض الصلوات، و الاخفات في بعضها، بحيث كانت الصّلاة منقسمة بقسمين الجهرية و الاخفاتية، بنحو لو كنّا و هذا العمل و لم يفتوا فقهاء العامة على عدم وجوبهما، لم يتخيل أحد عدم وجوبهما، فمع كون خارجيتها على هذا النحو، فمن يتركها لم يكن إلّا من باب الاستناد بقول الفقهاء، فالرواية تدلّ على معذورية الجاهل الّذي يكون تركه مستندا إلى حجّة في نظره.

فمن هنا يظهر لك أنّ قوله في الفقرة الثانية من الرواية (و لا يدري) لا يشمل الشاك لأنّ تركه لا يكون مستندا إلى شكه لأنّ الشاك لو أتى أو يترك يكون من باب آخر كالاحتياط مثلا، لا أن يكون شكه منشأ فعله، و أمّا (لا يدرى) يشمل

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 299

الجاهل لما قلنا من أن الجاهل يكون استناده في تركهما إلى الجهل، فهو حيث يكون جاهلا بحكمهما فمن باب حجة عنده كقول

فقهاء العامة أو غير ذلك يتركهما، فلا مانع من أنّ الشارع جعل لهذا الجاهل حكما ظاهريا، و هو كون الصّلاة الواجبة عليه بلا جهر أو اخفات، فالحكم الواقعي المجعول أوّلا و إن كان مطلقا يشمل العالم و الجاهل بالحكم و لكن حيث إنّه لا يمكن انبعاث المكلف نحوه لجهله، و يكون روح البعث هو الانبعاث فالحكم الواقعي يكون شأنيا و لا يكون فعليا، فجعل الشارع حكما ظاهريا آخر في حقّ الجاهل، فلم يكن دور أصلا لأنّ الحكم الواقعي غير مختص بالعالم بالحكم حتّى يلزم، الدور بل هو حكم يشترك فيه العالم و الجاهل، و لكن مع جهل المكلف يكون حكما غير فعلى و في هذا الحال جعل حكما ظاهريا للجاهل بالحكم، فتكون النتيجة كون الصّلاة في حق الجاهل غير مقيد بالجهر أو الاخفات.

و أمّا الاشكال الثاني فنقول في جوابه: بأنّا لا نسلم كون الجاهل في ما نحن فيه مستحقا للعقاب و إن قاله بعض الفقهاء قدس سرّه، بل و إن قال به جميعهم، حيث إنّ الحاكم في باب استحقاق الثواب و العقاب هو العقل، و ليس مجال لاتفاق الفقهاء او فتواهم أو الاجماع فيه و لا حجية لها، فعلى هذا نقول: لا نسلم استحقاق العقاب، و معه لا يبقى إشكال من حيث التنافى بين عدم وجوب الاعادة و بين استحقاق العقاب.

ثمّ اعلم بأنّ ما قلنا من عدم فعلية الحكم الواقعي لا ينافي مع ما قلنا في محله من أنّ التكاليف الواقعية و إن لم تصر فعليا لعدم إمكان إرادة المولى انبعاث العبد نحوها لجهله بالبعث، و لكن يمكن أن يريد المولى انبعاثه نحو هذه التكاليف الواقعية المجهولة و يبعث نحوها ببعث آخر من جعل الاحتياط

أو وجوب طلب العلم.

وجه توهّم التنافي هو أن يقال: بأنّ التكليف الواقعي الأوّلى و ان لم يعلم به

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 300

المكلف و لهذا ليس قابلا لأنّ يصير فعليا، و لكن صار فعليا بسبب بعث آخر و هو البعث بطلب العلم، فمن الواضح أنّ وجوبه ليس نفسيا بل يكون تهيئا لأن يصل العبد إلى الواقعيات و احكام المولى، فإذا ترك طلب العلم و ترك لأجله الواقعيات يعاقب على الواقعيات لأنّها صارت بسبب الأمر بطلب العلم فعليا لأنّه فهم العبد من وجوب طلب العلم عدم رضى المولى بترك الأحكام المجهولة فبعد ذلك نقول:

بأنّ الحكم الواقعي، و هو حكم الجهر و الاخفات في الصّلاة، صار فعليا و يصح العقاب على تركه.

وجه عدم التنافى هو أنّه و إن قلنا ذلك، لكن بعد دلالة الدليل على معذورية الجاهل و تمامية صلاته الواقعة بلا جهر أو إخفات تكون هذه الرواية مخصصا لما يدلّ على صيرورة الأحكام الواقعية فعلية لكون هذا الدليل خاصا فنخصص به بعض المطلقات الدالّة على طلب العلم الموجب لصيرورة الواقعيات فعلية بسببه و استحقاق العقاب على ترك الواقع، لأنّ مقتضى هذه الرواية كون جهله عذرا، فمن هنا يكشف عدم كون الواقع فعليا في المورد، فافهم.

المقام الرابع:
اشارة

في حكم الجهر بالبسملة في ما يتخفت فيه بالقراءة.

[في ان فى الجهر بالبسملة خمسة اقوال]

اعلم أنّ هنا أقوالا خمسة:

الأوّل: استحباب «1» الجهر بها في ركعتي الأوليين، و كذا في الثالثة و الرابعة لو قرء فيها أيضا مطلقا سواء كان إماما أو غير إمام، و هذا هو القول المشهور على ما ادعى غير واحد.

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 321. جواهر، ج 9، ص 385.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 301

الثاني: استحباب الجهر بها في خصوص الأولتين و أمّا الاخيرتين فلا يستحبّ الجهر بها في شي ء من الصلوات، بل لا يجوز و هذا مختار صاحب السرائر. «1»

الثالث: اختصاص الاستحباب بالامام فقط دون غيره، و هذا محكي عن ابن جنيد. «2»

الرابع: وجوب الجهر بها مطلقا، نسب هذا القول إلى القاضي ابن براج في المهذب «3» و كذا إلى ظاهر الصّدوق رحمه اللّه في الخصال «4» بناء على كون كلامهما يشمل الأخيرتين أيضا.

الخامس: اختصاص وجوب الجهر بها بخصوص الأوّلتين، و هو المحكي عن أبي الصلاح في الكافي. «5»

هذا كله الأقوال في المسألة،

[في ذكر الروايات في حكم البسملة]
اشارة

و أمّا الأخبار.

فالاولى: منها ما رواها صفوان الجمال (قال: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّاما فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر به بسم اللّه الرحمن الرحيم و كان يجهر في السورتين جميعا). «6»

______________________________

(1)- السرائر، ج 1، ص 218.

(2)- المختلف، ج 2، ص 155 عن ابن جنيد.

(3)- المهذب، ج 1، ص 92، الخصال، ص 604.

(4)- المهذب، ج 1، ص 92، الخصال، ص 604.

(5)- الكافى في الفقه، ص 177.

(6)- الرواية 1 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 302

تدلّ هذه الرواية على الجهر استحبابا أو وجوبا على خصوص الامام، و أمّا غير الامام فلا دلالة عليه، و تدلّ على كون جهره عليه السّلام

في الأوّلتين فلا دلالة لها على الأخيرتين لأنّه قال (إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر بالبسملة) و قال (و كان يجهر في السورتين) جميعا، و هذا شاهد على كون نظر الناقل نقل فعله في الأوّلتين لأنّ في الأخيرتين ليست غير الفاتحة سورة اخرى حتّى يقول يجهر في السورتين. «1»

(و لا دلالة لها على كون الجهر بها واجبا أو مستحبا لأنّ الراوي ينقل فعله عليه السّلام و هو كما يساعد مع الوجوب يساعد مع الاستحباب أيضا).

الرواية الثانية: و هي ما رواها حنان بن سدير (قال: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّاما فتعوّذ باجهار، ثمّ جهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم. «2»

لا دلالة لها على الجهر لغير الامام، و حيث يكون نقل الفعل لا إطلاق لها يشمل الركعتين الأخيرتين.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها أبو حمزة (قال: قال علي بن الحسين عليه السّلام يا ثمالي إنّ الصّلاة إذا اقيمت جاء الشيطان إلى قرين الامام فيقول: هل ذكر ربه؟ فإن قال: نعم ذهب و إن قال: لا، ركب على كتفيه، و كان إمام القوم حتّى ينصرفوا، قال:

فقلت: جعلت فداك أ ليس يقرءون القرآن؟ قال: بلى ليس حيث تذهب، يا ثمالي إنّما

______________________________

(1)- أقول: دلالة قوله (و كان يجهر في السورتين) على كون فعله عليه السّلام في خصوص الأوّلتين ممنوع لأنّ الناقل ينقل فعله و أنّه يجهر بالبسملة في كل من السورتين، و أمّا انحصار كون قرائية في كل ركعة بالسورتين فلا يدلّ عليه، بل يمكن أن يكون نظره إلى أنّ متى يكون محل قراءة السورتين يجهر بالبسملة فيها. (المقرر)

(2)- الرواية 3 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 303

هو الجهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم. «1»

تدلّ على مطلوبية جهرها للامام و لا إطلاق لها يشمل الأخيرتين لو قرء فيهما إن لم نقل بظهورها في الأوّلتين لانه قال فيها (إذا اقيمت جاء الشيطان).

الرواية الرابعة: و هي ما رواها اعمش عن جعفر بن محمد عليه السّلام في حديث شرايع الدين (قال و الاجهار ب بسم اللّه الرحمن الرحيم في الصّلاة واجب). «2»

و أعمش عامي، و هذه رواية من روايات كتاب يسمى بشرائع الدين، و أمّا دلالتها فباطلاقها يشمل الامام و المأمور و المنفرد، و يحتمل شموله للركعتين الأخيرتين، و يأتى الكلام فيها أيضا بعدا.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون (قال: و الاجهار ب بسم اللّه الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنة). «3»

و هي مطلق من حيث الامام و المأموم، و يحتمل اطلاقها للاولتين و الأخيرتين، و لفظ سنة قابل للحمل على الاستحباب.

الرواية السادسة: و هي ما رواه رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا عليه السّلام (أنّه كان يجهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل و النهار). «4»

و حيث أنّها نقل الفعل فقدر المتيقن منها هو الأولتين و صورة كونه إما ما

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 304

لاحتمال كونه عليه السّلام يصلّي صلاته الفريضة جماعة و هو الامام، و كان جهره بها في خصوص

الأوّلتين.

الرواية السابعة: و هي ما رواها أبو حفص الصائغ (قال: صلّيت خلف جعفر بن محمد يجهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم. «1»

و هذه الرواية لا تدلّ إلّا على نقل الفعل و جهره عليه السّلام و هو كان إماما، فتدلّ على خصوص الامام و لا إطلاق لها يشمل استحباب الجهر في الأخيرتين من الصّلاة، فقدر المتيقن منها الأوّلتين.

الرواية الثامنة: و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه باسناده عن الحسين بن سعد عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن صفوان (قال: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّاما فكان يقرأ في فاتحة الكتاب به (بسم اللّه الرحمن الرحيم فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر به (بسم اللّه الرحمن الرحيم و أخفي ما سوى ذلك). «2»

و نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه هذه الرواية في الباب 57 من أبواب المذكورة حديث 2، و لكن يرى في هذا النقل بأنّ سند الرواية ينتهي إلى صفوان، و هو يروي عن عبد الرحمن بن أبي نجران بعكس ما نقل في الباب 21، و هذا غير صحيح و المراجع بالتهذيب يرى أنّ الصحيح هو النحو الّذي ذكره في الباب 21.

و على كل حال لا تدلّ هذه الرواية إلّا لخصوص الامام، لأنّ الراوي ينقل فعله عليه السّلام و الحال أنّه يؤم الناس، و لا تدلّ على استحباب الجهر في الأخيرتين لعدم

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 57 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 305

إطلاق لها، بل ربما يقال: بأنّ ظاهرها خصوص الأوّلتين لتعبيره فيها (فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ب بسم

اللّه الرحمن الرحيم و اخفي ما سوى ذلك) و هذا التعبير لا يناسب إلّا باعتبار الأوّلتين.

الرواية التاسعة: هي ما رواها سليم بن قيس الهلالي (قال خطب أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متعمدين لخلافه، و لو حملت الناس على تركها لتفرق عنّي جندي، أ رأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الّذي كان فيه (إلى أن قال) و حرمت المسح على الخفين، و حددت على النبيذ، و أمرت باحلال المتعتين، و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، و ألزمت الناس الجهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم (إلى أن قال) إذا لتفرقوا عني الحديث). «1»

الرواية العاشرة: الرواية المعروفة ذكر في تفسير، و عدّ فيها من علامات المؤمن الجهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم.

هذا كله الروايات في المسألة.

إذا عرفت ذلك نقول: ينبغى قبلا ذكر مقدمة مفيدة في فهم الحق في المسألة، و هي أنّ الشّيخ رحمه اللّه قال في الخلاف «2» مسئلة: يجب الجهر به بسم اللّه الرحمن الرحيم في الحمد و في كل سورة بعدها كما يجب بالقراءة، هذا في ما يجب الجهر فيه، فإن كانت الصّلاة لا يجهر فيها استحب أن يجهر به بسم اللّه الرحمن الرحيم و إن جمع في النوافل بين سور كثيرة وجب أن يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم مع كل سورة، و هو

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 38 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 331- 322.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 306

مذهب الشافعي إلّا أنّه لم يذكر استحباب الجهر في ما يخفى فيه بالقراءة، ذكر ذلك في البويطي و في

اختلاف العراقيين، و ذكر ابن المنذر عن عطاء و طاوس و مجاهد و سعيد بن جبير أنّهم كانوا يجهرون به بسم اللّه الرحمن الرحيم و روي مثل ذلك عن ابن عمر، و أنّه كان لا يدع الجهر به بسم اللّه الرحمن الرحيم في أمّ القرآن و السورة بعدها، و ذهب أبو حنيفة و سفيان الثوري و الأوزاعي و أبو عبيدة و أحمد إلى أنّه يسرها و قال ما لك: المستحب أن لا يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم و يفتتح القراءة بالحمد للّه رب العالمين. «1»

[فى المستفاد من الروايات الواردة فى الباب]

و اذا تأملت في ما ذكرنا يظهر لك بأنّ ما هو المفتي به عند أكثر العامة، بل كلهم هو عدم وجوب الجهر به (بسم الرحمن الرحيم) في الجهرية، فالامامية في قبالهم ملتزمون بوجوب الجهر بها في الجهرية، فإذا ظهر لك وضع البسملة عند العامة من تجويز بعضهم، تركها رأسا (و من تجويز الاجهار بها و الاسرار بها من بعضهم و من الحكم بالاسرار بها من بعضهم) نقول: بأنّه يظهر لك بأنّ المحتمل بل القريب كون الرواية الرابعة و كذلك التاسعة ناظرتان إلى ما يكون به عمل العامة و فتواهم من التزامهم بعدم وجوب الجهر بها في الجهرية، فإن قوله عليه السّلام و الاجهار به (بسم اللّه الرحمن الرحيم) في الصّلاة واجب، كما في الرواية الرابعة، يكون ناظرا إلى بيان

______________________________

(1)- أقول: و قال العلّامة رحمه اللّه في التذكرة عند التعرض للمسألة: و قال الشافعى: يستحبّ الجهر بها قبل الحمد و السورة في الجهرية و الاخفاتية، و به قال عمرو بن الزبير و ابن عباس و ابن عمرو و أبي هريرة و هو مذهب عطا و طاوس و سعيد بن جبير

و مجاهد، و هو موافق لقولنا في الاخفاتية و قد بيّنا وجوب الجهر في الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة و أحمد و أبو عبيد لا يجهر بهما بحال (إلى أن قال) و قال النخعى جهر الامام بها بدعة و قال مالك: المستحب أن لا يقرئها، و قال ابن أبي ليلى و الحكم و إسحاق: و إن جهرت فحسن و إن اخفت فحسن. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 307

وجوب الجهر بها في الجهرية و بيان بطلان ما يعمله العامة، و كذلك قول علي عليه السّلام:

و ألزمت الناس الجهر به بسم اللّه الرحمن الرحيم و بيان ردعه الناس عما بدعه الخلفاء الجور لو لا خوف التفرق، كان في قبال تركهم العمل بما وجب اللّه من الجهر بها في الجهرية.

فعلى هذا لا مجال للاستدلال بها على وجوب الجهر بها في الاخفاتية، و لا حاجة في ذكر توجيه الرواية الرابعة بأنّ المراد من الوجوب الثبوت، و من الرواية التاسعة بأنّه لو كان الجهر واجبا لما كان إلزامه عليه السّلام مستندا إلى بدعة السابقين «1» فعلى هذا بعد التوجّه إلى فتوى العامة يحتمل أقلا كون النظر في الروايتين إلى وجوب الجهر بها في الجهرية لا إلى وجوب الجهر بها في الاخفاتية «2»

[في ان قدر المتيقن من الرواية الاولى و الثانية و السادسة و السابعة و الثامنة هو الامام]

إذا عرفت حال

______________________________

(1)- أقول: و الحال أنّ المستفاد من الرواية هو أن لفظ (ألزمت) و غيرها يكون فعل المتكلم المفرد المؤنث حتّى كانت المعنى: أنّ الولاة ألزموا الناس بالجهر، بل المراد أنّه لو أنا الزمت و فعلت كذا و كذا لتفرق عنى جندي، فعلى هذا ليس الاستناد إلى الولاة حتّى يقال: بأنّ الولاة أوجبوا الجهر بها لا أنّ الجهر واجب. (المقرر)

(2)- أقول: و هذا من إفاداته

الشريفة أدام اللّه تعالى ظله على رءوس الأنام حيث إنّ الناظر يرى بأنّ جل المتأخرين، بل كلهم وقعوا في الاشكال من حيث الروايتين المتقدمتين، و قال بعضهم: بالآخرة بوجوب الاحتياط بالاجهار بها في الاخفاتية، و لكن الناظر في ما أفاده في المقام يعلم أنّ ببيانه الشريف يدفع الاشكال، و لا يستظهر من الروايتين ما يمكن أن يكون وجها لوجوب الجهر بالبسملة في الاخفاتية، بل الروايتان ناظرتان إلى ما أفاده مدّ ظلّه العالى.

و من هنا يظهر أنّ ما يقول مدّ ظلّه من أنّ الرجوع إلى فتاوي العامة و الاطلاع بأقوالهم مؤثر في فهم الروايات و يؤيد في الاجتهاد و استنباط الاحكام، يكون في محله.

كما قال في المقام: بأنّا و إن كنّا أصحاب النص، و يكون وضع فقهنا في استنباط الاحكام على خلاف طريقتهم، و لا نعمل بالقياس و الاستحسان، بل نعمل بقول اللّه و كتابه و سنة رسوله و الائمة.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 308

الروايتين نقول: أمّا الرواية الاولى و الثانية و السادسة و السابعة و الثامنة لا تدلّ إلّا على نقل الفعل، و القدر المتيقن منها هو الامام و الركعتين الأوّلتين و لا تدلّ على الوجوب، بل يساعد مع الاستحباب، و مثلها الرواية الثالثة لأنّها لا إطلاق لها يشمل الأخيرتين و تدلّ على خصوص الامام، و لا تدلّ على وجوب الجهر، لأنّ ترتب مثل هذه الآثار وقع في الروايات على ترك بعض المستحبات، أو فعل بعض المكروهات.

و أمّا الرواية العاشرة فلا تدلّ على كون الجهر بها مطلقا حتّى في غير حال الصّلاة من علامات المؤمن، و قدر المتيقن منها هو الجهر في الصّلاة، أمّا خصوص الجهر بها في الجهرية، أو الأعم منها و الاخفاتية، أو

في كل منهما على خصوص الامام، أو الاعم منه و المأموم و المنفرد فغير معلوم، و على كل حال لا دلالة لها على وجوبها خصوصا بقرينة بعض المذكورات في الرواية، نعم ان ثبت وجوب الاجهار بها في الإخفاتية فيقال: لا يضرّ عدها في ضمن المستحبات.

و أمّا الرواية الخامسة (و هي ما رواها الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون قال: و الجهار به بسم اللّه الرحمن الرحيم في جميع الصّلوات سنة) فهذه الرواية بعمومها تدلّ على كون الجهر بها في جميع الصلوات سواء كانت جهرية أو إخفاتية سنة لأنّه عليه السّلام قال (في جميع الصلوات) فيعمّ كل صلاة و لا يبعد شمول

______________________________

عليهم الصّلاة و السلام، و لكن بعد كون ائمتنا عليهم السّلام كلّهم مبتلى بالعامة و كانوا في محيطهم، ففهم فتاويهم مؤثر في فهم مرادات الائمة عليهم السّلام، و هذا هو دأب فقهائنا رضوان اللّه عليهم إلى زمن المحقق رحمه اللّه، و الشهيدين قدس سرّه، و بعدهم تركت هذه الطريقة قليلا قليلا، و لهذا انحرف الفقه عن مجراه، و هو مدّ ظله لاطلاعه على هذه الجهات يكون وضعه في الفقه على طريق سوى و منهج مستقيم لم يبلغ بمقامه إلّا الأوحدى، اللّهم احفظه. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 309

إطلاقه الاحوالي منها للامام و المنفرد، و أمّا شمولها للأخيرتين فقد يقال: بأنّ عمومها يشملهما لأنّه قال (في جميع الصلوات) و لكن يمكن منع شمول عمومها للأخيرتين من باب أنّ النظر فيها إلى كون الجهر بها سنة في جميع الصلوات، أعنى: سواء كانت الصّلاة ظهرا أو عصرا أو مغربا أو عشاء أو غداة، و سواء كانت فريضة أو نافلة، و أمّا بعد

كونه سنة في جميع الصلوات ففي أيّ موضع منها يكون سنة هل سنة في خصوص الأوّلتين أو فيهما و الاخيرتين فيمكن منع شمول العموم لغير الأوّلتين و أنّ المتيقن الاولتان فقط وجهان.

و أمّا قوله (سنة) فهي تناسب مع الوجوب و الاستحباب، ففي الجهرية الوجوب سنة، و في الاخفاتية الاستحباب سنة ففي حدّ ذاتها لا ظهور لها لا في الوجوب و لا في الاستحباب.

[الحقّ وجوب الجهر بالبسملة فى الصّلوات الجهرية]

فتكون النتيجة هو أنّ الكلام تارة يقع في الجهر بالبسملة في الصلوات الجهرية و عدمه فالحق هو وجوبه لأنّ ذلك من المسلمات عندنا خلافا للعامة، و بيّنا عبارة الخلاف و التذكرة الدالتين على ذلك، و قلنا بأنّه من المحتمل، بل القريب كون النظر في الرواية 4 و 9 المتقدم ذكرهما بهذه الجهة، و تارة يقع الكلام في وجوب الجهر أو استحباب الجهر بالبسملة في الصلوات الاخفاتية، و قلنا في هذا المقام بعدم دليل على وجوب الجهر بها، نعم يستفاد من بعض الروايات استحبابه على الامام، و الرواية 5 المتقدمة تدلّ بالإطلاق على شمول الحكم للامام و المنفرد.

فقد عرفت ممّا مرّ أنّ الكلام لا بد و أن يقع في جهتين:

الجهة الاولى: في حكم الجهر بها في الجهرية، و لم ير تعرض لهذه الجهة في الجواهر و المصباح.

الجهة الثانية: في حكم الجهر بها في الاخفاتية، و تعرضنا لكلا الجهتين

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 310

و أمضينا الكلام فيهما بحمد اللّه تعالى.

فرع: هل يستحبّ الجهر بالبسملة للمأموم المسبوق أيضا أم لا؟

اعلم أنّه بعد كون صلاة الجماعة بحسب الشرع على ما يستفاد من أحكامها و وضعها، هو متابعة المأمومين للامام، و كون كل منهم على وضع واحد، فمن وضعها يظهر أنّ اقتضاء الجماعة هو عدم ظهور

عمل على خلاف الامام إلّا في ما استثنى فعلى هذا مع عدم الاطلاق لما دلّ على استحباب الجهر بالبسملة يشمل المورد، لا وجه للالتزام باستحباب الجهر بها في المورد، خصوصا مع منافاته لوضع الجماعة لاقتضائها كما قلنا لمتابعة المأموم للامام، و عدم ظهور فعل منه على خلاف تبعية، و الجهر بها للمسبوق على خلاف، لأنّ الامام يخفت في الركعتين الأخيرتين من الصّلاة. «1»

الموضع الثاني عشر: هل الموالاة في القراءة شرط في صحتها أم لا؟
اشارة

و المراد بالموالاة كما يظهر من بعض الكلمات، هي أن لا يفصل بين أبعاض القراءة بسكوت معتد به، أو كلام مغاير عدى ما ورد الدليل على جوازه كسؤال الرحمة و غيره.

إن كان الوجه في اعتبارها فيها هو ما يقال: من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يوالي في قراءته، فيجب التأسي بفعله لقوله (صلّوا كما رأيتموني اصلّي).

[لا يكون فعل النّبي ص دالا على لزوم الموالاة]

ففيه أنّ مجرد ذلك لا يكون دليلا على الوجوب، لأنّ فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلّه كان من باب العادة، لأنّ بحسب العادة من يشرع في أمر أو عمل يتمه و لا يفصل بينه بشي ء، و لكن ليس ذلك من باب دخل عدم الفصل في القراءة عنده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قوله (صلّوا كما

______________________________

(1)- أقول: إنّه إن كان لما دل على استحباب الجهر بها إطلاق، فلا وجه لما أفاده مدّ ظلّه من منافات ذلك مع وضع الجماعة، لأنّ مجرد ذلك لا يوجب تقييد الاطلاق، و إن لم يكن له إطلاق فيكفي في نفي الاستحباب عدم الدليل عليه، نعم يمكن دعوى منع الاطلاق. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 311

رأيتموني أصلّي) لا يستفاد منه اعتبار الموالاة في القراءة، لأنّه ليس ناظرا إلى هذا الحيث لكون النظر فيه إلى إتيانها على نحو صلّى من جامعيّتها للأجزاء و الشرائط، و لا يمكن اجرائه مجرى العادة.

و إن كان الوجه في اعتبارها ما قال في المصباح «1»: من أنّ المتبادر من أوامر القراءة في الصلوات و لو بواسطة المناسبة المغروسة، هو الاتيان بها بنحو يعدّ في العرف مجموعها قراءة واحدة، فالفصل بينها بكلام أو سكوت مخلّ بصحتها لدى العرف.

ففيه أنّ استفادة الموالاة

بالمعنى الّتي ذكرها في القراءة، و كون ذلك متبادرا من الأمر بالقراءة، مشكل مضافا إلى أنّه إن كان الوجه في اعتبارها هو الوجه الأوّل فهو يدلّ على اعتبار الموالاة في الصّلاة لا في خصوص القراءة منها.

الى هنا تمّ الجزء الخامس من كتاب تبيان الصّلاة بحمد اللّه و منّه و به تم احكام القراءة في الصّلاة و يتلوه الجزء السادس فى احكام بقية افعال الصّلاة مع قواطعها.

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 313.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.